أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دلير زنكنة - شريعتي وماركس . نقد النقد الإسلامي للماركسية















المزيد.....



شريعتي وماركس . نقد النقد الإسلامي للماركسية


دلير زنكنة

الحوار المتمدن-العدد: 7324 - 2022 / 7 / 29 - 10:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شريعتي وماركس
نقد النقد الإسلامي للماركسية
آصف بيات   
 
وصف الكثيرون علي شريعتي بأنه "إيديولوجي" أو "مهندس" الثورة الإيرانية عام 1979. 1 عرف بطريقتين-على انه مثقف انتقد بشدة الماركسية وغيرها من "المغالطات الغربية" 2 من منظور الإسلام الراديكالي - او انه كاتب مسلم إصلاحي كان في نفس الوقت "تحت تأثير النظريات الاجتماعية الماركسية". 3
هناك قدر أقل من الخلاف حول دور شريعتي في تحويل وصقل الآراء الأيديولوجية لملايين الشباب الإيراني المتعلم. يقدم شريعتي أداة أيديولوجية متماسكة و دقيقة لجمهوره ،من خلال إعادة تفسير الإسلام بواسطة المفاهيم العلمية المستمدة من العلوم الاجتماعية الحديثة ، وهو تفسير لم يكن رجال الدين المسلمين التقليديين قادرين على صياغته.
في ذلك الوقت ، في أواخر السبعينيات ، عندما كان طلاب جامعات طهران يشاركون في النقاشات بين الإسلاميين واليساريين ضد بعضهم البعض ، رأيت كيف اعتمد "الطلاب المسلمون" بشكل أو بآخر على تعاليم "المعلم" "من أجل حسم النقاشات النارية. كان لكل معسكر في ذلك الوقت تنظيمه الخاص ، ولقاءاته ، ومجموعته الدراسية ، ومكتبته ، و رحلاته الترفيهية، طريقته في اللبس، والأهم من ذلك ، خطابه المميز. كانت كلتا المجموعتين تتنافسان بحماس مع بعضهما البعض في هذه الأنشطة. ومع ذلك ، في بعض الحالات ، كان عليهم أن يتحدوا مع بعضهم البعض لأسباب تكتيكية ، على سبيل المثال ، في التخطيط للإضرابات وكتابة المنشورات والأنشطة الحساسة المماثلة. كانت لكلتا المجموعتين أبطال ، كان لدينا أبطالنا ولديهم أبطالهم. كان الأشخاص الذين اعجبنا بهم معروفين على مستوى العالم : ماركس ولينين وستالين وكاسترو وفانون وتشي جيفارا وماو وأشخاص مشابهين. كان أبطالهم مختلفين عن بعضهم البعض مثل أبطالنا - إن لم يكن أكثر من ذلك. من جمال الدين الأفغاني وإقبال لاهوري والإمام موسى الصدر إلى ميرزا كوتشوك جنجلي والإخوان رضائي و الخميني و مسعود رجوي... ومع ذلك ، كان شريعتي أكبر بطل عندهم.
كان فكر شريعتي الذي يبدو عميقًا ، و متشابكا مع موقفه السياسي الراديكالي ، هو الذي استحوذ على أرواح جمهوره في تلك الظروف المليئة بالتوتر والقمع. ربما يمكن فهم انعكاس مثل هذا العمق في ضوء حقيقة أن المثقفين الإيرانيين لم ينشروا حتى تقييمًا نقديًا جديًا لأعماله منذ ذلك الحين [1990 م]. 4 من ناحية أخرى ، يمكن فهم موقف شريعتي السياسي بوضوح من شعبيته الواسعة خلال الثورة المناهضة للشاه عام 1979 في إيران ، حيث تم تداول آلاف الأشرطة من خطبه وكتيباته بين الشباب المسلم. تجاوزت شهرته حدود إيران وترجمت معظم أعماله إلى اللغات الإنجليزية والعربية والألمانية والماليزية ولغات أخرى. وقد أطلق عليه لقب أحد أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين.

   ولد علي شريعتي عام 1933 في قرية شمال خراسان وأكمل تعليمه الابتدائي والثانوي هناك. 5 كانت والدته من عائلة ملاك ارض وكان والده واعظ إسلامي ومفكر مشهور في تلك المنطقة ،قدم المفكرين النقديين المعاصرين لطلابه. شكّل والده "الحركة الإلهية الاشتراكية" التي لم تدم طويلاً. كان علي أحد أعضاء الحركة وهناك حصل على أول تعاليمه الإسلامية الحاسمة. خلال دراسته الجامعية درس اللغة العربية في كلية مشهد لإعداد المعلمين ،وفي عام 1956 ترجم كتاب "ابو ذر غفاري خدا برست سوسيالست" "ابو ذر الغفاري: الاشتراكي العابد لله". و هو قصة حياة أحد أتباع نبي الإسلام المشهورين الذي كان ناقدًا وخصمًا للخلفاء الأوائل. واصل شريعتي تحسين لغته العربية والفرنسية في جامعة مشهد. في الوقت نفسه ، شارك مع والده في إحياء مجموعة الجبهة الوطنية غير الشرعية ، التي سبق أن أسسها رئيس الوزراء الوطني الإيراني ، محمد مصدق . في أواخر الأربعينيات، قضى شريعتي وأصدقاؤه ثمانية أشهر في السجن بسبب ذلك.
  في عام 1956 ، ذهب إلى باريس ، التي كانت عاصمة دولة استعمارية في ذلك الوقت ، وأمضى بضع سنوات هناك. كانت هذه الرحلة نقطة تحول حاسمة في أنشطة شريعتي السياسية و تطوراته الفكرية. تزامنت هذه الفترة مع اشتداد النضالات ضد الاستعمارية في جميع أنحاء العالم. بدأ دراسة الفلسفة في جامعة السوربون ، وانخرط في الأنشطة السياسية الطلابية والمناهضة للإمبريالية ، وحرر دوريتين مناهضتين للحكومة الإيرانية باللغة الفارسية ، وترجم كتباً لمؤلفين راديكاليين وماركسيين وكذلك مستشرقين ، مثل عمر أوزجان ، وتشي جيفارا، وجان بول سارتر وفرانس فانون ولويس ماسينيون (أحد أشهر خبراء التصوف الإسلامي) وازداد اهتمامه بالاستشراق والقراءة الراديكالية للكاثوليكية. تأثر أيضًا بأفكار علماء الاجتماع الفرنسيين مثل ريموند آرون وروجيه جارودي وجورج بوليتزر ، وخاصة المنطقي الفرنسي البارز جورج جورفيتش.
عاد إلى إيران عام 1965 وسجن فورا لمدة ثمانية أشهر بسبب أنشطته السياسية في الخارج. خلال السنوات التالية ، أمضى خمس سنوات في مشهد للتدريس في كلية الآداب ومعظم بقية حياته في طهران ، حيث بدأ أكثر فترات حياته السياسية والفكرية نشاطًا . من عام 1969 إلى عام 1972 ، حاضر في حسينية إرشاد ، و هو مركز إسلامي حديث في شمال طهران في ذلك الوقت. تم نسخ خطاباته إما على شريط أو طبع في عشرات المجلدات. كان أهمها "إسلام شناسي""علم الإسلام" في عدة مجلدات. تم توزيع هذه الأشرطة والكتب على نطاق واسع بين الشباب المسلم.
  في عام 1972 ، أغلقت الحكومة الحسينية بحجة أنها أصبحت مكانًا وقاعدة لمجاهدي خلق ، وهي جماعة إسلامية راديكالية بدأت كفاحًا مسلحًا ضد حكومة الشاه. يعتقد المؤرخ الإيراني ايرفاند أبراهاميان أن رجال الدين المحافظين في إيران لعبوا أيضًا دورًا في إيقاف محاضرات شريعتي لأنهم كانوا يخشون أن ما يفعله شريعتي لا يروج للإسلام بل يروج للفلسفات الغربية ، وخاصة علم الاجتماع الماركسي. بعد إغلاق الحسينية تم اعتقال شريعتي واتهامه بصلات مع مجاهدي خلق. أطلق سراحه من السجن بعد 18 شهرًا. بمجرد إطلاق سراحه ، نُشرت مجموعة من مقالات في صحيفة "كيهان" المنتشرة على نطاق واسع. نُسبت هذه المقالات التي تحمل عنوان "الإنسان والإسلام والماركسية" إلى شريعتي. تمكن من مغادرة إيران عام 1977. بعد شهر من وصوله إلى إنجلترا ، توفي بطريقة مريبة في لندن. في طهران في ذلك الوقت ، لم يكن لدينا - نحن اليساريون والجماعات الإسلامية - أي شك في أن السافاك (جهاز الاستخبارات الايراني - المترجم) لعب دورًا في وفاته ، رغم أن السلطات البريطانية وصفت سبب الوفاة بنوبة قلبية كبيرة. و لكن مهما كان السبب ، اللوم يجب أن يقع على السافاك . وفاته - على عكس آمال خصومه - زادت من شعبيته وحولت شريعتي إلى أسطورة روحية بين معجبيه.

