أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - 4- القرآن وثقافة الغباء الجمعي















المزيد.....


4- القرآن وثقافة الغباء الجمعي


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 7296 - 2022 / 7 / 1 - 04:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقول المحامي والفيلسوف الأمريكي روبرت جي. إينجيرسول (1833 - 1899): « مقدار الإفتتان بالكتب المقدسة يعتمد على جهل القارئ »، ويقول أيضًا: « إن كان الكتاب المقدس وعقلي من صنع نفس الإله، فمن المسؤول بأن الكتاب وعقلي لا يتَّفِقان .. ؟!».
القاعدة المنطقية تقول: إذا كان الدين ضروريا لكل الناس، فلماذا لا يكون واضحًا لكل الناس؟. فالكتب الدينية المنسوبة لإله غيبي، عادة ما تكون منفرة ومملة لما يكتنفها من غموض وإبهام، وتكرار لا أهمية له، ومخاطبة للعواطف المعدية كالمرض، وغير ملزمة من وجهة نظر استعمال العقل، وتمتلئ بالأوامر والنواهي التي - على الأغلب - لا يعتد بها أحد في العلن، وتعكس نوايا الذين أعدوها والذين يقومون على نشرها وحمايتها، لذلك لا مفر من تقديسها وعدم المساس بمضمونها، والتعامل معها كالأصنام، مع العمل الدؤوب على زيادة الافتتان بها بزيادة جرعة الجهل في مجتمعاتها.
كتاب المتأسلمين (القرآن)، أحد أهم الأصنام التي تحظى في مجتمعه بقدر كبير من الافتتان والتكريم والتقديس. هذا الكتاب الذي {لا ريب فيه} و {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}, تم تلفيقه وصياغته بالكامل بعد موت محمد بأكثر من 150 عام، فلما اغتصب العباسيون الحكم في بغداد، كانوا قد أتوا معهم بمجموعة من الفقهاء الفرس، ليكتبوا لهم ميثاقًا سياسيًا - عقائديًا، يوضح طبيعة حكمهم، وحدود اتجاهاتهم السياسية في بيئة عروبية متوحشة، تعج بالصراعات الدينية والحروب الدموية. وجد أولئك الفقهاء شذرات قرآنية جاهزة، كانت قد أعدها النصارى في العصر الأموي في دمشق لتكون كتابًا لصلواتهم، بحيث يختلف عن التوراة والإنجيل، فأخذوه وأجروا عليه بعض التعديلات والتغييرات من بنات أفكارهم، وأضافوا إليه ما يحلو لهم، وألغوا ما يكرهونه من الديانات الأخرى الشائعة في آسيا وفي منطقة الهلال الخصيب. بالطبع لم يتم هذا العمل بين ليلة وضحاها، بل استغرق عقودًا طويلة من الزمن، وشاركت في فبركته أيدي مختلفة، ونوايا متعددة ونفوس مريضة ومتشددة. كان اهم شيء بالنسبة لهم هو التوافق والانسجام مع الحكام الجُدُد في توجهاتهم السياسية وعدائهم للأمويين، وحروبهم مع الكفار البيزنطيين والفرق المتمردة عليهم، مثل الخوارج والهراطقة والزنادقة وغيرهم. (هذا ما يفرِّق القرآن المكي عن القرآن اليثربي).
زعموا أن ما فبركوه هو كلام الله الذي نزله على نبيه ورسوله، خلال 23 عام، بواسطة ملاك يدعو جبريل، ظل خلال هذه السنوات يصعد ويهبط بين السماء والأرض، في رحلات مكوكية، حاملا هذه الكلمات حسب مقتضيات الامور الدنيوية وفي مقدمتها علاقة النبي مع زوجاته ومع النساء بوجه عام.
