أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد سوسه - سمات الشخصية الريفية العراقية في كتابات ا لدكتور علي الوردي















المزيد.....



سمات الشخصية الريفية العراقية في كتابات ا لدكتور علي الوردي


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7363 - 2022 / 9 / 6 - 21:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المجتمع العراقي كأي مجتمع آخر له تاريخه وعاداته وخصائصه وعلاقاته لاجتماعية وتنظيمه الاجتماعي وهو جدير بالدراسة، و دراسة اي مجتمع تهدف الى ايضاح المظاهر والسمات الاجتماعية وتاثير العوامل التاريخية والدينية والاقتصادية فيها، و يمكن الانطلاق منها الى دراسة التكوين الاساس لشخصية أي مجتمع بوصفها نتاجاً شرعياً لتلك العوامل ودورها في صنع ظروفه الموضوعية0و كان للدكتور الوردي السبق في هذا لدراسة الشخصية و المجتمع العراقي.وقد حاول الوردي في اكثر كتاباته ولا سيما (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) ( 1 ) أن يتدارس الشخصية العراقية وفق رؤيته وقد تناول الخصائص النفسية وتحليلها بصورة واسعة ليظهر بعض سماتها و فق الحقيقة الزمنية التي عاشها المجتمع العراقي انذاك.
كان الدكتور الوردي اول من دعا الى (علم اجتماع عربي) يدرس المجتمع العربي في ضوء خصوصياته الجغرافية والثقافية انطلاقاً من طروحات ابن خلدون وركز على عامل البداوة وقيمها واثرها في تكوين الشخصية العربية واهم طروحاته كانت هو موضوع دراستنا المجتمع العراقي بشخصياته البدوية والريفية والحضرية والتي كان يؤكد عليها في جميع أعماله .
فالدكتور الوردي من اكثر المثقفين العراقيين زخماً في الانتاج و يتميز بقدرته على التعبير الممتع واتقان الاسلوب السلس وسرد الحكايات والامثلة التاريخية وان تأثير هذا المفكر بلغ الى ادنى المستويات الشعبية وشبه المتعلمة والفئات المحافظة والدينية والحكومية وقد تمكن من الولوج الى اعماق الشخصية العراقية فيقترب منها ويتلمس حقيقتها بصراحته المعهودة وتشخيصه الدقيق من خلال الغوص داخل سلبيات المجتمع العراقي وايجابياته معتمداً على اسس منطقية للاستقراء واضعاً بعين الاعتبار أهمية ارتباط الفرد العراقي بالبيئة .
ان الاساس الذي بنى عليه الوردي دراسته للشخصية العراقية هو وضعه فرضيات ثلاثة شغلت المجتمع العراقي وجعلته يدخل في مناقشات وتحليلات سوسيولوجية وقد بقى يكافح طويلاً لتقديمها وظل يرد الهجمات التي وجهها النقاد له بين آونة وأخرى فلم يهدأ ولم يتراجع عنها. ونعتقد إن استعراض ومناقشة هذه الفرضيات هي المفتاح الرئيس لمعرفة آراء الوردي في الشخصية العراقية والشخصية الريفية خصوصاً وهذه الفرضيات هي :-
1. الفرضيةالاولى/ الصراع بين البداوة والحضارة.
2. الفرضية الثانية/ ازدواج الشخصية.
3. الفرضية الثالثة / التناشز الاجتماعي (الثقافي).

1- االفرضيةالاولى/ الصراع بين البداوة والحضارة ( 2 ): -
يعد مفهوم صراع البداوة والحضارة المأخوذ من العلامة (ابن خلدون) الأساس الأول والمنطق الذي اعتمده الدكتور الوردي في تحليله لطبيعة المجتمع العراقي وتاريخه خلال القرون الاخيرة وقد بين ذلك قائلاً (لقد اجمع علماء الآثار ان العراق كان مهبط حضارة تعد من اقدم الحضارات في العالم وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين ونجد العراق من الناحية الاخرى واقفاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة هو منبع الجزيرة العربية فكان منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا واقعاً بين متناقضين من القيم الاجتماعية قيم البداوة الآتية من الصحراء المجاورة وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم .
والمتوقع في مثل هذه الحالة ان يعاني الشعب صراعاً اجتماعياً ونفسياً على توالي الاجيال وقد يجوز ان نصف الشعب العراقي بأنهُ شعب حائر فقد انفتح امامه طريقان متعاكسان وهو مضطر ان يسير فيهما في آن واحد(3 ) .
وهذا يعني ان القيم البدوية وافدة وان القيم الحضارية متاصلة في الضمير الاجتماعي العراقي ( 4 ) .وعلى اساس هذه الرؤية شرع بدراسة المجتمع العراقي وتاريخه في القرون الاخيرة من اجل اثبات أن اخلاق البداوة هذه ظلت ومازالت تعيش بالتنافس مع اخلاق الحضارة .
ومن هذا يمكن القول ان هذه الفرضية التي تبين ان البداوة ذات تأثير حاسم في المجتمع العراقي تبدو واهية بل الاغرب من هذا ان يكرس الوردي كل كتاباته من اجل البحث عن الامثلة والسلوكيات المتميزة لدى العراقين التي حسب فرضيته متأتية من تأثير البداوة وحتى لو افترضنا جدلا ً صحة تاثير البداوة على سلوكيات العراقين فإنه من التعسف و المغالاة اعتبار كل السلوكيات والعادات متأتية من هذه البداوة .
