أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة














المزيد.....

مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7280 - 2022 / 6 / 15 - 15:56
المحور: الادب والفن
    


٣
بطبيعة الحال لم أربي لحيتي ولم ألبس جلبابا، فلا أعتقد أن إلها بهذه القوة والمهابة يهتم بهذه التفاصيل المزرية، ولكنني اشتريت قرآنا وإنجيلا ونسخة من التوراة وبدأت محاولات التقرب. بدأت أول ما بدأت بما يسمى ببيوت الله. لأسابيع طويلة كنت أرتاد الجامع يوم الجمعة والكنيس أو معبد اليهود يوم السبت والكنيسة يوم الأحد، وأقرأ التعاويذ والصلوات والأوراد والتسابيح بطريقة منتظمة محاولا قدر الإمكان إيصال الطلب ومحاولة الحصول على رد بالإيجاب لتحديد موعد المقابلة الصحفية التي يعتمد عليها مستقبلي ومستقبل الجريدة والعاملين بها. لم أترك شيئا للمصادفة إذا، وحاولت أن أطرق على كل الأبواب وكل الوسائل التي لها علاقة من قريب أو من بعيد بالمهمة والتي لها ولو جزء يسير لفرصة النجاح. فكتبت بخط يدي ورقة موجهة إلى "الله" وأرسلتها إلى صديق لي في مدينة القدس ليضعها في أحد شقوق حائط المبكى، ولكونه ملحدا ولا يؤمن بهذه الخرافات على حد قوله فقد كلف أحد الحاخامات الذي يعرفه بوضع الرسالة في صندوق البريد. واستمر الإنتظار زمنا طويلا دون نتيجة تذكر، مع مواصلتي للكتابة في صفحتي الأسبوعية "شبردق". غير أنه بدل الكتابة عن البطالة أو المشاكل العديدة التي يعانيها العمال عموما والمهاجرون بالذات من الإستغلاال والعنصرية والفقر وسوء السكن والعلاج إلخ، بدأت سلسلة مقالات عن البيئة، كيفية الحفاظ على نظافة مدننا الجميلة وشواطئنا الرائعة، كيفية تشجيع زراعة الأشجار وأهمية النخلة ودورها في تكوين شخصيتنا، وكذلك موضوعا عن التين الشوكي وأهميته الإقتصادية وكيفية الحفاظ على هذه الثروة وتطويرها، وكتبت أيضا عن الحلفاء وعن العديد من النباتات البرية التي في طريقها للإنقراض، وكذلك عن الجراد والجرابيع ونبات الحنضل .. إلخ.
أستمر الوضع هكذا عدة شهور، فكرة محاورة الله كانت في البداية مجرد لعبة فكرية لغرض صحفي، ولكن مع الوقت أنتابني نوع من القلق الوجودي شبيه بقلق كييركجارد، والذي تحول تدريجيا إلى نوع من الشك، ليس شكا ديكارتيا منظما من أجل المعرفة، ولكن نوع من الشك القلق كشك القديس أوغسطين أثناء محنته الروحية التي قادته في النهاية إلى الإيمان. واستنتج أن الإيمان ضروري لتعقل العالم "أؤمن وستفهم، الإيمان يسبق، والذكاء يتبع". ربما فقط في المجال الديني يوجد هذا الحل النهائي الذي تبحث عنه البشرية، حيث يمكن للإنسان عن طريق الإيمان اللاعقلي، الإيمان بدون أي ضمان، بدون أي أمان فكري أو روحي، يمكن بواسطة حركة الإيمان العبثي أن يوجد أمل ضد كل أمل أو رجاء، هذا فقط يمكن أن ينقذ الإنسان من العبث وأن يتمكن من الوصول إلى شاطئ الأمان. وتذكرت مقولات القديس أوغسطين "لا تنظر للخارج، انظر إلى داخل نفسك؛ ففي قلب الإنسان يسكن الحق". وأدركت أنه لو كان الإنسان ملاكًا أو وحشًا او حيوانا، فإته لن يعرف القلق أبدا. لكن كونه توليفة مركبة من الإثنين، فهو قادر على معاناة القلق، وكلما كان قلقه أعمق كلما أزدادت إنسانيته. فماذا لو كان الله يوجد حقا، وأنني عشت طوال حياتي جاهلا لهذه الحقيقة، ماذا لو أن العقل والعلم والمنطق ماهي إلا أوهام وأحلام نسجها الإنسان من قلقه وعذابه، وأنه لا بد لنا من زلزال فكري ليوقظنا من غفوتنا الطويلة ؟ ورغم هذه التساؤلات وهذا الشك فإنني لم أستطع أن أتخذ قرارا بالتوقف عن محاولة التواصل مع الله. وفي جميع الأحوال يجب مواصلة المشروع العبثي، ذلك أن وجود الله أو عدم وجوده لن يغير شيئا من عبثية المهمة.