زعموا إنه كتاب عربي مبين … وأنه صالح لكل زمان ومكان، الحقيقة أنه (ربما) كان صالحًا لذلك للعهد العباسي وحده، و الذي دام 524 سنة تقريبًا (132-656هـ/ 750-1258م). فضلا عن عدم صلاحيته بالمطلق في أي مكان، إلا بالقدر الذي يراه أي حاكم بأمره سندًا لسلطته ودعمًا لسطوته!
جاء هذا العمل القرآني من البداية، ليثير الكثير من الريبة والشك في أهدافه وعدم تصديق مضمونه، لما تضمنه من طلاسم وأساطير وخرافات وأخطاء لغوية وتاريخية، وما فيه من تناقضات وكلمات غريبة، لا يفهمها أحد حتى اليوم. وأهم ما فيه هو التحريض الواضح للمؤمنين به على كراهية المخالفين لهم والمختلفين معهم، وقتالهم وقتلهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم واغتصابهن، لذلك لا بد من تصنيمه (جعله صنم)، وتجنيد جيش عرمرم من الهواة والمحترفين لحمايته والدفاع عنه وتقديم تفسيرات وقراءات وتأويلات عديدة له، تعتمد على الخيال والهراء والهذيان، وأن يظهر الجميع وكأنهم على يقين بفهمهم وحدهم لما قاله الله، ومعرفتهم بما يريده من عباده، مع أنه لم يتكلم بالضمير الشخصي (أنا)، بل تكلم في أغلب سُوَرِه بضمير الغائب (هو)، مما يشير صراحة إلى أن شخصًا ما كان يملي على النبي المزعوم ما يقوله وما يريده على لسان الله وبالنيابة عنه؟ القرآن نفسه أشار بوضوح إلى هذا الأمر، فعندما سمعه أهل قريش قالوا إنه {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.. وتكررت هذه العبارة في 26 سورة من القرآن منها: الأنعام :25 والأنفال :31 والنحل :24 والمؤمنون :83 والفرقان :5 والمطففين: 13 والأحقاف :17 وغيرها.
وتذكر كتب التفسير أن الشخص المقصود بآية: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} (الفرقان: 5)، هوة النضر بن الحارث الذي أوقع محمدًا في الفخ وأثبت كذبه (أنظر المقال السابق)، وكان يقول : إن هذا القرآن ليس من عند الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم وإسفنديار، وأن محمدًا " اكتتبها " أي طلب أن يَكتبها له جبر ويسار وعدَّاس، لأنه كان لا يكتب، أو يملونها عليه في الصباح والمساء.
لو قرأ المرء هذا القرآن بشقيه المكي والمدني، وتمعَّن في مضمونه، بكل هدوء وموضوعية مجرَّدة من العاطفة، سوف يلاحظ أن كل شيء فيه غير واضح، ولا يقدم معلومة دقيقة أو مفيدة... لا عن طبيعة الإله، ولا صفاته، ولا ما يريده بالضبط من عباده، ولا من هو نبيه (محمد)، وما مهمته، ولا سيرته، ولا صفاته، ولا مكان وتاريخ ولادته، ولا من هما والداه، ولا مرحلة طفولته ولا شبابه، ولا تعاليمه، ولا طقوسها، ولا صفاتها، ولا شيء عن زوجته الأولى (خديجة) التي من المفترض أنها عاشت معه 25 عاما، ولا عن دورها في تأسيس نبوته، ولا مكان وتاريخ موته، ولا الالتزام بقواعد اللغة التي كتب بها (العربية)، والخروج عليها، ولا مسألة الجبر، ولا التخيير، ولا مسألة القضاء والقدر، ولا ميعاد يوم القيامة المزعوم، ولا كيفية عذاب القبر ولا صفاته، ولا كيفية الصلاة وعددها وعدد ركعاتها، ولا مقدار الزكاة، ولا طريقة دفعها، ولا كيفية الحج، ولا صفاته، ولا حرمة الخمر، ولا تحليلها، ولا عقوبة الرجم ولا مقدارها، ولا رضاعة الكبير، والهدف منها، ولا زواج القاصرات، ولا مكان مكة ولا الكعبة ولا بيت المقدس، ولا مكان المسجد الأقصى، ولا كيفية الاسراء ولا حقيقة المعراج، ولا ليلة القدر، ولا الأشهر الحُرُم، ولا حدود البيت الحرام، ولا صفات الصحابة ومن هم، ولا شخصيات أهل البيت، ولا صفاتهم، ولا عدد أهل الكهف، ولا مكان أصحاب الفيل ........ إلى آخره ! جميعها أشياء مبهمة غير واضحة!، مما يفسح مجالا واسعًا لأي شخص أن يستعمل خياله الجامح في اختلاق القصص والروايات الخرافية حولها، وينسج قصصه ورواياته تبعًا لما يتراءى له ويظهر في ذهنه ويسيطر على نفسه من شهوات وانحرافات، وهذ ما فعله الفقهاء أو العلماء المزعومون على مر العصور والأزمنة، ولم يتوصلوا حتى الآن - ولن يتوصلوا في وقت ما - إلى توضيح كامل شامل لهذه الأشياء!