إن عامل البداوة هو احد العوامل وليس كلها التي تؤثر في المجتمع العراقي فيكفينا على الاقل معاينة الموقع الجغرافي للعراق لكي نكتشف إن المجتمع العراقي غير مرتبط فقط بالبداوة العربية بل كذلك بالهجرات الآسيوية، فالعراق يعد نقطة التقاء عدة أقطاب حضارية مختلفة، فبلاد الشام لم ترتبط بالعراق من خلال الصحراء فقط بل من خلال نهر الفرات الذي يجتاز الجزء العلوي الشمالي من بلاد الشام ويقترب كثيراً من سواحل سوريا ويشكل خط اتصال طبيعي للهجرات الشامية الحضرية نحو العراق، اما من الشرق فهناك جبال زاجروس حيث تمتد بعدها الهضبة الإيرانية حتى وسط آسيا و من هذه الحدود ظلت تأتي جماعات مختلفة اختلطت بالعراقيين منذ القدم مثل الكاشانيين وصولاً إلى الوجود الكردي في اجزاء من شمال العراق في العصر الحديث ثم الاقوام الاخرى الإيرانية والتركستانية مثل الاخمينيين والساسانيين ثم بعد الفتح العربي بدأ التركمان ثم البويهيون ثم السلجوقيون ثم المغول اضافةً لسكان جبال طوروس والقفقاس وبلاد الاناضول التي تشمل الارمن والاغريق والرومان وانتهاء بالعثمانيين ( 5 ) .
من هذا الموقع الحساس بين مناطق حضارية واثنية مختلفة ومتناقضة جعل العراق بوتقة انصهار وتفاعل تاريخية جبارة لكل هذه الأقوام، يعتقد الوردي ان نشأة الدولة في العراق كان ناتجاً عن هجوم البدو على سكان القرى وسيطرتهم عليهم فنشأت منذ ذلك الحين في العراق طبقتان طبقة حاكمة وطبقة محكومة ) ( 6 ) .
من المعلوم أن الحضارات التي قامت في بلاد الرافدين والتي كانت على درجة عالية من الرقي وقدمت للبشرية شيئاً كثيراً من تعليم الكتابة المسمارية والتقويم والفلك إن العقول المدهشة التي استطاعت أن تجد معادلات رائعة في ذلك الماضي السحيق لإعداد المعادن واستخراجها وصناعة الفخار الملون وقدمت للعالم أقدم القوانين الناضجة والمنظمة فضلاً عن أنهم عرفوا مجموعة كبيرة من أسس العلوم والآداب وغيرها ( 7 ) .
هذا يعني إن العراق كان دولة منظمة على تعاقب الحقب الزمنية وكانت متحضرة وقوية وليس من المعقول أن تكون رهينة الهجمات البدوية والتي لم يذكر حجمها أو الأعداد التي شنت هذه الهجمات.
يقول الدكتور الوردي إن مشكلة العراق انه حين ينحسر عنه المد البدوي لا يستطيع أن يتكيف للحضارة سريعاً حين تأتي إليه فهو يبقى متمسكاً بقيمه البدوية زمناً يقصر أو يطول تبعاً للظروف التي تواجهه ومن طبيعة القيم الاجتماعية بوجه عام إنها تبقى فعالة زمناً بعد ذهاب الظروف المساعدة لها فالناس إذا تعودوا على قيمة معينة صعب عليهم بعد ذلك أن يتركوها دفعة واحدة ( 8 ) .
ونريد أن نسال هنا لماذا يبقى العراق متمسكاً بقيمه البدوية من دون القيم الحضرية مادامت القيم الاجتماعية عموماً تبقى فعالة زمناً؟ ولماذا لم يقل الدكتور الوردي إن العراقي عندما ينحسر عنه المد الحضري لايستطيع ان يتكيف مع البداوة سريعاً؟ ما عرفنا ان الحضري العريق في حضارته لا يستسيغ القيم البدوية مثلما يحتقر البدوي قيم الحضري .
إن هذه الأسئلة تلقي بظلالها على هذه الفكرة التي يقول بها الوردي إن ظاهرة المد والجزر بين البداوة والحضارة في العراق يأتي المد البدوي تارةً فيسيطر على المجتمع العراقي ثم ينحسر عنه تارةً ليظهر مكانه المد الحضري. ويذهب ابن خلدون الى القول بأن البدو لا يكاد يستولون على الامصار المتحضرة ويعتادون على ترفها وملذاتها حتى ينسوا بالتدريج خصالهم القديمة و يأخذون باكتساب الخصال الحضرية ( 9 ) .
وهنا يذكر أيضا إن التحدث غاية للبدوي يجري لها وينتهي بسعيه إلى مقترحه منها ونحن نعتقد مما تقدم ذكره إن ليس هناك صراعاً بين البداوة والحضارة ولكن هي عملية تفاعل وتكامل وتكييف للقيم البدوية مع القيم الحضارية من جهة ومن جهة أخرى إن هناك تناقضاً بين العقلية التقليدية الموروثة مع العقلية الحديثة المتأثرة بالتطورات المادية والثقافية القادمة .
و على العموم يعتقد الوردي إن هذه الفرضية لا تصلح لتفسير المجتمع العراقي في الوقت الحاضر بل هي تصلح لتفسيره في العهد العثماني في الثلث الأول من هذا القرن( 10 ).
