أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - في ظِلالِ النَّص احافير في الحب














المزيد.....

في ظِلالِ النَّص احافير في الحب


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 7400 - 2022 / 10 / 13 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


تَتَّكِئُ بدلالٍ على زِنْدِ جبل صنِّين، تَلْتَحِفُ سَفحهُ الشرقي، تُيَمِّمُ وجْهَها شطرَ الشمش. كَفَلْقِ الرُّمانِ إحمرارُ قرميدِها، تغفو على خريرِ وادي البَردوني الظليل، عروسُ البِقاعِ اللبناني وعاصمته، أمُّ الكرمةِ، جارةُ الوادي، وتَوأمُ مدينة الشمس بعلبك. زحلة، نموذجٌ للمدنِ العربية التي أحِبُّها وزُرتُها مِرارا وتكرارا، كمسرى رسول الله بيتِ المقدس، وأرض الرافدين في عراقنا العظيم، والشام نبع الياسمين والجوري، ووادي النيل كنانة العرب، والمغرب العربي ومنابت العلماء والتصوف، واليمن السعيد وقهوته الساحرة، وبلاد الحجاز منبت النبوة والإيمان.
زُرتُ جُلَّ دُوَلِ العالم لكني لم أجد بلدا أجمل من وطنِ العرب. زحلة جنة البردوني في لبنان، دُرةٌ من دُرَرِ المُدُنِ العربية. لا يختلفُ إثنان على تميزها وفرادتها شكلا ومضمونا، مهبط الكثير من شياطين الشعروالإلهام . فيها تسهرُ مع الأخطل الصغير وأمير الشعراء أحمد شوقي، وتتمايل طربا مع فيروز ومحمد عبد الوهاب.
الى هناك دعتني ذات صيفٍ رفيقةٌ بعلبكية، لتناول طعامِ العشاء برفقتها. وصلنا مُبتَغانا مع شمسِ الأصيل، تجولنا على غير هدى سَيْراً على الأقدام ، بين مقاهي وادي العرائش النابتة على ضفافِ البردوني. على وقع خُطانا المُتَسَكِّعَةِ، نَبَشنا وبَحْبحشنا الكثيرَ من مطاميرِ الذاكرة المُشتركة، المُكْتَنزة بالكثيرِ من تضاريسِ زمنِ النضال الجميل، بِطُهر البدايات ونواياها، بوصلتها، قِواها، وأداؤُها وخطاياها. إستذكرنا الكثيرَ من مُطارَداتٍ للعدو شارَكْنا بها معاً، في كل مكانٍ كانت تَطاله قِوانا آنذاك.
مع دفقٍ مُتَّصِلٍ من قهوةِ صديق العمر المرحوم بإذن الله محمود معتوق المضبوطة، تَبِعتْ عشاءً زحلاويا، لامَسَتْ أسماعَنا تقاسيمُ الأطرش ألتي يستهل بها رائعته أول همسه، تَلَوتُ لها نَصَّا منْ نصوصي النثرية. ما أن إنتهيت منه حتى سارَعَتْ بِشَفَتَيْها وعَيْنيها، تُشاغِب كعادتها وهي صبية، همزاً ولَمْزاً وكأنها تسأل: لِمنْ تكتبْ؟! وعمَّنْ تَكْتب أيها الشيخُ الهَرِم؟!
قلت مُجيبا وبسمة الواثق المستبد: الكتابةُ كشكلٍ إبداعي في أيٍّ من الأجناس الأدبيّة، نابعٌ في الأساس يا رفيقتي من إستجابةٍ داخليةٍ، بتشكلاتِها المعرفية الكثيرة، لِمُعطى في الواقع المُعاشِ أو المُتَخيَّل، وهو جزءٌ حقيقيٌّ وأساسيٌّ من القلق المشروع للكاتب، حيال التّعبير عن نفسه وعن أفكاره وجوانياتها.
قالت وهي تُحدِّقُ في عينيَّ بعينينٍ مُمْتلئتين فرَحا مُبتسما: لا يستطيع الكاتبُ أن يُنكرَ حقيقة أنّ النّص لا يتشكّل من داخله، إلاّ فيما يخصّ التّخومَ الأساسيّةِ للجنسِ الفنّي، أمّا مُعطياته ودوافعه وأفكاره، بل ومحركات ولادته ، هي على إتّصالٍ مُباشرٍ بالضّرورةِ مع خارجه. إعترفَ المُبدعُ بذلك أمْ لمْ يعترف. فالكاتبُ معنيٌّ في الأساس في أن يكون في أقرب مسافة ممكنة ممّن يقرأ ما يكتب. مع إيمانيَ العميق بأنّ النّصَّ الإبداعيّ له حياته وسيروراته الخاصّة، ألتي يبدأها منذ إكتماله وإنفصاله عن مبدعه.
ناولتها فنجال قهوتها لإسكتَها برفق، وقلت: لا أكتب هلوساتٍ فضائية. كتاباتي ليست كالفطر بلا جذر، بل وليدة أعماقٍ إنسانية عايشتها، أو سمعتُ عنها، أو رأيتها عن قرب. ألمضامينُ الفكرية لما أكتب تحملُ بالتأكيدِ شيئا من بصمات إدراكي، وظلالِ بعضٍ مما أعتقد، أمّا أفرادها ووقائعها، زمانيا ومكانيا، فهم ليسوا إيَّايَ، هم غرباءٌ عني وعن حياتي المُعاشة، في كل شيء، فأنا لا أكتب عن حياتي الشخصية.
قالت وهي تداري حيرتها وفرحها: طالما أن صاحب النص ليس مُفَسِّرا أو مُعلِّما أو مُعلِّلا لِما يقول ....، وتوقفت دون أن تُكْمِل ما كانت تود قوله
فتابعتُ أنا مُختَتِما: أتفق بالضرورة، مع منْ يظن أن النّص الجميل كرؤية لواقع، هو النّص الذي يُسلس قياده ويصدع لمنظومات إدراك المتلقي، وملكاته وأدواته ومهاراته، وكلها تمكنه من تذوق جماليات النص، وانارة أركانه على إتساعها، تمهيجا لتأويله ووعتبة لتفكيك رموزه، علَّه يجد في النص شيئا من نفسه. جُل النصوص يا رفيقتي، تعج عادة بالكثير من الرسائل المشفرة والوشايات المضمرة والتمويهات المتخابثة.



