أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نشوة الفن ونشوة النبيذ














المزيد.....

نشوة الفن ونشوة النبيذ


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7389 - 2022 / 10 / 2 - 20:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٢٩ - هدية ديونيسوس للبشرية
وفي نهاية الأمر، وبعدما اعترفت كل بيوتيا بألوهية ديونيسوس وسلطته الروحية، قام بجولة في جزر بحر إيجة Aegean Islands، ينشر الفرح والبهجة المتمثلة في الإحتفالات الصاخبة بالسكر والغناء، وكذلك ينشر الرعب بأعماله الجنونية مصحوبا بالميناد أينما ذهب. عند وصوله إلى إيكاريا Icaria، وجد أن سفينته كانت غير صالحة للإبحار، فاستأجر مكانا في سفينة أخرى يمتلكها بعض البحارة التيرانيين Tyrrhenian الذين ادعوا أنهم متجهون إلى ناكسوس Naxos، لكنهم كانوا قراصنة في حقيقة الأمر ينوون التوجه إلى آسيا، ولم يكونوا على دراية بالهوية الإلهية لمرافقهم، وكانوا قد قرروا بيعه كعبد من العبيد. وتمكن ديونيسوس بقدرته الخارقة للطبيعة من جعل كرمة تنمو على سطح السفينة وتكبر وتتسلق صاري السفينة، وحوّل المجاذيف إلى ثعابين ضخمة تتلوى، كما تحول هو نفسه إلى أسد، وملأ السفينة بأشباح الوحوش التي كانت تزأر بأصوات مرعبة مختلطة بصوت المزامير، فقفز القراصنة المرعوبون في البحر من الخوف وتحولوا إلى دلافين. وفي ناكسوس، التي وصل إليها أخيرا بعد تخلصه من القراصنة، التقى ديونيسوس بأريادن Ariadne الجميلة التي هجرها ثيسيوس Theseus، فتزوجها على الفور وبدون تأخير وأنجبت له ستة أطفال. ثم سافر من ناكسوس إلى أرغوس وعاقب برساوس Perseus، الذي قاتله وشرد وقتل العديد من أتباعه، كما ألحق الجنون بنسائهم، فبدأن في التهام أطفالهن؛ حتى اعترف Perseus في النهاية بخطئه، وحاول التكفير عن عدم تصديقه لديونيسوس واسترضاءه ببناء معبد له تقام فيه طقوس عبادته. أخيرًا، بعد أن أسس طقوس عبادته في جميع أنحاء العالم وأعتُرف بألوهيته، صعد ديونيسوس إلى السماء ليستريح من جنونه، ويجلس على يمين زيوس، كبير الآلهة كواحد من الآلهة الاثني عشر العظماء. وهذا المقام الفخري الذي تحصل عليه ديونيسوس بجانب كبار الآلهة، يرجع إلى الإلهة هيست Hest التي تنازلت عن مقعدها على طاولة الآلهة الكبيرة لصالحه، مغتنمة هذه الفرصة التي سنحت لها لإيجاد عذر للهروب من مشاحنات عائلتها الإلهية الغيورة والإرتياح من صخبهم وضجيجهم، لعلمها بأنه يمكنها دائمًا الاعتماد على الترحيب الهادئ في أي مدينة يونانية تقرر القيام بزيارتها أو الإستقرار فيها. من آخر أعمال ديونيسوس، نزوله إلى عالم الأموات "تارتاروس" حيث قام برشوة بيرسيفوني بهدية من عطر نبات الآس أو الريحان لإطلاق سراح والدته المتوفاة، سيميل Semele، التي صعدت معه إلى معبد أرتميس في تروزن Troezen. ولكن، لئلا تشعر "الأشباح" الأخرى التي تعيش في العالم السفلي بالغيرة، قام بتغيير اسم والدته وقدمها لبقية الآلهة الأولمبيين باسم Thyone، ووضع زيوس شقة "مفروشة" تحت تصرفها، وحافظت الآلهة الغيورة هيرا على أعصابها وعبرت عن إستيائها بنوع من الصمت الغاضب.