- الفرضية الثانية/ ازدواج الشخصية
(يقول الدكتور الوردي: - ان هذه الفرضية ليست من افكاره و انما اقتبسها و عد لها و حورها حسب ما رأى لتلائم طبيعة المجتمع العراقي و يعترف انه اخذها من (مكايفر) الاسكتلندي ) يرى الدكتور الوردي إن ازدواج الشخصية ظاهرة اجتماعية موجودة في كثير من المجتمعات البشرية وسببها وقوع المجتمع تحت تأثير نظامين من القيم فيضطر بعض الأفراد من جراء ذلك الى الاندفاع وراء احد النظامين تارة، و وراء الآخر تارةً أخرى فهم يناقضون أنفسهم من دون اكتراث ظاهر .فهو يجد الفرد العراقي من أكثر الناس هياماً بالمثل العليا والدعوة إليها في خطاباته وكتاباته ومجادلاته ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافاً عن تلك المثل في واقع حياته . أي انه ليس منافقاً أو مرائياً بل هو في الواقع ذو شخصيتين وهو اذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعله آنفاً بالشخصية الأخرى . وقد أجاد الدكتور الوردي في تقديم كثير من الأمثلة التي تؤكد حدوث الازدواج في الشخصية العراقية حسب رأيه الذي يؤكد على ان الازدواج مركز ومتغلغل في أعماق نفوس الشعب العراقي . ويرى الدكتور الوردي بأن هناك عدة أسباب وراء هذا الازدواج في الشخصية العراقية ومنها ( 11 ) :
1. الناحية الحضارية .
2. الناحية الاجتماعية .
3. الناحية النفسية .
فمن الناحية الحضارية يقول الدكتور الوردي بأنه نشأ في العراق نظامين من القيم نظام يؤمن بالقوة والبسالة وتسود فيه قيم الإباء والشجاعة والكبرياء وما إلى ذلك من صفات المحارب الفاتح والتي تتمثل بالحضارة البدوية المحاربة ونظام آخر يؤمن بالكدح والصبر ويمارس أداء الضريبة والخضوع والتباكي وهي حضارة زراعية ( 12 ) .
إن هذا الصراع الحضاري كما يعتقد الدكتور الوردي قد اثر في شخصية الفرد العراقي تأثيراً بالغاً فأصبح مضطراً أن يقتبس نوعين من القيم الاجتماعية طبقة البدوي الغالب وطبقة الفلاح المغلوب .
ومن الناحية الحضارية أيضا ظهر الازدواج في الشخصية العراقية في كثير من الجوانب ومنها العيش في عالمين متناقضين عالم الفكر المثالي وعالم الفعل الواقعي وعلى أساس هذا التناقض ظهرت النزعة الجدلية التي يميل أهل العراق إليها والتي جاءت نتيجة الظروف التي مرّ بها العراق ومنها ظهور المدارس الفلسفية والدينية وظهور كثير من الأعلام و الأخيار و خصوصاً في عصر الدولة العباسية ومروراً بباقي العصور .
وبهذا يقول الدكتور الوردي إن هذه النزعة الجدلية تجعل الناس مثاليين في تفكيرهم أكثر مما ينبغي و إنها تعلم الفرد أن يطلب من غيره أعمالا لا يستطيع هو أن يحققها في نفسه ويرى الدكتور الوردي من باب التعجب إن ازدواج الشخصية يكون واضحاً بين المثقفين ورجال الدين فكل واحد منهم تارةً يحدثك عن المثل العليا وينتقد من يخالفها ، وكذلك الفرد في مجتمعنا مضطر أن يكون دينياً في ناحية من حياته ودنيوياً في ناحية اخرى. ونتيجة لتأخر المدن العراقية وخصوصاً في العهد العثماني حاولت مجتمعاتها ان تنظم نفسها على أساس عشائري وهذا أدى إلى انتشار القيم البدوية بشكل كبير0وبهذا أصبح الفرد العراقي شديد التمجيد لقوّته كثير التباهي بها متعصباً لمدينته أو محلته كما يتعصب البدوي لقبيلته في الصحراء ( 13 ) . حيث إن المناخ الاجتماعي السائد في تلك المدة كان يسوده كثير من المعارك بين العشائر تارةً وبين الحكومة و العشائر تارةً أخرى أو بين المحلات ، اما العامل الآخر الذي يؤدي الى ازدواج شخصية الفرد العراقي فهو العامل الاجتماعي ويتمثل هذا العامل بالجماعة الاولية ومنها الاسرة ويصفها الدكتور الوردي بأنها من اهم العوامل في تكوين الشخصية البشرية بصورة عامة وفيها يتقولب الفرد مع قيم ومبادئ الاسرة فيرى ان هذا الازدواج يحدث من خلال انقسام في أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة والطفل الذي أطلق عليها ظاهرة (التجزء) وقد عمّم هذا على جميع العوائل العراقية خاصة في المدينة حيث جعل المرأة مجالها البيت لا ينبغي ان تحيد عنه والرجل مجاله في اوقات فراغه المقهى بينما يذهب الطفل الى الزقاق يلعب مع اقرانه ان هذه الظاهرة(التجزء) ما هي الا حالة طبيعية كما اعتقد لان العائلة العراقية تعمل جزءاً من نظام اجتماعي متكامل من الادوار بين الاب والام والطفل وهذا التقسيم تقوم عليه مجمل التربية الاسرية في المجتمع العراقي والذي له بصمات قوية على سمات الشخصية العراقية ومظاهرها وذلك بسبب ما تلعبه القيم والمفاهيم في الحياة الاجتماعية في المجتمع العراقي .
ان عزل المرأة وجعلها في مجال البيت لأنها نقطة الضعف الأساسي في العائلة على وفق الفهم الأبوي للمراة بوصفها(عورة) جسداً ونفساً وسلوكاً وهو ضمان للحفاظ على (مرآة) العائلة من الخدش وبهذا وجدت المرأة نفسها في مجالات العرف والتقليد والتشريع حبيسة أوضاع تقليدية صنعها المجتمع لها ويشيد الوردي بكثرة المقاهي في العراق حيث بيّن سبب هذه الظاهرة هو حجاب المرأة اولاً وتعالي الرجل عن المكوث معها وجعلها اقل منزلة منه ثانياً .ان الغريب في الامر ان يعزى نشوء المقاهي لهذين السببين لان حجاب المرأة يمثل الحشمة والعفة في العرف الاجتماعي من ناحية ومن ناحية اخرى فهو التزام ديني كما يؤكده الدين الإسلامي ويلتزم به العراقيون أما تعالي الرجل على المرأة وجعلها اقل منزلة منه فهي نتيجة جاءت من سلطة الرجل فالمجتمع العراقي في ريفه و باديته تكون فيه الأسرة ذات سلطة أبوية كما هو معروف في اكثر العصور فالرجل يمارس جميع الأدوار فهو سيد البيت والمعلم والمرجع الديني والثقافي وجميع افراد العائلة يتحولون الى متلقون للسلطة الابوية، هذا من جانب ومن جانب آخر كان ينظر الى النساء على انهن تابعات للرجال ان ازدواج الشخصية الذي يراه الدكتور الوردي من خلال ظاهر ة الفصل بين عالمي الرجال والنساء ما هو إلا تعدد ادوار في الحياة الاجتماعية فلكل منهما عالمه الخاص الذي حدده المجتمع له حسب التقاليد والعادات المتعارف عليها وهذه الأدوار تؤدي إلى التكامل وليس إلى التناقض كما يعتقد الدكتور الوردي فالقيم واحدة عند الرجال والنساء على حد سواء و لا يمكن ان يؤدي الى الازدواج في الشخصية0اما الركن الثالث في الأسرة فهو (الطفل) وعلاقته مع اقرانه في الزقاق فإنه يرى كل طفل يحاول ان يكون بطلاً تجاه البشر ويكون مخنثاً تجاه القدر إي ان يكون ميالاً الى التحدي والمغالبة في الوقت الذي يكون فيه ميالاً الى التألم والخنوع ويقول الدكتور الوردي( نحن نعود أطفالنا منذ صغرهم على أن يتظاهروا بالوقار والرزانة أمام الكبار فهم يحاولون ان يكونوا عقلاء مهذبين عند حضور أبائهم لكنهم يتخلون عن أدبهم الظاهري عند العودة إلى الزقاق وهكذا يخلعون القناع المصطنع في غياب الأب وبذلك تنشأ فيهم شخصيتان شخصية الزقاق و أخرى للظهور أمام الناس ويرى الباحث ان تظاهر الطفل امام الكبار بالوقار والرزانة من القواعد الأخلاقية والتربوية التي نشأ عليها أولا ولمواجهة الطفل لكثيرٍ من الأوامر والنواهي التي تصب باتجاه القيم العامة للمجتمع ثانياً، فنحن لا يمكن ان نفهم الطراز الكلي للشخصية الاّ على اساس مجموع تجارب الطفولة مضافاً اليها المؤثرات الناجمة عن أحوال حياة البالغين فخبرات الطفولة لها تأثير كبير وواضح في شخصية الفرد بل انه يكون من الصعب إحداث تعديل جوهري فيها أما ما يقوم به الطفل مع اقرانه من الاطفال في الزقاق فهو دور يقوم به للتعامل بالمثل مع اقرانه من الأطفال كعضو في جماعة اللعب .
في تصوري ان هذا ليس ازدواجاً بل هو ادوار في سلوك الطفل فهو لا يختلف عن أطفال المجتمعات الأخرى حيث ان (الأطفال في أي مجتمع يشبهون الأطفال الآخرين في اي بقعة من بقاع العالم مما يشبهون الأفراد الكبار في مجموعتهم) ( 14 ) فالمرحلة الاولى التي يلعبها و هي البنوّة في البيت و المرحلة الثانية و هي عضويتّه لّلعب مع اصدقائه .ويرى الدكتور الوردي ان ازدواج الشخصية في العراق أمر كثير الحدوث في المدن عادةً وقليل في الريف ونادر في البادية ان الذي يهمنا في هذا هو المجتمع الريفي فإن الازدواج يظهر عند الأفراد الذين يخالطون أهل المدن ويتأثرون بمجادلاتهم ومواعظهم الدينية ( 15 ) وهذا يحدث عندما تتحول القبيلة البدوية من الرعي إلى الزراعة وتتصل بالدين وتعاليم الدين .
ان سلوك العشائر يتأثر بما تأثرت به الحياة المدنية فوصلتها الاختلافات المذهبية والعادات والتقاليد الدينية نتيجة استقرارها وتوطنها كما إن رجال الدين قد وجدوا الطريق أمامهم مفتوحاً لتعليمهم و إرشادهم في أمور دينهم ودنياهم فمن مميزات المجتمع الريفي شدة تمسك أبنائه بالدين ( 16 ) .
أما العامل النفسي فانه لا ينفصل عن العامل الاجتماعي كما يراه الدكتور الوردي اذ ان كل ظاهرة اجتماعية لها جانب نفسي و ان كل ظاهرة نفسية لها جانب اجتماعي.
وعلى العموم يقول الوردي ان ازدواج الشخصية أخذ يتضاءل في المجتمع العراقي بعد زوال العهد العثماني واني حين أقارن ما نحن فيه الآن وما كنا فيه في العشرينات أجد بوناً شاسعا ( 17 ) 3. الفرضية الثالثة / التناشز الاجتماعي (الثقافي)
اقتبس الوردي هذه الفرضية عن (وليم اوكبرن) الامريكي بعدما عدلها و حورها و جعلها تلائم طبيعة المجتمع العراقي. يقول الدكتور الوردي ( إن التناشز الاجتماعي يرادف كل تغير يقع في المجتمع وكلما كان التغيير اكبر و أسرع كان التناشز الاجتماعي اشد و أكثر تنوعاً وسبب التناشز إن عناصر التراث الاجتماعي لا تتغير كلها على وتيرة واحدة أو بسرعة واحدة فمنها ما يتغير بسرعة وعلى درجات متفاوتة وهذا يؤدي إلى ظهور بعض المشاكل الاجتماعية) ( 18 ) .
