أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - الفرار إلى النهاية















المزيد.....

الفرار إلى النهاية


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


خرقة، خرقة وضعتها بين فخذيها لتحول دون تدفق الدماء الحمراء، لم يكن عمرها سوى أحدا عشر عامًا، كانت تعرف أن النساء حين تلد تتدفق الدماء من بين أفخاذهن، هذا ما سمعته عندما أنجبت أمها أختها قبل بضع سنين ، صرن بذلك خمس بنات وكان أخوها البطن الرابعة عندما مات، ولدته أمه ومات ، ساعات قليلة بعد أن أذن أبوها الشيخ عبد الحليم في أذنه...كبر ثلاث تكبيرات...ودعا له بالبركة والعمر الطويل...ذبح عجلاً ووزع الكثير من الصدقات، دعا الفقراء والمساكين، لكثير من المآدب، كانت ساعات ثم توقف قلبه عن النبض، استسلم لنيمة طويلة، حزن كل من في البيت. الشيخ عبد الحليم لم يعد يخرج من حجرته، حجرة اتخذها محرابًا اتخذها ليلوذ بنفسه عن الحياة، وها قد آن الوقت لينصت لقلم الموت، جلس فيها يتأمل...ويبكي، صوت نحيبه كان يشق صمت الليل، كان ذلك في صيف بارد، لم تحزن أمها فيه لم تبك، لكنها نظرت نظرة طويلة في السماء ثم أطبقت جفنيها وهي تحمد الله. الطعام يوضع له عند الباب الخشبي...حيث كانت رائحة البخور تملأ الممر الطويل حتى يصل إلى باب الغرفة البعيدة عن الأنظار...حين كان الخادم إسماعيل يحمل ما تحضره أمها وحفيظة زوجته...الكثير من الأطعمة التي عرفت لذتها، وهيئتها، والقليل من أسرارها كالخبز المرقوق، والمغرق بالسمن، والعسل واللفائف من اللحم المعشق بإكليل الجبل، ومنقوع بحبات الهيل، والزنجبيل، والزعفران، والثوم، والليمون، ومشروب عرق السوس والتمر حنا والرمان، والقهوة المقدمة مع حبات الحلوة المصنعة من التين المجفف. لم تكن أمها أمًا عادية؛ فهي تحسن الاعتناء بالزوج فهي تجهز لأبيها حمامًا خاصًا من زهر الليمون، وورق الغار، والياسمين، وتعطره بعطر حضرته له خصيصًا؛ فهي تجمع ورق شجر الكافور، وتضعه في زيت لمدة عشرة أيام في مكان خاص، خلالها تأتي بالورد الجوري ومنه النفنوف؛ تغليه، وتجعله يبرد ثم تضعه في زجاجات ثم ترش منه لأبيها الشيخ، أما زيت الكافور فتطيب به رأسه ولحيته. لأمها طقوس غريبة في معاملة أبيها تصل لمرتبة القدسية، ربما لن تستطيع أن تكون مثلها ولا أي من أخواتها اللواتي تزوجن في سن صغيرة، ربما أصغر منها بعام، هي تذكر أن أمها لا تكف عن سؤالها إن كانت تشعر بألم في البطن أو الصدر، غير أن الأمور يبدو أنها قد تغيرت، لم تكن لتعبأ بألم بطنها أو صدرها الصغير الذي بدأ بالظهور أكثر وأكثر، وهي تحاول أن تخفيه بكم الملابس التي ترتديها، إن كانت هذه التغيرات ستجعلها تفترق عن اللعب مع أبناء وبنات جيرانها، وتحول دون ذهابها للكتاب؛ لتتعلم تلاوة القرآن، والتجويد، والخروج دون غطاء للرأس فهو أمر يشعرها بطفولتها، هي تتعجب من رغبة الصغيرات في أن يكبرن ليصبحن كأمهاتهن أو كامرأة رأينها في حفل للختان مثلاً، عندما ترقص النساء وهن يحملن الزهور المرتبة فوق أقراص الحناء، الزغاريد، والأغاني كانت تختلف كثيرًا عن مقدار الألم الذي كانت تحكيه الصغيرات؛ عندما يربطن بحبل عند الرسغين، وتثبت إحداهن الساقين وتأتي العجوز بسكينها الحاد لتذبحها، تقطع وتسيل الدماء ثم يكون الكي...