  على الرغم من وجود القليل من الخلاف حول الدور الأيديولوجي والسياسي لشريعتي وشعبيته ، إلا أن جوهر موقفه الأيديولوجي والسياسي - وكذلك آرائه الفكرية - كان موضع نقاش. بتعبير أدق ، نوع من الارتباك والغموض ،يحيط بآرائه "الماركسية الإسلامية" ، ومحاولته استخدام بعض المفاهيم الماركسية الحديثة مثل "الاستغلال الطبقي" "الصراع الطبقي "و "المجتمع غير الطبقي" ، و "الإمبريالية" ، وما إلى ذلك ، وإقامة علاقة بينها, و بين تعاليم عظماء الشيعة مثل الإمام علي والإمام الحسين وأبو ذر الغفاري (شريعتي يلقبه بأول "اشتراكي عابد لله"). 6 في تلك الأيام المتوترة والحاسمة قبل الثورة ، في جو من الخلاف العميق بين اليساريين والإسلاميين. شكلت أفكار شريعتي من ناحية ، الأسس لتأسيس صلات نظرية بين هذين الاتجاهين ومن ناحية أخرى جعلتنا جميعًا في حيرة من أمرنا - حيرة ما يمثله شريعتي ويدافع عنه - وزاد هذا الارتباك آكثر ، نشر كتيب بعنوان "الانسان، الإسلام والماركسية "عام 1977 ، و الذي تعامل فيه شريعتي بمنهجية مع تعاليم الماركسية. بعد حوالي 10 سنوات ، في حالة ذهنية أقل تشويشًا ، أتيحت لي الفرصة لقراءة ترجمة إنجليزية لنفس النص تحت عنوان جديد "الماركسية و المغالطات الغربية الأخرى" - في كتاب يحمل نفس الاسم ويحتوي على مجموعة من أعماله نشرتها مطبعة ميزان في بيركلي بكاليفورنيا - بما أن الجميع يعتقد أن هذا النص هو أخطر نقاشاته حول الماركسية ، سأحاول تناوله بشيء من التفصيل في هذه المقالة.

بشكل عام ، يستخدم هذا النص في مناقشاته - وهو نقد للفلسفات الإنسانية البارزة في العالم ، بما في ذلك الماركسية - المفهوم الإسلامي الراديكالي للإنسان. يحتوي الكتاب على أربعة مواضيع عامة سأناقشها تباعا.

 أولاً: الفلسفات الغربية - الليبرالية الغربية والوجودية والماركسية - لها منظور إنساني ، لكن أفكارهن عن الإنسانية مستمدة من المادية.
يقول النص أن الإنسانية الغربية تعتمد بشكل كبير على الإطار الأسطوري والمعتقدات الأسطورية لليونان القديمة. في هذا الإطار ، يدور صراع أبدي بين الإنسان والآلهة ، اللواتي تردن إبقاء الإنسان في الوهم والجهل. أثنى الإغريق القدماء على الإنسان أمام الآلهة وأعطوه قيمة عالية. نتيجة لذلك ، تضع هذه الإنسانية مسافة بين الإنسان و الاله. يقول النص أن كل هؤلاء الإنسانيين العظماء في التاريخ - من ديدرو وفولتير إلى فويرباخ وماركس - قد ساوىوا في الواقع بين الآلهة اليونانية ، المتسلطة المعادية للبشر، مع معتقدات روحية عن الله مثل أهورا مازدا ، وراما ، و الطاو ، والمسيح و الله. لأن هؤلاء الفلاسفة قد عمموا عن طريق الخطأ التناقض اليوناني بين الإنسان و الله والروحانية ، فإن إنسانيتهم تكون أرضية وغير سماوية ، وبكلمة مادية. ليس من المستغرب أن المجتمعات الشيوعية لا تختلف كثيرًا عن المجتمعات البرجوازية في تصورها للإنسان ، ففي كل منهما يصل كل شيء إلى حده المتعالي ، في الإنسان ؛ كلاهما يتجاهل "البعد الروحي للطبيعة البشرية".7 و تعتبر النزعة الإنسانية الغربية إلحادية بشكل اخر أيضا، لأنها تعتقد أن للإنسان ضميرًا أخلاقيًا يحدد قيمه الأخلاقية ، وهو الضمير الذي حل محل الله. في المقابل ، يقول النص أن الفلسفات الإنسانية الغربية ، القائمة على المسافة بين الإنسان والله ، تخلو من فهم الديانات الشرقية مثل الهندوسية والإسلام والصوفية. تستند هذه الأديان إلى اتحاد (وليس افتراق) الله والإنسان وبالتالي فإن إنسانيتها سماوية.

ثانيًا: يذهب النص ليقول ،إنه على الرغم من قبول أنصار الإنسانية الغربية وتياراتهم الفكرية ،للحرية والتحرر في نظرياتهم ، فقد فقدوا هذا الجانب في ممارستهم وواقعهم. على سبيل المثال ، دعونا ننظر إلى الماركسية ، التي وعدت بالحرية والتحرر للإنسان من براثن الرأسمالية اللاإنسانية. في الواقع ، الماركسية تشبه الرأسمالية في مقاربتها للبشر ، على سبيل المثال في دعمها للنجاح الدنيوي ، والمادية ، والاستهلاكية، إلخ. من ناحية أخرى ، حُرمت أديان مثل المسيحية والإسلام والطاوية من الأيديولوجيات المحررة وسقطت في هاوية الكنيسة أو رجال الدين المتعطشين للسلطة والمادية ، وهاوية الطقوس الجماعية والمحرمات والخرافات. وبالمثل ، فإن روح عصر النهضة (الذي يعني تحرير الروح والعلم والفكر) تحول الى الرأسمالية والعلموية والليبرالية التي تتميز بالأنانية ،والانتهازية والاستهلاكية، و لم تحظى الإيمان والأفكار والحب ،ومعنى الوجود والإنسان ،بالاهتمام .

  ثالثًا: لأن الماركسية - على عكس الأيديولوجيات الغربية الأخرى - هي أيديولوجية شاملة وجامعة وتتناول الاقتصاد والسياسة والأخلاق والتاريخ والفلسفة وما شابهها ، فهي المنافس الأقوى للإسلام ويجب التعامل معها بالتفصيل. في بقية النص ، يعدد الموضوعات الفلسفية الرئيسية للماركسية لتمييزها عن الإسلام. في البداية ، يدعي النص أن نقد ماركس للدين ، مثل المدارس الإنسانية الأخرى ، قائم على الفلسفة الإنسانية اليونانية ، وهي فلسفة ترى المواجهة بين الله والإنسان ،بدلاً من الوحدة . و بالضد من هذا ،فإن رؤية الإسلام مستمدة من مفهوم "التوحيد". وفقًا لماركس ، فإن الدين ظاهرة تتجاوز العقلانية وتشير إلى عجز الإنسان. ولكن في الإسلام ، يقول المؤلف ،نعتقد أن الجنة والنار مفاهيم علمية وعقلانية . من ناحية أخرى ، يبني ماركس نقاشه على مفاهيم البنية التحتية والبنية الفوقية ، ويرى الإنسان جزءًا من البنية الفوقية ويختزله إلى مستوى الأدوات والأجهزة ، ويرى الدين والأخلاق و القيم و الافعال الخيرة الإنسانية كظواهر تحددها القوى الاقتصادية. لذلك ، في الواقع ، ليس للإنسان استقلال ولا أصالة ، وهي فكرة يرفضها الإسلام تمامًا. بالطريقة نفسها بالضبط يتهم المؤلف ماركس بعدم تخصيص مكانة مهمة للإنسان في التاريخ. يمضي النص ليقول إنه في النظرية الماركسية ، الإنسان منطقيًا كائن عاجز لأنه مخلوق بيئته. إن التطورات التاريخية ليست نتيجة عمل الإنسان بل هي نتيجة للصراعات بين القوى وعلاقات الإنتاج. يقول النص بدهشة أنه إذا كان الأمر كذلك ، فماذا عن شهداء التاريخ ، وماذا عن التحولات والثورات. لذلك ، في الواقع ، ليس للإنسان استقلال ولا أصالة ، وهي فكرة يرفضها الإسلام تمامًا. بالطريقة نفسها بالضبط ، يتهم المؤلف ماركس بعدم تخصيص مكانة مهمة للإنسان في التاريخ. يمضي النص ليقول إنه في النظرية الماركسية ، الإنسان منطقيًا كائن عاجز لأنه نتيجة لبيئته. و إن التطورات التاريخية ليست نتيجة عمل الإنسان ، بل هي نتيجة للصراعات بين قوى وعلاقات الإنتاج. يقول النص بدهشة أنه إذا كان الأمر كذلك ، فماذا عن شهداء التاريخ ، وماذا عن التحولات والثورات .بعد كل شيء ، انتهى عمل هذه الماركسية ، التي تتفاخر بالنقد القاسي للرأسمالية ، بقيم مشتركة مع الرأسمالية. في الممارسة العملية ، يقوم أساس كل من النظامين ، الرأسمالية والشيوعية ، على "الانتاجية " ، و "الآلية" ، و "البيروقراطية التقنية" ، و "التملك" ، و "المنافسة الاقتصادية" ، و "المادية". إن ما تنتقد الان اي الستالينية هي في الواقع استمرار للينينية و هي في الأخير ، نفس الماركسية.
إن ما يميز الاشتراكية عن الرأسمالية هو أن الطبقة الحاكمة (البرجوازية) تمتلك أو تتحكم في وسائل الإنتاج ، لكنها في الأولى تخضع لسيطرة الدولة.