هذه النهاية السعيدة لمغامرات ديونيسوس، لا تشكل في حقيقة الأمر النهاية الحقيقية، ذلك أن الأسطورة بقيت حية تتداولها الحكايات والطقوس، ويوجد حتى اليوم مجموعات صغيرة تدعي الإنتماء لديونيسوس وديانته وتمارس بعض طقوسه.
في الحقيقة لم يتم الوصول إلى الإحاطة بعبادة ديونيسوس، هذا الإله المرتبط بأبولو، بشكل كلي كامل حتى الآن، إنه يشبه أبولو كـ "محرر" للطاقة الإبداعية والروحية ولكن بوسائل أخرى وطقوس عنيفة مختلفة. يمكن إعتبار طقوس عبادة ديونيسوس كمحاولة لطرد الأرواح الشريرة exorciste، حيث تخلص هذه الإحتفالات الإنسان من عدم الرضا عن النفس، ومن الرغبات الخفية المدسوسة في أعماق الذات البشرية، من نقاط الضعف التي لا يمكن تحملها أو التعبير عنها علنا، تخلصه من كل الإمكانيات والإحتمالات التي يمكن أن تؤرقه في المستقبل. وهب ديونيسوس الإنسان هديتين لعلاج الروح: المسرح والسكر l’ivresse، أي نشوة الفن والمغامرة والحب والحياة، ليخفف ولينسى الحقيقة المرعبة، الفكرة التي مازالت تأرق الإنسان منذ جلجامش حتى الوقت الحاضر وهي حتمية الإندثار وضرورة النهاية والفناء، أي حقيقة العدم. وهذا الخلاص الإفتراضي يتم من خلال إمكانية الاتحاد معه، واستيعاب ألوهيته، بمنح الإنسان اليقين من وجود عالم أخر أكثر ثراء وأكثر بهاء، فديونيسوس يمثل الحماس والرغبة والهوس لمواصلة الحياة ممثلة في جانبها المادي والجسدي من ناحية، وجانبها الخيالي والفني من ناحية أخرى.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة أوروبا العنصرية
- الإله المجنون
- تحولات
- الإنسان ليس شجرة
- الكزينوفوبيا والتمييز العنصري
- موت وميلاد ديونيسوس
- أهل الكهف
- أمريكا .. وقوة الحديد والنار والدولار
- الحجاب
- ديونيسوس
- الإلهة الغيورة
- هزيمة الآلهة الشريرة
- خصي الآلهة
- تدجين الزمن
- أنواع البشر
- قصة الخلق الفلسفية
- أغنية إلكترونية
- الأسطورة الأولمبية
- تفتت الذات
- قصة التكوين الهومرية


المزيد.....




- الأفارقة يخسرون نحو 70 مليون دولار بسبب رفض طلبات تأشيرات شن ...
- بولتون يعلق لـCNN على الضربات الأمريكية: الهجوم قد يُمهّد لت ...
- عرائس بلا تيجان.. صيحة زفاف النجمات في صيف 2025
- تفجير انتحاري في كنيسة بدمشق يودي بحياة 22 شخصا على الأقل
- باريس ترسل طائرة عسكرية لإجلاء مواطنيها من إسرائيل
- اليوم الـ11 من المواجهة: واشنطن مستعدّة لمحادثات مع طهران وإ ...
- ضربة واشنطن النوعية: هل نجحت -مطرقة منتصف الليل- في شل البرن ...
- -تخطى دوره الرقابي وساهم بإشعال الحرب-.. غروسي في دائرة الات ...
- هند جودة: ماذا يعني أن تكون شاعرا في زمن الحرب؟
- واشنطن أطلقت 75 قذيفة دقيقة التوجيه وأكثر من 24 صاروخ توماهو ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - نشوة الفن ونشوة النبيذ