القرآن ليس إلا مجموعة من الخواطر البشرية الملغومة والشطحات الفكرية المتعارضة والمتداخلة والمتشابكة والمعقدة. وتحتاج باستمرار إلى تفسيرات وتكهنات وتأويلات وقص ولصق وترقيع وتجميع وتفريق ولف ودوران! يتولَّاها جيش مطَّرِد من المرتزقة الهواة والمحترفين، ولا مانع لديهم من الاختلاف في فهم كلماته ونصوصه على طرق لا نهاية لها ومذاهب لا تُحصى ولا تعد، لأنهم (علماء الأمَّة)، واختلاف (العلماء) رحمة، ولا يعود عليهم بضرر! بحسب الحديث النبوي: «اختلاف أمتي رحمة»، دون توضيح أكثر، ومع أن الألباني ذكر في ”ضعيف الجامع ص. 230“ أنه حديث موضوع لا سند له، وأن الحافظ العراقي قال في ”مختصر المنهاج ص. 60“، أنه مرسل ضعيف، إلَّا أنه من الأحاديث المستحبَّة لدي العلماء المزعومون اللاستشهاد بها في خلافاتهم الدائمة، طالما لا ضرر ولا ضرار!، وطالما هم وحدهم المعنيون بها، وطالما بقيت عقول العوام مُغيَّبة أو متصلبة، وأفواههم مُلْجَمة عن (علم الكلام)، بحسب أبو حامد الغزالي حجة الإسلاموية وأتباعها، فلا يفكّرون قط في هذه الخواطر القرآنية المدمِّرة، كيلا ينهار مصدرها الإلهي وتنهار الديانة بالتبعية.
حاول الفقهاء والمفسرون التغلب على التناقض الواضح في ”كتاب الله“ بابتداع ما يسمَّى بـ”الناسخ والمنسوخ“، بمعنى أن الله قال كلامًا في وقت ما، ثم قام بنسخه إي مسحه و إزاله، ثم قال كلامًا آخر مناقضا لما سبقه في وقت آخر!. أغلب طوائف المتأسلمين تؤمن بثبوت هذا النسخ في القرآن والحديث، وأن عدم الاعتراف به يعَد كفرًا، لذا يَدرجونه ضمن ما يسمونه (علوم القرآن).
نقرأ في سورة البقرة الآية 106: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أنَّ الله على كل شيء قدير}، إذًا إله القرآن ينسخ أو ينسى كلماته (كما يفعل البشر)، ثم يأتي بخير منها أو مثلها، فلماذا أتى بها من الأساس إذا كان لديه خير منها، ومادام بالفعل على كل شيء قدير؟، ولماذا يأتي بمثلها مرة أخرى بعد إلغائها وإزالتها، أليس هذا عبث إلهي؟، وإن كان لا يتذكّر ما قاله في مواضع كثيرة، ألا يعد هذا أشنع ما يمكن لكاتب أن يرتكبه في كتابه؟، ويظهره وكأنه يتعامل مع الأحداث بالفكر البشري، لعدم علمه بما سيحدث في المستقبل، ومن ثم يغيِّر رأيه بحسب مقتضيات الأمور، وتبعًا لأهواء نبيه.