  رابعًا: يقول النص أن الإسلام وحده هو من يملك الإنسانية الحقيقية. الإنسانية في الإسلام مجموعة من القيم الإلهية في الإنسان ، بما في ذلك أخلاقه وموروثه الثقافي الديني ، وبناءً على المفهوم الإسلامي لـ "التوحيد" ، فإن الإنسان موجود متناقض ،تتسم روحه بطابع مزدوج ، أرضي وسماوي ، دنيوي وإلهي ، وإرادة اختيار أحدهما والتخلي عن الآخر. يتابع النص ، أولاً ، في الإسلام ، أن أصالة الإنسان لا تنشأ من نفسه ، بل فقط في علاقته بالله ؛ ثانياً ، للإنسان مصير (قدر)؛ ثالثًا ، للإنسان الحق في الاختيار. إن امتلاك الحق في الاختيار يضع المسؤولية على عاتق الإنسان في إخراج نفسه من الدنيوية ، والتقدم نحو الوحدة مع الله (فكرة مشابهة جدًا للمفهوم الهيغلي لفكرة المطلق ، والذي يتحول و يتطور من لا شيء إلى أن يصبح كل شيء) . بالنسبة لشريعتي ، تصبح هذه المسؤولية مفهوماً حساساً ومهماً للغاية عندما يريد توسيع نطاق تداعياتها من نطاق الفلسفة والالهيات إلى مجال السياسة. وهكذا ، فإنه يدعو ضمنيًا جماهير العالم الثالث عامة والمسلمون خاصة للارتقاء بأنفسهم و أَنْ يُصبحوا "أوصياء الله على الأرض" ، و من اجل الخلاص.(هذا النهج مشابه أيضًا لاستعارة ماركس الهيغلية لـتطور الطبقة من كونها طبقة "في ذاتها" إلى طبقة"لذاتها").
  في الوقت نفسه ، فإن مسؤولية تحرير أنفسنا تعني الاستقلال عن الآخرين ، وبشكل أكثر دقة ، تعني الاستقلال الثقافي والسياسي والاستراتيجي عن الآخرين ، والاستقلال الذي يتم التعبير عنه بوضوح بلغة السياسة في استراتيجية "لا الشرق ولا الغرب "، وليس الرأسمالية أو الشيوعية " ولكن" العودة إلى الذات ".

