|
تحطيم التقاليد في إطار التقاليد . توظيف الدين والتراث في الصراع الدولتي .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 12:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن من الأخطاء الشائعة في معالجة المسألة التراثية ، وما يتصل بها من تناول الحركات السياسية المختلفة ذات الصبغة الدينية ، هو الانطلاق في التعامل مع الموروث العقائدي الثيوقراطي . أي الديني ، من اعتباره شيئا من مخلفات القرون الوسطى ، يمكن التخلص منه بالتنوير والدعاية المادية الالحادية . ويقوم هذا الاعتبار ، عند الكثيرين ، على تصور حول مسيرة أروبا في العصر الحديث ، يرى فيها كفاحا بين فكر مادي ، وإلحادي ، ولائكي من جهة ، وإيديولوجية غيبية دينية من جهة ثانية . ويتوهم أصحاب هذا التصور أن التيارات المتمثلة بالشك الديكارتي والمادية الإنجليزية في القرن الثامن عشر ، والمادية الفرنسية في القرن الثامن عشر، والإلحاد البرجوازي عامة ، جاءت فأطاحت بالظلامية القروسطوية ، وفتحت الباب للإنطلاقة البرجوازية التقدمية في حينها . وعلى هذا النحو يرون انّ على المتنورين الثوريين في بلادنا ، انْ يقوموا بالمهمة نفسها التي أنجزتها البرجوازية الاوربية ، وأن يلجؤوا الى الوسائل نفسها ، الى الدعاية المادية والإلحاد للقضاء على الفكر الغيبي ، ومنه القضاء على مكونات الإسلام السياسي التي تريد الرجوع بالمجتمع ، الى العصور الخوالي لما يزيد عن اكثر من 1400 سنة ، لوضع حد للصراع حول عظام وهي رميم ، منذ اول بزوغ للإسلام . ان من الخطأ القاتل القيام بالإسقاط على المجتمع المغربي ، وعلى مجتمعات الدول العربية المتشابهة . إن خصوصية المسألة التراثية في المجتمع المغربي ، تجعل من غير الجائز النظر الى الموروث التراثي المغربي ، على غراره في الغرب الأوربي . فقد أظهرت الحياة نفسها ، صبيانية ما راج في حينه من تصدٍّ لذلك الموروث ، من مواقع الإلحاد خلال سبعينات القرن الماضي ، وأقنعت الأغلبية التي راجعت ، أو تراجعت ، أو انقلبت ، بالضرر العملي لمثل هذا التوجه الانتحاري الذي أساء لأصحابه ، فزاد من غربتهم عن مجتمع تحكمه التقليدانية ، وتضبط تصرفه القداسة ، والامارة ، والسلطنة . فنحن سنسعى الآن ، للكشف عن الخطل النظري القائم في أساس ذلك التوجه ، والمرتكز الى التصور المذكور أعلاه ، حول طبيعة المواجهة الأيديولوجية في أوروبا أواخر العصر الوسيط ، وهو التصور ، الذي لا يزال ، الى حد ما ، يحجب عن الأنظار المدخل الصحيح الى تناول المسألة التراثية في المغرب ، وفي العالم العربي قاطبة . عندما أشير الى العالم العربي فالمقصود مصر ، سورية ، لبنان ، العراق ، الجزائر ، سورية ، وفلسطين ... ففي الحقيقة ، لم تجابه الظلامية الاقطاعية ، ولم تواجه الديانة المسيحية في صيغتها القروسطوية ، من قبل فكر مادي وإلحادي ، بقدر ما جوبهت بحركات الإصلاح الديني والهرطقات الدينية ، التي ظلت عموما في إطار الأيديولوجية الدينية نفسها . وبهذا الصدد سبق لإنجلز التأكيد ، ان نضال البرجوازية في سبيل تحررها من نير الاقطاع ، منذ القرن الثالث عشر ، وحتى القرن السابع عشر ضمنا ، قد صيغ في قوالب دينية " . فقد كانت مشاريع الناس متخمة بالغداء الديني ، ولذا فإن العمل لإنهاض حركة