أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - هزيود، الشاعر النبي















المزيد.....

هزيود، الشاعر النبي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7308 - 2022 / 7 / 13 - 22:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٧ - هزيود، الشاعر النبي


أما هيزيود "Ἡσίοδος - Hēsíodos"، أي الذي يصدر الصوت، فقد كان شاعرًا يونانيًا قديمًا، أول الشعراء الذين تركوا أثرا مدونا، يُعتقد عمومًا أنه عاش بين 750 و 650 قبل الميلاد، في نفس الفترة تقريبًا التي عاش فيها الشاعر هوميروس. ويُنظر إليه عمومًا على أنه أول شاعر له دواوين مكتوبة في التقليد الفكري الغربي. نسب المؤلفون القدامى لهيزيود وهوميروس الفضل في تأسيس الديانة اليونانية أو تجميع موادها الشفوية المتراكمة عبر العصور وإعطائها صورة واضحة، وتنظيم العادات والطقوس الدينية، ويشير إليه العلماء المعاصرون كمصدر رئيسي للأساطير اليونانية، وتقنيات الزراعة، والفكر الاقتصادي المبكر، وعلم الفلك اليوناني القديم. المؤرخ هيرودوت هو أول من أعتبر هزيود وهوميروس كمؤسسين لعلم اللاهوت الإغريقي " هما اللذان وضعا للإغريق أنساب آلهتهم منظومة شعرا، وأعطيا الآلهة أسمائهم وصفاتهم، وميزا مقاماتهم المتفاوتة، ومواهبهم المتنوعة، وأبرزا ملامحهم"
هزيود يعتبر إذا أقدم شاعر أخلاقي وتربوي في الثقافة الغربية، أعتنى بالديانة اليونانية القديمة ووضع أسس الأخلاق بطريقة أكثر صرامة من هوميروس الذي يعتبر أخلاقيا غير ملتزم بأية مباديء، وأعتبره العديد سببا في فساد وإنحطاط الأخلاق عند الشباب، وعداوة إفلاطون للشعراء وطردهم أو إقصائهم من مدينته الفاضلة ترجع أساسا لهوميروس وليس لهيزيود، الذي كان ورعا وأخلاقيا، بالإضافة إلى أنه كان يمارس الفلاحة ويعيش في مدينة صغيرة. وقد نظم مجموعة من الأشعار للفلاحين بعنوان "الأعمال والأيام" وهو عبارة عن مجموعة من الحكم والأمثال تسودها فكرة عامة وأساسية وهي فكرة أو مبدأ العدالة. وله كتاب آخر، أكثر أهمية عن أصل الآلهة، ولكن العديد من المؤرخين يشككون في نسبته لهزيود ويعتبرونه منحولا، وإن كان يعتبر أول محاولة في العلم الطبيعي، وإن كان يغلب عليه الخيال والأساطير أكثر من الفكر العقلي والمنطقي.
هزيود هو مجرد فلاح صغير من منطقة بويوتيا من نهاية القرن الثامن قبل الميلاد، عاصر الموجة الأولى من هجرة السكان التي دفعت الإغريق للبحث عن أراضٍ جديدة لإستعمارها وإستيطانها، هسيود الأسكري - Hésiode d Ascra، كما كان يسمى، هو الشاعر، اللاهوتي، النبي والرائي، يتواجد ويتمركز عند تقاطع أو إلتقاء عالمين ونظامين للفكر، متناقضين تماما. من خلال كتابه Theogony، الذي يشير إلى حركة شعرية ودينية أكثر قدما من ملحمة هوميروس، هزيود هو الشاهد المميز لشكل من أشكال الفكر الأسطوري الملحمي الذي يخضع لنوع من المنطق يختلف إختلافا جذريا عن المنطق العقلي الذي أنتشر في اليونان في الفترات التالية. ومن خلال كتابه " الأعمال والأيام "، على العكس من ذلك، يظهر كمصلح أخلاقي يعيش الواقع ويعرف ما يعانيه الشعب البسيط،، حيث اللاهوتي والمبشر الذي يروي ظهور سيادة زيوس وسيطرته على العالم العلوي، يتراجع ويفسح المجال لفلاح يحرث ويزرع الأرض ويتحدث عن الديون والجوع المرير وصعوبة الحياة، والذي ينتقد أقوياء وأغنياء المدينة ويشن حملة على الملوك الشرهين الذين لا هدف لهم سوى تراكم الثروة.