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل المُتَسَلِّلْ أحافير الحب
- شئ عن الرحيل احافير في الحب
- شئٌ لم يَنتهِ، وشئٌ لم يبدأ بعد! أحافير في الحب
- الحج البايدوني في الشرق ؟ إضاءة على مشهد عربي
- من حكاوى الرحيل إتْرُكْها لِلْصُدَفْ
- روسيا ترسم خرائط جديدة لعالم، متحرر من التبعية الامريكية
- يا ابا الهول ، حاورني عشوائيات في الحب
- والسَّعدُ يَرْحل- لبنان بلا حريرية زيارة جديدة للمشهد في لبن ...
- لكل المؤمنين العاملين للصالحات.. أقول عن مواسم اعياد إخوتنا ...
- أدْنُ مِنِّي في حوار معها
- - السلف الصالح - و- نحن - وبعد، مقاربة نقدية للموروث البشري ...
- سُبْحانَكَ رَبَّي، أقِمْ قيامَتَك إضاءة على المشهد في بلاد ا ...
- لبنان عالمكشوف، قراءة في الصراع
- شويكه سيدة الحكايات – 8 تضاريس التربية والتعليم
- شويكه سيدة الحكايات – الجزء السادس ذاكرة المياه
- الجزء الخامس الذاكرة الزراعية
- شويكه سيدة الحكايات – الجزء الرابع المشهد الزراعي – ذاكرة ال ...
- شويكه سيدة الحكايات – الجزء الثالث الاصول والمنابت
- شويكه سيدة الحكايات – الجزء الثاني معالمها ،ثوابتها ورواسيها ...
- شويكه سيدة الحكايات الجزء الاول من نوافذ على ما قد مضى من ال ...


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - في ظِلالِ النَّص احافير في الحب