ما الذي يحدث بالضبط ولماذا؟ أبوها الشيخ يختلف في مذهبه عن الجميع؛ فهو يزوج عند بلوغ البنت مباشرة، عندما تنتهي أيام عادتها الشهرية تكون في بيت زوج ...وهو بالعادة أول من يتقدم، وربما يكون شيخًا طاعنًا في السن كزوج أختها الكبرى فهي قد كبرت بالسن عشرات السنين، ولم تعد تعرفها من كثرة البؤس والشحوب في وجهها. هي لا تريد أن تبلغ، هي لا تريد أن تتزوج كما يريدون، هي تريد أن تتم حفظ القرآن، وتتعلم القراءة والكتاب وفقط وربما تتعلم في المدينة البعيدة عنهم، هناك يقال: أن الفتيات يتعلمن، ويصبحن معلمات، أو ممرضات للنساء رغم أن الأعداد قليلة ولكنها موجودة...الكثير من الأحاديث عن عهر أولئك النسوة لأنهن خلعن رداء الحياء...ولكنها لما عرفت أنهن تحدين كل شيء ليتممن تعليمهن ويعملن، أدركت أن هناك فرقًا كبيرًا. تأخرها في المرحاض، وكمية الدماء التي تخرج منها، والملابس الملقاة على الأرض مليئة بالدماء؛ جعلتها تبكي، هي تريد من ينقذها. الكوة الصغيرة في الجدار العلوي المواجه لها، والمغطاة بالزجاج الملون كانت لا ترسل حفنة من أشعة الشمس بقدر ما كانت ترسل البرد والخوف، طرقات أمها على الباب جعلتها تتقلب في موضعها دون أن تتحدث كانت تئن بالكاد وصلت للباب لتفتح المزلاق قبل أن تلقي أمها بعينيها عليها كانت قد ارتمت في حضنها عارية تمامًا. صوت الزغاريد الذي ملأ البيت معلنًا بلوغ البنت الصغرى التي وصلت للحادية عشرة من العمر، كان ليصم أذنيها؛ فقد كانت الوحيدة التي لم تستمع بالحفل الذي جمع النسوة من كل مكان ليباركوا لها دخولها في عالم النساء، لم تشرب من الشربات، لم ترغب في فعل شيء، رغم الجمال الذي كانت فيه، والألوان التي صبغ بها وجهها الوردي، ورغم اللباس المذهب الذي كانت أمها تحتفظ به خصيصًا لهذه المناسبة. كانت تفكر بالويلات التي ستحل عليها...بعد اليوم السادس جاءها الخبر؛ فقد طلبت يدها السيدة رسمية زوجة فريد تاجر القماش، وصاحبة العز والنسب وابنة الشيخ المسكين... طلبتها ليد سليم أخ زوجها فريد القادم من البعيد، وها هو البيت الكبير يتهيأ كي يأتي الرجال طلابًا ليدها، النسوة اللاتي أتين كي يغسلنها، ويزلن ما على جسدها من شعر بالعجينة السكرية، جسدها كله تتفقده النساء دون أن تستطيع أن تخفي حتى عورتها، الستة أيام الماضية كانت كفيلة لتغيرها، لتجعلها أكبر بعشر سنوات، لم تعد تلك الصغيرة ذات الجديلة الملقاة خلف ظهرها، وترتدي الزنوبة، تلعب بالحارة لقد أصبحت امرأة وها هي تُجهز للزواج، لكنها بقيت صامتة، لم تنبس بكلمة حتى دمعتها خانتها...لوهلة شعرت بأن قلبها يتحجر لن تستطيع أن تصبح كأمها ، لن تستطيع أن ترعى أيًا كان... النسوة حولها يتضاحكن ويتهامسن وهن يقلبنها: هل تستطيع؟ هل تستطيع ماذا؟ هي لا تفقه شيئاً، ساعات من الأفراح والولائم وعقد القران...لم يكن هناك متسع من الوقت لتفر...