من الأبيات الأولى لكتاب Θεογονία - Theogony، أي علم أنساب الآلهة، ، يؤكد هزيود نفسه على أنه شاعر ملهم، اختارته آلهة الإلهام والشعر ليقول "ماذا سيكون وماذا كان" ، وللاحتفال بـ "الجنس المبارك دائمًا على قيد الحياة". هذا التأكيد ليس مجرد إشارة مبتذلة على موهبته الشعرية، وإنما يدل على رغبته في تبرير مواقفه الأخلاقية والدينية من قبل سلطة عليا معترف بها إجتماعيا. من خلال التذرع بـ Muses آلهة الإلهام أو ربات الشعر، بنات الذاكرة Mnèmosunè، يوضح هزيود أنه بفضل موهبة الاستبصار والرؤيا voyance لديه القدرة على نطق كلام ملحون، وإثبات الحقيقة - alèthéia. "الذاكرة" و "الحقيقة" هما القطبان اللذان يعرّف التوتر بينهما الكلام الشعري. تسمح الذاكرة للشاعر، مثل المتعالي والمقدس، بالوصول مباشرة، بواسطة رؤية شخصية وحدسية، للأحداث التي يرويها والدخول في اتصال مع العالم الآخر وفك رموز طبقات الكينونة " الذي يكون، الذي سيكون والذي كان". بينما تمثل الحقيقة Alèthéia، التي تعارض وتتناقض مع النسيان والصمت والليل - نوع "الكلمة السحرية الدينية"، المشحونة بالفعالية والتي تجعل كل ما تنطقه قابلاً للتنفيذ. لكن Theogony ليس فقط مجرد قصة تحكي ظهور عالم منظم في أفق الفوضى البدائية، وميلاد الآلهة الذين قضوا على هذه الفوضى، إنها أيضًا وقبل كل شيء ترنيمة لقوة إله قوي ومتسلط له السيادة المطلقة على العالم والناس والأشياء، يبسط سلطانه على الكون كله، و الذي يؤدي انتصاره على القوى المعادية إلى إنشاء نظام نهائي. إن Theogony هو ترنيمة لمجد الملك زيوس Zeus، الذي قام بحروب بلا هوادة أولاً ضد الجبابرة Titans، ثم ضد تايفون Typhon المرعب. حيث يخوض زيوس معركتين حاسمتين تقودان في كل مرة إلى انتصار النظام cosmos (الكون - أو الكينونة) على قوى الفوضى أو الخواء Chaos. يظهر تايفون مباشرة بعد انتصار زيوس والآلهة الأولمبية على الجبابرة، والدته الأرض Gaïa غايا، أنجبته فقط للانتقام من زيوس الذي انتفض ضد الجبابرة وسلب سلطة أبنائها وألقى بهم في تارتاروس. إنه مع نفس تارتاروس Tartarus - Τάρταρος توحدت Gaïa لإنجاب تايفون، آخر أبناء الأرض والسليل الوحيد لتارتاروس. وفقًا لهسيود ، تارتاروس سيخرج من الفوضى البدائية، بعد غايا - الأرض وقبل نيكس Nyx - الليل. من اتحاده مع Gaia، فهو أب (Typhon) وأخته (Échidna). وتارتاروس هي منطقة قاحلة، ضبابية، بلا حياة، رتيبة، وفي بعض الأحيان تتكون فيها برك متجمدة وبحيرات من الكبريت والزفت والقطران الذي يغلي. المكان بأسره محاط بالأنهار الموحلة والمستنقعات ذات الرائحة الكريهة التي تشكل حصنًا حتى لا تفلت أي روح من آلامها، وكذلك محاطة بأنهار من النار الملتهبة. المسافة من تارتاروس، التي تقع تحت الأرض، إلى السطح تساوي المسافة التي تفصل السماوات عن سطح الأرض. في هذه المنطقة الشاسعة، كان هناك أيضًا هادس Hadès أو الجحيم، مزودًا بالعديد من البوابات والمذابح التي لا تعد ولا تحصى. في تيفون الوحشي يتجمع كل رعب الفوضى والاضطراب: من أكتافه تنبت مائة رأس من الأفاعي، تتفجر