|
أين تتجه الإمبراطوريات الحالية
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 21:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عصر صراع الكارتيلات الاقتصادية، وسمات الحرب العالمية الثالثة: حصول روسيا على الدرونات الإيرانية، خلقت احتمالية لجوء بوتين إلى طلب المساعدات العسكرية من الصين؛ وهي التي تملك أسلحة تكنولوجية عالية التقنية، لذلك يرجح أن تكون زيارة المستشار الألماني مخططة على المستويين الأوروبي والناتو مع أمريكا، خاصة بعد عودته من الصين؛ والمكالمة التي جرت بينه وبين جو بايدن، وإصدار التصريح من البيت الأبيض، والذي تم التأكيد على أن ألمانيا مستمرة مع أمريكا في دعم أوكرانيا بكل إمكانياتها الاقتصادية، رغم تأثر أسواقها وشعبها الواضح من الحرب. الدول الأوروبية خلافاتها وتحالفاتها مع أمريكا متنوعة، فبعد بقائها تحت هيمنتها غير المباشرة منذ الحرب العالمية الثانية، ومشروع المارشال، استطاعت أن تعيد سيادتها على خلفية الإتحاد الأوروبي، ومعها عادت لها الثقة بالذات، أو تجاوزت الهيمنة الأمريكية المطلقة، وهو ما أدى إلى أمتعاض إدارة البيت الأبيض، وظهرت بشكل جلي في عهد دونالد ترمب، والمؤدي إلى دعم خروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية بشكل غير مباشر، وحاولت روسيا الطعن في حكومة المحافظين لئلا تنجح انتخابات الخروج من الإتحاد، ورغم إن أمريكا تبين في العلن امتعاضها من القرار البريطاني، إلا إن الواقع عكسها، بعكس روسيا التي ترى في وحدة أوروبا واستقلاليتها لقراراتها أضعاف للهيمنة الأمريكية، وهو ما سيؤدي إلى أن توسع علاقاتهما الاقتصادية -السياسية. وعلى المنحى ذاته بدأت اليابان وكوريا تتعاملان مع الولايات المتحدة الأمريكية بأبعاد اقتصادية مغايرة لمراحل القرن الماضي، حتى ولو كانت على مستوى الشركات الكبرى، وهو ما دفع بإدارة ترمب مواجهتهما بعقوبات تجارية ورفع سقف الضرائب الجمركية إلى أقصى الحدود، مستفيدة من قوة السوق الأمريكية قبل ضخامة قوة شركاتها، والإستراتيجية ذاتها هي التي دفعت به إلى أضعاف الناتو وكان ذلك ضعف لأوروبا وبالتالي ستظل أمريكا عرابة الدفاع عنهم. وعلى خلاف العلاقات الأمريكية مع روسيا وأوروبا، كلما تعمقت علاقاتها مع الصين ازدادت رهبة الشركات الأمريكية وتفاقم الرعب في إداراتها السياسية، لإدراكهم، واستنادا على بنية الصين الاقتصادية المتنامية والديمغرافية المرعبة، إنها المنافسة الأكثر حضورا لمصالح أمريكا في العالم وعلى وجودها كإمبراطورية، المتمتعة لعقود بمركز القطب الواحد، خاصة، وهي ومنذ أكثر من عقدين، أي بعد تحويل الصين لإستراتيجيتها الاقتصادية بشكل واسع بعد مرحلة البريسترويكا الكرباتشوفية، بدأت تغزوا الأسواق الأوروبية وموانئها بشكل ترعب أوروبا وأمريكا معا. فإلى جانب ما نوهنا إليه عن أسباب زيارة المستشار الألماني يجب أخذه هذه المعادلة بالحسبان، وهو ما دفع بالإعلام الألماني على القول أن الزيارة تخص العلاقات الاقتصادية الألمانية-الصينية، ولا علاقة للوحدة الأوروبية بها، علما أن هناك دعاية غريبة تنتشر بين الشعب الألماني مفاده أن ألمانيا ستصبح جزء