أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح2















المزيد.....

المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7364 - 2022 / 9 / 7 - 10:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا الفكرة مع الإيمان بالنصوص الدينية أو إبعادها عن رسم الصورة لا تتعدى حلم قديم توافقت عليه البشرية بعدما وجدت في جذور الفطرة روحية الإيمان الأولى المعلقة بالسماء من حيث لا تعلم، وتوقها المضطرد للحاق بالرب فوق على أمل تحقيق الصورة المثالية المطلقة للحياة السرمدية الأبدية، التي تعط الإنسان حدود تمتع لا يمكن أن يجد مثيلا لها في الأرض، أو يتصور أن ذلك من الممكنات ،وبدأ يبني على هذا الحلم فكرة وإشارة كل أمالها من خلال توثيق الحلم وإدراجه في النص الذي وافق الظاهر الإنساني في البناء دون أن يوافقها في القصد، الفكرة القرآنية الخاصة بالمنقذ لا تتناول شخصية محددة بل تتناول حالة تتوقف عندها تغيرات في الملامح السلوكية للمجتمع عندما يرث الأرض العباد الصالحون، وهي نتيجة متوقعة من الصراع بين الخير والشر، وبالتالي الفكرة لا تتكلم عن منقذ بل تتكلم عن حالة تاريخية بانتصار منهج الله وطريقته في الحياة عندما يكون للعنصر الإيجابي الوجود القائد المتفرد بالحق وسلطانه، عندها سيصبح عالم الفضيلة والمثالية ممكن فتنزل إرادة الله في فتح بركات كل شيء ويصبح الوجود الحالي من سنخ الوجود الأخروي، ويكون الأنتقال أيضا فرديا بالمرحلة الأولى وجماعيا عندما تتحقق كلمة الرب الأولى وتنتهي مفاعيل علة الخلق الأبدية .
إن من أسباب شيوع الظاهرة وتفاقهما في الفكر الديني لها علل تاريخية وعقائدية من خلال ربط الظاهرة بالمظاهر التي يمكن أن تكون عوارض واقعية تنشأ في ظل نظام كوني لا يمكنه نكرانها، ولا يمكن القبول بها على أنها معجز تاريخي مثل الزلازل والنار التي تخرج من المشرق والصيحة في السماء وغيرها من الأحدث التي جعلت مواقيت ومواعيد للظهور، الهدف من إشاعة الفكرة أساسا هو جعل الإنسان مترقب حائر يخضع في تقدير وتدبير الحوادث لعقلية تسعى للسيطرة والتوجيه من خلال فرز المجتمع إلى مؤمن بالفكرة، وبالتالي منحه صفة الإيمان بالله وفكرة أخرى لا يتم وصفها كذلك، وهنا يسهل على الفئة المتسلطة أن تعبئ أنصارها بسلسلة من التحليلات والتخريجات التي تقود إلى السلبية من حركة الزمن وعادة الواقع والتشبث بالرأي التأويلي دون الوعي بأصلية النص وقدرته على أن يعبر الفكرة الموهومة .
نجد أن الفكرة تنمو في البيئة التي تصاب بالإحباط وبعدم القدرة على الوعي بالوعي ومن ثم الوعي بالوجود، وهنا يصبح نشر الفكرة تبرير للعجز وتخاذل عن نصرة النفس التي هي أساس طبيعي وتمهيدي لطلب النصرة من الله حسب النص الديني الإسلامي، بالطريقة هذا على المؤمن الإسلامي أن يربط الانتظار بواقعه مما يحده من العمل الحر والخروج عن قدسية البناء النصي، لأنه لا يعلم بالتحديد أولا في أي لحظة الخروج، وقد يكون في زمنها وبالتالي سيواجه بفضيحة سطرها مخترع ومروج الفكرة، أو أن المنقذ والذي هو حسب الزعم حاضر غائب سيتدخل بشكل فردي للانتقام ممن حاول الخروج على الرأي التأويلي ويناصر داع الانتظار، وبكلا الحالين يتحول الدين من ممارسة عقلية تحرر العقل من سطوة الواقع المادي الجسدي إلى إدخاله في سجن أكثر ضيقا وأقل حرية ليوافي أصل الفكرة التي من المحبذ بل المأمور بها شرعا أن تكون من أركان الدين الأساسية .