هذا النص بلا شك نقد قوي من موقع إسلامي رفيع ،للفلسفات الإنسانية الغربية وخاصة الماركسية. يعطي النص إحساسًا بأن مؤلفه، و على الرغم من اهتمامه الشديد وتعلقه بتقاليده الفكرية المحلية ، فهو أيضًا مدرك جيدًا ومتمرس في التيارات الفكرية الغربية المتنافسة. في ذلك الوقت ، في أواخر السبعينيات ، كانت حسينية أرشاد ، "مسجد" فريد وحديث في أحد الأحياء الشمالية المزدهرة في طهران (گلحق) ، حيث كان شريعتي يلقي خطابًا كان يفيض بالناس. ليس فقط المسلمين الراديكاليين ، ولكن اليساريين أيضًا. في ذلك الوقت ، لم نتمكن من إخفاء إعجابنا بمعرفة شريعتي بالماركسية. ربما كان انتقاده العميق على ما يبدو إلى جانب موقفه السياسي الراديكالي هو الذي جعل علي شريعتي يبدو وكأنه المفكر الثوري الأكثر تأثيرًا في تاريخ إيران الحديث.8
ومع ذلك ، فإن "الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى" له نقاط ضعف ومساوئ مهمة في المنهجية ممزوجة بسوء فهم خطير في قراءة ماركس ، و هو الشخص الذي يركز الكتاب على آرائه.
لنبدأ بحقيقة أنه إذا كان معنى فكرة الاستقلال الأيديولوجي هو "عدم استعارة الأيديولوجيا من الآخرين" - موقف مشترك بين بعض المعاصرين من انصار"محلية العلوم الاجتماعية" ، أولئك الذين يعطون الأولوية والأهمية للأفكار الأصلية لـ مناطقهم - إذن يجب أن نقول أن شريعتي نفسه استعار قدرًا كبيرًا من أفكاره من التيارات الفكرية الغربية ، من هيجل إلى هايدجر وماركس ، فالنقطة هي أنه لا حرج في استعارة الأفكار والنظريات ، طالما أنها ذو صلة بالموضوع .
كان أحد الادعاءات الرئيسية للنص ضد الماركسية مرتبط بمفهوم الأخيرة للدين والإنسان. في وقت سابق قدمنا ملخصا لمزاعم شريعتي في هذا الصدد. أعتقد أن نقده في هذه الحالة لها إشكالية منهجية. أولاً ، كما كان شريعتي يعترف ، كان مفهوم ماركس للدين ماديًا. وفقًا لنظريات ماركس ، تشكل الظروف الاجتماعية - السياسية الأفكار والهياكل والتطورات الدينية (في الواقع ، كان ماركس ينتقد تمامًا تحليل فويرباخ اللاهوتي وليس الاجتماعي للمسيحية). ومع ذلك ، فإن نص شريعتي لا يبذل جهدًا لتقديم مناقشة لرفض صحة نظرية ماركس.
ثانيًا ، تشير إشارات ماركس في نقده للدين عمومًا إلى الآثار الاجتماعية او الأسس الاجتماعية للمسيحية في تلك الحقبة ، وهي حقبة - يجب أن يكون علي شريعتي قد قبل - لم يكن الدور المحافظ لكنيستها فيما يتعلق بالطبقات الدنيا مخفيًا على اي شخص.
صحيح أن معرفة ماركس بالدين اقتصرت على المسيحية واليهودية. لم يكن على دراية بالديانات الشرقية. الإسلام والهندوسية والطاوية ، إلخ. يجب أن يستند نقد آراء ماركس حول الدين ، حتى يكون مقبولاً ويمكن الدفاع عنه ، على معرفته المحدودة بأديان العالم. الحقيقة هي أن العديد من منتقدي ماركس يريدون تعميم فكرته عن الدين على جميع الأديان ثم انتقاده على ذلك. من الواضح أن مثل هذا النقد غير صحيح. إلى جانب ذلك ، فإن مثل هذا التعميم من الواضح أنه وظيفي وليس ماركسيًا ، لأن أساس منهجية ماركس يقوم على مفهوم التناقض.
ومع ذلك ، كان بليخانوف ولينين ضد الدين. لكن وفقًا لفي.جي.كيمان ، المؤرخ البريطاني ، فإن ما دفعهم إلى معارضته هو وجود "عدد كبير من الفلاحين في روسيا ، متأثرين بشدة بالأفكار الدينية المليئة بالخرافات الغريبة ، والتي كانت دائمًا تخدم بشكل كبير أغراض القياصرة". 9
في الواقع ، الماركسيون الملتزمين بالمادية التاريخية - مثل إي. بي. طومسون ، جورج طومسون ، بول سويزي ، وبول باران 10 يعترفون دون أدنى شك بأن لكل حركة دينية جوانب تقدمية ورجعية. لهذا قال جورج طومسون في عام 1949 ، "لدينا مسيحان ، أحدهما يحكم والآخر يعاني". 11 من المؤكد أن تقسيم علي شريعتي للشيعة إلى مجموعتين: صفوية (شيعة مؤسّسة السلطة) وعلوية (شيعة قتالية وجماهيرية) لا يختلف كثيرأ عن وجهة نظر طومسون عن المسيحية.
يمكن رؤية صورة واضحة لهذه الازدواجية بشكل أفضل من أي مكان آخر في تصنيف الكنائس في أمريكا اللاتينية إلى كنائس محافظة وراديكالية. وبسبب فهم مثل هذا التناقض والطبيعة المزدوجة للحركات الدينية ، بدأ ماركسيون مثل كلوجمان في بريطانيا وبول باران وبول سويزي في الولايات المتحدة في الحوار مع المسيحية التقدمية.
في التعامل مع مفهوم ماركس للإنسان والدين ، يركز نص شريعتي بشكل أساسي في نقده على فكرة ماركس عن البنية التحتية والبنية الفوقية. في رأيي ، يأتي تفسير النص لهذه المفاهيم شديدة التبسيط. يعتمد النص بشكل أو بآخر بشكل حصري على واحدة من كتابات ماركس القصيرة المقتبسة كثيرًا (حوالي صفحتين) ، وهي مقدمة لكتاب "مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي" ، الذي صاغ فيه ماركس - ولكن قطعا لم يقدم أي تفاصيل - نظريته عن المادية التاريخية . يبدو أن شريعتي لم يستطع معرفة أن كل مكون من مكونات البنية الفوقية - مثل الدين ، وطرق وعادات السلوك ، والسياسة ، والثقافة ، والأخلاق ، وما إلى ذلك - ليس محددًا بل مرتبطًا بالأسس الاقتصادية لنمط الإنتاج ، بوسائل الإنتاج. هذا هو السبب في أن شريعتي يدعي أن الدين والثقافة والإنسانية قد اختُزلت في أدوات. لكن لا يبدو أن هذا ما قصده ماركس. قراءة ماركس الشاملة، تقترح أن هذه "البنية الفوقية" مشروطة (وليست نتيجة جبرية) بالأساس الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك ، فإن العلاقة بين "البنية الفوقية" و "الأساس" ليست أحادية الجانب تمامًا ولكنها جدلية ، أي أن الأفكار والدين والثقافة وما إلى ذلك لها أيضًا تأثيراتها المختلفة على "الأساس الاقتصادي".12 من المثير للاهتمام أن المؤلف يقر في أجزاء من نصه أن ماركس أكد على دور الأيديولوجيا والوعي والأخلاق الإنسانية. ومع ذلك ، فإن شريعتي ، غير قادر على وضع هذه في الإطار العام للنظرية الماركسية ، لهذا يدعي أن نظريات ماركس متناقضة. نفس سوء الفهم صحيح أيضًا حول دور الإنسان في التاريخ ، والذي لن أخوض في تفاصيله .
مشكلة منهجية أخرى في النص هي أنه في جميع أنحاء النص ، تتساوى أفكار ماركس مع أفكار "الماركسيين الآخرين" - على سبيل المثال ، مع قادة "المجتمعات الاشتراكية القائمة". و بالنظر إلى المجتمعات الاشتراكية القائمة باعتبارها تجسيدًا لأفكار ماركس ، يتجاهل شريعتي جميع الانتقادات القاسية التي وجهها الماركسيون أنفسهم ضد فظائع الماضي والحاضر والتي نُفِّذت باسم الاشتراكية والماركسية. إدانة ستالين و خروتشوف و ماركس معا باعتبارهم تجسيدًا للماركسية يشبه إدانة شريعتي مع الإسلاميين الذين انتقدهم. إذا كان لدينا إسلام واحد ، فعندئذ يكون لدينا "ماركسية" واحدة أيضًا .
في الواقع ، ما يسميه النص الشرور البشرية في "البلدان الاشتراكية" الموجودة ربما يكون صحيحًا. التكنوقراطية ، البيروقراطية ، مركزية الإنتاج والعمل ، "آفات الوجود الإنساني" ، هي في الواقع خصائص كل من البلدان الرأسمالية و "الاشتراكية القائمة بالفعل". ومع ذلك ، يجب التأكيد على أن اعتبار هذين النظامين متطابقين - إن لم يكن جهلًا- فأنه تبسيط كبير.
يجب أن يقال أن أنواع نقد الماركسية التي تحدثنا عنها حتى الآن - على سبيل المثال ، النقد المتعلق بمفاهيم "البنية الفوقية" و "البنية التحتية" ، وحدوث الثورات ، ودور الإنسان في التاريخ ، و مفهوم الإنسان ، ممارسات الاشتراكية ، وما إلى ذلك - ليست انتقادات جديدة. لقد أولى أساتذة الجامعات الكبار ، غير الماركسيين والماركسيين ، الكثير من الاهتمام لماركس. كارل بوبر ورالف ديرندورف ودانييل بيل وهربرت ماركوز على سبيل المثال لا الحصر. ما يميز نهج شريعتي هو محاولته وضع الإسلام كتيار ديني وفلسفي وفكري شامل ضد الماركسية. يحاول تقديم مفهوم إسلامي بديل للإنسان يتم تعريفه وتحقيقه في مجتمع إسلامي، الإنسانية الإسلامية التي تفهم قيمة الإنسان ليس في علاقته بنفسه ولكن في علاقته بالله. ومع ذلك ، فإن هذه الفكرة الفريدة ، التي تستمر في جميع أنحاء النص ، تظل في النهاية بمثابة ادعاء ، ولا تتم مناقشتها ، ولا يتم تفصيلها ، ولا يتم تقديم سبب لها.

في بداية هذا المقال ، ذكرنا أن بعض الباحثين وصفوا شريعتي بأنه كاتب متأثر بالأفكار الاجتماعية الماركسية ودافع عن الأفكار السوسيولوجية لـ "ماركس عالم الاجتماع". لكن "الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى" ، والتي تبدو أكثر نقاش شريعتي منهجية حول الماركسية ، توضح الفجوة بين شريعتي وماركس. فأين موقف شريعتي؟ هل "الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى" تمثل وجهة نظر شريعتي في الماركسية؟ الحقيقة هي أن صحة الكثير من هذا النص موضع شك.
كما يشير حامد الكار Hamid Algar، محرر هذه المجموعة من الكتابات ، في مقدمته ، انه في عام 1977 عندما أطلق سراح شريعتي من سجنه الثاني ،رغم رفض المؤلف نُشرت إحدى مقالات هذا الكتاب في إحدى الصحف الإيرانية "كيهان". حاولت حكومة الشاه تقديم شريعتي كمتعاون ومتواطئ مع النظام الحاكم ، وأعاد الطلاب المسلمين في الخارج نشر هذا النص لاحقًا في شكل كتيب بعنوان "الإنسان والإسلام ومدارس الغرب الفكرية ". كتاب "الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى" هو في الواقع ترجمة للنص نفسه ، والذي نشرته دار ميزان في ذلك الوقت بالتعاون مع الباحث المسلم البريطاني المولد حامد الكار. كرس الكار معظم نشاطاته لنشر أعمال الكتاب الإسلاميين وخاصة رجال الدين الإيرانيين البارزين ، مثل آية الله الخميني وآية الله مطهري وعلي شريعتي.
في أواخر السبعينيات في إيران ، اندلع اتجاهان سياسيان راديكاليان مهمان ضد حكومة الشاه ، الأول هو التيار الإسلامي ، الذي كان تجسيده التنظيمي قد تمثل في منظمة مجاهدي خلق. والثاني هو خصومهم الماركسيون الذين تمثلت أنشطتهم المنظمة في مجموعة فدائيان خلق. كان النظام يحاول منع أي نوع من التعاون و الائتلاف بين هذين الاتجاهين. في الوقت نفسه ، لم يتردد القادة الدينيون المحافظون في إنكار إمكانية مثل هذا التحالف وتحدثوا علانية ضد الماركسيين. لا زلت اتذكر الهجمات الممنهجة في خريف 1977 من قبل آية الله مطهري وآية الله مفتاح (كلاهما من حسينية ارشاد) و بشكل خاص هجمات مهدي بازركان ، أول رئيس وزراء للجمهورية الإسلامية ضد "الماديين" في مسجد قباء بحي كلهك شمال طهران. لكن الكتابات المؤثرة لعلي شريعتي لم تدعم الطائفية ولم توصف الماركسيين بصفات مثل الملحدين أو اللاأخلاقيين. فهو في الحقيقة يمتدح اليسار الثوري الذي "يعمل من أجل المظلومين". ( 13 ) لذلك ، من المرجح أن يكون ما نشر في جريدة "كيهان" و الذي كان الكتاب المنشور في ميزان ترجمة له ، هو نسخة مزيفة من النص الأصلي.
الحقيقة هي أنني قرأت النسخة الفارسية الأصلية من هذا النص في طهران عام 1977 ، ويبدو لي أن هناك اختلافات كبيرة في اللهجة والتأكيد ، وكذلك الحذف والإغفال ، بين الكتاب الإنجليزي والنص الأصلي. على سبيل المثال ، ينتهي النص الفارسي الذي قرأته باقتباس مشهور من ماركس "أنا ماركس ، أنا لست ماركسيًا" ، مما يشير إلى خيبة أمل ماركس من "الماركسيين" المعاصرين الذين شوهوا أفكاره. لا توجد مثل هذه الجملة في الكتاب الحالي.

