أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة














المزيد.....

مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7283 - 2022 / 6 / 18 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


٤

كانت الرحلة طويلة وشاقة، حيث ركبت كل وسائل المواصلات المعروفة، الحافلة والقطار والطائرة والتاكسي وأخيرا سيرا على الأقدام حتى وصلت حوالي وسط النهار. نزلت من التاكسي وسط شارع كبير محاط ببعض العمارات والمباني العالية نسبيا وحيث الشمس ما تزال في منتصف السماء بيضاء فولاذية ترسل لهبا شفافا يحرق الجلد ويخنق التنفس ومن حين لآخر هبة من الريح الحارق وزوبعة تكنس التراب المتجمع على الإسفلت وأسفل الرصيف المتشقق وترفعه في الهواء فيما يشبه العاصفة. أجتزت المنعطف الأول ثم المنعطف الثاني وفي ذهني تدور ميكانيكية الحوار الممكن بين عالمين يبدو التناقض بينهما أكثر من مجرد إحتمال. وعندما اجتزت المنعطف الثالت بنفس الخطوات السريعة الثابتة بدأ الشك يراودني، مجرد تساؤل بسيط في البداية، ثم تحول تدريجيا إلى قلق غريب جعلني أرتاب في ما حولي والمكان الذي أتواجد فيه. الشارع يترائى لي بلا نهايه ويمتد أمامي بعيدا ويحتوي بالتأكيد على العديد من المنعطفات الأخرى. الأمر ليس بالسهولة المعهودة، الإنعطاف إلى اليمين أو إلى اليسار أو الإستمرار في السير حتى المنعطف القادم يحتاج إلى مجهود عقلي كبير وحساب كل الإحتمالات وإتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. كنت أعرف هذه الحقيقة حتى قبل أن اخطو خطوتي الأولى في هذا الشارع الإسفلتي الطويل. واصلت سيري متضاهرا بعدم إعارة إنتباه كبير للشكوك والوساوس التي تعودت عليها منذ بداية هذا المشروع، واجتزت العديد من المنعطفات دون أن أتوقف حتى وصلت إلى منطقة تبدو وكأنها نهاية المدينة أو بدايتها، حيت بدأت البنايات العالية تتناقص وأصبح الشارع محاطا بالبيوت الصغيرة المكونة من طابقين أو ثلاتة طوابق يحيط بأغلبها سور عال أو سياج حديدي مطلي بلون ما، وأخيرا وجدت نفسي فيما يشبه وسط المدينة، ساحة كبيرة وشوارع جانبية وبعض دلائل الحياة العادية. سرت قليلا في شوارع المدينة المتربة حيث القليل من البشر يتحركون في إتجاهات مختفلة، رجال ونساء وأطفال، وجوه كالحة تنضح فقرا وتهيم وسط الغبار والقمامة المتجمعة على حافة الأرصفة المتشققة والمكسورة. تبدو المدينة وكأنها مسكونة بالعمال والعاطلين عن العمل والعجائز. بعض المحلات التجارية الخاوية من البضائع ومن الزبائن تبدو متكأة على جانب الشارع مستعدة للإنهيار في كل لحظة. كان علي أن أستفسر عن العنوان الذي أبحث عنه، فدخلت مطعما خاويا بلا نوافذ، مضاء بنيون يرتعش في السقف حيث أكلت صحنا من الفاصوليا الحمراء ثم ودلني صاحب المطعم بإشارات مبهمة عن العنوان. واخيرا وجدت المكان االذي أبحث عنه للجلوس والإنتظار في هدوء.
