بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ
(Abouyasmine Khawla)
الحوار المتمدن-العدد: 7400 - 2022 / 10 / 13 - 04:32
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الفقر في واقع الأمر لا يقتصر فقط على مجرد عدم كفاية الدخل، بل يعني كذلك التعرض للمعاناة والحرمان من السلطة والنفوذ ومن عدم الإحساس بالمشاركة الفعلية في صناعة القرار. وهذا ما يعني أن التصدي للفقر يستوجب الأخذ بعين الاعتبار عوامل كثيرة سياسية واجتماعية وسياسية وثقافية وغيرها. ومشكلة الفقر بالمغرب ذات جذور عميقة في المجتمع، وهي مشكلة بالغة التعقيد نظرا لكونها نتيجة لتداخل عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتاريخية. وتتجلى مظاهر الفقر في المجتمع المغربي من خلال تدهور المستوى المعيشي وسوء الخدمات الصحية وضآلة مستوى النمو الفعلي والحقيقي وزيادة معدل البطالة وتزايد الراغبين في الهجرة بأي ثمن وانتشار ظاهرة التسول وأطفال الشوارع...
إن الفقر في المغرب لم يعد مجرد مشكلة اقتصادية بل أصبح بمثابة محنة وطنية ذات أبعاد تتجاوز مجرد حرمان الفقراء من الحصول على ضروريات الحياة والخدمات الأساسية، بل وصلت إلى حد حرمانهم من الفرص الحقيقية لتحسين أحوالهم.
في هذه الورقة تبرز حقيقية في المغرب بالأرقام الفاقعة للعيون. وإن أساس هذه الأرقام البحث الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط - وهي جهة رسمية بامتياز - حول تقييم التأثير قصير المدى لوباء كوفيد-19 والصدمة التضخمية الحالية على وضعية الفوارق الاجتماعية، والذي شمل 12 ألف أسرة، خلال الفترة الممتدة من 11 أكتوبر 2021 إلى 10 فبراير 2022.
آثار جائحة كوفيد-19 على مستوى معيشة الأسر
في سياق الأزمة الصحية، انخفض مستوى معيشة الأسر بنسبة 2,2 المائة سنويًا بين عامي 2019 و 2021 . فقد انخفض متوسط مستوى معيشة الأسر، المقاس بالنفقات الاستهلاكية الجارية للفرد الواحد ، من 20400 درهم إلى 20040 درهم على المستوى الوطني، ومن 24620 درهم إلى 24260 درهم في الوسط الحضري، ومن 12800 درهم إلى 12420 درهم في الوسط القروي. وحسب القيمة الحقيقية، انخفض مستوى المعيشة بنسبة 2,2 سنويا سنويًا خلال هذه الفترة على الصعيد الوطني، و 2 في المائة في الوسط الحضري، و 2,6 في المائة في الوسط القروي.
خلال هذه الفترة، انخفض مستوى معيشة خمس الأسر ( أي 20 في المائة من المغاربة) الأقل يسرا من 7000 درهم إلى 6860 درهم، أي بمعدل انخفاض سنوي قدره 2,3 في المائة بالقيمة الحقيقية. وانخفض مستوى معيشة خمس الأسر الأكثر يسرا بنسبة 2,5 في المائة ، من 47780 درهم إلى 46620 درهم. أما بالنسبة لـ 60 في المائة من أسر الطبقات المتوسطة، فقد انخفض مستوى معيشتهم من 15730 درهم إلى 15570 درهم، أي بمعدل انخفاض سنوي قدره 1,9 في المائة.
ويظل العمال والتجار والمستغلون الفلاحيون هم الأكثر تضررا من آثار الأزمة الصحية. فحسب الفئة السوسيو - مهنية لأرباب الأسر، انخفض متوسط مستوى المعيشة سنويًا بنسبة :
- بنسبة 3,6 في المائة لدى العمال غير المؤهلين ، من 14130 درهم سنة 2019 إلى 13440 درهم في 2021 ؛
- بنسبة 3,6 في المائة أيضالدى الحرفيين والعمال المؤهلين، من 17850 إلى 16970 درهم خلال
نفس الفترة ؛
- بنسبة 2,8 في المائة لدى التجار والوسطاء التجاريين، من 19920 درهم إلى 19270 درهم ؛
- بنسبة 2,4 في المائة لدى المستغلين والعمال الفلاحيين، من 12950 درهم إلى 12650 درهم ؛
- بنسبة 1,8 في المائة لدى المسؤولين التسلسليين والأطر العليا.