إذن ما علاقة شريعتي بالماركسية؟ هل هو في الحقيقة ماركسي قدم نفسه تحت ستار الإسلام؟ لم يكن شريعتي بالتأكيد ماركسيًا (رغم أنه كان يعتبر نفسه اشتراكيًا) ، لكن من الممكن القول إنه تأثر بالنظريات الاجتماعية الماركسية. استعار من ماركس المفاهيم الأساسية مثل "الصراع الطبقي" ، "الاستغلال الطبقي" ، "المجتمع غير الطبقي" (أو "النظام التوحيدى") ، "الحتمية التاريخية" ، "الإمبريالية" ، "البنية التحتية" ، "البنية الفوقية" ، "القيمة المضافة" و "الثورة الدائمة "واستخدمه بشكل منهجي في أعماله النقدية. كما يلاحظ ايرفاند أبراهاميان بشكل صحيح ، فإن مقاربة شريعتي المتناقضة لماركس متجذرة في رؤيته ليس بوجود ماركس واحد بل ثلاث: اولهم ، ماركس الشاب ، الفيلسوف، و الاقتصادي المختزل (اي يفسر جميع الظواهر الاجتماعية بالاقتصاد-المترجم)، الملحد و المعارض بشدة للدين. الثاني ، ماركس في منتصف العمر ، الذي كان أساسا عالم اجتماع واكتشف قوانين حركة المجتمع ، و طور نظرية الحتمية التاريخية (وليس الاقتصادية) و قدم مفهوم "البراكسيس " والفعل الثوري ؛ والثالث هو ماركس العجوز ، الذي كان من الواضح أنه سياسي ويضعه شريعتي جنبًا إلى جنب مع "السياسيين" الماركسيين الآخرين مثل كارل كاوتسكي وإنجلز وحتى ستالين ، الذين وفقًا لشريعتي ، تنازلوا عن المثل العليا للجماهير المضطهدة في حياتهم اليومية السياسية. رفض شريعتي الماركسين الأول والثالث ، لكنه تأثر بماركس الثاني.14

بعد قراءة كتابي شريعتي الأخيرين ، "التوجه الطبقي للإسلام" و "أمة وإمامة" ، يبدو وصف أبراهاميان أكثر منطقية ومقبولية . في هذه الأعمال ، التي تتناول السياسة والاقتصاد الإسلامي ، يستخدم شريعتي المصطلحات الماركسية المذكورة أعلاه بطريقة منهجية. ومع ذلك ، و في الوقت نفسه ، يبدو أنه يعطي معنى مختلفًا للبعض منها. على سبيل المثال ، يستعير شريعتي نظرية المعرفة من الماركسية ، لكنه في النهاية يميل بطريقه نحو الفينومينولوجيا. 15 إن حتميته التاريخية ليست بالنسبة له سوى "الإرادة الإلهية" ، و إن مفهوم الطبقة - تحت تأثير جورج جورفيتش ، عالم الاجتماع الفرنسي البارز في الستينيات - ليس طبقة اقتصادية تشكلت على أساس مصالح اقتصادية ، بل هو طبقة سياسية قائمة على عوامل غير مادية مثل المعتقدات الدينية والرموز والتقاليد ،العادات والمعايير الثقافية .مع مثل هذه الفكرة السياسية عن الطبقة ، يدعي أنه في العالم الثالث ، وخاصة في البلدان الإسلامية ، فإن الطبقة الوحيدة التي لديها القدرة على إجراء تغييرات عميقة وقيادة المجتمع ليست البروليتاريا بل طبقة المثقفين "روشنفكران". بالإضافة إلى ذلك ، يقبل شريعتي أن الأديان جزء من "البنية الفوقية" للمجتمع ، لكنه يعتقد أن التشيع ديانة فريدة ومختلفة عن الأديان الأخرى ويمكنها وحدها تشكيل الأساس الاقتصادي للمجتمع. 16
مثلما أعاد شريعتي تفسير بعض المفاهيم الماركسية ، أعاد أيضًا تعريف بعض المفاهيم الأساسية للإسلام. بالنسبة له ، فإن قصة قابيل وهابيل هي مجرد تعبير رمزي ديني للصراع الطبقي في التاريخ بين المضطهدين / المستغلين (قابيل) والمظلومين/ المستعمرين (هابيل). الانتظار (انتظار ظهور الإمام الثاني عشر) لا يعني الانتظار السلبي لتحقيق العدل ، بل يعني المشاركة الفعالة في النضال ضد الظلم ، وهو نضال يكون فيه تحقيق الهدف مؤكدًا. التشيع أيضا موضوع للصراع الطبقي بين المضطهدين والمضطهدين. فالظالمون يحولونها إلى أداة للهيمنة ("التشيع الصفوي") والمضطهدون يحولونها إلى أيديولوجية الحرية والتحرير ("التشيع العلوي أو الاحمر"). العلماء - أو رجال الدين ، يجب أن يتحملوا المسؤولية الأكبر تجاه نمو التشيع القمعي. رجال الدين ، و بسبب البساطة الفكرية ،والقدرية ، و احتكار تفسير الإسلام ،ابعدوا الإسلام الصحيح عن الجماهير ، و أخيرًا بتحالفهم مع الأقوياء حولوا التشيع من عقيدة ثورية إلى أيديولوجية محافظة.
وبحسب شريعتي ، فإن الكفر "لا يشمل أبدًا" "أولئك الذين ينكرون وجود الله والروح" ولكنه حكم أولئك الذين ليس لديهم الرغبة في القيام بأعمال "موضوعية" ومحددة لتحقيق المثل الأعلى للإسلام. 17 بسبب مثل هذا المفهوم للكفر ، لم يستبعد شريعتي الماركسيين كما فعل رجال الدين الاخرين بدعوى أنهم ماديون فلسفيون وملحدون ،غير أخلاقيين وكفار . بدلاً من ذلك ، طور نقدًا مستدامًا ضد رجال الدين والفقهاء . قال "ان المساجد واليسار الثوري و الخطباء [الصغار ]، " يعملون من اجل المحرومين و الفقراء ، و هم ضد الشهوة و التملك و الدنيا، اما الفقهاء ، الذين يعلمون الدين و يصدرون الاحكام ،فهم منحازون الى اليمين، محافظون، و في خدمة الرأسمالية ".18.