المقهى كان فسيحا ويغمره الضوء من عدة نوافذ زجاجية كبيرة، وكان مرتفعا عن الشارع بعدة درجات إسمنتية، وأرضيته مكونة من بلاط مربع كبير الحجم ذو لون أبيض وأسود يوحي بلوحة الشطرنج، وعدة طاولات متفرقة بغير إنتظام في أركان المكان، وقليل من الزبائن يشربون الشاي أو القهوة في صمت. صاحب المقهى، بعد أن أحضر لي طلبيتي عاد وجلس على كرسية الخشبي أمام المدخل يدخن سيجارته ويلوح بيده من حين لآخر كلما مر أحد معارفه. بطبيعة الحال لم أكن أنتظر ملاكا شفافا بأجنحته الفضية ليحاورني ولا شعاعا من النور يشرق فجأة ليضيئ الكرسي الذي يقابلني، ولم أكن أتوقع أن يتجسد "الله" في شكل بشري لا يراه غيري ليجلس أمامي ويجيب على أسألتي كما هو الحال في القصص القديمة أو في بعض الأفلام الشعبية التي تعالج هذه المواضيع. في الحقيقة لم أكن أعرف ماذا أنتظر، ربما مجرد صوت داخلي أو حضورا ما لا أعرف طبيعته بعد. حسب المعلومات المتعارف عليها في هذه البقعة من العالم، الله يبدو في كل مكان، حاضر على الدوام، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تغيب عنه كبيرة ولا صغيرة، يسمع ويرى الحاضر والغائب ويعرف كل ما يجري في الصدور "وهو أقرب إليكم من حبل الوريد"، فلابد إذا هو الآن في هذه اللحظة يراني ويسمعني ويعرف ما في صدري، ولكنني أعرف أن ذلك يمكن أن يحدث في أي مكان، فلماذا هذا المكان بالذات، هذه المدينة الموبوءة بالفقر والغبار وحرارة الشمس الحارقة؟ لماذا هنا وليس أي مكان آخر؟ وجلت ببصري في أنحاء المكان الفسيح تضيئه أشعة الشمس من خلال النوافذ الزجاجية العديدة والتي تنعكس على الأرضية الشطرنجية. وبدا لي المكان مألوفا وكأنني جلست فيه من قبل أو رأيته بطريقة ما. وتذكرت فجأة ذلك الحلم القديم، الذي ظل يراودني لليال عديدة متلاحقة ثم يغيب فترة وأنساه، ويعاود الظهور من حين لآخر. حيث أجد نفسي وسط شارع صغير ضيق أنظر إلى لافتة رخامية مثبتة على حائط إسمنتي قديم، ثم أدفع بابا وأدخل لأجد نفسي في مكان يشبه زنزانة ضيقة ذات أرضية خشبية تصدر صريرا خافتا تحت وقع خطواتي، وأدرك إنني على خشبة مسرح وأمامي، أسفل قليلا صالة المسرح غارقة في ظلام دامس، وأشعر بطريقة ما بتواجد المشاهدين. أسمع بعض الهمسات الخفيفة وضحكات مكتومة وسعال شخص من حين لآخر، وصوت حركة الأقدام وصرير الكراسي حين يتحرك ويتململ الجالسون. لم أكن أرى أحدا ولا أعرف عدد الحاضرين إن كان قليلا أو كثيرا. كنت جالسا على كرسي خشبي تحت ضوء خافت لم أستطع تحديد مصدره وأمامي طاولة حديدية مربعة صغيرة الحجم تشبة طاولات المقاهي الشعبية. ويبدو أنني أنتظر شيئا ما أو شخصا سيأتي بعد قليل، حيث أنني ألتفت ورائي من حين إلى آخر كلما خيل إلي أنني سمعت صوت خطوات أو طرقات على الباب. ويستمر الوضع هكذا حتى أستيقظ. استمر هذا الحلم يلاحقني شهورا عديدة دون أن أنتبه إلى أن فترة الإنتظار تدوم في كل مرة فترة أطول من السابق، أو هذا ما خيل إلي، لأنه في الحلم من الصعب قياس أو تقدير الزمن. وفي بعض الأحيان كنت أجتاز الشارع بكامله وأحيانا أخرى كنت أرى بوضوح الإسم المحفور على اللوحة الرخامية، وفي أحيان أخرى أجد نفسي مباشرة على الأرض الخشبية جالسا أمام الطاولة الحديدية الصغيرة .. وأنتظر.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدمية كمحرك للإبداع
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
- لون السماء
- حدود الأبدية
- لعنة الخلود
- فصل في الجحيم
- عن الغبار المعطر
- سيمون دو بوفوار ورواية الموت
- الفوضوية العدمية
- الحياة، كوميديا رديئة الإخراج
- روح الجدية
- شيزوفرينيا
- التحول
- اغنية الحجر
- تشققات
- هزيمة الكلمات المنهكة
- حلم الذئاب المرقطة
- زريبة الوعي


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة