أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - المزاج العراقي وتوظيفه الديني.. الحسين ع إنموذجا















المزيد.....

المزاج العراقي وتوظيفه الديني.. الحسين ع إنموذجا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7368 - 2022 / 9 / 11 - 15:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بعيدا عن الطعن بعقائد الناس والتشكيك في إيمان أحد ولا هي نتيجة ردة فعل ولا أظن أنني الأفضل في فهم العلاقة بين الإنسان والدين والله، ولكن القراءة العميقة لما يجري في العراق تحديدا من طقوس ومظاهر أحتفالية متصلة بقضية نهضة الإمام الحسين ع ضد الانحراف والأرتداد الديني لا يعبر بشكل حقيقي ولا يترجم إيمان كامل بالدين بقدر ما يمثل ظاهرة عراقية ذاتية تعكس مزاجا سلوكيا متأصلا في نمط وخلفيات تكوين هذه الشخصية، تأريخيا وسيكولوجيا كما تمثل إنعكاس للطبع الرافيدني الذي طبع وتطبع به من سكن العراق وأنصهر به، فالتضحية الفارطة للحدود مقابل السكينة الفارطة للحدود والثورة في محل الطاعة بالوقت الذي يطيع وهو في محل الثورة، جزء من شخصية الفرد العراقي، هذا ليس أنتقاصا لا من حب العراقيين للحسين ولا من الشخصية العراقية التي تعودت التألم والنوح والحزن الذي يتجدد مع المواسم، الحسين بالنسبة للعراقيين قم الرمزية التي تهفو لها النفوس وتعبر عن الشعور بالفداحة والألم الذي يعانيه العراقيون وله صلة قديمة جدا بأحداث تاريخية تمتد على الأقل من الطوفان الذي أفقد العراق جزءا كبيرا من مكونه ومكنونه مرورا بما عاناه من صراعات دينية وسياسية كسرت جبروته وحطمت حضارته على يد قوى الشر.
لذلك تجدد الحزن في هذه النفسية بشكل أكبر مع أستشهاد الحسين على أرضه ممثلا للخير كله مقابل خصمه الذي يمثل الشر كله، هذه الثنائية التي لا وسط ولا ثالث لها هي جزء أساسي من طبيعة وشكل الشخصية العراقية في تعاطيها مع الخيارات، أبيض وأسود يعني خير وشر ويعني الحسين وأعداءه، لا يفهم العراقي أبعد من هذه المعادلة ولا يريد صياغة أحتمالات أخرى، لأنه محكوم ببيئة لا خيار ثالث فيها، حر وجفاف ويبوسة وخشونة وجوع وفقر على مستوى المناخ والعيش والتصرفات السلوكية، يقابلها برودة ورطوبة وكرم وخيرات وفيرة وترف مفرط كلها لا يستطيع العراقي أن يوازن بينها في عملية أقتصاد وتدبير، لذا فهو يؤمن دائما أن الله يرزق والله يمنع (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) ولا تدبير غير تدبير الله، عندما أقول الظاهرة الحسينية مزاج عراقي أصيل لا علاقة للدين به ولم ينتج ظاهرة عبادية مهمة أو لها حضور فاعل ومستمر، بالرغم مما مر عليها من زمن وما أنتجت من مظاهر فرعية عبثية أحيانا، وما زال العراقي حائرا بين أنتمائه الديني وأنتمائه القبلي، ورغبته في الحرية والمدنية وإيمانه بالطاعة المطلقة لرجل الدين، لذا لا أستغرب من قول العلامة الوردي بأن العراقي مشروخ الشخصية فيه جزء من جنتلمانية مستر ستيوارت وفيه عنجهية ملا عليوي.
علينا اليوم أن نعيد قراءة شخصية الفرد العراقي وتحديدا في دائرة الفعل والانفعال الحسيني المعروف بالمصطلح الفقهي "الشيعة" من خلال التاريخ المهزوم والقاسي والمجحف عليهم، التاريخ الذي سرقه الأولون سلاطين وأنصار السلطة وأصحاب السيف والثروة والحل والعقد منه، وحولوه إلى مجرد سيرك يلعبون به وفقا للمصالح دون أحترام للواقع ودون تقديس للحقيقة التي يفهمها كمظلوم مزمن في واقع لا يقر للظالم حد ولا يؤمن بالعدالة مطلقا، الخطوة النقدية الأولى لهذه الظاهرة وفهمها علميا وإعادة تموضعها في الوجدان الذهني، أن نخرج الحزن ومظاهر جلد الذات المرتبطة بالشعور بالتقصير في فعل لا يد لها به من نزعة القداسة المزعومة، والفصل بين الحسين كجزء من منظمة الهدى الضخمة التي تبدأ من الإيمان الكامل بما أمن به الحسين وفقا لدرجات الأهمية والخطورة والضرورة، وبين الذات التاريخية الأحتفالية بالموروث الروحي لها عبر التأريخ، وأن لا نسقط هذه الذاتية بكل ما فيها من سلبية وتغريب وشعور بالاضطهاد والظلم والخذلان والخيبة من نصر الله، وبها نعيد تركيب المشهد بالواقعية المنطقية التي تعيد ترتيب كل الأحداث وفقا لتسلسلاتها دون أن نخشى على البطل الحقيقي من أن لا يكون كما هو، فالحسين يبقى الحسين بعظمته وعظمة الأثر الذي تركه من خلفه مدرسة حرية للأجيال لا يفرق في منزلته أن نجعله بكائية مستمرة أو نجعله رمزا لأحلامنا بالتحرر والأنعتاق من ذل التاريخ، بل علينا إعادة هذه القراءة التي تنصفه هو أولا بما يمكن أن نجعل منه صورة إيجابية للأجيال القادمة، والتي سيكون مخلدا فيها كبطل واقعي وليس شخصا زائفا ووهميا ليس له قيمة حقيقية في الوظيفة الإنسانية.
قد يعترض البعض على هذا الكلام جملة وتفصيلا ويرى فيه تجني على الدين أولا وعلى الحسين ثانيا وعلى الشخصية العراقية التي أشبعن نقدا وظلما، ولا بد من الدفاع عن هذه العناوين الثلاث من خلال ربط الحسن بشكل ألي وتلقائي مع قضية الدين، فالحسين مأ كان لينهض لولا الموجب الديني الحتمي، وإن أنتصارنا للحسين وإحتفائنا به وتخليدنا لذكراه هو تخليد للدين بالنتيجة وتقديرا لدوره في حياتنا، الكلام هذا جميل ولا ينكر ولا أظن أم كلامنا وطرحنا السابق له معارض لأصل الفكرة ولكن، وهنا يكمن سوء الفهم خاصة عندما ننطلق في تشخيصنا للواقع من باب علمي وليس عاطفي أو أنطباعي محض، في تاريخ الرسالة الأول وفي عهد النبي محمد ص كان الناس في إيمانهم على درجات وحتى على أشكال مختلفة، منهم من تعمق وجذر الإيمان بنفسه حتى صار وليا من الأولياء، وأخرون أكتفوا بالأساسيات التي تحافظ على المسمى الإيماني في أدنى حد، أولئك وهؤلاء مسلمون مؤمنون عند الله ووفقا لمقاساتنا، ولكن لا أحد سأل لماذا هذا الفرق بين الإيمان العميق وبين الإيمان بالحد الأدنى.
الإجابة العلمية والدقيقة تقودنا بالحتم للعودة إلى دائرة البحث العلمي تحليلا وفهما وتقريرا، ومن خلال دراسة نماذج خاصة تمثل ظاهرة عامة يمكننا من تقدير الأسباب وشرح العلل، لو عدنا لرموز التدين العميق كأشخاص والتعمق في تحليل البيانات المتوفرة عنهم نجد أن للبيئة الجغرافية الطبيعية دورا في تكوين شكلية الإيمان هذا أولا، وفي الدراسات النفسية تبين لنا أن الشعور العميق بالحاجة إلى راعي قوي يملك القدرة على الأحتواء سببا رئيسيا أخر في تشكيل طبيعة الإيمان عند الفرد، الشخص الإعرابي أو الذي يعيش حياة متحركة مشغولة بالمشاغل المتعددة التي لا تمنح الفرد المساحة الزمنية والمكانية اللازمة لتأمل والتعمق في سيرورة الإيمان مع رغبته في ذلك يكون قريبا بقدر مت يمنحه الزمان والمكان من فرصة للحد الأدنى اللازم، أما أصحاب المساحة الواسعة من القدرة على توفير الزمان والمكان والقدرة الذهنية للتأمل فهم الأقرب للدرجة العليا من الإيمان خاصة لمن عاش وأستوعب تجربة الدين من قبل، هذا الواقع التحليلي يقودنا إلى حقيقة أن مقدمات الإيمان والبيئة وطور التثقيف كلها عوامل مشتركة في صياغة شكل الإيمان وأتجاهاته وما ينعكس ذلك على سلوكيات الفرد المؤمن.