عاصفة كان يتطلب ، وبالضرورة ، ان تقدم لهم مصالحهم الذاتية في لباس ديني " ، وانه في ظروف سيطرة الرؤية الدينية " ، كان لابد لكافة المذاهب الثورية / الاجتماعية والسياسية ، ان تتجلى على الاغلب ، في صورة هرطقات دينية في الوقت ذاته " . كما وينوه إنجلز بأن حركات الإصلاح الديني ، كالكالگينية مثلا ، " كانت تتجاوب مع متطلبات الفئات الأكثر جرأة بين برجوازية ذلك الحين " . أما المادية في إنجلترا مثلا ، فقد وقف أنصارها ( هوبز / لوك ... ) الى جانب الملكية الاستبدادية المطلقة ، والارستقراطية الاقطاعية ، وكانوا معادين للبرجوازية الصاعدة والتقدمية . " ولهذا فانه على النقيض من مادية الارستقراطية .. كانت الطوائف البروتستانية بالذات ، وهي التي تقدم الراية والمناضلين في الصراع ضد آل ستيوارت ، تغدي أيضا القوى المكافحة الرئيسية بين قوى الطبقة الوسطى ( البرجوازية ) التقدمية " . وعلى هذه الأرضية لم يكن من الصدفة ان الثورة البرجوازية الإنجليزية ( عام 1649 ) لم تتسلح بالمادية وبالإلحاد ، وانما رفعت الشعارات الدينية . وحتى في فرنسا ، حيث لعب مادّيو القرن الثامن عشر دورا بارزا وزاهياً في الصراع ضد الظلامية الاقطاعية ، والذهنية الغيبية ، نجد الاجنحة الأكثر راديكالية ضمن البرجوازية الفرنسية ( اليعاقبة ) Les Jacobins في الثورة الفرنسية العظمى ، لم تنطلق من الفلسفة المادية في برنامجها السياسي ، ونشاطها الثوري . بل انطلقت من أفكار روسو الدينية المثالية . " فالمثالي روسو كان ، بلا شك ، مفكرا اكثر ثورية من الماديين ك ( لامتري ، وهولباخ ، وهيلغيتيوس ) " . ولعل اكثر ما ينبغي لفت النظر اليه هنا ، فيما يخص دروس التاريخ الأوربي ، هو الأسلوب الذي استخدمته الحركات الإصلاحية ومثيلاتها ، في مجابهة الأيديولوجية القروسطوية ، وفي ترسيخ وعي اكثر تقدما . ففي " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " يذكر ماركس " ، ان لوثر توشح برداء القديس بولس " ، وانه " من اجل الثورة البرجوازية ، استخدم كرمويل ، والشعب الإنجليزي ، اللغة والمشاعر والاوهام ، المستعارة من العهد القديم " ( التوراة ) ، والثورة الفرنسية 1789 / 1814 " لبست قميص الجمهورية الرومانية حينا ، والامبراطورية الرومانية حينا آخر " .. الخ . ويخلص ماركس الى القول . ان جماهير هذه الثورات وأحزابها وأبطالها ، الذين استعاروا رداء الأجيال السالفة ، حتى وأخذوا بشعارات القرون الغابرة ، إنما كانوا يعملون لحل " مهمة عصرهم ، التحرر من القيود ، وإقامة المجتمع البرجوازي المعاصر " . فبعد المراجعات ، او التراجع عن اندفاع سبعينات القرن الماضي ، بخصوص الموقف من الدين ومن التراث ، لم يحصل جديد على مستوى صقل الأفكار ، لان اقصى ما توصل اليه المراجعون في مجابهة الموروث الغيبي وامتداداته السياسية ، هو الإقلاع فقط عن استخدام لغة المادية والالحاد ، والتعويل على لغة الاقتصاد والسياسة ، لغة المطالب الاقتصادية المعيشية و ( الشعبية ) . هم يعملون لتعبئة الجمهور دينيا ( الاسلامويون ) ، والمراجعون يحاولون وبأسلوب مبسط ، انْ يبيّنوا للجمهور المغفل والجاهل ، قانون القيمة الزائدة آلية الاستغلال الرأسمالي .. ولكن ما عسى هذا العمل ان يجدي نفعا مثلا ، في تفْهيم عامل متدين ، بأن صاحب المعمل يستأثر بقسم من عمله وأتعابه ، اذا كان هذا العامل يؤمن بأن الاستغلال هو من " قضاء الله وقدره " ، أو " إمتحان " في الحياة الدنيا ، او جزاء لما إجترمه من آثام في " الأجيال السابقة " من حياته ، وغيرها ؟ ان التوجه الفعال الى الجمهور ، يجب ان يكون باللغة التي يفهمها . وفي هذا الاطار يجدر التحدث بلغة الرموز التراثية التقليدية ، لمسايرة التركيبة النفسية للناس الغارقين في التقليدانية ، وفي القروسطوية ، وفي ( الآداب ) السلطانية .. لان الهدف هو العمل على تدليل التأويل الرجعي للدين ، وترسيخ فهم ، من شأنه ان يساعد على الانطلاق نحو التقدم ، لتأهيل الجمهور للثورة على كل الأشياء البالية، وعلى ممثليها بالمجتمع الراكد والجامد منذ قرون خلت .. وهنا نؤكد ، في ضوء وقائع التاريخ الإسلامي ، انه لم يكن ، في حين من الأحيان ، فهم واحد وحيد لأحكام القرآن ، ناهيك عن ( السنة ) . وانه لا مجال في الإسلام لمرجع أعلى ، يفرض على الناس تأويلا للدين بما يتناقض مع مقتضيات التقدم ، مع العمل لإقامة العدالة الاجتماعية . فليس في الإسلام كنيسة ، ولا إكليروس ، يكون وسيطا بين الانسان وربه . ومن المعروف انه لم يمض قرنان على دعوة محمد ، حتى افترقت الجماعة ، او الامة الإسلامية الى ثلاث وسبعين فرقة او اكثر ، وصار من المأثور انه ما من فرقة الاّ ولها في القرآن حجة . فكان القرآن و( السنة ) هما المنهل الذي يغرف منه الجميع ، الأغنياء والفقراء ، الحكام والمعارضون ، الظالمون والمظلومون .. وكل شيطان يجد فيهما ما يؤيد مقالته ، ويدعم مواقفه : -- هذا يفتش في القرآن و( السنة ) عن سند " نظري " للخنوع والاذلال ، و " الطاعة والإخلاص " ( اطيعوا الله ورسوله واولي الامر منكم ) ، وذاك يستلهم منها ما يحفّزه على العمل والنهوض والثورة ، " فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، " ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة أهلها اذلة ، وكذلك يفعلون " .. -- وهذا يجد فيهما ما يبرر الملكية الخاصة والتفاوت الاجتماعي والاستغلال ، وذاك يعثر فيهما على ما يؤيد قيم المشاعية ، والمساواة ، والعدالة الاجتماعية . -- هذا يرى فيها دعوة لأن يكون كل مسلم رقيبا وحسيبا على ضمائر الناس ، وذاك يرى ان الله ، والله وحده ، هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو – وحده – من يحاسب الناس على إيمانهم وخطاياهم الدينية . -- هذا يعتبر الدين اقتداء ً بالسلف ، وتقليدا لهم ، وإيمانا بعصمة الأئمة ، وذلك يرى انه لا يصحّ إيمان المقلَّد ، ويروي عن الامام الأكبر نفسه ، علي بن ابي طالب ، قوله : " لا يُعرف الحق بالرجال ، بل أعرف الحق تعرف اهله " . -- هذا يرى في الإسلام جمعا بين السلطتين الدينية والدنيوية لتركيز الطغيان والاستبداد ، وذاك يفصل بين المنصبين ، مستندا في ذلك الى المأثور عن الرسول نفسه : " انها النبوّة ، لا ملك " ، و " أنتم اعلم بشؤون دنياكم " . -- هذا يحصر العلم كله في القرآن ، ويتقوقع رافضاً كل علم أجنبي ، وفكر مستورد ، وذاك يروي عن الرسول قوله " أطلبوا العلم ولو في الصين " ، و " خذ الحكمة ولو من فم وثني " .. وهلمجرا .. ولا مجال هنا لاعتبار الرجحان " الكمي " : أيهما اكبر عددا – الآيات او ( الاحاديث ) التي تؤيد الرأي المعني او تلك التي تعارضه . فالمظلوم ميّال للأخذ بأية واحدة او ( حديث ) واحد ترفض الظلم والاضطهاد ، والاعراض عن عشر آيات ، يفهم منها مباركة الظلم والاستغلال . هذا ناهيك عن سلاح ( التأويل ) الذي من شأنه ، على الأقل ، تحييد كل الآيات التي يُفهم من ظاهرها ، تأييد الاستغلال مثلا ، وصرفها عن هذا الظاهر ، باعتبارها من ( المتشابه ) ، لا المحكم ، وليس هناك ثمة معيار حاسم في فصل ( محكم ) القرآن عن ( متشابهه ) . ثم ان التوجه يجب ان يكون الى قلوب عامة الفقراء ، والمحرومين ، والمضطهدين ، بعيدا عن التورط في جدل لاهوتي بيزنطي مع هذا او ذاك من ( المشايخ ) و خطبة الجوامع .. ونستطرد بهذا الصدد فنقول : ما اضرّ " العلمية " ، و " الاكاديمية " ، و " المبدئية " في أمور ومناسبات كهذه . ان العشرات من المسجونين بمحاضر بوليسية مزورة بسجون السلطان ، يتعرضون للتنكيل من قبل الجلاد السجان ، وبتعليمات واوامر البوليس السياسي ، ثم يأتي احدهم فيهدي الى ضحايا التعذيب العصري في سجون امير المؤمنين ، السلطان المعظم ، ظل الله في ارضه ، بحثاً له حول " تاريخ التعذيب في الإسلام " ، او بحثاً حول " حدود التعذيب في الإسلام بين المبدأ والتطبيق " / هادي العلوي / ، ينبري فيه للرد على الوعي العام الذي يتوهم انّ " الدين بما هو دين يتعارض مع أخلاقية التعذيب " ، ولفضح " التبسيط الشعبي " القائم على " إغفال التاريخ الشخصي للأديان " ، وعلى " الجهل بالجذور البعيدة للسلوك الديني " ، هذا " التبسيط الشعبي " الذي " اعتاد على اعتبار الدين نقيضا للعدوان ، والنظر الى الجلادين باعتبارهم عصاة او فساقا لا يخافون الله " . وبدل من استخدام التراث الإسلامي لترسيخ قناعات جمهور المؤمنين حول رفض الدين للتعذيب ، نحاول زعزعة هذه القناعات الإنسانية .. والسؤال . ماذا لو تخلى الجمهور المتدين ، لا سمح الله ، عن هذه القناعات ، وآمن – بتأثير كتابات كهذه – بان الدين يبارك التعذيب : هل سيتخلى عن الدين ، كما يتوهم أصحاب تلك الكتابات ، أم يستحسن ويبارك تعذيب السلطان ألأمير المؤمن للمعارضين ، بتهم كيدية مبنية على محاضر البوليس السياسي المزورة .. أليست هذه هي المازوشية بعينها ، التلذذ بتعذيب الذات ؟ اذن لا مصلحة للمعارضين الحقيقيين التقدميين بزعزعة قناعات إنسانية كهذه . وليس لهم من مصلحة في التشكيك باسم العلم والحقيقة ، بما تَكوَّن في وعي الجمهور الفقير والمُفقّر المتدين ، من صور زاهية عن عدالة واستقامة زعماء مسلمون كابي ذر الغفاري ، وعمر بن عبدالعزيز .. وعن دعوة الإسلام الى المساواة وتحرير العبيد ، والى رفض الاستغلال والاضطهاد . على العكس تماما نحن معنيون بترسيخ مثل هذه الصور ، وبتدعيم مثل هذه القناعات . اما قضية " الحقيقة التاريخية " ، التي تقلق بال بعض الدارسين ، فلعلّ من الأفضل – في أمور كهذه – ترك البت فيها للباحثين المتخصصين بالمعاهد الاكاديمية ، التي ننشئها بعد ان نصل بالجمهور ، الذي تلهمه تلك الصور والقناعات ، الى مجتمعنا ، ودولتنا الديمقراطية المنشودة . وليس لنا مصلحة في البرهان على " خطل " قول من يقول " الإسلام دين الاشتراكية " ، لنتذكر مرونة موقف لينين حيال شعار