إن مقاربة شريعتي المتناقضة للماركسية (في دعمها ومعارضتها) ليست بأي حال من الأحوال فريدة في العالم الثالث. في الواقع ، إنه مثال لاتجاه مشترك بين مثقفي ما بعد الاستعمار الراديكاليين والنشطاء السياسيين المناهضين للاستعمار في البلدان النامية. يرتبط شريعتي مع أولئك الذين كانوا ينتمون إلى هذا التوجه بعلاقة مباشرة أو عن طريق الأفكار ، بدءًا من فرانس فانون وأيمي سيزار إلى كوامي نكروما وجوليوس نيريري وكنياتا وبن بيلا و آخرين . في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، طرح هؤلاء خططًا سياسية اقتصادية "بديلة" تقوم على رفض الرأسمالية والتأكيد على الموارد والقيم والتقاليد الوطنية والمحلية. عمليا ، ظهر"الطريق الثالث" كاستراتيجية تنمية لهذا الاتجاه الجديد. تجسدت هذه الاستراتيجية في أنواع مختلفة من "الاشتراكية الوطنية" ، بما في ذلك "الاشتراكيات" العربية والبعثية والأفريقية وأيضًا في شكل "مسار النمو غير الرأسمالي". يقول جوليوس نيريري من تنزانيا في سنة 1962: "إن أساس و موضوع الاشتراكية الأفريقية هو الأسرة الممتدة .. لذلك فان " أوجاما "أو" الأسرة " يعبر عن اشتراكيتنا. هذه الاشتراكية تعارض الرأسمالية التي تحاول بناء مجتمع مزدهر قائم على استغلال الإنسان للإنسان ؛ وبالقدر نفسه ، فهو ضد الاشتراكية العقائدية التي تريد بناء مجتمع مزدهر قائم على فلسفة الصراع الحتمي بين الإنسان والإنسان. نحن في أفريقيا لم نعد بحاجة إلى "تربيتنا" في الاشتراكية ، ولا نحتاج إلى "تعليم" الديمقراطية "كلتاهما متجذر في ماضينا - في نفس المجتمع التقليدي الذي ولدنا فيه . يمكن استخلاص الاشتراكية الأفريقية الحديثة من الإرث التقليدي المتمثل في اعتبار" المجتمع "امتدادًا للوحدة الأساسية للأسرة". 19
جمال عبد الناصر ، رئيس مصر ، في بيانه الاشتراكي ، "الميثاق" ، الذي نشر عام 1962 ، وضباط الجيش البيروفي الذين وصلوا إلى السلطة في عام 1968 بعد الانقلاب ، تبنوا نفس التوجه في التفكير.
في مجال الفكر ، كان لهذا الاتجاه الأيديولوجي الجديد معاني مختلفة بين المثقفين الراديكاليين من العالم الثالث الذين سعوا إلى تمييز أنفسهم عن "الماركسية التقليدية" والاعتماد على تراثهم الأيديولوجي المتجذر ، في شكل "شعبوية عالم-ثالثية". نموذج، على سبيل المثال ، هي الحكومات الشعبوية التي تميل إلى اتباع الأيديولوجيات القومية وسياسات التنمية ، تستند قاعدتها الاجتماعية على دعم الطبقات الشعبية(العمال والفلاحين و "الفقراء") ، ولكن في نفس الوقت، تدعم السياسات الاقتصادية الرأسمالية للدولة ، التي تعمل كدولة استبدادية . من ناحية أخرى ، استخدم كافين كيتشينك Gavin Kitching هذا المصطلح لوصف سياسة التنمية التي تقدم بديلاً عن "العرف القديم" ، أي عرف التنمية الصناعية على نطاق واسع ، من خلال إعطاء الأولوية للإنتاج الصغير على الإنتاج على نطاق واسع ، والزراعة على الصناعة ، والتنمية الريفية على الحضرية. 20
ما أعنيه هنا بـ "شعبوية العالم الثالث" هو إطار تحليلي وأيديولوجي يمثل مزيج من القومية ، و الراديكالية ، ومكافحة التبعية ، والنظام المناهض للصناعة ، وبشكل ما مناهضة للرأسمالية. وجهة النظر هذه تلقي باللوم على "تخلف" دول العالم الثالث على حقيقة أنها تعتمد (اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا بشكل خاص) على الدول الغربية. يبدو أن المثقفين الراديكاليين في العالم الثالث في الحقبة التي تلت الحروب العالمية قد تبنوا وجهة النظر الأيديولوجية هذه ، رغم أنهم ربما اختلفوا عن بعضهم البعض اعتمادًا على درجة ولائهم لتحديد المبادئ - على سبيل المثال ، مناهضة التصنيع. ، مناهضة الرأسمالية ، إلخ.
لكن ما هو أصل هذا الاتجاه الأيديولوجي؟ ربما يكون أحد المصادر هو نموذج "التبعية" ، الذي تعود أصوله إلى الاقتصاديين في أمريكا اللاتينية مثل راؤول بريبش في الأربعينيات من القرن الماضي ، وقد تم تطوير هذه النظرية لاحقًا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بجهود اقتصاديين مثل أندريه جوندر فرانك وسمير أمين ،و فرديناندو كاردوسو و تيوتونيو دوس سانتوس وأصبحت مشهورة. قدمت نظرية التبعية نقدًا شاملاً وواسع النطاق لنظرية "التحديث" السائدة التي قالت ، في تبرير تخلف العالم الثالث ، (إن هذه البلدان في مرحلة طبيعية من تطورها وتصل في النهاية إلى مرحلة عالية من "الاستهلاك الشامل". . و أن الارتباط العضوي بين العالم الثالث والبلدان الرأسمالية المتقدمة سيسرع من هذه القفزة). على العكس من ذلك ، عزت نظرية التبعية تخلف العالم الثالث (المحيط) إلى ارتباطه بالنظام الرأسمالي العالمي (المركز) بوساطة التجارة غير المتكافئة والاستعمار والإمبريالية الحديثة. ومع ذلك ، في تحليلها للعلاقات القائمة على الهيمنة بين المركز والمحيط ، فإن وحدة التحليل بدلاً من الطبقات الاجتماعية هي "المناطق" و "الأمم" و "البلدان". لذلك ، في نموذج التبعية ، تم استغلال بلدان أو دول العالم الثالث من قبل البلدان الرأسمالية المتقدمة وخضعت لسيطرتها. يترتب على هذا النموذج للنضال ضد هيمنة المركز ، تبني استراتيجية الوحدة الوطنية ، أي وحدة جميع الطبقات في بلد مفترض من العالم الثالث ، بما في ذلك العمال والفلاحين والفقراء والطلاب و الطبقة الوسطى القديمة والجديدة و "البرجوازية الوطنية". تشير هذه الإستراتيجية إلى أن الطبقات "الوطنية " بمصالحها المتنوعة والمتضاربة في كثير من الأحيان ، يجب أن تتحد لتشكيل تحالف وطني لمحاربة الإمبريالية. ومع ذلك ، في حالة مثل هذا التحالف ، غالبًا ما يتم التضحية بالمصالح الاقتصادية للطبقات الدنيا و تسود المصالح السياسية والاقتصادية للطبقات العليًا(على سبيل المثال ، يجب ألا يضرب العمال ضد "حلفائهم" الرأسماليين ، أو يجب ألا ينتقد المثقفون الأحزاب الوطنية الحاكمة ، إلخ.) . إن نموذج التبعية المنتشر هذا مسؤول جزئياً عن القومية و الشعبوية العالم الثالثية عند المثقفين الراديكاليين والقادة السياسيين في البلدان النامية.
ومع ذلك ، فإن شعبوية العالم الثالث (بمعنى مزيج من القومية ومعاداة الرأسمالية و مناهضة الصناعة والقبول و الرفض للماركسية) للمفكرين الراديكاليين في العالم الثالث كانت إلى حد كبير نتاجًا للظروف الاجتماعية والسياسية الموضوعية لمجتمعاتهم. كانت معظم هذه البلدان مستعمرات سابقة. كان للاستعمار الرأسمالي تأثير مدمر على نسيجهم الاجتماعي والاقتصادي. لقد غيرت ثقافتهم الأصلية وتقاليدهم وأنظمة قيمهم. أدى غزو الاستعمار الرأسمالي إلى ظهور اتجاهين على الأقل: أولاً ، الرفض القوي للرأسمالية كنظام اجتماعي واقتصادي ومظهر من مظاهر التصنيع والتكنولوجيا الغربية ،والثاني تحالف وطني قوي ضد الاستعمار. في الواقع ، تمثل حياة المثقفين الراديكاليين الذين لديهم هذا المزيج (من القومية ومعاداة الرأسمالية) خصائص أيديولوجيتهم المتناقضة. على هذا الأساس ، فإن مفاهيم الطبقة والصراع الطبقي إما طغت عليها مفاهيم مثل "الشعب" و "الأمة" و "الجماهير" ، أو يتم تعريفها بطريقة تناسب خطة الجمع بين القومية ومعاداة الرأسمالية . لذلك ، عرّف شريعتي الطبقة ليس كمؤسسة اقتصادية ، ولكن في المقام الأول كمؤسسة سياسية ووصف المثقفين بأنهم القوة الدافعة للمجتمع. كان جوليوس نيريري مقتنعًا أيضًا بأن مفهوم "الصراع الطبقي" لا ينطبق على مجتمع (مثل تنزانيا) على أساس مبدأ أوجاما (أو الأسرة). يجادل بأنه في مثل هذا المجتمع يوجد تقارب بدلاً من تضارب المصالح بين الأعضاء.
مع ذلك ، لعب عامل ثالث دورًا في إعادة تعريف الطبقات الاجتماعية ونتيجة لذلك غياب السياسة الطبقية في فكر هؤلاء المثقفين. كانت هذه البلدان لا تزال غير صناعية. كانت الطبقة العاملة الصناعية مجرد جزء صغير من السكان. في الواقع ، كانت الأغلبية المهيمنة تتكون من الجماهير التي لديها أوضاع غير مستقرة أو متدنية ("فلاحين" ، "فقراء" وموظفون حكوميون). مع هذه الخلفية ، كان من المرجح أن "السياسة الطبقية" بشكل عام والاشتراكية الماركسية على وجه الخصوص سوف يتم هزيمتها من قبل الشعبوية والسياسات القومية.
على الرغم من أن الإمبريالية الحديثة والظروف الاجتماعية المحددة للعالم الثالث أدت بالمفكرين الراديكاليين في هذه البلدان إلى القومية ومعاداة الرأسمالية والتعاطف مع المثل الاقتصادية للماركسيين ، فإن السياسة العملية للاتحاد السوفياتي الستاليني في فترة ما بعد الحرب العالمية جعلت الناس المطلعين على هذه السياسات منزعجين من الماركسية. شعر هؤلاء المثقفين بالاشمئزاز من مساومة الأحزاب الشيوعية مع الطبقات الحاكمة في البلدان النامية. بالإضافة إلى ذلك ، كانوا مذهولين من هجوم الاتحاد السوفيتي عام 1956 على المجر وهجومه عام 1968 على تشيكوسلوفاكيا ، فضلاً عن القمع الستاليني داخل الاتحاد السوفيتي نفسه. جزء من هؤلاء المثقفين ، الذين ما زالوا غير مدركين لهذه الأحداث ، أصبحوا ماركسيين حازمين وعنيدين. كان ميلهم هو إنكار الفظائع الستالينية بأعتبارها دعاية فارغة للبرجوازية أو تبريرها بطرق مختلفة.
من المعروف أن النتائج السياسية للثنائية القطبية العالمية ،الإمبريالية الغربية مقابل الاشتراكية الستالينية الشرقية في العالم الثالث كانت الظهور الرسمي "لحركة عدم الانحياز" في عام 1961. على الرغم من وجود شكوك حول الموقف غير المنحازة للعديد من قادة هذه الحركة (أجبرتهم ضرورات السياسة الواقعية Realpolitik على أن يكونوا حلفاء لهذا المعسكر أو ذاك بطرق مختلفة) ، إلا أن المثقفين الراديكاليين كانوا لا يزالون يبحثون عن سياسة و اقتصاد وايديولوجيا محلية اصيلة . ودعوا ، خاصة في مواجهة الإمبريالية الثقافية الغربية ، إلى "العودة إلى الذات " وشددوا على الهوية الوطنية وأنظمة القيم الأصلية والتراث الثقافي المتجذر. في كل من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، الدين - كشكل ثقافي متجذر - استُخدم كأداة للنضال السياسي. في أفريقيا ، كان للأعراف الثقافية والبناءة للمجتمع قبل عصر الكولونيالية نفس الدور. ومع ذلك في بلدان أمريكا اللاتينية ، نظرًا لبنيتها الطبقية المتقدمة نسبيًا ، لعبت الكاثوليكية الراديكالية و لاهوت التحرر دورًا في المجتمع جنبًا إلى جنب وبالتوازي مع السياسة الطبقية (على سبيل المثال ، الاشتراكية الماركسية ، النقابية والنقابية اللاسلطوية) ، ولكن في الشرق الأوسط، بسبب بطء وتيرة التكوين الطبقي الحديث ، كان وزن وتأثير الأيديولوجية الإسلامية أكثر بكثير من السياسة الطبقية العلمانية . في هذه البلدان - باستثناء تركيا والمغرب إلى حد ما - لم تكن الطبقات الدنيا "ناضجة" بما يكفي لتكون قادرة على صياغة والتعبير عن اهتماماتها وآمالها من خلال لغتها ومفاهيمها ومؤسساتها. لهذا ، كان عليهم "استعارة" عناصر من الأشكال والمؤسسات الثقافية السائدة. أصبح الإسلام هذا الشكل الثقافي. لذلك ، مثل العديد من نظرائه في العالم الثالث ، ولكنه فريد في بلده ، شريعتي (الذي كان يكره بشدة الإمبريالية الثقافية ومدركًا لمخاطرها ، والذي تعامل مع مجتمعه في ظروف المنافسة العالمية بين الرأسمالية الغربية والشرق "الماركسي" ، و الذي ترعرع في بيئة غير صناعية وشبه مستعمرة )، لجأ إلى الدين (الإسلام) كقيمة إيديولوجية وثقافية ، والذي - حسب قوله - متجذر بعمق بين جماهير إيران. لقد خلط الإسلام بالمفاهيم الاجتماعية / السياسية الغربية (الماركسية بشكل أساسي) وقدم صيغته الإسلامية الجديدة كطريقة لتحرير و خلاص وطنه..

