أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تتمة للمقتطفات 2















المزيد.....

تتمة للمقتطفات 2


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 7417 - 2022 / 10 / 30 - 02:35
المحور: الادب والفن
    


في الحقيقة ليست مقتطفات، بل هي رواية كتبت بضمير المتكلم، أنشر نصوصها بضمير الغائب بشكل يفرض تغيير الكثير منها

"مكلف أن يزورك بورجوازي من الأقارب"، هكذا يقول عُمر، يتعجب من والده المتقشف في كل حياته العامة ولكن حين يأتي قريب مدني يتدفق كرمه، يذبح أسمن الأغنام او أسمن المعز وتصبح الزيارة فرح أو عيد للأسرة كلها، اما زيارات الأقارب الفقراء فيعتمد الترحاب بهم بكمهم، كلما كبر الكم كبرت الأضحية ، (أقصد كلما كبر عدد الضيوف كبر حجم الأضحية) وكلما قل قل وزن الأضحية، في حالات فردية، زائر اتى به الطريق، أقصد زيارة غير منتظرة، يذبحون ديكا بلديا (إيكولجي بلغة العصر) أو يستعملون أي لحم متاح من السوق الأسبوعي،او ديك هندي كبير الحجم بحسب درجة الفقر عند الزائر وبشكل عام تكون الزيارة مكلفة بهذا الشكل او ذاك أما إذا زارهم الغني أو حتى مجرد موظف في السجلات العدلية، اي موظف صغير يفوقه عُمر في الدراسة فالمعيار يختلف: اضحية بحجم تكفي جماعة من الفقراء مع ذلك، يرى عُمر، ان للأمر مبرراته، الموظف الصغير يمكن أن يحل مشكلة كبيرة لوالده، مثلا يكره حارس الغابة ولكن على الرغم من صغر هذه الوظيفة من ناحية الأجور يكون ضيفا ذا وزن كبير عند كل الأهالي وليس فقط والد عُمر، إنه يملك اوراق وازنة في عيش البدويين، يمكنه ببساطة أن يغرمك بالشك فقط، يمكنه أن يتهمك بقطع أشجار الغابة قصد جني الحطب او صناعة الفحم وبيعه حتى وإن لم يضبطك لسبب بسيط هو أن كل أهل القرية الصامتة، يفترض فيهم أنهم يسرقون من الغابة شيئا ما للحصول على النقد وكأن النقد لا يأتي إلا من الغابة، غير ان الأمور ليست هكذا تماما، نعم يوجد كل شيء من هذا لكن ليس بالدرجة التي تكتسي تغريم الأهالي، والد عُمر مثلا ينتج اكتفاءه الذاتي من القمح لتغذية أسرته طول السنة، لديه ما يكفيه من التغذية والزرع في السنة المقبلة بغض النظر عن السرقات العائلية من قبيل بيع القمح او الشعير بالخفاء عن رب الأسرة، يعرف والد عمر هذا لكن يتجاهله لتغطية بخله، في هذا الصدد يقول عمر: "والدي بخيل من الناحية المالية، لكن لا يستقيم هذا مع نعته بالبخل لأنه يتصرف وفق جهد جسدي آخر، المال الذي في جيبه وفره لشيء ما او مخطط ما بعد عمل ما، لكن حين اخبره بأنه لدي دورة امتحان بجامعة فاس وعلي أن أسافر، دائما يسألني متى، وحين اخبره بأنه الغد يكفهر وجهه ويقصفني باني متسيب ومكلف وحين اخبره بأن سفري سيكون بعد يومين أو ثلاثة يتنفس الصعداء، يتمتم شيئا في ذاته ثم يجيبني: خذ نعجة كذا وبعها، خذ ما تحتاجه واترك لي الباقي عند والدتك، وأحيانا يقول لك: خذ كذا من القمح او الشعير وبعه، ومعنى هذا انه ليس بخيل بل فقط لا يستطيع أن يمنحك من المال المتوفر لديه ولذلك يغضب ويكفهر حين يكون السفر غدا لأن الأمر سيكلفه جهدا آخر لاسترجاع ما منحه لي وانا أيضا، يقول عمر، أفضل ان أخبره بمسافة من سفري وأبيع أي شيء يريده والدي وآخذ ما يكفي من النقود واترك لهم ما تبقى عكس إذا منحني هو المال من جيبه، إنه يمنحه بالميليميتر". انتهى قول عمر.
وعلاقة بمكانة وظيفة "بوعاري" وتغريماته كما سلفت فرغم أن أسرة عمر لها اكتفاء ذاتي في التغذية بشكل عام مما ينتجونه من الحقول إلا أن الأسرة تحتاج التدفئة من الغابة ولحم الوحوش البرية وهنا يدخل التغريم الافتراضي عند حارس الغابة، إنه موظف صغير يملك سلطة التغريم والحال انه ليس هو من ينفذ عملية التغريم بل جهاز الدرك الملكي، جهاز يغرم وآخر ينفذ عملية التغريم بشكل تنعدم العدالة عند الأهالي خصوصا حين تكون الغرامة متخيلة ولم يحصل فيها ضبط ومع ذلك الأهالي تأقلموا مع الأمر: "إنه المخزن! وهل هناك أكبر منه أو هناك من يستطيع معاكسته؟" هكذا يردد الناس حين تحدث غرامة ما لشخص منهم في الدوار.
