أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة العاشرة














المزيد.....

مقابلة صحفية مع الله - الحلقة العاشرة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7297 - 2022 / 7 / 2 - 14:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- في هذه الحالة، هل يمكن معرفة من أنت، بغض النظر عن إشكالية الوجود أو عدمه؟
- هويتي مزيج مركب من مئات الصور والمفاهيم التي هي نتاج الفكر البشري طوال فترة زمنية طويلة، نابعة عن تنوع نشاط الإنسان وتنوع بيئته وتاريخه. ففي البدايات الأولى للأديان يبدو أن أول إله هو "آن" أو "آنو" في سجلات أخرى، تكون من زبد البحر وهو السماء العليا أو قبة السماء، غير أنه يبدو ككائن بعيد وقصي ولا يمارس عملا حقيقيا، نوع من القوة الكامنة هناك بعيدا في القبة الزرقاء، تراقب العالم في صمت من وراء بوابة السماء. وتواصل " آنو " بالأرض " كي " وتكون من هذا الإختلاط إله آخر يسمى " إنليل " أو سيد الهواء، والعالم في ذلك الوقت ظلام دامس مطلق وإنليل وجد نفسه حبيسا بين السماء والأرض في ليل أبدي بلا شموع، فكون " نانا " أو "سين " والذي كان يمضي مبحرا في زورقه ليجلب الضياء إلى السموات. "إنليل" هو الملك الحقيقي كما يبدو، حيث استولى على السلطة وانفرد بها، فهو العاصفة والريح والزوبعة " طوفان متدفق يكدر وجوه البشر وإعصار يدمر الحصون" كما ورد حرفيا في بعض التقارير. وهناك إله آخر، يعنينا في هذا المقام أكثر من غيره وهو "إنكي" أو "إيا" إله الحكمة والتأقلم ونفاذ البصيرة، إله المياه الصافية الخالصة، فهو خالق البشر ومهندس الإنسانية والمدبر لأمورها. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك أيضا "شمش" الإله الذي يعلم تفاصيل كل ما يجري في السماء والأرض، وهو أيضا القاضي الرحيم الذي يلوذ به البشر مستغيثين عند الضرورة وفي أوقات المحن، وهو إله الوحي والنبوءات والرؤى والأحلام، إنه الهادي والمنار الذي يعبر فوق البحار اللانهائية والتي لا يعرف ألهة السماء العظام أغوارها. وهكذا ترى أنه في البداية كانت هويتي مقسمة ومشتتة بين عشرات الذوات المختلفة ولكل منهم مهمته ووظيفته. اليوم لملمت ذواتي في هوية واحدة ولم أعد أعاني من إنفصام الشخصية. ومع ذلك فما زال هناك من يراني كـ"أب" خالق للبشرية يرشد ويحمي ويحاسب ويعاقب أطفاله، ويجب التوجه إليه صباح مساء لدعوته وشكره والإمتنان له. ومنهم من يراني مجرد قوة مطلقة ومجردة، ممتلئة بالعلم والمعرفة والإرادة، خلقت الكون والإنسان. ومنهم من يرى بأنني الطبيعة ذاتها أو الطاقة المطلقة التي تسري في الكون ومصدر الحياة والموت، ومهما كانت ماهيتي المتخيلة وقدرتي الفائقة فهناك حد منطقي لا يتجاوزه هذا الخيال وهو عدم إمكانية أن أخلق إلها آخر يساويني أو يتجاوزني في القوة.
