أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - مذكرات مهاجرة - البحث عن الذات














المزيد.....

مذكرات مهاجرة - البحث عن الذات


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 7399 - 2022 / 10 / 12 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


مذكرات مهاجرة - قصة قصيرة
البحث عن الذات
دينا سليم حنحن

قررتُ الخروج من صومعتي، اشتقتُ إلى الخضرة والزهور، وألوان الطيور، اشتقت إلى الناس، قررتُ ترك سيارتي في المرفأ وأذهب إليهم في القطار.
خرجت والتقيتهم، وكأني أراهم لأول مرة، ما أجملهم! بحثت عن أشياء فيهم لا أعرف كنهها، كانت وجوها عامرة بالحيوية والنشاط ، أتوا من حيث اتجاه النهر المتدفق دائما، فالنهر هنا مصاب بالعشق أيضا، واستقلوا حركة الأوتوماتيك، يصغون، مثلي، إلى حركة العجلات.
تترنُح السّاق المتكئة على الرُكبة الأخرى كردة فعل لحركة العقل، ففعلت مثل الشابة أمامي، رفعت ساقا على أخرى لكي ينشط عقلي، فصارت تروح وتأتي بحرية، والقطار يعبر من محطة إلى أخرى، يُنزل ويٌقل الناس، هناك من يستقله وحيدا، وأخرى تستقله مع زوجها، رأيت خاتم الزواج قيد إصبعها، وفتاة تستقله مع شاب رياضي، على الأغلب أنه صديق الدراسة، ومسنة تستقله مع طفلة، ربما تكون حفيدتها، وأنا استقله وحدي لكي أبحث عن أشياء أضعتها، أو ربما هي التي أضاعتني، دفنتها ودفنتني!
جلستُ في النافذة، تذكرتُ (عمر) حتى أني تلفظتُ باسمه، تعلقتُ بحبال الشرود، ضحكة طفل أيقظتني من شرودي. خلف المقعد كتب أحدهم كلاما جميلا:
" دوّني يا ميريتا حلمنا الجميل"!
حلم منتصف النهار ربما يكون أجمل! قرأتُ المكتوب بحجم حزني، مررتُ عليها عدة مرات كمن يحاول الوصول إلى تحقيق المكتوب، كانت العين عيني، والكلمات قيد ثغري، وضعتُ ذكرى اللقاء في حالة يقظتي وركضتُ بها إليه، ربما أنا المقصودة، قلت في سرّي، أنا ظمأى، أشعر بعطشي، كل الماء لا يكفيني!
جلستُ على مقعد أخضر اللون في محطة القطار الرئيسية، التهمتُ قسمات وجوه المارين مثل جائعة دهر تحتفل على موائد الأمراء، استنشقتُ الحياة عبر أنوف العابرين دون أن يدروا، وبدأ صراع الأجيال يمر أمامي، السمين، الجميل، القبيح، الطويل، القصير، الذي يعرج، وذو المشية المتراقصة والعادية، العاري، المحتشم، المهرول، الضائع مثلي، الشاحب، الممتلئ حيوية، الأبيض، الأسود، الصعلوك، الملتزم، الملتحي، الحافي، الممشوق، المتأني والمهمل...و...
لم يكن هناك حضور ظاهر للأطفال وبراءتهم!
اتخذتُ قرارا هاما، أن أبقى طوال النهار حيث أنا وأمارس عملي في مراقبة المارة، أردتُ أن أشبع منهم، مروا من أمامي بدون انقطاع فمررت بدوري على تقاسيم وجوههم وأجسادهم، وما يحملونه داخل أرواحهم وعقولهم، استجوبتهم وحللتُ شخوصهم، لم أتنكر لأحد منهم، وكأني أعرفهم جميعا، بدوا جميعهم أصدقائي، هم معارفي ويتمسكون بصداقتي، شعرتُ بذلك، بادلوني الابتسام فصرّحت لهم بحبي لهم، لقد بدأتُ أحب الحياة... لا أحد منهم يشبه (عمر)!