هذا الرأي لا يعني أبدا أن ننفي فكرة المنقذ وضرورتها الواقعية على الإنسان، ولكن نفترق في القراءة على مخارج الفكرة وتصورها عقليا عن المتاح من تفسير وتأويل، نعم يحتاج الإنسان للحظة محاسبة مفصلية ويحتاج أيضا لرقيب يترقب سلوكه وكأنه حاضر غائب طالما أنه مأمور بالحساب في الدنيا قبل الأخرة (حاسب نفسك قبل أن تحاسب)، لكن هذا لا يعني تعطيل مدركات الإنسان بالزمن والتوقف في كل صغيرة وكبيرة لمقارنتها بالإرث النصي، ومحاولة إقحام التفسيرات العقيدية الضيقة بدل الوسيلة العلمية والعملية التي يجري التأكيد عليها في نصوص أكثر من واقع فكرة المنذر( النصوص الدينية التي تحرر الإنسان من الانتظار تبدا من ( وقل أعملوا ...) و(كل نفس بما كسبت رهين ) وأنتهاء بـ (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت أيمانكم ).
المبدأ في القرآن الكريم العمل الإيجابي سواء كان على المستوى الفردي أو على الإطار الجماعي، وبالتالي من يتحسس هذا التناقض أو ينفيه عليه أن يعود للمقارنة القصدية في المباني التي تحتوي المشابهة أو التناقض المزعوم، إن الكتاب المحكم آياته لا يمكن أن يكون بمحل لوجود التناقض والتضارب ويحمل الفكرة ونقيضها وحتى على المستوى الحسابي المنطقي، ترديد الشيء بأكبر عدد مكن في نصوص كثيرة وبمناسبات عديدة يعطيه زخما أقوى للمنافسة في الحضور، ويمنحه جدارة التقدم على نص أو نصين غير حاسمين بالدلالة الظاهرة والخفية .
في الوقت الذي يشدد الإسلام على العمل والتدبر والتفكر والتعقل لا يمكنه أيضا التحايل على هذه الفكرة بنص أخر يمنع العمل الإيجابي، ويحرر الإنسان من الأسر الروحي لتأويلات بشرية من نصوص تحمل ظاهرا تأويلات عدة وأتجاهات متنوعة، إذ لا يمكن الحكم بأحقية أي قصد إلا من خلاله إحاطة النص بموضعيته الذاتية المقترن بمعيار الميزان الذي نزل من القرآن، وهو الوحيد الذي يمكن به فك الإشكالية والتفريق بين شكية النص وشكية الإمكان.
الفكر الديني في عمومه يركز على الأستسلام التام لهذه الفكرة وعلى لزوم البقاء في حالة ترقب لها، وهذا الفكر برغم أن فيه الكثير من التفصيلات والتحديدات التي تنافي فكرة المهدي المخلص، إلا أن ما يظهر منه على سبيل الشيوع في غالب الديانات هو أمتداد لحالة مأزومة أصلا، ملخصها أن الإنسان عاجز أن يكون بمفرده منقذا، وأن القوة الفوقية هي من تتحمل رفع حالة اللا توازن وحالة الظلم، هذه القضية أو الفكرة التي تحمل السماء المسئولية لا تخلو من ظلم هي الأخرى، ظلم الإنسان وظلم السماء وبالتالي تبرئة قوى الشر وأولها فعل الإنسان ذاته من المسئولية عما أسس وعما كسب وعما يجب أن لا يكون أصلا.
فالله أو السماء أو القوى الفوقية بعد أن منحت الإنسان كل ما يمكن أن يكون قادرا على المواجهة وزودته بتقنيات الوعي والإدراك، لن تتدخل في كل مرة يفسد فيها الإنسان وجوده، ولا تشارك أصلا في تغيير ما أختاره بوعيه أو جهله، إلا في حدود ما لا يعلم بالقوة وأنه واجب أو عليه أن يعرف أن ما لا يعلمه يحتاج إلى تذكرة أو أشارة ليمارس عملية التعلم وصولا للعلم به حتى تبلغه الحجة، قضية الإنسان مع واقعه قضية شخصية ونتيجة حتمية للتجربة وخلاصتها، فكلنا يعرف أن الظلم إنحراف وأن الشر من صنع وجودنا، ومع ذلك نمارس الظلم كما نمارس الإنحراف والانجرار نحو الخطيئة دون أن نستفيد أصلا من تجربتنا معهما.
