أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرؤوف الشريفي - زيارة الى سوق الأوهام في البصرة














المزيد.....

زيارة الى سوق الأوهام في البصرة


عبد الرؤوف الشريفي
كاتب.

(Abdul Rauf Al-shuraifi)


الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


في صبيحة كل جمعة، استمتع بنكهة الفضول. فاستعير ساق الروحانيات وانا أمر بسوق الخرز وهو سوق طولي في اخر سوق الجمعة يحاذي الشارع ويمتد لخمسين متر. يجتذب المئات من الشغوفين الولهين، والمحبطين، والفضوليين امثالي، ومن هم في ورطة حكومية او عشائرية .
في البدء، أنشئ السوق لبيع المسابح والأحجار الكريمة من الفيروزج, السليماني, الرضوي, اليماني, والزبرجد وغيرها. وهي تستخدم للتختم في الصلاة لقبول الأدعية والتوسل. إذ ان اليماني كان أول جبل اعترف بالوحدانية لله.
في هذا السوق, يقف الباعةُ بخط متعرج كالأقدار وقد ازدانت أصابعهم بالخواتمُ المتنوعة الاحجام مثل كهنة افارقةِ أو فنانٍ ممسوس. يعرضون حصا ملونة ملتويةِ, تغير المصائر وتبدل الوقائع وفق الرغبة حاملها. ويعتمد السعر على قوتها.
أمسكت بواحدة. فقال لي البائع أبو لطيف: هذه نيشابوري فيها ذهب فيها ( لصفة) ذهب من الأسفل. فقلبتها لكني لم أجد ما قال. فاضاف هي للحسد والنفس. سعرها ثمانون ألف. وللمشتري تخفيض. ثم اراد ان يزرع الدهشة بوجهي فاستخرج خرزة ( هذي مجربة للحكومةِ والمحاكم! من الصلابة تنقذ صاحبها. والضمان بالتجربة). وتكلف فقط 250 ألف دينار! وبالطبع سيرتفع سعرها عند الحاجة.
في جبهة السوق, رأيت اثنين في مهمة سرية سريعة. اولهما لا تبدو النظافة من أولوياته وعلى وجهه آثار مريبة. مررت بجنبه فسمعته يوصي الزبون الغر تحت القبضة : "يجب أن توضع الخرزة في مكان نجس" واشار الى تحت الحزام. فلابد ان هذا حديث سري عن (الهبهاب)، فهو خرزة (للفساد). والهبهاب حاله حال عرق السواحل المأخوذ عن القنفذ، وكذلك عظم الهدهد الذي ان وضعته في نهر يجري ضد التيار دلالة على قوته وتبيانا لعمله. ويتراوح ثمن الهبهاب من خمسين ألفا الى المليون دينار حسب الغش او الجودة. وهو على أربعة أنواع: ألشراري والذكري والغجري. ويؤكد اهل الاختصاص الروحاني أن أصله جانٌّ., اختبأ من الذئب في حصاة, فبال الذئب عليها. فسجن فيها الجن للأبد, وتحولت الحصاة إلى هبهاب. ولذلك فلن اسم هبهاب باللغة هي (خفيف الحركة، سريع ) وربما دلالة على سرعة الجان وخفته.
واستذكرت كيف كنا في الثمانينات نتيقن من إن صدام لديه عفريت من الجن يحرسه. وقد حاول البعض أن يسخّر جانً. ويرسله ليقتل عفريت الريّس. إلا انه عاد مكللا بالجراح والالم من الجولة الأولى. وكبر الوهم معنا في سطوة الرئيس اللامتناهية.
غادر الاثنان بعجل بعدما احكم البائع قبضته في الفريسة, وولجا الزقاق المجاور. وذابت صورتهما في لجة الوجوه والأنفاس والأصوات.
كان أبو سارة سمينا وشرطيا لكنه يعد مصرفا بالمعلومات عن الأحجار الكريمة. فالياقوت الجوشمي علاجا ناجعا لمرض السكر. وهذا الحجر يأتي من البرازيل. وقد ظهر الآن في مسجد الخطوة في البصرة. فيما الياقوت الإفريقي علاج لمرضى القلب. فهو ينظم شرايين القلب. أما الحجر العباسي الملكاتي من النوع الأخضر(ونظر إلى خاتم في بنصره الأيمن), فيستخدم لعلاج الحصا والرمل في الكليتين. فيما الحجر السليماني الإيراني "للكشخة". والهندي للسحر.
وتبسمت وانا اشاهد ألحجي أبو سمير ينثر حصاه أزواجا. إذ الخرز ذكرا وأنثى. وهو يخاطب جهارا خرزة بيده لتدله على رفيقها الضائع: أين بعيرك؟ وحين شاهد ابتسام عينيّ. مد يده بواحدة: "خذها. أصلية, لونها مشمشي, عودي. مجربة للرزق, وللحكومة, وللمحبة".
يجلس الباعةُ المزمنونَ مثل جاسم ألعيداني وقد اجتاز الستين, إلى قطعة قماش متسخة أو قطعة كرتون لمعجون لاصق. لا ينتظر تقاعداً أو مكافأةً نهايةِ الخدمة. ورزقُه يأتي بإكداد,. فلماذا يمسح الفقر وجوه الباعة كل صباح., وهم يبيعون للناس خرز الرزق. فهل يجترون كل ليلة املهم بخرزة (تغسل) فقر الدهور. جلست اليه وهو لا يملك الا مسبحة سوداء للتقوى واوراق قدامه. ربما الشفقة اوقفتني او انه يجيد الدور. أخذ اسمي واسم الوالدة. وكسر الحروف والارقام وهو يتمتم او يتأمل لثانية. ثم بشّرني. اسمك يصلح لكل حجر! ( فلماذا يا كل خرز العالم, أنا سيئ الحظ دون توقف). منحته الف دينار لقاء الخدمة غير النافعة.
وعلى مَبعَدةِ ثلاثِ دقائقٍ من السوقِ المزدحم. تفترشُ الأرض امرأة موشومةٌ في صدغِها والحنك. فسرَت لي حصاةً زرقاءً معوجةً. قالت إن هذه عطفة ارض, جيدة. ليست عطفة بحرية. بعشرة آلاف. ما قيمة العشرة آلاف. (نمونة !). وحين لمحت ترددي ,قالت بلهجة مستهزئة: " ما يعرفك, ما يثمنك"
وقبلَ أن ينتهي السوق عند جذع الجسر الكسول قبالة جامع البصرة الكبير لم اعثر على خرزةٍ ترققُ قلبَ القدر. بل روى لي وسط الزحام شاب زبيريا نكتة عاجلة حيث قال البائع للزبون : هذه خرزة ضد الرصاص, مجربة. فسأله الزبون: أين وجدتها؟ فأجابه: في جيب شهيد !



#عبد_الرؤوف_الشريفي (هاشتاغ)       Abdul_Rauf_Al-shuraifi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- گارو الارمني اقدم مصور في البصرة
- اتحاد ادباء البصرة في 2004
- القافلة والدليل / اتحاد ادباء البصرة في 2004
- في عيادة فحص النظر
- الهافي والمتعافي
- سيرة ذاتية لفراشة ابو الخصيب
- كراج ساحة سعد


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرؤوف الشريفي - زيارة الى سوق الأوهام في البصرة