أنا كإله أعيش موقفا عبثيا بكل معنى الكلمة، وأمثل العبث ذاته في أقصى قوته الوجودية. إذ أنه رغم كمالي ولا نهائية إمكانياتي وقوتي المطلقة ومعرفتي للماضي والحاضر والمستقبل، إلا أنه لابد لي من الإنسان، أو أي كائن آخر له وعي بوجودي وضرورتي لكي أكون إلها. إشكاليتي الكبرى ومصيبتي الأساسية هي إنني غير كاف لنفسي، وعلي كإله أن أواجه كل هذه التناقضات الناتحة عن هذا الموقف. كيف يمكن للإنسان أن يتصور ذاتا إلهية مثلي دون أن يفقد إنسانيته كوعي مفكر ؟ إن وجودي وكينونتي وهويتي المفترضة غير منطقية حسب معايير الفكر الإنساني. ربما يجب التذكير بالسؤال الطفولي الذي كان يوجهه طلبة المدارس الإعدادية لتعجيز بعضهم البعض: هل يستطيع الله أن يخلق حجرا ضخما وثقيلا لدرجة أنه هو نفسه لا يستطيع أن يرفعه ؟ رجال الدين والمؤمنون لا يتقبلون هذا التساؤل، ويرون أن مجرد السؤال البسيط هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها هو من باب الإلحاد والكفر بقوة الله. ويبررون ذلك بمنطق أعوج مفاده بأنه إذا كان الله مطلق القدرة فإن أي فرضية تتعارض مع قدرته المطلقة تسقط وتعتبر ممتنعة الحدوث، ويكون السؤال عنها مغالطة منطقية. المشكلة إذا ليس فقط في هذا التناقض الصريح في ذاتي المقدسة، وإنما أيضا في عدم قدرتي على التفكير أو التخمين أو المعرفة أو الإندهاش لأنني أعرف كل شيء وخلقت كل شيء وقادر على كل شيء منذ الأزل، فأبدو عاجزا عن القيام بأي شيء جديد. هذا الوضع المُمِل يجعلني في النهاية بعيدا عن البشرية وبعيدا عن الألوهية، فأنا غير قادر على الإستمتاع بلعب الورق مع أي أحد، لأنني أعرف مسبقا الأوراق التي في أيدي حميع اللاعبين، أنا في النهاية إله غير سعيد وأعاني من الملل والحزن.
وللإجابة بالتفصيل على السؤال من أنت؟ أقول بأنني لست الأب ولا الرب للعائلة البشرية، كما أنني لست الطاقة النووية ولست الذرة ولا الهواء ولا الإيثير، أنا لست شيئا من الطبيعة لأنني لست مادة. ولكنني أيضا لست روحا تسرح في الفضاء الكوني وتعوم في الفراغ السرمدي تراقب البشر وتسجل أقوالهم وأعمالهم في سجلات يوم القيامة. أنا هو حلمك وحلم كل البشر بالحياة والحرية والسلام وعدم الإنقطاع. أنا حلم البشرية بكينونة متطابقة مع ذاتها، بدون هوة تفصل بيني وبيني، أنا هو إحساسك بالهواء البارد على وجهك في الصباح، أنا هو وعيك بلون الزهرة ورائحة التراب المبلل بالمطر وبوجود الشجرة هناك على بعد أربعة خطوات، أنا هو هذا التيار العارم المتدفق والذي لا يتوقف ويريد أن يكون ما يكون. أنا هو القلق المتسرب في الحياة من الشق الفاصل بين العدم والكينونة أنا هو أنت، متعدد كالأنوات وواحد مطلق ومتعال كالوعي، لا ظاهر ولا باطن له، لا داخل ولا خارج له، لا بداية ولا نهاية له. أنا الكينونة والعدم في آن واحد…

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درع آشيل
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة التاسعة
- بوادر الفكر الفلسفي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثامنة
- أين ظهرت الفلسفة ؟
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السابعة
- -الجامع- الأغريقي
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة السادسة
- عودة للبداية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الخامسة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الرابعة
- العدمية كمحرك للإبداع
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانية
- مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الأولى
- لون السماء
- حدود الأبدية
- لعنة الخلود
- فصل في الجحيم
- عن الغبار المعطر


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - مقابلة صحفية مع الله - الحلقة العاشرة