هذا ليس مبررا كافيا لأن نلزم السماء أن تبعث مخلص أو منقذ وعلينا أن ننتظره ليكون حلا لعجز ذاتي، فمن لا يستطيع تجاوز حالة الظلم وهو يعلم ويعرف ما يعني الظلم، لا يمكنه أن يؤمن بفكرة المهدي ولا يمكن أن يتعامل معها أصلا، لأن الظالم أو من يقبل الظلم أو يروج له أو لا يقاومه كوظيفة طبيعية أعجز من أن يدرك معنى العدل، وأعجز من أن ينتظر عادلا مجهولا يمنحه ما هو أصلا من واجباته الأساسية في الوجود، الحل دوما هو في قرار الإنسان، والحل دوما في إرادة واعية تعرف أن تفرق بين الأحلام والواقع على أنهما نقيضان حتى يتحول الحلم إلى فعل على الأرض وفي خضم حركة الواقع.
قد يتهمنا البعض أننا نربك في بعض أساسيات الفكر الديني المتأصل في وعي الإنسان ونحاول الأعتداء على الإيمان بالدين، هذا الإرباك في الحقيقة ليس من جانبنا ولا نتبرأ منه، ولكن ما نمارسه من نقد فكري إنما نمس به التابو التقليدي الذي يتمسك به الكثيرون دون فهم لحقيقته، ولا تلمس لجوهر الفكرة بذاتها بعيدا عن كونها جزء من الإيمان بالدين أو هي نتاج أفكار بشرية عن نتائج قراءة ما، المهدوية ليست حلا ولا يمكن أن تكون حلا إلا إذا أمنا وأقول مخاطبا المؤمنين بكل دياناتهم، أن مشاريع السماء كانت كلها فاشلة ولم تنتج حلا حقيقيا للإنسان، وإلا ما معنى أن تكون لنا أديان ورسل وكتب وعبادات نؤمن بها ولن تستطيع أن ترسي للحلم الإنساني بالعدل من واقع، فهل هذا أن القادم المجهول سوف يمتلك قدرات أعظم وأكبر مما سبقه من أنبياء أو رسل؟ ولماذا تأخرت السماء بالحل أصلا وهي ترى أن الإنسان عبث وأفسد وظلم ولا بد من مصلح فوقي له؟.
إن مراجعة ونقد الفكري الديني الموروث يضعنا دائما أمام حقائق مغيبة صنعها الإنسان كحلول وقتية أو لتصورات تتعلق بالفشل عن التفسير والتأويل لحقائق الدين وأفكاره، فليس كل ما نؤمن به تأريخيا هو محل تقديس وألتزام به بعلاته، ولا يمكن جعل أساس تفكرينا ثبوت المخيلة الدينية التقليدية على أنها كل وكامل الحقيقة، فما كان من تسليمات أو ثوابت هي وبكل أوجه التعامل معها هو محض أفكار إنعكاسية عن مراحل زمنية للعقل الإنساني في سيرورته نحو الكشف والتقرير، وهي جزء من التجربة الوجودية للإنسان في إدراكه للوجود وما بعد الوجود المحسوس، والتي تخلق حقائق ظنية تتطور تبعا لما ينتج عن تعاملها مع الواقع أولا ومع قدرته على أن يطور هذا الواقع كوظيفة، والمهدوية كفكرة تخضع لنفس النظام والمنهج هذا، وأن تسخر في جانبها التجديدي الإصلاحي لصالح حركة الواقع ولا ينبغي لها أن تتوقف على أن الإنسان عاجز أن يبتدع ويجدد أفكاره، وصولا للخلاص الذاتي من إفرازات التعامل القسري للدين والمعرفة وإخضاعهما للذاتية التصورية.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح1
- الشيعة والسنة ومسميات الصراع بين السلطة والإيمان
- أنا وصديقي وعلي
- دراسة في بعض مرتكزات السياسة الغربية تجاه قضايا الشعوب
- الإسلام الدموي في الميزان المنطقي
- ظاهرة الوعي المؤدلج
- هل نشهد إعلان موت الدين كمعرفة أيلة للسقوط التاريحي؟. ح2
- هل نشهد إعلان موت الدين كمعرفة أيلة للسقوط التاريحي؟. ح1
- حقيقة التاريخ الما ورائي ح2
- ودع بأمر الرب
- حقيقة التاريخ الما ورائي ح1
- لا أريد الخوض في معمعة لا نهاية لها.
- الإيمان بالعالم الخفي ح3
- الإيمان بالعالم الخفي ح2
- الإيمان بالعالم الخفي ح1
- عالم الحور العين ح3
- عالم الحور العين ح2
- عالم الحور العين ح1
- على سبيل الفرض والافتراض ح8
- دين التصديق ودين التعقل


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المنقذ التاريخي أوهام الخلاص وظنون العقل التأملي ح2