ما كانت تريده بالفعل الفرار، أبسط عبارة لكنها أكثرها رعبًا. باب واحد سقف واحد وزوج تعبر وإياه إلى عالم آخر، الرعب الذي كان في قلبها لم يكن يختلف كثيرًا عن الرعب الذي كان في قلب فريد وهو ينظر لأخيه سليم نظرة جلادة تارة، وحانية تارة أخرى وكلاهما استعطاف له بأن يتغير، ولا يبتليه بمصيبة، هو أرفع من أن يقع فيها. ثلاثة أيام نزفت فيها الدماء؛ ضربت وعنفت، وحرقت، وهي صامتة لقد قررت أن تصمت إلى الأبد وهذا ما كان يثير جنونه... الأطعمة الفاخرة التي قدمت صباحيتها والهدايا والزغاريد لم تكن تعرف ما كانت تخفيه في جسدها، كان ذلك من أول ليلة، الجنون الذي يعتريه صبه عليها بل نقعها فيه وهو يضحك؛ لأنه ملك كل شيء ببساطة. لم تكن سيئة كما يصورها، لم تكن ملعونة، كان يجلسها عارية أمامه لكيها أينما يريد، دون أن تبكي... كانت تعرف الطبخ من كثرة ما كانت مع أمه في المطبخ؛ الروائح والأبخرة والنكهات في رأسها؛ لكنها مع ذلك لم تنجح في الوصول إلى قلبه. أعدت مأدبة له وحده، أكلها كلها، وضربها، وأمرها بأن تأتيه...فعلت. لكنها بالفعل كانت شخصاً آخر لقد قررت بأن تهرب، لن يستمع لها أحد، ستذهب إلى تلك المدينة البعيدة، وستسمي نفسها عاهرة كما يقولون، وستتعلم لا بأس في ذلك، سيكون العهر حرفتها في أن تتعلم وتعلم بعيدًا عن هذا الوحش الذي تركت وإياه...لمن تشكو والشكوى لغير الله صدت أبوابها؛ أمها لم تكن لتسمعها ولو سمعت ما كانت لتبتلي أخواتها بما ابتليت به، وأبوها حررها من الختان وسجنها مع زوج بغيض، لم يكن أحد ليسمعها بل كانوا سيضربونها، ويعنفونها، وربما يقتلونها... إن كانت النهاية واحدة ربما ستنجح في أن تهرب لتغيرها، كان نائمًا ولأول مرة حين أغلقت الباب وراءها، تحت جنح الظلام كان فرارها، لكن فريد كان ينتظر يوم فرارها فقد جافاه النوم منذ أن تزوج أخوه. عشرة أيام كانت كافية لصغيرة بسنها أن تقرر الفرار، لقد صبرت كثيرًا، فسليم وحش بثوب إنسي لن يطول الأمر ليخلعه وكانت الضحية هذه الصغيرة، لم يطل الوقت عندما خرجت البلدة كلها بإثرها. أعلن أبوها الشيخ: أن دمها حل للقتل فاقتلوها أينما كانت؛ لتتعلم أن سمعته لن يطالها سوء، لم يكن إيجادها بالأمر الصعب، خطواتها الصغيرة، جعلها تدور في دائرة مفرغة رماها بين يدي زوجها ثانية الصغيرة وسليم لينتهي الأمر، وحلم لم يكتمل، الحفرة التي رميت فيها لم يكن حفرها صعبًا... فقد حفرها فريد في الظلام، وهو جالس على الصخرة ينفث من دخان سيجارته أفاع منسلة؛ فهو في نظر الجميع الزوج المظلوم والمدافع عن شرفه... ربما لا يعرف الحقيقة سوى فريد لكنه فضل أن يدفنها...



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب الحب وجود والوجود معرفة للكاتب ريبر هبون بقلم ...
- الإصلاح الإداري ج2
- ARV فايروس الإصلاح الإداري
- على مقربة...ج2
- على مقربة...ج1
- المرأة بالألفية الثالثة
- مشروع الطفل العربي
- مشروع ابتكار قطرة مي وزرعة
- شتيات المصاطب
- جحا والبصاصين ومعلم الصبيان ج3
- جحا والبصاصين ومعلم الصبيان ج2
- جحا والبصّاصين ومعلم الصبيان
- المعلم..وعن أيِّ معلم ترانا اليوم سنبحث؟!
- التهرب الضريبي ...أحدث صرعة لتصفية الخلافات على الساحة الأرد ...
- عصرنة الإدارة
- مخبول في قارة الفضوليين
- مكائد قدرية
- هل ستكلف أزمة سد النهضة أبي احمد جائزة نوبل للسلام أم ستكون ...
- الكثير من الحكايا في زمن الكورونا
- لا عودة عن قانون الدفاع والحل بسيط لأزمة الثلاثاء


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - الفرار إلى النهاية