ويقول أيضا( من طبيعة التغيير السريع انه لا يؤثر في جميع أجزاء الكيان الاجتماعي بدرجة واحدة فكثيراً ما يكون هناك جزءان مترابطان ثم يحدث التغيير في احدهما دون ان يحدث في الأخر فيؤدي ذلك الى صراع أو توتر أو تناقض بينهما) ( 19 ) .
وقد بين ذلك في استشهاده بالكثير من الأمثلة ومنها ( ان الاب يسمح لابنته ان تدخل المدرسة ثم تتعين في وظيفة خارج البيت ولكنه في الوقت نفسه يريد منها ان تكون مثل أمها لا تعرف من دنياها سوى الطاعة والخضوع على طريقة(خايب يا گلبي) و اذا علم ان ابنته وقعت في الغرام انتفض غاضباً يريد ان يغسل عن نفسه و أسرته العار الذي لحق به (20) . ان هذه الفرضية صادقة فما زال التناشز الاجتماعي قائماً لحد الآن حقيقة اجتماعية موجودة في الكثير من طبقات المجتمع المثقفة منها وغير المثقفة .
الشخصية وظروف المجتمع الريفي
ان الهدف الاعلى لكل فرد من ابناء القبائل العراقية هو أن يتبع القيم البدوية ولكن المشكلة ان الظروف في الريف العراقي تضطر الفرد أحيانا إلى الانحراف عن القيم البدوية لان اكثر الظروف الموجودة في الريف العراقي غير موجودة نسبياً في الصحراء اذا ما علمنا ان القيم البدوية نشأت في الصحراء وتكيفت للحياة فيها ادركنا مشكلة تلك القيم عند انتقالها إلى الريف .وهذه الظروف هي:-
1. وجود سيطرة الحكومة.
2. وجود الاسواق وظهور واقع الربح وحب المال.
3. ظهور بوادر الاقطاع في الريف .
4. استفحال بعض الامراض .
5. استغلال المرأة الريفية.
اعتقد ان الظروف الريفية اعلاه التي حددها الدكتور الوردي يمكن ان تكون مدخل الى ابراز سمات الشخصية الريفية من خلال المعلومات المتوفرة في اكثر كتابات الدكتور الوردي وهي حقيقة لايمكن ان يغفلها اي متخصص في دراسته الريف العراقي أو المجتمع العراقي باعتبار ان المجتمع الريفي يمثل اكثر من نصف سكان العراق واذا ما اردنا ان نؤكد هذه الحقيقة كان لزاماً علينا الخوض فيها بشيء من التفصيل لنقف على اهم هذه السمات .
1- سيطرة الحكومة:
يرى الدكتور الوردي ان القبائل العراقية كانت تنظر الى الحكومة كأنها العدوة الطبيعية لها وهذه نظرة ورثتها من البداوة فالثقافة البدوية لها مركبات ثلاثة هي ( العصبية والغزو والمروءة ) وهذه المركبات كلها مضادة لوجود الحكومة فليس في مستطاع الحكومة ان تقوم بوظائفها بين اناس يتعصبون قبلياً ويغزو بعضهم بعضاً ويتبعون قيم الدخالة والنجدة والجوار) ( 21 ) .
على الرغم من امتلاك الوردي المعلومات التاريخية التي تعينه على استكشاف العوامل العديدة التي حددت شخصية المجتمع العراقي وسلوكه تجاه الحكومة والسياسة الجائرة التي مارستها ضد القبائل الريفية فهذه القبائل كانت تعد الحكومة رمزاً للضريبة والسوط والسجن والقهر والتسخير، و هذا تراث قديم إلاّ انه للاسف مصرٌّ على التغاضي عن هذه المعلومات التي يوردها الوردي نفسه في اكثر من كتاب ليعود من جديد إلى عامل البداوة فيقول ان القبائل العراقية كانت تنظر الى الحكومة كأنها العدوة الطبيعية لها وهذه نظرة ورثتها من البداوة كما اسلفنا.
إذن فأهم الامور التي يخشاها الفلاح العراقي في حياته هو ان يأتيه الموظفون والجباة ليحصوا اغنامه أو يخمنوا حاصلاته الزراعية في سبيل فرض الضريبة عليه فهو يحاول التهرب منهم أو الكذب عليهم لكي يتخلص من الضريبة بقدر الامكان وهو يحلف لهم بأغلظ الايمان لكي يجعلهم يصدقون بقوله في هذا الشأن وهو اعتاد إن يكون ذليلاً خنوعاً تجاههم يتحمل منهم الصفعات و الاهانات فلا يعترض أو يحتج ( 22 ) .
إن الفلاح العراقي قد يكون عزيز النفس أبيا أنوفاً تجاه أقرانه من ابناء القبائل ولكنه أمام السلطة الحكومية يتقمص شخصية اخرى ، ويقول كانت سياسة الحكومة تجاه العشائر تتركهم يتقاتلون ويتناهبون فيما بينهم والمعروف عن الحكومة العثمانية انها كانت تشجع فيهم هذا القتال والتناهب احياناً في سبيل اضعافهم على طريقة ( فرق تسد ) لان همها في الحكم إلا ان تجبي من الناس الضرائب و المغارم وليفعلوا بعد ذلك بأنفسهم ما يشاؤون وقد استفحلت العصبية القبلية بين الناس كما استفحلت القيم المرادفة لها كالثأر و الدخالة والنخوة والغزو والنهب وغسل العار و النهوة ( 23 ) .