مماثل " الاشتراكية هي ديني " ، حيث يقول : " ان موضوعة " الاشتراكية دين " هي بالنسبة للبعض ، شكل الانتقال من الدين الى الاشتراكية ، وللبعض الاخر " شكل الانتقال من الاشتراكية الى الدين " . وكمثال على الحالة الأولى يورد لينين الداعية او المحرض ، الذي يتوجه الى جمهور العمال ، ويحاول تقديم أفكاره " عبر المفاهيم الأقرب الى مدارك الجمهور غير الناضج " . والحالة الثانية تتفق مع مساعي البعض في بلادنا لترسيخ الدين ، او على الأقل ( لترسيخ فهمهم للدين ) من خلال التأكيد على " اشتراكيته " ، التي يطرحونها نقيضا للاشتراكية العلمية . وهذه الحالة الأخيرة التي غزت فهم ( اليسار المغربي ) بكل اصنافه واشكاله ، هي التي جعلتهم يتهيبون اللجوء الى الرموز التراثية ، خوفا من ان يؤدي ذلك الى تعميق تأثير الدين . " فلو خُيّرنا لاخترنا " – هكذا كان سيجيب المتنورون من اسلافنا . اما اليوم ، في وضعنا ، فلا خيار ، المعركة مفروضة علينا . فإما ان نترك الاخرين ، وبينهم الخصوم الايديولوجيون والسياسيون ، يتابعون تحكمهم بمشاعر الناس الدينية ويوظفونها على هواهم ، او نحاول ، وكل من موقعه سحب البساط من تحت ارجلهم ، ومحاربتهم بالسلاح نفسه الذي شهروه في معركة بناء الدولة الديمقراطية ، بدل الدولة الرجعية . وليس ثمة خطر ، مما يخاف البعض ، من الانكفاء الى الوراء ، من تعزيز الرؤية الغيبية نتيجة لمخاطبة الجمهور باللغة التراثية . لاحظوا ان حزب العدالة والتنمية اكتسح البرلمان باستغلال واستعمال الدين ، وفي الانتخابات الأخيرة تحول الى خروف من الحجم الأكثر من ضعيف رغم ترويجه خطاب الدين . فاذا كانت هناك منطقة او جماعة او افراد ، تحرروا من سيطرة الوعي الغيبي ، فما من ضرورة – بالطبع – للتحدث اليهم بتلك اللغة . ان المقصود هو مخاطبة الجمهور المتدين ، الذي يعيش التراث في اعماقه ، ويتجسد في سلوكه اليومي ، فينجر بسبب ذلك ، وراء المتاجرين بالدين ، والسماسرة تجار الدين . وفن مخاطبة هذا الجمهور في ظروف الوضع المتميز للمسألة التراثية في بلادنا هو أشبه بالطريقة ، التي استخدمها ممثلو حركات الإصلاح الديني الاوربية ، في تدليل الفهم القروسطوي الطوطمي للدين ، في تحطيم التقاليد في اطار التقاليد ذاتها ، والتي شبهها ماركس بتعلم اللغة الاجنبية : " فالمبتدئ ، الذي يدرس لغة اجنبية ، يقوم دوما بترجمتها ذهنيا الى لغته الام ، فطالما لم يستوعب روح اللغة الجديدة ولم يمتلك ناصيتها ، لا مفر له من تلك الترجمة الذهنية ، الى ان ينسى في اللغة الجديدة ، لغة الام " . ان التحدث للناس باللغة التي يفهمونها ، هو المدخل الأساسي لأي تغيير . اما التحدث للناس بلغة الخطاب المعقد والمتعالي ، الصعب الادراك على جمهور الناس العادية ، فسيكون صاحبه بمن يوجه خطابه للأشباح الغير مرئية ، الامر الذي يؤدي الى وئد روح الخطاب المنفصل والمفصول عن الناس . ان هذا الأسلوب في التعامل ، كان من اهم العوامل التي دفعت بالحركة اليسارية السبعينية الى الإفلاس . انها خطاب الغربة الذي كان عاملا في غربة مروجيه وسط مجتمع يخضع للتقاليد المرعية ، وللطقوس السلطانية ، ومنغمس كرعية في حياة وعيش الرعايا المرتبطين بواسطة الدين ، براعيهم الكبير الذي يوظف الدين والتراث في رعيهم في سلطنته بكل سهولة ، وبرضاهم الصادر عن بينة واختيار بسبب تفشي الجهل . الم ينصح لينين ، في اطار الحديث عن كيفية التوجه الى شعوب الشرق ، بضرورة " الاستناد الى القومية البرجوازية التي تستيقظ لدا هذه الشعوب ، والتي لابد لها ان تستيقظ ، والتي لها مبرر تاريخي " ؟ ، ومع ذلك تركت للبرجوازية الكبيرة ، ثم الصغيرة ، مهمة استثارة المشاعر القومية ، ثم قيادة الثورة التحررية والوطنية الديمقراطية . وبقي البعض ينتظر ان تتنازل البرجوازية عن قيادتها ، وان تسلم السلطة على طبق من ذهب ، فقد انتهت مرحلتها ، حتى وقد أخفقت في انجاز مهمتها ، وعليها ان تترك زمام الأمور لمن هو " أجدر " بقيادة الجماهير نحو الدولة الاشتراكية الديمقراطية . وبدلا من الانخراط النشيط في صفوف الحركة القومية الجماهيرية ، وتوجيهها في المسار الصحيح المتسق ، اقتنع هؤلاء بدور الشاهد المتفرج ، ثم المؤرخ الغاضب . واليوم يتكرر الخطأ ، او يكاد ، بالنسبة للمشاعر وللحركات الدينية السلفية ، التي يمكن القول عنها أنه لابد لها ان تستيقظ ، والتي لها مبرر تاريخي كبير ، حتى واكبر منه في الحركات ( اليسارية ) و ( اليسراوية ) التي أضحت نقطة في أمواج تسونامي يهدد الجميع . واذا كان المؤمنون هم من لا يلدغون من الحجر مرتين ،
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل جاء تذكير جوزيف بوريل بجديد لنزاع الصحراء الغربية ؟
-
5 غشت 1979
-
أنتِ // أنت
-
السيد عبدالرزاق مقري زعيم - حركة مجتمع السلم - الجزائرية ، ي
...
-
آليات السيطرة الامبريالية على الدولة السلطانية المخزنولوجية
...
-
حظروا كفنكم لرفع الظلم ونيل حريتكم . ان غدا لناظره قريب .. ا
...
-
خطاب السلطان محمد السادس بمناسبة عيد العرش
-
الدولة الرعوية - البطريركية
-
هشتاگ - أخنوش - إرحل .
-
هل تم تأجيل أم إلغاء حفل الولاء / البيعة
-
في الديمقراطية .
-
أستراتيجيات الدولة السلطانية
-
التبضّع - البزْنسْ - المِرْكنتيلية حتى في السياسة .
-
حقوق الانسان والاستثمار السياسوي المفضوح .
-
الساسة الكبار ، ومرتزقة السياسة السياسوية الصغار . ذئاب السي
...
-
الإستبداد السياسي .
-
الهزيمة التاريخية
-
موسم الهجرة من بلاد قابلة للنسيان ...
-
محكوم على زيارة ستيفان دوميستورا بالفشل .
-
صناعة القرار السياسي في الدولة السلطانية .
المزيد.....
-
-أمريكا ستنقذه-.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة
...
-
مقتل عدة أشخاص خلال هجمات للمستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغ
...
-
خبراء: عملية خان يونس أكبر مقتلة للإسرائيليين هذا العام وأقس
...
-
إنفوغراف: قتلى وجرحى الاحتلال الذين سقطوا في غزة خلال يونيو
...
-
وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعو
...
-
ترامب: أميركا أنقذت إسرائيل والآن ستنقذ نتنياهو من المحاكمة
...
-
ترامب يعترف بتقييم الاستخبارات حول وضع مواقع إيران النووية ب
...
-
بعد وقف إطلاق النار.. وزير دفاع إيران يصل الصين في زيارة تست
...
-
موجة حر غير مسبوقة تجتاح شرق روسيا: حرارة قياسية وحرائق تهدد
...
-
عاجل | حماس: جرائم الاحتلال ومستوطنيه وآخرها في كفر مالك تست
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|