وفي نهاية الأمر أدركت فشل محاولاتي البائسة وكدت أفقد الأمل وأنتابني نوع من الإحباط الفكري وأدركت أنه يجب أخذ الأمور من زاوية مغايرة وجديدة. ضروروة إيجاد شخصية ذات يد طويلة كما يقولون، شخص "واصل"، باختصار لن أصل بمفردي وبإمكانياتي الذاتية والمحدودة، ولا بد من استعمال "الواسطة" كما هو متعارف عليه في كل المعاملات للحصول على الموعد المطلوب. وبدأت سلسلة طويلة من الإتصالات ببعض "المقربين" أو الذين يدعون هذا المقام، من شيوخ وفقهاء وأإمة وقضاة وكذلك ببعض رجال الكنيسة والحاخامات، ولم استثني بطبيعة الحال المثقفين والفلاسفة ورجال ونساء الفكر من مختلف الإتجاهات والإيديولوجيات، وذلك بواسطة المراسلات البريدية والإلكترونية وبواسطة الهاتف والمقابلات الشخصية المباشرة أو بواسطة السكايب والواتساب، لم أترك وسيلة في متناول إمكانياتي لم أستعملها. وللحقيقة، وجدت تعاونا وتفهما عميقا مثير للدهشة ولم أكن أتوقعة من أغلب الذين تمكنت من التواصل معهم، وشجعني الكثير منهم على مواصلة المجهود وعدم السقوط في دوامة الإحباط واليأس، وأكد غالبيتهم على أهمية المشروع وإمكانية نجاحه وأن "الله" مجيب لعباده وعادة ما يحقق طلباتهم مهما كانت عجيبة. وكنت في مكتبي بالجريدة أراجع مسودة محاضرة أزمع تقديمها مساء اليوم التالي في مقر اليونيسكو بخصوص تطور "برّاد الشاهي الليبي" وإنعكاسات هذا التطور على المجتمع فيما يتعلق بنظرته للمكان والزمان، وذلك في إطار سلسلة من البحوث والمحاضرات وورشات العمل المتعلقة ببعض الأدوات والأوعية والأواني التي صاحبت بعض الشعوب لفترات معينة من تاريخها والمهددة بالإنقراض، عندما وصلتني أخيرا رسالة مسجلة تتعلق بالمقابلة. وصلتني هذه الرسالة في لحظة كدت أفقد فيها الأمل نهائيا، من رجل عجوز وباحث مغمور متقاعد متخصص في اللغات القديمة ويبدو أنه سمع عن المشروع بواسطة أحد المعارف المشتركة. الرسالة قصيرة ومقتضبة وبدون تفاصيل ما عدا تاريخ اليوم والساعة ومكان الموعد. بقيت مصعوقا لعدة دقائق وقلبت الرسالة وقرأتها عدة مرات ، ولم أعرف في نهاية الأمر أن أقرر بجدية الرسالة من عدم جديتها. غير أن الموعد المحدد هو خلال عدة أيام وليس لدي الوقت الكافي للتردد أو دراسة الإحتمالات، علي التوجه فورا إلى هذه المدينة أو القرية والتي لم أسمع بها من قبل ولا أعرف أين توجد على الخارطة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
- لون السماء
- حدود الأبدية
- لعنة الخلود
- فصل في الجحيم
- عن الغبار المعطر
- سيمون دو بوفوار ورواية الموت
- الفوضوية العدمية
- الحياة، كوميديا رديئة الإخراج
- روح الجدية
- شيزوفرينيا
- التحول
- اغنية الحجر
- تشققات
- هزيمة الكلمات المنهكة
- حلم الذئاب المرقطة
- زريبة الوعي
- العبث والطريق المسدود
- الحاضنة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة