أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرؤوف الشريفي - قالت لي اورفان/ رواية بنكهة زرادشتية















المزيد.....

قالت لي اورفان/ رواية بنكهة زرادشتية


عبد الرؤوف الشريفي
كاتب.

(Abdul Rauf Al-shuraifi)


الحوار المتمدن-العدد: 7344 - 2022 / 8 / 18 - 01:13
المحور: الادب والفن
    


انا رجل اخر. يشبهني. لا اعرفه. يسير في وحشة البياض وحيدا، وبيده كتاب. يبصر معبدا في وسطه تتلهب طاسة من نار . فيدنو على صوت فتاة تناديه ( تعال الي انا اورفان)، ثم تقوم اليه من على النار. تفتح ذراعيها، ويتقدم هو ليضمها. لكني اهب من حلمي هذا على صياح الجند، (الزنج يقتحمون). فالتحق بفرقة البلالية والسعدية لندفع الاعداء عن بوابة الابلة. نشد عليهم. ونصبر ساعة على حر السيوف حتى ينكشف الفجر عن هزيمة نكراء لاعداء الله من الزنج كاسحي السبخ. وتنكسر شوكتهم مؤقتا ريثما يصل جيش الخليفة الموفق بعد ٣١ هجمة وبعد ١٣ يوما من الحصار.
وهذه الليلة الثالثة المتتالية التي تقع ذات الرؤيا ويوقظني فيه صياح الجند.

وفي اللقاء الاول, قالت لي اورفان : ليس في الانسان قلبا واحدا. ان هو الا نثار النور والظلمة، تتعاندان او تتواليان في دورة لا تنتهي. وقد تتصلان معا في تركيبة غريبة. فيعيش المرء في منطقة وسطى.
وفي الحقيقة انني كنت ارى بعض ما كانت تقول. فخشيت على ديني من دينها. لكنها روضت افكاري. وقالت تعال نتفق. وبودي لو اقول لها تعالي اقبلك.

بعدها كان قلبي يجر روحي اليها فنختلي معا في بقعة مسورة بالعشق. تفتح الى نهر اليهودي الذي اقطعه الخليفة الرشيد الى طبيب يهودي حاذق من البصرة اسمه ماسر تكريما لعلاجه أحدى جواريه الحسناء بعد القنوط من شفائها. كنانسمع الامواج تقبل الضفاف. ثم تمضي الى منبع الامواج وسط النهر. كما النفس مصدر كل الاعمال واليها تعود اثارها. ومن حولنا تدور أربع شجيرات ثمراتها كواكبا معلقة، من الليمون, والسدر الهادئ, والتين الاخضر الفاتح, والزيتون المجنون العكش. فنعيش مزاج متبدل من الخيالات, فالروح ان لازمت الجسد ثملت. وان غادرته اكتملت واستغنت.
وقتذاك, قالت لي بيبي طاهر حين راتني عاشقا لاورفان : (مبارك قلبك معبد العالم . يأوي المحبين. يتهجد بألف لسان وبقلب واحد. قلبك طاووس يتبختر, وأنت تتعمد بالماء وبالنار. على صدرك عمودان متصالبان بالنور. وفوقك نجمة تشع بالحب برؤوس ستة، وهلال يطل على كل العوالم. قلبك من حب).
عاشت بيبي طاهر تطعم الناس كرز الحب الالهي, فيما المعابد تطعم الناس خرافات مقدسة. فالحب اولى بالمحرومين منه من لصوص ومجرمين قبل الأتقياء. وحين سئلت, ألك قلب نبي, ولي, أم ملاك؟ اجابت: قلب عاشقة. وقد اورثها ذلك صفتين بهيتين. الاولى من الاولياء بان تتييس يدها عند اي طعام ذي شبهة, والثانية من الانبياء.بان تشفي المرضى بأية عشبة قربها. تقرا عليها بإيمان كاف. وهي مغمضة العينين. ثم تعطيها للمعلول يغليها ويتجرع ماءها فيشفى. والعاقر فتحبل. لقد تأثرت كثيرا بها. لكني لم اشهدها تحيي ميتا كما يقال بان تتلوا عليه سورة الفاتحة سبعون مرة بقلب غائب عن العالم.