وقد ادت هذه الحالة الى انتشار الأساليب العشائرية في سبيل حماية الارواح وضبط الامن ومما يؤثر عن ذلك العهد ان كثيراً من المدن العراقية حاولت تنظيم نفسها على اساس عشائري فتنتخب شيوخاً لها وتطالب بالثأر وما الى ذلك من الاساليب العشائرية فأصبح الفرد العراقي شديد التمجيد للقوة كثير التباهي بها متعصباً لمحلته وعشيرته ( 24 ) .
وعلى هذا فإن كثير من افراد القبائل ما يزالون يستنكفون ان يقدموا الشكوى الى الحكومة حول قضية قتل أو اغتصاب او اعتداء تحدث بينهم فهم يعدون ذلك منافياً لقيم الرجولة والعصبية فالرجل منهم يفضل ان يأخذ ثأره من خصمه بنفسه اما الذين يذهبون الى الحكومة يطلبون منها ان تأخذ بثأرهم فهم في نظره ضعفاء اذلاء مخنثين ، فالرجل السبع هو الذي يأخذ حقه بذراعه ولا يعتمد على غيره .
2- وجود الأسواق وظهور واقع الربح:
يقول الوردي ( لقد ورث الفلاح من سلفه البدوي صفة تجعله يفكر في يومه ولا يحسب حساب غده حسب المثل القائل ( اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب ) انه يأمل ان يسدد جميع ديونه في موسم الحصاد وهو واثق بأن الله و اولياءه سيساعدونه في ذلك على اي حال ان هذه الفلسفة كما يعرفها الجميع هي التي جعلته لا ينظر الى غده بل يسير على القول( غديني اليوم وموتني باچر) لانهم اكثر ايماناً بالقضاء والقدر وبكلمة اخرى انهم اتكاليون هذا من جانب ومن الجانب الآخر فإن الفلاح العراقي يعتمد كلياً على الحاصل الزراعي وحتى موسم الحصاد فهو يكون تحت رحمة الاشخاص الذين يعيشون ويجمعون الثروة عن طريق استغلاله فهم يقدمون له الاموال والبضائع التي يحتاجها ويضيفون عليها رباً فاحشاً ولهذا نجد الديون تتراكم عليه في اكثر الاحيان فحتى موعد الدفع أو الوفاء بالدين تجده عاجزا ًعن ذلك فيضطر الى اعادة تسجيل الدين وبالتالي مضاعفة الربح عليه فنجد حياته كلها ضيق وعوز وحاجة ويصح فيها قولهم ( يركض و العشى خباز ) ان ظاهرة تسديد الديون من قبل الفلاح تضطره الى اتخاذ عادة المماطلة والكذب والتسويف.
ويقول الوردي (قد يعاني الشخص الريفي في العراق صراعاً نفسياً من جراء وقوعه بين دافعين متناقضين هما دافع الربح وكسب المال من ناحية ودافع المحافظة على التقاليد البدوية و الاعتبار الاجتماعي من ناحية أخرى ( 25 ) .
وبالرغم من ان الرجل الريفي كسلفه البدوي يحتقر كثيراً من المهن ولكن بدافع من حب المال والربح اخذ يعمل في كثير منها برغم النظرة التي يراها فيها و دخل الاسواق وعمل بالتجارة ومن هذا يقول الدكتور الوردي ان المهن المحتقرة في المجتمع الريفي تنقسم الى اربعة فئات وأكثر هذه الفئات هي (الحياكة و يأتي بعدهم الحساوية اي الذين يزرعون الخضر ثم البربرة اي الذين يصيدون السمك بالشبكة و أخيرا يأتي المعدان وهم الذين يعيشون على تربية الجاموس ان هذه الاعمال في نظرهم معيبة جداً إذ هي تجعل أصحابها كالبقالين المتجولين الذين يحملون بضائعهم في القرى و الأسواق لبيعها .
ويرى ان المجتمع الريفي يعاني مشاكل منها الاعتبار الاجتماعي الذي يحتاج الى المال فالمضيف مثلاً هو اهم دعائم الاعتبار الاجتماعي في الريف يجب ان يتوافر فيه الطعام والفراش لكل ضيف يأتي اليه وكلما زاد عدد الضيوف فيه ارتفعت منزلة صاحبه في نظر قومه فمن اين يأتي صاحب المضيف بالمال لينفقه على ضيوفه و المحصول الزراعي قد لا يكفي في ذلك أحيانا فصاحب المضيف مضطر أن يهمل المضيف أو يلجأ إلى طريقة غير لائقة لكسب المال له وفي هذا الموضوع لدينا الآن في الريف العراقي تياران متناقضان احدهما يتمثل في رجال من اُولي الشرف والنسب وقد أصيبوا بضائقة مالية فأهملوا مضائفهم أو اغلقوها فخسروا بذلك مكانتهم الاجتماعية و آخرون رجال من أصل وضيع أو مهنة محتقرة ولكنهم كسبوا ثروةً وفتحوا مضائف خاصة بهم فنالوا شيئأً من المكانة الاجتماعية حيث اخذ بعضهم يضع نفسه شيخا ًفجمع من حوله المقربين وصار يقودهم ويتكلم عنهم ويتبنى مشاكلهم حتى صاروا يلقبون (بشيوخ التسعين) اي انهم ليسوا من اولى الحسب والنسب ولكن الأموال هي التي صنعتهم وجعلت لهم اعتباراً اجتماعياً.