وعلى الرغم من انهم أميون فهم يستوعبون هذا التناقض واستضافة حارس الغابة كاستضافة فقيه القرية الذي يكرهه عمر بشكل غريب، مثلا لم يكن ب"تيط إفسثن" (العين الصامتة بالعربية) كتاب او مسجد إلا في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وهو معطى يوظفه عُمر في الجدالات الإسلاموية بين الطلاب حين يقول بأن منطقته لم تعرف الإسلام إلا بعد توغل الاستعمار الفرنسي بالمنطقة ووجود مسجد او كتاب في المنطقة منتصف الثمانينات من القرن الماضي دليل على أن المخزن السلطاني المسلم المالكي لم يكن قبلها متوغلا في المنطقة وهذا لا يعني ان المنطقة لم تكن مسلمة بل بالفعل كانت تقيم الطقوس الدينية حتى قبل وجود او قبل توغل المذهب المالكي المخزني الأندلسي المغاربي، او إسلام الزاوية القريبة منهم والتي يعتقد الكثير منهم ان ضريحها هو لجدهم الأول.
لم تنتهي تخمينات وتأملات عمر حتى جاء عمه حاملا عنقودا من اللحم صائحا: هذا حقكم من "الوزيعة"، كانت عبارة عن قطع لحم مرتبطة ببعضها بخيط من الدوم، صاح عمر في وجهه: "اخفي الأمر، لدينا ضيوف من نوع خاص، لا يجب أن يعرفوا"
منتوجات الريف والبدو ظريفة، إنها تمثل سلسلة من التوظيف التلقائي للمنافع وهذه أمور لا يعرفها أهل المدينة على الرغم من أن أصول قريب عمر ريفية أو بدوية وقصد عمر من إخفاء اللحم ليس من قريبه بل من زوجته التي عاشت كل عمرها في المدينة. الاستفادة من المنافع هي شكل من اشكال التضامن في البادية: موت بقرة مثلا كموت قريب، البعض يبكي لموت بقرة وهذا صحيح ولا علاقة للأمر بالهنود في الهند من عبادي البقر: قيمة البقرة النفعية كبيرة بالنسبة لأسر البادية وموتها كارثي، ولذلك يشترك الناس في البادية في تقليل الخسارة: تذبح البقرة عند احتضارها ويوزع لحمها على باقي أسر القبيلة مقابل نقد مالي يحدد أثناء عملية التوزيع (لوزيعة بالمغربية) وبالطبع فالثمن لا يصل درجة الثمن الحقيقي لكتلة البقرة لكن في الغالب ليس أقل من نصف ثمنها وهنا يطرح الإشكال الصحي بالمعنى العلمي المتداول لكن بالتجربة يعرف أهل البادية سبب الوفاة وغالبا ما تكون بسبب أعشاب "سامة" (وضعت أعشاب سامة بين مزدوجتين لسبب بسيط لا علاقة له بالسم لكن من الناحية الاجتماعية كل عشب قاتل هو سام بالضرورة، على ان المسألة ليست تماما، هناك مواد قاتلة للبقر كالقمح مثلا، بالنسبة للبقر هو مادة غذائية غنية لكن أكل الكثير من حبوب القمح يتسبب في نفخ قد يعرقل عملية التنفس ثم الإختناق ثم الاحتضار، وعموما يعرف سكان البادية الأعشاب التي لها هذه الخاصية ويتجنبون الحقول التي توجد بها هذه الأعشاب، لكن مع ذلك هذا لا يمنع ذبح المواشي الأخرى التي تسممت بالفعل: "العافيت" تقتل السم (النار تقتل السم). وعُمر يتذكر الكثير من المواقف التي أسرته أكلت السم دون أن يحصل لها مرض، يتذكر دجاجة انتفخت بسبب أكل قطعة خبزمسممة وضعت للفئران وحين ذبحوها اختلفوا فيها بين من اكل من لحمها ومن تعفف.
وطبيعي جدا أن لا يسمح عُمر لعمه بالصياح: هذا حقكم من بقرة فلان!
لقد قفز ليغطي بجسمه عنقود اللحم ولما رأى ان أطفال قريبه المدني شاهدوا الأمر تعذر بكونهم ذبحوا اليوم بمناسبة زيارة القريب وأمر قريبه ان يمنح الحق من البقرة لناس آخرين.
تنبهت "رحمة" زوجة قريب عمر للأمر بسبب نميمة الأطفال فبدأت تسأل زوجها في العودة إلى مدينتها، لكن زوجها كان عنيدا:
ــ لقد جئنا لقضاء عطلة وليس لزيارة خفيفة وانا لدي رغبة في ممارسة أمور تشوقت إليها
ــ لكن الأطفال يقولون أشياء غريبة!
ــ أعرف تلك الأمور الغريبة، أنا ابن هذه البلدة وأنا لم أزر طبيبا حتى الآن مثلك.
ــ تقصد اني أمرض اكثر منك
ــ عفوا حبيبتي، لا أقصد، اعذريني، زياراتك للطبيب كانت بسبب الحمل او الولادة
خمن عمر في نفسه: "يا ابنة الكلبة، أمي ولدت قبيلة من إخوتي ولم تزر طبيبا لا في الحمل ولا في الولادة!".



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنسنة قبل البحث عن كوكب آخر
- حديقة جوزيف بوريل
- مقتطف من رواية لم انشرها
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين
- الحرب هي الحرب...!
- أسلمة الفيزياء
- ضربتني بالكيماوي!
- أعياني أني أرث شوقك في دواخلي
- موسم صيد الكلاب
- رحلات الموت من جنوب الصحراء
- البن والشاي في المغرب
- حوارات سوريالية 2 (تتمة)
- حوارات سوريالية
- مشكل الصحراء الغربية
- نافذة على واقع الإعلام المغاربي
- قليل من الهدوء : حول الأزمة المغربية التونسية
- من ذاكرة جبل عوام 2
- قضية الصحراء بين الابتزاز الغربي والتشتت المغاربي
- من ذاكرة جبل عوام
- تيط أوسردون (عين البغل)


المزيد.....




- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - تتمة للمقتطفات 2