رعد مطشر
الحوار المتمدن-العدد: 1691 - 2006 / 10 / 2 - 06:25
المحور:
الادب والفن
(إلى عمّي جلال وبيستون وقرية سورداش)
وهو يرفع (البرنو) بحثاً عن بلادٍ يحميها، كان قميصُهُ يضجُّ بتواريخ الذبحِ , وبنطالُهُ بالانتهاكات المتتالية لجبال بلادِهِ، وغطاءُ رأسه بالاختفاء المفاجئ للرؤوس والعقول، كانت يداه تبكيان القرى التي اختفت في رمشةِ موت بسيف جلاّد يلعق الدماءَ صباحَ مساء، وعيناه ترمقان مسرحَ البلادِ الجالسةِ تحت طغاةٍ وكراسٍ بلا ملامح، وشفتاه تبسملُ بالناسِ المختفين تحت سكاكين الجيوش ورعبها المتكاثر في المدنِ والقرى والجبال، لهذا اتخذ من قريته النائمة في حضن الجبال... بين ذراعي الثلج الأحمر مأوى؛ تاركاً زوجته وطفلاً في رحمها، لا يدري إن كان يأتي أو سيموت في الرحم من عويل المدن.. وهكذا ظلَّ لثلاثين قرناً يرفع سلاحه كمشعل ينير به خواصر الجبال والقرى، يحمي به لهفة امرأة فقدت ولديها تحت الجبل، يجبر كسر امرأة أخرى طاردتها أشباحُ الطغاة إلى بلادٍ أخرى، فمات رضيعها بين الثلج والذئاب، وكان يتلو صلاته ليلَ نهار، عسى أن تلتفت الطيور إلى ندائِهِ وتحمل له رائحة مدينته المستباحة بالترحيل والتغيير والدمار.. دمار كل شيء .. الأسواقَ، الناسَ، القلعةَ الباكية بأحجارها وشجيراتها وجوامعها وقبور أسراها، والبيوت المتحوّلة في طرفة عين، إلى مقبرة.. كان يتلو صلاته عارفاً بأنَّ الشهادة ستأتيه عمّا قريب، فالطيور أخبرته عن كل شيء؛ عن زوجته التي جاءَها الوليد الجديد، عن امتدادِهِ بعد الرحيل، عن مناضلين ينامون بين الجبال والثلوج، يختفون في الأهوار والصرائفِ والأكواخ والقصب، يتمترسون خلف السدود والأنهار وغابات النخيل، لهذا كانت صلاته الأخِيرة صلاة وداع ويداه تشيران إلى ساعديه ليضعوا البلاد عليها.. هكذا غفا على برودة الجرح الغائر في صدره، سامعاً هتاف الولد القادم؛ أبي البلادُ تناديك( تعال).
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