3- ظهور بوادر الإقطاع
يرى الوردي ان كل العادات المنتشرة في الريف هي من اصل بدوي بما فيها السلوكيات الاكثر طبيعة فيحاول الشيخ الريفي ان يتشبه بالشيخ البدوي في جميع قيمه و أخلاقه فهو يود أن يكون شجاعاً كريماً يحمي الجار والدخيل واللاجئ والضعيف ويجلس في المضيف يحل مشاكل قبيلته وهو يمثلها في المفاوضات . ويعطينا الوردي في الوقت نفسه صورة اخرى عن الطبيعة الريفية العراقية قائلاً ( ان الضيافة في الريف كما هي في البداوة لها وظيفة اجتماعية مهمة فالشيخ ينال بها السمعة و أتباعه ينالون بها ما يحتاجون إليه من الطعام اللذيذ ( 26 )
وحتى يبين طبيعة الاستبداد وظهور الإقطاع في الريف العراقي وأثره في الشخصية فقد فرق بين طبيعة الشيخ الريفي وبين طبيعة الشيخ البدوي قائلاً(ان الشيخ البدوي هو كما وصفه ابن خلدون متبوع لا قاهر فهو يستمد وجاهته و رئاسته من التفاف قبيلته حوله واحترامها لهُ فليس لديه قوة أو حرس خاص يفرض بهم امره على قبيلته اما الشيخ في الريف العراقي فمنهم من يتعهد للحكومة بالتزام جباية الضرائب من العشائر و الأفخاذ الخاضعة لهُ وهو يؤلف لهُ حرسا خاصاً به ويتخذ عدداً كبيراً من العبيد يساعدوه في جباية الضرائب وفرض العقوبات و المغارم على اتباعه ولبعض الشيوخ الكبار سجوناً ووسائل للتعذيب والعقوبة . فقد اصبح الشيخ في مثل هذا الوضع لا يخلو من بعض مظاهر ازدواج الشخصية فالقيم البدوية تدفعه لان يكون مشهوراً بحماية الجار والدخيل والكرم والضيافة والحكومة تدفعه من جانب آخر نحو الاستبداد والظلم .
وهنالك عامل آخر سبب في ظهور الاقطاع واستبداد الشيوخ هو ان الفلاح لا يملك ارضاً خاصة به بعد ان سجلت بأسماء الشيوخ و انما يزرع في ارض يخصصها له الشيخ والمحصول الزراعي يقسم الى ثلاثة اقسام يذهب احدهما الى الشيخ والثاني للحكومة والثلث حصة الفلاح وهي حصة قليلة جداً لا تكفيه لمعاشه ومعاش عائلته فهو مضطر ان يسرق من حصة الحكومة أو الشيخ كلما اتيحت له الفرص وهذا منافٍ لقيمه الأصلية.
4-الأمراض في الريف :
ان انتشار الامراض في الريف يلعب دورا ًفعالاً في تكوين الشخصية فقد جعلت الشخص الريفي ينظر الى الدنيا نظرة تختلف عن نظرة سلفه البدوي لها حسب رأي الدكتور الوردي ويقول ايضاً ان الضرر الصحي ينشأ لدى القبائل التي تنتقل الى العراق و تستقر في قرى زراعية شبه ثابتة وهناك من اسباب المرض عادتان هما (حفي الاقدام و التغوط على الارض التي تؤدي الى مرض الدودة الشصية (الانكلستوما) اضافةً الى انتشار البلهارزيا و الملاريا ويعتقد ان هذه الامراض هي سبب ضعف المناعة في سكان الريف) ( 27 ) .
ان هذا الضعف يؤدي بالتالي الى اضعاف قدرة الرجل الريفي على العمل اولاً واعتقاده بمعالجة المرض عن طريق زيارة العتبات المقدسة وتقديم النذور للتقرب الى الله ليساعده على الشفاء اي انه يتجه الى الدين والانشغال بالعبادات وقد دلت الدراسات العلمية على ان كثيراً من الامراض المنتشرة بين سكان الارياف في مناطق مختلفة من العراق سببها الرئيسي هو التغذية التي تدخل في بناء كيانه وجعله قادراً على مقاومة مختلف الامراض ( 28 ) .
وهنا يلعب الفقر في اوساط الريف مصدر بلوى يمكننا ان نجد آثاره في حياتهم وخاصةً في غذائهم الخالي من النفع في اغلب الاحيان فبسبب الحرمان والاستبداد الذي يمارس عليه من قبل الحكومة و الاقطاع (الشيوخ) انخفض مستواهم المعاشي والصحي وقلت قابليتهم على الانتاج وكفاءتهم في العمل .
5- المرأة في الريف:
لا تكاد القبيلة تحترف الزراعة حتى يتغير فيها وضع المرأة فهي عندئذ تهبط في
منزلتها الاجتماعية هبوطاً ًفضيعاً وهي تبدأ بفقدان الامتيازات التي كانت لها من قبل وكلما توغلت القبيلة في طريق الحضر فأخذت تربي الجاموس وتزرع الخضر وتمتهن البقالة ازدادت منزلة المرأة هبوطاً.