قد يتساءل قراء هذا المقال عن سبب تناولنا للقضايا التي أثيرت في هذا الكتاب ، "الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى" ، إذا كانت صحة كتابته من قبل المؤلف موضع شك .السبب هو أن الأفكار والخطاب والقضايا التي أثيرت في هذا الكتاب ونسبت إلى شريعتي ،قد وجدت حاليا قيمة ومكانة مستقلة عن مؤلفها. ربما بفضل شهرة علي شريعتي ، أصبحت هذه الأفكار أساسًا للنقد الإسلامي الحديث للماركسية بين الشباب المسلم الإيراني الراديكالي. بغض النظر عن كل هذا ، في تلك الأيام التي سبقت الثورة الإيرانية ، كانت هناك مثل هذه النصوص (في الواقع ، نفس النص المعني) تغذي الجماعات الإسلامية وتعززها. الحقيقة هي أن هذه الأوهام والتشويهات وكل هذه الأشياء "غير الواقعية" و "الزائفة" موجودة بالفعل وهي تؤدي لتداعيات حقيقية - وأحيانًا - خطيرة جدًا. وبهذا المعنى ، فإن انتقاد الشيء "غير الواقعي" و "الزائف" هو الصحيح.

****

ولد آصف بيات عام 1950م في إحدى القرى القريبة من طهران. تخرج في العلوم السياسية من كلية العلوم السياسية والاجتماعية بطهران. تابع دراساته العليا في جامعة كنت بإنجلترا ، ثم عمل أستاذاً بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لمدة 17 عاماً. صدر كتابه " سياسة الشارع : حركة تاهيدستان في إيران" باللغة الفارسية. من بين مؤلفاته الأخرى: العمال والثورة في إيران ، العمل والسياسة والسلطة ، دمقرطة الإسلام ، الحركات الاجتماعية وتحولات ما بعد الإسلام ، الحياة كسياسة ، كيف غيّر عامة الناس الشرق الأوسط. السيد بيات هو الآن أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط في جامعة إلينوي. امريكا

ترجمة دلير زنكنة

العنوان الأصلي بالانجليزية

‏Shariati and Marx:
‏A Critique of an "Islamic Critique of Marxism"
‏Assef Bayat, 1990