من الصين، خاصة بعدما تسربت قضية صفقة شراء الصين لميناء هامبورغ. يفهم من هذه التحركات الدبلوماسية العسكرية، أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال الإمبراطورية المهيمنة على العالم، حتى ولو أنها بدأت تخسر بعض مواقعها، لكنها تملك القدرة على تسيير دفة الصراع العالمي من الهيمنة العسكرية-السياسية -الاقتصادية إلى الهيمنة الاقتصادية وتكنلوجيا العصر للشركات التي بدأت تتحكم في مسيرة التطور العالمي ومنها الأمريكي، وأن روسيا والصين أو دول البريكس لا يبحثان عن الظهور كقطب منافس بقدر ما يهمهم الحفاظ على مصالحهم، أو فتح المجال لشركاتها بالنمو والتمدد الخارجي والحفاظ على بعض الاستقلالية لشركاتها، والتي تفرضها عليهم جدلية التطور الاقتصادي على بنية تكنولوجية عصر الإنترنيت، وحيث زوال الجغرافيات أمام توسع الشركات العالمية، والتي جلها أصبحت شركات ذات سمات عالمية قبل أن تكون قومية، مصالحها تندمج وتتعارض خارج مصالح الإدارات السياسية للصين وأمريكا وروسيا وأوروبا واليابان والهند وكوريا الجنوبية بل ودول من الدرجة الثانية كتركيا والسعودية وباكستان والبرازيل وغيرهم. والحروب الكبرى الجارية، والمحتملة أن تظهر في شرق أسيا، هي من متطلبات التطور العالمي الاقتصادي، قبل أن يكون صراع سياسي أو خلافات إيديولوجية كما كانت الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفيتي سابقا، أو التي أدت إلى الحربين العالميتين، وكثيرا ما تقف الحوارات الدبلوماسية والعلاقات السياسية عاجزة عن الإتيان بحلول مناسبة، لأن مصالح الشركات الرأسمالية إن كانت منابعها أنظمة أو إدارات عالمية تفرض شروطها، وهي مرتبطة بغياب هيمنة إدارات الدول الكبرى، إي الإمبراطوريات السياسية-العسكرية-القومية، وظهور الإمبراطوريات الاقتصادية، وهو ما كان دونالد ترمب يعمل لأجلها، أو كان من أحد الذين تم تسخيرهم لتشييدها، وغيابه سهل توجه بوتين في الاتجاه الخاطئ، فلا نستبعد أن يكونا من بين أدوات الكرتيلات التي تدير دفة الاقتصاد العالمي، والتي كانت تسمى في السابق المافيا العالمية، أو الماسونية العالمية. البشرية خرجت من أحضان ما سمي بصراع الحضارات، المصطلح الخاطئ، والذي عكس ضحالة فكرية، بتغييبه الصراع الحقيقي، الصراع بين الإمبراطوريات العسكرية السياسية، ووقفت بالضد منها المنظمات الحضارية، أي أن الصراع كانت بين الإمبراطوريات وليس صراع بين الحضارات، لتدخل، أي البشرية، في مرحلة صراع الإمبراطوريات الاقتصادية، أي كارتيلات الشركات الرأسمالية العالمية، وهي لا تختلف كثيرا عن كارتيلات المخدرات في منتصف العقود القرن الماضي، وعلى الأرجح مرحلة الصراع العصري هذا قد تمتد لعقدين وأكثر، وستخمد مع الزمن، لأنها لن تتمكن من التطور والاستمرار بدون المساهمات المتبادلة، بعكس ما كانت عليها الإمبراطوريات العسكرية-القومية أو السياسية، وخير مثال ما أصابت شركات السيارات في العالم والتي تأثرت بها جميعا وبدون استثناء. ولا يعني هذا أن الصراع البشري المدمر سينتهي، بل ستأخذ أوجه جديدة، وأساليب مختلفة، قد تكون على شبكات الإنترنيت، والتي بينت عن دمارها الكارثي على