لتحليل الفوارق حسب مستوى المعيشة، يستخدم مفهوم الخمس لتقريب كيفية توزيع نفقات الاستهلاك بين الأسر، حيث
تم تقسيم السكان إلى خمس فئات إجتماعية متساوية من حيث حجم السكان وفقا للقيمة المتزايدة للإنفاق حسب الفرد:
- يشمل الخمس الأدنى خمس السكان في أسفل مقياس النفقات، أي 20 في المائة من السكان الذين لديهم أدنى معدل النفقات وهو (خمس الأقل يسرا)،
- ويمثل الخمس الثاني والثالث والرابع فئات الطبقات المتوسطة،
- ويمثل الخمس الأعلى ( 20٪ من السكان ) الذين يتمتعون بأعلى مستوى من المعيشة (خمس الأكثر يسرا).
تعريف الأخماس:
الخمس الأدنى: الأسر الأقل يسرا (الأكثر عوزا) بمتوسط نفقات سنوية للفرد يقل عن 9188 درهم ؛
الخمس الثاني: بمتوسط نفقات سنوية للفرد بين 9188 درهم و 12853 درهم ؛
الخمس الثالث: ، بمتوسط نفقات سنوية للفرد يتراوح بين 12854 درهم و 17456 درهم ؛
الخمس الرابع: بمتوسط نفقات سنوية للفرد يتراوح بين 17457 درهم و 26418 درهم ؛
الخمس الأعلى: بمتوسط نفقات سنوية للفرد أعلى من 26419 درهم.
وقد لوحظ تغير نمط بنية الاستهلاك ، إذ تم تسجيل انخفاض في النفقات الغذائية ونفقات التجهيزات المنزلية ونفقات الترفيه مقابل ارتفاع النفقات الصحية ونفقات الاتصالات بسبب الأزمة الصحية. وكان انخفاضًا سنويًا هاما بلغ 14,3في المائة، في حين، بلغ هذا الانخفاض 5.9 في المائة بالنسبة للباس والأحذية و2.4في المائة بالنسبة للتغذية، و 2 في المائة بالنسبة للنقل. وبالمقابل عرفت النفقات الصحية ونفقات الاتصال ارتفاعا سنويا بلغ على التوالي 10,9 و و4,6 في المائة. ويرجع ذلك إلى ارتفاع كلفة نفقات التدابير الوقائية للحد من انتشار وباء كوفيد وإلى تكثيف استعمال تكنولوجيا الاتصال مند بداية الأزمة الصحية.
أدى هذا الانكماش في مستوى المعيشة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والفقر والهشاشة، وأدت الآثار السلبية لجائحة كوفيد-19 على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر إلى زيادة الفوارق الاجتماعية :
ارتفعت نسبة النفقات لدى خمس الأسر الأكثر يسرا من 46,1 في المائة سنة 2019 إلى 47,7 سنة 2021، مقابل انخفاض من 7 في المائة إلى 6,5 في المائة بالنسبة لخمس الأسر الأقل يسرا.
وفقًا لمؤشر "جيني" (1) ، ارتفعت الفوارق الاجتماعية بنقطتين مئويتين تقريبًا خلال هذه الفترة، و ذلك من 38,5 في المائة إلى 40,3 في المائة على المستوى الوطني، ومن 37,2 في المائة إلى 39,1 في المائة في المناطق الحضرية ومن 30,2 في النائة إلى 31,9 في المائة في المناطق القروية .
_________________
(1) – معامل أو مؤشر "جيني" (نسبة للعالم "كورادو جيني") من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي. إن معامل "جيني" ينحصر بين الصفر والواحد، ويكون مساويا للصفر عندما يكون توزيع الدخل متساويا لجميع أفراد المجتمع (التوزيع الأمثل للدخل)، بينما يكون مساويا للواحد عندما يكون توزيع الدخل في أسوأ أحواله، أي أنه كلما كانت قيمة معامل جيني صغيرة كانت عدالة توزيع الدخل أفضل.
______________________
ارتفع معدل الفقر المطلق، خلال نفس الفترة، من 1,7 في المائة إلى 3 في المائة في سنة 2021 على المستوى الوطني، و من 3,9 في المائة إلى 6,8 في المائة في المناطق القروية، ومن 0,5 في المائة إلى 1 في المائة في المناطق الحضرية.
و موازاة مع ذلك، عرفت الهشاشة ارتفاعا ملحوظا حيث انتقلت من 7,3 في المائة سنة 2019 إلى 10 في المائة سنة2021 على المستوى الوطني، ومن 11,9 في المائة إلى 17,4 في المائة في المناطق القروية ومن 4,6 في المائة إلى 5,9 في المائة في المناطق الحضرية (2) .
______________________
(2)- المصدر : المندوبية السامية للتخطيط، البحث الوطني حول مصادر الدخل 2019.
____________________
أما بخصوص آثار جائحة "كوفيد" سنتي 2021-2022 ، آثار التضخم حسب الفئات الاجتماعية على المستوى المعيشي للأسر من يناير إلى يوليوز 2022، ارتفاع الأسعار بشكل أسرع في المناطق القروية وللأسر الفقيرة. فخلال الفترة الممتدة بين يناير ويوليوز 2022، ارتفعت الأثمان عند الاستهلاك بشكل أسرع وبلغ متوسط معدل التضخم، على أساس سنوي، 5,5 في المائة أي بمستوى يفوق خمس مرات المستوى المسجل بين سنتي 2017 و2021. غير أن متوسط التضخم يخفي تباينات حسب وسط الإقامة حيث ان ارتفاع الأسعار بالنسبة للأسر القروية (6,2 في المائة) يفوق ارتفاعها بالنسبة للأسر الحضرية (5,2 في المائة). ويعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات اليومية، كالنقل والمواد الغذائية.
فحسب مجموعات المنتجات والخدمات الاستهلاكية، عرف الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعا :
- بــ 11,8 في المائة بالنسبة لمنتجات وخدمات النقل على المستوى الوطني، نتيجة للارتفاع الحاد في أسعار البنزين وزيوت التشحيم (42,1 في المائة) وصيانة وإصلاح السيارات (4,9 في المائة) ؛
- بــ 8,7 في المائة بالنسبة للمواد الغذائية، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب غير المحولة (6 في المائة) والزيوت (23,7) والمنتجات المستخلصة من الزيوت والدهون (15)... ؛
- بــ 4,5 في المائة بالنسبة لمجموعة اللباس، حيث ارتفعت أسعار أحذية النساء (8,2 في المائة) وأحذية الرجال (6,2 في المائة) وملابس الأطفال (4,2في المائة)؛
- بــ 4,3 في المائة بالنسبة للتجهيزات المنزلية ؛
- بــ 3,3 في المائة بالنسبة للأنشطة الترفيهية، وذلك كنتيجة لارتفاع أسعار النفقات السياحية (9,4%) وأسعار الجرائد والمجلات الدورية (8,2%) وأسعار الأجهزة والمعدات السمعية البصرية (5,4%) .
تبرز مساهمة المكونات الرئيسية للتضخم أن أكثر من نصف الزيادة التي عرفتها الأسعار (58 في المائة) ترجع إلى ارتفاع أثمان المنتجات الغذائيةو22% إلى ارتفاع أثمان النقل و20% إلى ارتفاع أثمان سلع وخدمات أخرى. وبذلك، فإن 80 في المائة من التضخم، ناتج عن ارتفاع أثمان المواد الغذائية والنقل.
في ظل هذا التضخم، فإن ارتفاع الأسعار هم بشكل أكبر خمس الأسر الأقل يسرا (6,2% ) مقارنة مع خمس الأسر الأكثر يسرا (%5,2)، ومع 60%من الأسر المتوسطة ( 5,6% ). مما أدى إلى تفاقم الفقر والهشاشة في المغرب.
ومن المنتظر في ظل هذه الظروف أن :
- يرتفع معدل الفقر المطلق من 3 في المائة سنة 2021 إلى4,9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني، ومن 1 في المائة إلى1,7 في المائة في المناطق الحضرية، ومن 6,8 في المائة إلى 10,7 في المائة في الوسط القروي؛
- يرتفع معدل الهشاشة الاقتصادية من10 في المائة إلى 12,7 في المائة على المستوى الوطني، ومن 5,9 في المائة إلى7,9 في المائة في الوسط الحضري، ومن17,4 في المائة إلى 21,4 في المائة في الوسط القروي؛
- ترتفع الفوارق الاجتماعية لمستويات المعيشة، المقاسة بمؤشر "جيني" ، من 40,3 في المائة إلى 40,5 في المائة.
في ظل هذه الظروف، تعرض حوالي 3,2 مليون شخص إضافي إلى الفقر أو إلى الهشاشة. و يعزى 45 في المائة من إجمالي هذا الارتفاع العددي إلى تبعات الجائحة و 55 في المائة إلى ارتفاع الأثمنة عند الاستهلاك. في هذا الصدد فقد المغرب ما يقرب سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر و الهشاشة.
#بوياسمين_خولى (هاشتاغ)
Abouyasmine_Khawla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