بألسنة سوداء؛ من كل هذه الرؤوس الرهيبة تنطلق أصوات من كل الأنواع، فيها صرخات الوحوش، صفارات غير مسموعة، أصوات لا تفهمها إلا الآلهة؛ من جسده الذي ضربه برق زيوس تولد الرياح التي بدلاً من أن تكون نسيما تنفخ أشرعة السفن للملاحة، فإنها تتحول إلى زوابع ورياح عاتية وعواصف تتابع بعضها البعض إلى ما لا نهاية. وبعد هزيمة تايفون وإلقائه مرة أخرى في جحيم تارتاروس، وسع زيوس سلطته على آلهة الأولمب الآخرين، ووزع بينهم الوظائف والامتيازات. لقد أدى زواجه المزدوج مع ميتيس Mètis وتيميس Thémis إلى تأصيل سلطته السيادية. من خلال اتحاده مع Mètis،التي تمثل الذكاء والدهاء، عن طريق إبتلاعه لها، جعل زيوس نفسه Mètis بالكامل. من الآن فصاعدا لن تفاجئه أية حيلة، كما أنه سيعرف كل شيء مسبقا، ما لا يمكن التنبؤ به لم يعد له سيطرة عليه؛ لن يأتي إله شاب ليطرده من عرشه. ومن خلال زواجه من ثيميس، التي تمثل الاستقرار والاستمرارية والنظام الثابت، يؤكد زيوس امتيازه لفرض الحدود والمسؤوليات التي تخصص لكل فرد، إلهًا أو بشرًا، مجاله ورتبته ومكانه من النظام الكلي الذي يديره ويسيطر عليه. القوة Kratos والقوة العنيفة Bia، هما الآن من الرفاق الدائمين الغير قابلين للإزالة أو الإختفاء للملك الطاغية زيوس.
صور هسيود نفسه في أعماله على أنه مناصري الإستقرار والحياة الثابتة والرتيبة، يكره التنقل وركوب البحر، ومراقب للاعتدال والعدالة، ومتدين لدرجة إيمانه بالعديد من الخرافات، لا يسعى أبدا من أجل إرضاء الملوك أو تملق صداقة الأقوياء، مكتفيا بالقيام بما يراه مفيدًا لمواطنيه، الذين يوعظهم بالأخلاق الكريمة والإستقامة. هو خالق ما يسمى بالشعر التربوي la poésie didactique. بعد وفاته، أقيمت له التماثيل في عدة مواقع ومعابد، وأصبحت قصائده التي كان يغنيها شعراء الرابسود مشهورة في كل أنحاء اليونان. وقد ألهم هزيود العديد من الشعراء، بما في ذلك فيرجيل وكاتو الأكبر ولوكريتيوس وربما أوفيد في التحولات.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البداية، كان الشعر
- ليعم الصمت
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأخيرة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانيةَ عَشْرَةَ
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ
- عن السماء وفلسفة الكون
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة العاشرة
- درع آشيل
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة التاسعة
- بوادر الفكر الفلسفي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثامنة
- أين ظهرت الفلسفة ؟
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السابعة
- -الجامع- الأغريقي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السادسة
- عودة للبداية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الخامسة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة
- العدمية كمحرك للإبداع
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - هزيود، الشاعر النبي