|
مراجعة لمفهوم المقدس
عدنان إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 7373 - 2022 / 9 / 16 - 18:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل يمكن أن تتخيل أن أكثر عوامل الكفر بالله هو ما يسميه الناس اليوم ديناً؟ لا تعجب يا أخي فنحن نعيش زمن المتناقضات.. نعم.. ففي داخل ما يسمى دين ستجد الجهل بأن الله هو رب الكل، ستجد احتكار الحقيقة، ستجد تفكيراً ضيقاً مختلفاً عن عصر الدولة الحديثة والقانون وضمان الأمن إلى حد ما.. ستجد التخويف الزائد عن الحد، والردع عن الظلم والبغي بشكل مبالغ فيه كأننا نعيش في غابة. ولكي نكون على نور: فإن هذا كان مطلوباً في حقبة ما من التاريخ.. بالفعل لم يكن هناك دولة ولا قانون ولا ضمان للأمن، فيمكن أن تُسلب أهلك ومالك ورأسك في أي لحظة. ولكن هذا أعتقد أنه انتهى.. فما مبرر استمرار الخطاب العنيف المرافق لهذا العصر، فضلاً عن تقديسه واعتباره نزل لكل العصور ولكل الناس في ظروف أفضل، مهما ارتقوا وبغض النظر عن تطور أنظمة المجتمع وضمانات الأمن ووضع القواسم المشتركة بين الأمم بما يضمن الأمن الدولي والتفاهم الحضاري. إن الإنسان خُلِقَ ليكون مظهراً للأسماء الإلهية، وهذا وحده ينسف فكرة تكفير الآخر، وينسف كذلك فكرة الدين من أساسها.. لأن ما هو تعريف الدين في عرفنا؟ يعني توجيهات قوة غيبية لنا على وجه الإجبار أو التخيير مع عقوبة مؤجلة، قوة ترسم لنا خط حياتنا إجمالاً (أو تفصيلاً عند المتطرفين).. بينما التجلي والظهور معناه عَيْش التجربة، والسعي للكمال وتحقيق الذات حتى أكون ما كنته، قبل الإنفصال.. فعال لما أريد.. خلاق (فتبارك الله أحسن الخالقين) وأحسن ليس بمعنى أن المصدر أحسن من المظهر، ولكن بالمعنى البديهي أنه الأصل الذي يمد صورته بالقدرة على تحقيق الإرادة. هذا الكلام يعتبر عند الجهلة عظيمة من العظائم، لأنه ينتزع فكرة المقدس، ويكتشف الإنسان المكرم.. الإنسان الذي هو (مجمع البحرين) نقطة التقاء الغيب والشهادة. هذا هو سبب تجسد الأرواح في عالم الأعيان الكونية، في هذا البرنامج الموجود هنا، لكي يحقق المصدر وجوده ويشعر به. بينما فكرة الدين والمقدس تُعطّل هذا الهدف، وتعمل على دعم فكرة الإنفصال، والإنشغال بأمور أخرى لا تقع تحت حصر في أبواب الفقه، مما يعتبر من التوافه، والإملاءات لصبيان لم يتجاوزا العيش في خراسان وبلاد ما وراء النهر. أكثر ما يبعد الناس عن بلوغهم الكمال هو عبادة الأسلاف.. تقديس كل ما هو مكتوب.. حتى ولو خالف العقل وانتقص من رحمة الله وكمال الربوبية (مثل تشبيه الله بهتلر الذي أحرق الناس في النار وهم أحياء) فيسب الناس هتلر ويصفقون للقرآن لأنه يقول أن الله يفعل نفس الفعلة الجبانة! يا جماعة فلنستحي من الله ونكف عن هذا الجهل وهذا النفاق! إن خضوع النفاق للجبروت والطغيان لن يزيدنا من الله إلا بعداً نحن لا نرحم بعضنا بسبب هذه المعتقدات الفظيعة عن رب يذيب جلد عبده ويصهره ثم إذا مات أحياه مرة أخرى ليذوق العذاب.. ما هذا؟! هذا كتب المقدسة يا سيدي.. وضع كلمة مقدسة بين قوسين هكذا: (مقدسة) لكي تفهم المعنى! عن أي نص تتحدث؟ وأنت المقدس ومظهر كل الأسماء والصفات الإلهية، وأنت لا تدري.. عِش تجربتك الخاصة، ودع النصوص وعقلية السلطة وتكفير الآخر واحتكار الحقيقة وعقيدة شعب الله المختار الخ تلك الأفكار الهدامة التي يدفع عنها الشيوخ دفاعاً عن الإسلام ضد الأفكار الهدامة!! مثل الحريات والتعددية والوُسعة والحب وفهم أن الله مظهر للكل. ليس هناك كافر وكفر بالمعنى المتداول، ولكن الكفر هو الحفاظ على الطاغوت (الشخص الطاغية) ومحاربة المصلحين الذين يحاربونه، الكفر هو الظلم والبغي والعدوان، ولا علاقة للكفر بعدم استيعاب ثقافة عربية أو صينية رغماً عنك وعن اللي خلفوك! ما هذا البله ياقوم!! شيء من العقل ومراجعة النفس.. هل تعلمون سبب انعزالية المسلمين وانفصالهم عن الحضارة والثقافة العالمية؟ مثلاً تجد مواقع الإنترنت بكل اللغات، حتى الإفريقية، ولكن لا تجد من بينها اللغة العربية، ومن المؤكد أنك صادفت هذا مرة واحدة على الأقل) مثال آخر: بلد مثل مصر فاشل سياحياً، مع أنه أصل الحضارة بشهادة هنري بريستد صاحب كتاب فجر الضمير، لأنه أقدم حضارات العالم هو والصين واليونان.. فما سبب هذه الظواهر الغريبة؟ ما سبب هذه العزلة ؟ سببها هو عقلية تكفير الأجانب، سببها (نساؤهم سبايا لنا) وأنه يحق لنا مضايقتهم والتحرش بهم لأنهم كفار محتقرون عند الله! مع أنك لو نظرت في تأمل لوجدت أنهم سعداء أكثر منا، لنكن صرحاء، ولا أتحدث فقط عن المال ورغد العيش.. حتى فقراؤهم تجدهم في حالة نفسية أفضل منا.. أليسوا مظهراً للحي السميع البصير البديع الرحيم الودود ؟ وأنت مظهر للجبار القهار المنتقم شديد البطش!! تكفير وعدوان وقرف، هي طبيعة الكافر حرفياً.. تقترف هذا الظلم والبغي والتعدي وأنت لا تدري من هو الكافر وما هو الكفر، لأن حتى شيوخك يجهلونه ويوقعونك فيه، فنِعْمَ الحب ونعم الرحمة للناس، ونعم الشيوخ.. بارك الله في علمهم ودَعَشَنا به! باختصار: طالما لا نزال نجهل أن الله خلقنا ليظهر فينا، وأنه هو الباطن ونحن الظاهر، فلن ننجو ولن نفلح أبداً. قد يقول قائل: وعقيدة جهنم والنار ماذا ستفعل فيها ؟ أقول: سبحان الله! هذه ليست مشكلتي أنا.. هذه تجربة خارج نطاق قناعاتي الشخصية وحرية اعتقادي الداخلية! أنا لا أظن بالله أنه يفعل هذا ونقطة ومن أول السطر! أما جهنم، فهي كلمة أعجمية غير مذكورة في الشعر الجاهلي، ولم يعرفها العرب، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، والكلمات الأعجمية التي فيه مُلحقة في عصور الفتوحات والتوسعات، لأجل مصالح سياسية. وأول من ابتكر فكرة جهنم بشكلها الحالي هي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، حيث كانت تطبق الفكرة بالفعل في محاكم التفتيش والمحارق البشرية منذ القِدم.. ثم نقل المسلمون الفكرة إلى القرآن. لقد أفاق الغرب من فكرة تقديس غير الإنسان منذ زمن ليس بالقليل، ونحن لا نزال نغط في سبات عميق، ونتطلع للخلاص متوسلين إلى السلطتين السماوية (الله) والأرضية (الحاكم).. وحتى هذه اللحظة يلعب الإخوان المسلمون على هذا الكارت عبر قنواتهم التي يهاجمون فيها الحكام مثل السيسي وبشار الأسد، وهو كارت رابح وكسبان في الحقيقة، لأنه يتماشى مع عقلية التوسل للسلطتين السماوية والأرضية.. عقلية التماوت والسلبية والهزيمة. في الحقيقة، الأمر عميق: نحن لدينا نظرة للحياة ولأنفسنا مختلفة كليةً عن نظرة الإنسان الغربي لها ولنفسه.. هو يرى نفسه صانعاً للحياة وأنها هبة جميلة وأنه سيد لها، يعمل وينتج ويصدر وينفع نفسه وغيره، لأنه يحب الحياة.. وأما نحنفنرى أنفسنا ضحية، نعيش بعقلية الضحية، ونستمتع بالتألم والتوجع والتأوّه.. نفطر سلبية، ونتغدى انهزامية، ونتعشى انتظاراً للمخلّص.. ويؤسفني أن أقول أن القيمة السوقية لشركة غربية واحدة - هي شركة أبل - تساوي تقريباً القيمة السوقية لكل ما ينتجه مجموع سكان قارة افريقيا كلها، مسلمهم ووثنيهم، غنيهم وفقيرهم، عالمهم وجاهلهم.. وأما ما ينتجه العرب فلم أقارنه، لأني متأكد أنها ضعفه أضعافاً مضاعفة. وماذا تنتظر من عقلية الضحية ؟ في مقابل عقلية صناع الحياة والآخذين بناصيتها لتوجيهها حيث أرادوا ؟ أنت لا تصنع ولا تبتكر لأنك خائف! (*) المغامر والمستثمر والمتطلع لأن يكون غنياً وناجحاً ومسيطراً على الحياة، لابد أن يكون مطمئناً غير خائف.. لابد وأن تكون شهيته للحياة منفتحة! صدق أو لا تصدق! وهذا هو سبب تأخرنا وتخلفنا.. نحن نعيش في عالم المقدسات والتابوهات والممنوعات والتحذيرات والمحرمات والفرملات والوساوس التي لا مبرر لها، والتي كانت لعصر غير عصرنا، عصر ما قبل القانون وقبل الدولة وقبل العقوبات والسجون. واحد يقول: يعني القرآن محرف؟! أقول له: حاش لله.. بل احتفظ في رأسك بالفظائع والطغيان المنسوب لمنبع الرحمة والمدوّن في الكتب التاريخية "المقدسة"، وتجاهل ربك وصواميل وبراغي عقلك معاً.. لكن تذكر أن أكثر ما يبعد الناس عن بلوغهم الكمال هو عبادة الأسلاف والعيش بعقلية الماضي، وعيش تجربة غيرك.. أنت بهذا تمسخ نفسك وتنزل برتبتك من مظهر كريم إلى .. أي شيء آخر من أشكال المعاناة!.. وتذكر أيضاً: أنك لن تكون قوياً مثل الرجل الغربي الجريء الصعب، باني الحضارة، وسيدك الذي يطعمك ويصنع لك سلاحك وملابسك الداخلية، إلا بعدما تتحرر من تلك المخاوف الخرافية، والعقائد العدوانية التكفيرية الهدامة.. التي يظنها الناس ديناً وإسلاماً ويدافعون عنه ضد الأفكار الهدامة! _____________________________________ (*) المصدر لم يقدم نفسه لنا من خلال نص على الإطلاق.. ولكنه يريد أن نعيشه من خلال التجربة الفعلية وليس من خلال تجارب الآخرين فضلاً عن تقديسها.. وهذا الموضوع كبير ويجب أن تدرسه بنفسك، لأنه أكبر من مقال أو مقالات أو حتى كتاب واحد.. ولتوسيع الرؤية فيه عليك بكتب تاريخ وعلم الأديان، وأفضل من كتب فيها بالعربية هو خزعل الماجدي، فراس السواح، أبكار السقاف.. اقرأ وستجد أننا نعتقد عقائد وثنية قديمة لا تناسب عصرنا. وبمكن أن تتابع هذه الحلقات الممتعة من تقديم الأستاذ خالد منتصر https://www.youtube.com/watch?v=9irUi1Cp54A&list=PLBPmhDfEfvB_zt45T1l8KS4PQ7ID2hRIa&ab_channel=AlghadTV-%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%AF
https://i.ytimg.com/vi/x-O3uI6EI6Q/hqdefault.jpg?sqp=-oaymwEbCKgBEF5IVfKriqkDDggBFQAAiEIYAXABwAEG&rs=AOn4CLDgLpoQYRSbyV-3JymY0lxsq_gBNg
#عدنان_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراجعة لمفهوم القوة
-
مراجعة لمفهوم الأمة والدعوة
-
مراجعة لمفهوم الكتاب والسنة
-
مراجعة لمفهوم جهنم
-
مراجعة لمفهوم التكليف والحساب يوم القيامة
-
مراجعة لمفهوم الوحي
-
مراجعة لمفهوم (الدين)
-
مراجعة لمفهوم (الله)
-
مراجعة لمفهوم الدين
-
الدين مرشد لا مقيِّد
-
مشكلة الإتتماء
-
هل يمكن أن نفهم كل شيء ؟
-
سقف المعارف البشرية سوف يتم الكشف عنه قريباً
-
قراءة في فكر عبد الكريم سروش | المعرفة الدينية معرفة بشرية
-
تجربة الإرتقاء الروحي.. ما هي وسائلها ؟
-
كيف يتعامل العلمانيون والمتدينون مع النص الديني؟
-
أدلة مسألة تغير فهم النص
-
دفاع عن ابراهيم عيسى
-
سبب تخلفنا الحضاري
-
عودة الأرواح للتجسد | 9
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|