تتبدّل أمامي شاشات المعلومات المرصوصة عاليا، وصوت الموظفة من مكان مجهول يغمر المكان تعلن عن وصول القطارات وكذلك عن موعد القطارات المغادرة. بحثتُ عن القطار المتجه نحو منطقتي، خمس دقائق وينطلق، ترددتُ النهوض، كرهتُ العودة، قلت لنفسي ببعض التأنيب:
- إن لم ألتحق به فسأنتظر ساعة إضافية حتى موعد القطار القادم.
جثمت مكاني كجثة هامدة تصارع آخر دقائق في حياتها، دقائق كانت كفيلة بإعادتي إلى الحياة، فبقيت.
لم أنم ليلتي، أحاطني (عمر) بذراعيه، كنت عارية تماما، غمرني بشلال من القبلات الجميلة، وجهه الجميل يسكن قلبي، وصورته لا تفارق خيالي، خطر على بالي أن أبادر بالحديث هاتفيا، كي أقول له كلمة واحدة أريد أن أقولها له طوال حياتي...
- أحبك! لكني تراجعت.
كنت معه حاضره بابتساماتي التي آرقته، ولأول مرة خلال لقاءنا الوحيد، كنت حاضرة بجسدي معه، يصلني صوته وكأنه حاضرا بجسده أيضا أمامي، غزتني الأفكار غير آبهة، أسأل نفسي عنه وأتمنى أن يسأل نفسه عني، أحسست بحبه، اخترق شغاف قلبي، وأتسائل:
- هل ما يزال يحبني يا ترى؟
لكي يصل المرء إلى مرحلة الإعجاب، ثم العشق، فذلك لأننا نحمل في طياتنا المكتومة أحاسيس جميلة، وتجارب حيوية، وحياتية تؤثر في الآخر، وربما أيضا، الوضع المقلق السائد في حياة كل شخص فينا، بداية من غرفنا الخاصة بنا، إن كانت لنا غرف خاصة، ونهاية بالأنظمة، ومرورا بالمجتمع بكل أشكاله واشكالياته.
- لا أريد أن أتذكر أننا افترقنا بعد اللقاء! قلتُ بصوت هامس.
عدت في اليوم التالي إلى المحطة، يشدني قلبي إلى هناك، جلست في المقعد الأخضر، تماما حيث جلست قبل يوم من الآن، وبدأت أراقب الناس، أمضيت ساعة من الوقت وأنا انتظر الوهم، أنتظر خيال رجل من المستحيل أن أجده هنا، لكني انتظرت رغم كل شيء.
يد تربت على كتفي، يد رجل، لا أعرفها، التفت نحوه، ابتسم وقال:
- سيدتي، إن تريدين الانتظار يمكنني الانضمام اليكِ، فأنا أيضا أنتظر حبيبة غائبة!



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زكي غطّاس ومازل - قصّة عشق
- مشهد الساندويتش
- قراءة متأنية في رواية - ضيعة القوارير-
- لن أنسى
- طردتها العجوز من كوخها
- الاعلان عن اصدار جديد
- ريشة الغراب
- النمل نديمي
- طوقتني العقارب
- نهر توود - أستراليا
- البحث عن مفقودين
- مسرح الخيالة - الفرسان في بئر السبع
- استفزاز
- أكيد الديك أخرس
- الهزهزة الخالدة وفيضانات بريزبن / أستراليا 2022
- مداخلة الشاعرة راغدة عساف زين الدين كتاب - جدار الصّمت - دين ...
- الهومليس يعرفون العشق أيضا
- - ربيع المسافات- ودينا سليم حنحن
- أمات شجرة ممتلئة حياة
- أشجار أسترالية مُدرجة في قائمة التراث الوطني.


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - مذكرات مهاجرة - البحث عن الذات