كانت أورفان تستقبلني بحلوى كأنها سمسما بالسكر, وضحكتها بتلات زهور حين تقدم شراب گل . ثم شيئا من نبيذ التمر على مذهب اهل العراق, يحاذيه صحن البزورات المملحة. وتمضي تبهجني بأحاديثها عن احوال سيدها وكان عظيم الخلق، أكولاً ثقيل الجسم ، فكان يتمثل ببيت ابن هقانة والي البصرة قبل احداث الزنج: فلو أن في جزعي راحةً ... لأصبحت أجزع من يجزع وكان يخرج من الحمام مثل الورد من اثر الحناء عليه من قرنه الى قدميه . ويقول انها تزيد ماء الوجه, وتطيب النكهة, وتذهب برائحة السهك. ثم يصب عطر الغالية على ثيابه ولحيته. ويمضي الى صاحبه الوالي الولع بالطيور حتى انه اشترى طيرا تأتي بالهدي من أقاصي بلاد الروم ومن مصر إلى البصرة بتسعمائة دينار والبيضة بعشرين دينارا .
حين اقارب اورفان كان العالم يفوح مسكا. تميل الورود من حولنا سكرى, ومن فوقنا تنهل دنانير الضوء من عريشة الكروم. فالعالم انعكاس لما يدور في انفسنا. فأجس ثمارها، انزلق على تلالها , وعيون الماء. والأخاديد, واقبل العنبتين, فألفيها قد نضجت, وتدفقت شرايين الشهوة فيها. وفي كل مرة, اصادفها كالحورية الانسية التي لم تمس. فنذوب كالنبيذ في عناقيد الكرم قطرة قطرة, ونسيل كالزبد. هي تسقط نجمة. وانا اسقط نجمتين. ويتناثر رذاذ النور على رأسينا. ثم تنهمر النجوم من عيون العريشة. ولكنها في بدء العناق اخطرتني الى غبرة ترتفع في السماء, اهذا وقت السماء يا اورفان! ومع انها ترق كالندى إلا انها حذرة عما حولها. ربما لمخالطتها اهل لونها من الزنج الذين كانوا يكسحون السبخ عن الارض قبل ان يمضوا الى ثورة يموتون فيها جميعا. وهذا ما يفسد حلاوة الوصال. كنت غارقا في الزبد. فتغافلت, ثم تناهى الى مسامعي عجيج بعيد. ولم اكترث. وقبل ان تتفتح مسامات الروح جميعها في انتفاضة الجسدين, كانت المساجد تكبر, وأصوات الناس وهم يمضون على عجل قرب الجدول المحيط بالبستان. حين همدت الشرايين, وانتهت الجولة, قالت, وهي تنفض ما علق على ثوبها من قش وعيدان.
- لابد انه رجل عظيم, اتظنه الوالي؟
- السماء لا تغبر الا لموت... الخليفة.

وقبل ان ترحل الى شوشتر اخذتني حين رأتني شغوفا بالرسوم الدارسة والعهود البائدة, الى جنوب ابو الخصيب. وعلى ضفة نهر جيكور, وقفت كأنها في حرم قدسي, وأشارت الى الخرائب العنيدة لعاصمة قومها من الزنج ( للمختارة): انظر ، طالع بقلبك الاثار. اهي خرائب؟ أتسمع صوت الحجر. ينادي. هنا رفعت الرماح بالرؤوس. وأتم السيف دورة الكراهية. هنا غطت الجثث وجه الحقيقة. وتقاطرت أعضاء اجساد الثوار إلى الموفق العباسي ليتبعها الرؤوس أخيرا. الحجر الاصم يشير هنا اثر الحرية الاول. من لم ينتصروا صوتهم لم يمت. فهنا ارتفعت الحشائش والحيوانات المتخفية واشجار كلها اشجار التفاح والرمان والزيتون احتفاءا بالأرواح ثاروا للإنسان. لكني رأيت بعيني كيف ينحر الحب قربانا لمجد فان وعبودية مؤكدة للسلطة. تلمس في المكان, تنفس انفاس التاريخ, فالتاريخ المدون اعمى. لا يذكر ضحاياه ولا ينعاهم. بل يظهر التعقل بقراءة الاسباب والنتائج مثل حكيم. يحاول ان يكون ذكيا وباردا اكثر من طباعه. ان التاريخ ليس احصائيات وأرقام صامتة. انه الساعات الاخيرة للضحايا, في استدارة العين، في الحسرة قبل ان يهبط السيف وارتجافة الاصابع ممددة لا تمسك التراب او العشب. مفتوحة للسماء دافئة ثم صفراء باردة.
فهل رأيت المجد الفاني يسقط في الحصون والخنادق. وتتقد نيران الحرية.
هل رأيت؟



#عبد_الرؤوف_الشريفي (هاشتاغ)       Abdul_Rauf_Al-shuraifi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعادة اكتشاف العالم / مختارات من كتاب المشاية 2012
- كوب شاي ورقي في قطار بصرة- بغداد
- صحيفة ليس لها اسلاف
- رثاء العصافير الى القاص الراحل مصطفى حميد
- يوميات موظف مدجن / تخوم الجنة
- زيارة الى سوق الأوهام في البصرة
- گارو الارمني اقدم مصور في البصرة
- اتحاد ادباء البصرة في 2004
- القافلة والدليل / اتحاد ادباء البصرة في 2004
- في عيادة فحص النظر
- الهافي والمتعافي
- سيرة ذاتية لفراشة ابو الخصيب
- كراج ساحة سعد


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرؤوف الشريفي - قالت لي اورفان/ رواية بنكهة زرادشتية