الاقتصاد العالمي، وعلى راحة الإنسان ومعيشته اليومية، بدرجات تجاوزت ما فعلته معظم الحروب، رغم أنها لا تزال في البدايات، فهذه بإمكانها أن تخلق أوبئة عالمية مرعبة ودمار شامل في البنى التحتية الرئيسة، وبالتالي كوارث في معيشة البشر، والتي لا يمكن أن تحدها الجيوش والجغرافيات السياسية. والغريب أن القوى السياسية الكبرى تنجر إلى المرحلة وتخسر قدراتها، وبعد عقدين أو أكثر ستصبح عاجزة أمام قادة كارتيلات الشركات الرأسمالية، فبوادر تحولها من آمرة إلى أدوات بيد الكارتيلات الرأسمالية أصبحت واضحة، فكثيرا ما يقال أن الإدارة الأمريكية ليست بأكثر من واجهة لقوى تدير أمريكا في الخفاء، ومثلها أوروبا ورغم مقاومة الإدارات الحاكمة في روسيا والصين، إلا أنها بأحزابها تنجرف إلى الجدلية ذاتها بشكل أو أخر، وبالتالي فالبشرية أمام طفرة ونقلة نوعية من مرحلة تاريخية إلى أخرى ظهرت القليل من بوادرها وسماتها حتى الأن، والحروب الكبرى الجارية أو التي ستحدث؛ هي بداية النهاية للمرحلة الكلاسيكية من التطور البشري.
د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 7/11/2022م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين تتجه الحضارة الحالية 1/2
-
أيننا من النقد البناء؟
-
العابثون في حراكنا الثقافي الكوردي
-
الائتلاف الوطني السوري-التركي
-
هل الإمبراطورية الأمريكية بحاجة إلى ظهور كوردستان
-
عفرين أيقونة غربي كوردستان
-
لماذا فشلت المخابرات المركزية الأمريكية في دمشق وانتصرت في غ
...
-
لماذا خسرت ال سي أي أيه في دمشق وانتصرت في غربي كوردستان - ا
...
-
فقط نحن الكورد
-
تفضيل مناهج البعث على المناهج الكوردية
-
كيف تعقدت القضية الكوردستانية؟
-
محاضرتي ضمن فعاليات مجموعة ريبين
-
الائتلاف الوطني السوري ودعاية الخروج من تركيا قبل رأس السنة
-
متى ولماذا ظهرت الدول العربية؟
-
البعد القومي لدى العلامة (محمد كرد علي)-الجزء الأخير
-
البعد القومي لدى العلامة (محمد كرد علي ) -3
-
البعد القومي لدى العلامة (محمد كرد علي) 2/3
-
البعد القومي لدى العلامة (محمد كرد علي)1/3
-
من غياب المصداقية إلى التحريف الممنهج لتاريخ الكورد في الجزي
...
-
من غياب المصداقية إلى التحريف الممنهج لتاريخ الكورد في الجزي
...
المزيد.....
-
أحدث كتلة لهب هائلة أضاءت الليل.. شاهد لحظة انفجار صاروخ -سب
...
-
-مأساة أمريكية“.. بروس سبرينغستين غير منسجم مع الوضع السياسي
...
-
مصمم الأزياء رامي العلي: هذه القطعة يجب أن تكون في خزانة كل
...
-
وزنه يفوق طنين ومداه يصل إلى 2000 كلم: ما هو صاروخ -سجّيل- ا
...
-
مسؤول إيراني يرد بقوة على ترامب: لا أحد يستطيع تهديد طهران و
...
-
الحكومة الإيرانية تعلق صور القادة العسكريين القتلى إثر الهجم
...
-
بلاغ للنائب العام: وفاة سبعة محتجزين بقسم العمرانية في أقل م
...
-
وسط صمت حكومي.. إسرائيل تفرض أمر واقع جديد في الجنوب السوري
...
-
رئيس ديوان المستشارية يؤيد ميرتس ويؤكد دعم ألمانيا لإسرائيل
...
-
محافظة دمشق ترد على ما يشاع حول الأعمال الإنشائية على سفح جب
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|