من هذه الحقيقة العلمية والتي تؤشر بما يشبه القانون العلمي أن الإيمان متربط بشكل ما وعلى درجة ما بالبيئة وبالعوامل السيكولوجية للأفراد، لذا نرى التفاوت وأحيانا الأختلاف في السلوكيات الإيمانية للأفراد والمجموعات تبعا لأختلاف المناشئ النفسية والأجتماعية أيضا، وقد تظهر السلوكيات الجمعية بشكل بارز أكثر مما تظهر بالسلوكيات الفردية، وهنا يلعب العقل الجمعي دورا مهما ومحوريا في صياغة شكل الممارسة الإيمانية ويعطيه الروحية المناسبة والمطابقة لمزاج المجموعة، العراقيون وفق هذه القاعدة العلمية لا يشذون عنها ولكن وللطبيعية السلوكية وتوجهات العقل الجمعي يميل أكثر نحو ما يناسب مزاجه النفسي الخاص، المتمثل دائما بالحنين الروحي والشعور بالغربة والمعاناة من واقعه المتناقض، لذا فهو يتصرف أحيانا بتطرف إيجابي أو سلبي ولكن ميله هذا ليس مقطوعا عن سبب أو بلا تبرير، إذا أراد أن يفرح فيطغى في فرحة والحزن كذلك، وإذا أراد أن يمنح ويعطي بكرم فهو خارج ضوابط العقلانية والأعتدال، هذا المزاج إنعكس تماما على قضبة حبه للحسين، بالرغم من أن العراقي ليس متدينا بشكل عام بمعنى ألتزامه بـأساسيات الدين اللازمة، لكنه حين ينخرط في الممارسة الدينية ينخرط بشكل متطرف وأحيانا يخرج من حد الإيمان، ليس كفرا بل لأنه يظن أنه كلما قدم أكثر أختصر المسافة بينه وبين الهدف من الإيمان.
لو كانت المزاجية النفسية والأجتماعية منفصلة عن القضية الدينية فيكون ما جرى مثلا على النبي محمد بأعتباره الأب الروحي والإيماني للمسلمين ومنهم العراقيين، أو حتى ما جرى على الإمام علي والذي يدينون بشكل غالب له على أنه إمام مظلوم وقد ظلم وقتل على أرضهم أيضا، الفرق بين الحسين في الضمير الجمعي العراقي ومزاج الشخصية العراقية بين الحسين مثلا والنبي محمد أو حتى الإمام علي يمثل برح الغربة وأستشعار الظلم الذي يعكس رغبتهم بالنصر مع عدم توفر القدرة والعذر لهم، قد يكون النبي محمد بعيدا عنهم جغرافيا ولا يمثل لهم خصيصة مع كونه نبيهم، ولا لإمام علي الذي كان حاكما وشجاعا وقاد حروبا وخاض معارك وشكل في ذاكرتهم البطل الخارق، أما الحسين فلا يملك من هذه المواصفات سوى الرغبة المزاجية بالأنتماء له ضعيفا بحاجة لمن ينصره وهو من جاء ناصرا لهم، هكذا يرى الشيعي العراقي الحسين، ويعتبره ثائرا على الظلم والظالمين، لذا أنتموا له وناصروه ميتا لعلهم يحيونه على الأقل في الوجدان الشعبي، ليمارسوا به ومن خلاله رفضهم للظلم وحاجتهم للبكاء وميلهم التعبيري عن حزن متأصل تأريخي في عمق اللا وعي.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب النجوم الإلهية
- التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح1
- التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح2
- الحركة في نص كل يوم هو في شأن
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح1
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح2
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح3
- المنقذ التاريخي شكية الصورة والإمكان
- المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح2
- المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح1
- الشيعة والسنة ومسميات الصراع بين السلطة والإيمان
- أنا وصديقي وعلي
- دراسة في بعض مرتكزات السياسة الغربية تجاه قضايا الشعوب
- الإسلام الدموي في الميزان المنطقي
- ظاهرة الوعي المؤدلج
- هل نشهد إعلان موت الدين كمعرفة أيلة للسقوط التاريحي؟. ح2
- هل نشهد إعلان موت الدين كمعرفة أيلة للسقوط التاريحي؟. ح1
- حقيقة التاريخ الما ورائي ح2
- ودع بأمر الرب
- حقيقة التاريخ الما ورائي ح1


المزيد.....




- منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سب ...
- استمرار الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية ...
- بلينكن ناقش محادثات السلام مع زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- الجيش الأميركي -يشتبك- مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر
- ضرب الأميركيات ودعم الإيرانيات.. بايدن في نسختين وظهور نبوءة ...
- وفد من حماس إلى القاهرة وترقب لنتائج المحادثات بشأن صفقة الت ...
- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - المزاج العراقي وتوظيفه الديني.. الحسين ع إنموذجا