ملاحظات

1- على سبيل المثال ، انظر إلى:
إرفاند أبراهاميان ، علي شريعتي: إيديولوجي الثورة الإيرانية ، تقارير ميريب ، رقم 102 (1982)
و
مانجول بيات ، "القائد الثوري الحقيقي لإيران" ، كريستيان ساينس مونيتور ، 24 مايو 1977.
2- انظر إلى مقدمة حامد الكار
ع . شريعتي ، الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى (بيركلي ، مطبعة ميزان ، 1982).
3- م ، بيات. نفس المصدر .
4- تميل الكتابات الحالية عن شريعتي إلى التركيز على وصف أفكاره بدلاً من تقييمها النقدي المنهجي. في أواخر السبعينيات ، نُشر كتيب بعنوان "دراسة عدة قضايا اجتماعية" في طهران ، وكان الاسم المستعار لمؤلفه هو علي أكبر أكبري (ربما كان إحسان طبري ، المنظر الرئيسي لحزب توده الإيراني). هذا العمل هو دراسة لنقد شريعتي للماركسية الشكلية و المتجاهل للاكثر نقدية وتعقيدًا في الماركسية.
الأعمال باللغة الإنجليزية التي تناقش شريعتي وأفكاره ، مانجول بيات ، "الزعيم الثوري الحقيقي لإيران" ،
كريستيان ساينس مونيتور ، 24 مايو 1977 ؛ عابدي "علي شريعتي: مهندس الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران "،الدراسات الإيرانية ، المجلد. التاسع عشر ، لا. 3-4 ، (1986) ؛ أ. ساتشدينا "علي شريعتي: إيديولوجي الثورة الإيرانية "، في ج. إل إسبوزيتو (محرر) ، أصوات عودة الإسلام ، (نيويورك / أكسفورد: أكسفورد مطبعة الجامعة ، 1983) ؛ ابراهاميان ، علي شريعتي: أيديولوجي الثورة الإيرانية "، في تقارير ميريب ، العدد 102 ، (1982). عنايت ، الفكر السياسي الإسلامي الحديث ، (أوستن: جامعة
من مطبعة تكساس ، 1982) ، ص 53-59 ؛ S. Akhavi ، "الإسلام ، السياسة والمجتمع في فكر آية الله الخميني، دراسات الشرق الأوسط ، المجلد.24 ، ع. 4 (أكتوبر 1988). أفضل نقاش حول شريعتي يتم تقديمه من قبل إرفاند أبراهاميان ، في الإسلام الراديكالي: مجاهدو إيران ، (نيو هيفن: مطبعة جامعة ييل ، 1989) ، الفصل 4.
5- معظم مراجع السيرة الذاتية مأخوذة من الفصل الرابع من هذا الكتاب ا. ابراهاميان، الاسلام الراديكالي.
6- م. عابدي ، "علي شريعتي: مهندس الثورة الإسلامية في إيران عام 1979" ، الدراسات الإيرانية ، المجلد ، التاسع عشر ، العدد ، 3-4 (1986) ، ص. 230 ،
7-ع.، شريعتي ، الماركسية والمغالطات الغربية الأخرى ، ص 21.
8- يحاول رجال الدين ،الحاكمون الحاليون في إيران أيضًا تقديم علي شريعتي كصديق للدولة الإسلامية. هذا واضح في ضوء الاحتفالات السنوية والمعارض لأعماله ، وما إلى ذلك. يبدو أن سببًا واحدًا على الأقل لهذا هو حقيقة أن علي شريعتي ليس على قيد الحياة ، وبالتالي لا يمكن أن يشكل تهديدًا للشرعية و
لنوع الإسلام الذي يتبناه رجال الدين الحاليين في إيران. يحاول حميد الكار في مقدمة الكتاب سد فجوة الموقف السياسي والتوجه الأيديولوجي بين شريعتي ورجال الدين الحاكمين. يبدو أن هناك العديد من الحقائق الملموسة التي تعمل ضد هذا الجهد. لنبدأ بحقيقة ان كل قادة مجاهدي خلق الذين شنوا معركة شرسة ضد نظام آية الله هم من طلاب شريعتي. بالإضافة إلى ذلك ، في الآونة الأخيرة ، مكتب نشر افكار شريعتي (دفتار نشر عقايد شريعتي) و التي تدار من قبل والد شريعتي، تم إغلاقها من قبل السلطات. وأخيراً أرملة شريعتي بحسب ذكر إبراهيميان (في الإسلام الراديكالي) قالت بأنه لو كان حياً ،
لكان بالتأكيد في السجن.
أقرب تعبير تنظيمي عن الخلاف بين توجهات شريعتي وتوجهات رجال الدين الحاكمين الحاليين اظهرت نفسها في تنظيم مجموعة فرقان. هذه المجموعة التي تلتزم "بإسلام شريعتي" (أحد جوانبها
مناهضة رجال الدين) قامت باغتيال رجال الدين المحافظين البارزين: آية الله المطهري (المنافس الفكري الرئيسي لشريعتي في عهد الشاه) ، آية الله مفتاح ، ومحاولة فاشلة لاغتيال هاشمي رفسنجاني
(رئيس الجمهورية الإسلامية الحالي). لا يوجد دليل لدعم ادعاء البروفيسور ألكار أن مجموعة فرقان
كانوا "تحت إمرة أشخاص يدينون بالولاء للنظام السابق وللولايات المتحدة" (في الشريعة والماركسية وغيرها المغالطات الغربية ، مقدمة، ص. 9). تقريبا جميع أعضاء المجموعة كانت من عائلات الطبقة المتوسطة الدنيا التقليدية ، المقيمين في كولهاك ، وهو حي في شمال طهران حيث كان موقع الحسينية. قائد المجموعة الذي كان قد قتل على يد النظام الإسلامي ، كان ابن مالك محل بقالة في المنطقة التي كنت أذهب فيها إلى المدرسة. كانت كولهاك تشتهر بتركيز مجموعات دراسة شريعتي قبل الثورة فيها.
9- انظر إلى
‏Tim Bottomore et al.، eds.، Dictionary of Marxist Thought (Oxford: Basil Blackwell، 1980، p.415.
10- انظر
‏E. P. Thompson، The Making of the English Working Class (London: Pellican Books، 1963 (1968)
جورج طومسون ، مقال عن الدين (لندن: لورانس وويشارت ، 1949)
وكتابات بول باران وبول سويزي في أعداد مختلفة من Monthly Review ، وهي دورية اشتراكية مستقلة.
11- انظر كتاب جورج طومسون ص 4.
12- الماركسيون من أمثال إي. بي. يقول طومسون في كتابه "فقر النظرية" وريموند ويليامز في "قضايا حول المادية والثقافة" أنه من وجهة نظر ماركس ، فإن "البنية الفوقية" و "الأساس" هي في الواقع ظاهرة واحدة وتمييز كل منهما عن الآخر مجازي فقط."
13- علي شريعتي ، التوجه الطبقي في الإسلام (طهران 1999). مجموعة الأعمال ، المجلد 10 ، الصفحة 16
14- انظر الفصل الرابع من كتاب ا ، ابراهاميان . الإسلام الراديكالي
15- انظر مقال السيد أخافي ص 407.
16- انظر الفصل الرابع من كتاب ا ، ابراهاميان ، الإسلام الراديكالي.
17- من كتاب "دروس في الإسلام" لشريعتي المقتبس في الكتاب
18-علي شريعتي ، التوجه الطبقي في الإسلام.
‏19- J، Nyerere، Freedom and Unity: Uhura na Umoja (London: Oxford University Press، 1962) )نقلت عن كيتشنج. التنمية والتخلف في المنظور التاريخي (لندن: مطبعة ميثوين ، 1982) ، ص 64-65.
20 - انظر كتاب كيتشنغ ، المرجع السابق.
21- في إيران ، تسببت اتجاهات مناهضة التبعية والتصنيع في رد فعل قوي للغاية. جلال آل احمد ، المفكر الراديكالي الشهير ، وصف اعتماد دول العالم الثالث على الغرب بـ "التغريب". وفي كتاب شعبي يحمل نفس الاسم ، يقول: "الآلة التي جاءت واستقرت في المدن والقرى ، سواء كانت مطحنة للسيارات أو معمل نسيج ، تجعل عمال الصناعات المحلية عاطلين عن العمل. إنها تجعل الطاحونة تنام ، وعجلة الغزل تجعل عجلات الغزل عديمة الفائدة ، وتدمر صناعة حياكة السجاد ، ونسج البساط ، ونسج اللباد للنوم ". (التغريب ، طهران ص 49)
وتجدر الإشارة إلى أن الشعبوية كانت منتشرة على نطاق واسع بين الماركسيين التقليديين الإيرانيين. كانوا أيضًا قوميين ، يكرهون التصنيع الهائل في البلاد وليس فقط ضد الثروة ولكن أيضًا ضد طبيعة الثروة نفسها. رأى بعض القادة الماركسيين الرئيسيين (مثل خسرو غولسرخي) جوانب ثورية في الإسلام يمكن استخدامها لخدمة مصالح الاشتراكية. للتعرف على هذه الموضوعات ، انظر إلى هذين المصدرين الفارسيين:
مجلة نظم نوين العدد 7 العدد الخاص "الإسلام والماركسية" (نيويورك 1985).
مجلة كنكاش العدد 3-4 العدد الخاص من المجلة حول "المثقفين" (نيويورك 1985).



#دلير_زنكنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات الرئاسية البرازيلية: تعرف على مرشحي الحزب الشيوعي ...
- فنزويلا: هجوم مناهض للشيوعية جديد ضد الحزب الشيوعي الفنزويلي ...
- يجب إغلاق قائمة الموت الأوكرانية -myrotvorets-!
- الاقتصاد السياسي للتحالف الاميركي الإسرائيلي - جول بينين
- الراديكالية الزائفة ليانيس فاروفاكيس وحزبه - نيكوس موتاس
- الطفيليات الملكية والرأسمالية - نيكوس موتاس
- ‎مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومات البرجوازية استراتيجية خ ...
- اليسار المناهض للشيوعية - مايكل بارينتي
- موقف الشيوعيين من الحرب الإمبريالية في أوكرانيا بقلم نيكوس م ...
- بوتين هو منكم، ايها الغرب المنافق!
- نيكوس موتاس - غوستافو بيترو وجان لوك ميلينشون و أسطورة -الحك ...
- سلافوي جيجيك ، مدافع عن الرأسمالية متنكرا بزي -فيلسوف ماركسي ...


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دلير زنكنة - شريعتي وماركس . نقد النقد الإسلامي للماركسية