وهو في هذه الحالة يعرضها الى ظروف جديدة يمكن من خلالها ان تؤدي بها الى الهاوية أو الزلل نتيجة الاختلاط بالمدينة، من ناحية اخرى نجد ان المرأة في الريف هي مقياس الشرف وعنوان العزة والكرامة والعار كل العار ان زلت بها القدم ولم تلق نصيبها المحتوم غسلاً للعار وتخلصاً من تلك الوصمة المشينة لان المجتمع العشائري يتصف بالعفة والطهارة 0أما في الزواج فإن المرأة ليس لها رأي في ذلك ولكن الأهل هم الذين يختارون الزوج حسب شروط يجب توفرها بالخاطب تتلخص بان يكون عريق النسب طيباً شجاعاً ولم يلحق ببيته أو عشيرته وصمة عار وغير ملوث الدم بدم آخر(العبودية والرق) وان يكون من بيت غير ذي صنعة أو حرفة محتقرة ( 29 ) . وتنتشر ظاهرة اجتماعية قد تؤثر في حياة المرأة في الريف وهي (النهوة) التي يمارسها ابن العم على ابنة عمه في موضوع الزواج و اعطائه الحق في مصيرها اضافة الى هذه الظاهرة هنالك ظاهرة اخرى وهي ( الفصلية ) التي تجعل من المراة حاجة يمكن من خلالها المساومة عليها من اجل حسم المشاكل العشائرية.
و على اساس ما تقدم ذكره نستطيع ان نلخص ابرز السمات التي تميزت بها الشخصية الريفية العراقي من خلال كتابات الدكتور الوردي و هي كما يلي:
1 . كره الحكومة . 2 . الخنوع . 3 . الثأر 4 . القدرية والغيبية . 5 . الاتكالية
6 . المماطلة و الكذب و التسويف. 7 . الكرم. 8 . الازدواجية 9 . غسل العار. 10 . النصرة. 11 . الشرف.
المصادر
1 . الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مطبعة العاني، بغداد، 1965.
2 . اقتبس الوردي هذه الفرضية من فكرة صراع البداوة و الحضارة م ابن خلدون انظر في: الوردي، علي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1، مطبعة الرشاد، 1969، ص297.
3 . الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مصدر سابق، ص11.
4 . عمر، معن خليل ، رواد علم الاجتماع في العراق ، دائرة الشؤون الثقافية، بغداد، 1990، ص19.
5 . دلو، برهان الدين، حضارة العراق و مصر، دار الفارابي، بيروت، 1989، ص287.
6 . الوردي، علي (الدكتور)، شخصية الفرد العراقي، مطبعة الرابطة، بغداد، 1951، ص13.
7 سليمان، عامر، جوانب من حضارة العراق القديم، العراق في التاريخ، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1983، ص181.
8 . الوردي، علي ، شخصية الفرد العراقي، مصدر سابق، ص14.
9 . ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج1، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1971، ص103.
10 .المطبعي، حميد، علي الوردي يدافع عن نفسه، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، المكتبة العالمية، بغداد، 1987، ص93.
11 . الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مصدر سابق.نفسه، ص39.
12 . الوردي، علي ، شخصية الفرد العراقي، مصدر سابق، ، ص40.
13 . الوردي، علي ، شخصية الفرد العراقي، مصدرسابق ، ص45.
14 .كلوكهن ، كلايد، الإنسان في المرآة، ترجمة د. شاكر مصطفى سليم، المكتبة الأهلية، بغداد، 1964، ص295.
15 الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، ص294.
ا16 . الهلالي، عبد الرزاق، الريف و الإصلاح الاجتماعي في العراق، ط1، مطبعة شركة الطبع و النشر، 1960، ص69.
17 . الوردي، علي ، الفرضيات الثلاثة حول المجتمع العراقي، جريدة القادسية، العدد 1861، 1986.
18 . المطبعي، حميد، علي الوردي يدافع عن نفسه، مصدر سابق ، ص121.
19 .الوردي، علي ، لمحات اجتماعية عن تاريخ العراق الحديث، ج1، مطبعة الرشاد، بغداد، 1969، ص288.
20 . المطبعي، حميد، علي الوردي يدافع عن نفسه، مصدر سابق ، ص161.
21 . الوردي، علي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مصدر سابق ، ص173-174
22 . المصدر نفسه، ص203.
23 .ملف خاص، نحو علم اجتماع عربي معاصر، مجلة افاق، عدد/7، 1972، ص81.
24 . الوردي، علي ، شخصية الفرد العراقي، مصدر سابق ، ص15.
25 . الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، ص206.
26 . الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، مصدر سابق ، ص195.
27 .الوردي، علي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، ص221.
28 . الهلالي، عبد الرزاق، نظرات في اصلاح الريف، ط3، دار الكاشف، للنشر، 1954، ص33.
29 فرحان، اسيا كمال، دور المرأة في النشاط الاقتصادي مع تركيز خاص على دور المرأة الريفية، رسالة تقدمت بها الباحثة، الى مجلس كلية الادارة و الاقتصاد في الجامعة المستنصرية لنيل شهادة الماجستير، 1980، ص221-222.



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعب 56
- - ماكو ولي الا علي ونريد قائد جعفري -
- الأسلوب Style
- المحاضرة LEATRE :
- صور تطبيق الديمقراطية 1 - 5
- صور تطبيق الديمقراطية 1 – 4
- صور تطبيق الديمقراطية 1 – 3
- صور تطبيق الديمقراطية 1 – 2
- صور تطبيق الديمقراطية 1 - 1
- صور تطبيق الديمقراطية
- مفهوم الديمقراطية
- صور الولاء في المجتمع العراقي . 1 3
- صور الولاء في المجتمع العراقي 1 _ 2
- صور الولاء في المجتمع العراقي 1 - 1
- صور الولاء في المجتمع العراقي 1
- صور الولاء في المجتمع العراقي
- مفهوم الولاء
- وجهة نظر علم النفس بالتنجيم
- ماذا يعتقد الناس عن سر الحسد
- السحر Magic


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد سوسه - سمات الشخصية الريفية العراقية في كتابات ا لدكتور علي الوردي