وإذا تغاضينا عن الأخطاء العلمية العديدة، نجد تناقضات كثيرة بين النصوص التي يعمل عليها المفسّرون والمفبركون ويجتهدون أيَّما اجتهاد لتبريرها تارة بتحريف المعاني بشكل واضح فاضح، وتارة بتقديم أكثر من تفسير للآية الواحدة، وتارة بالقول أنّها من الأسرار الإلهية، والله أعلم بها!. ولكن إذا كان هناك سّرا إلهيا، فلماذا أخفاه عن نبيه وعن أتباعه، وهو يكرّر في غير موضع أنّه {كتاب مبين} (يوسف 1، القصص 2، الشعراء 2، الزخرف 2 والدخان 2)، و{إنه لكتاب عزيز} (فصلت 42)، و{قرآن مجيد} (البروج 21)، و{قرآناً عجبا} (الجن 1)، {فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (البروج 21)، و{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} (فصلت 42)، و{لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( الاسراء 88)، وترك الجميع يتمادون في هذيانهم بالقول إنّه الله يتحدّانا بتلك الشفرة الإلهية وسيكشفها بعد حين! وكأن غايته أن يتحدّى عباده وليس هدايتهم!، ومتى يكشف أسراره هذه، وقد مرّت قرون عديدة ولم نرَ غير المزيد من التّخبّط في تفسير أقواله وتأويلها على النواحي؟
نقرأ مثلا في سورة النساء: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ … (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ …(79)}، ونلاحظ التناقض واضحا في الآيتين، مما جعل المفسرون يتخبطون ويلفون ويدورون في معنى الحسنة والسيئة ، فقالوا مثلا إن الله قصد بهما في الآية الأولى: الرخاء والشدة، وفي الآية الثانية: الهداية والضلال!، ألم يكن الله قادرًا على أن يتفادى هذا الخلط والتخبط؟
وفي سورة المائدة 69 يمدح غير المتأسلمين: { الإِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون}، ثم ينقلب على الجميع في سورة آل عمران 85: {مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين}.
ومع أنه ينكر عن نفسه الأمر بالفحشاء في الأعراف 28: {إنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ}، يعود ليؤكد في الإسراء 16 أنه يأمر المترفين بالفسق (ارتكاب الفاحشة) لتبرير تدميره لقريتهم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}.
ويقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلهِ} (الأنفال 39 والبقرة 193)، ولا أحد يدري كيف ينسجم هذا مع قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 256).
ويقول {قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ} (آل عمران 20)، هذا لا يتفق مع قوله:{قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة 29)
ويقوول أيضًا: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤُمِنين على القِتال} (النساء 84)، ثم يقول: {اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُمْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ} (سورة النحل 125)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} (التوبة 73)
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس 99 )
وهل هو الذي أخرج إبليس من الجنّة حين رفض السجود [لآدم] قال: {فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} (الأعراف 13)، ثمّ فجأة يعود إبليس إلى الجنّة بعد طرده منها ويغوى آدم وزوجته: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} (البقرة 36).
وما معنى أن يقسم بكلمات لا معنى لها مثل: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } (الصافات 3 - 1)، والتي جعلت المفسرين يتخبطون هنا وهناك وفي النهاية يزعمون أن الكلمات الأوائل في الآيات الثلاث هم الملائكة، ولم يوضحوا لنا كيف توصلوا إلى هذه النتيجة!
https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&flag=1&bk_no=50&ID=4144
مرة أخرى، آيتان تتناقضان في نفس الموضع: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (الأنعام 149)، كما نرى في الآية الأولى، إله القرآن يلوم المشركين على إشراكهم، ويصفهم بالكاذبين وفي الآية الثانية يقول ” لو شاء لهداكم أجمعين “، بأي منطق يمكن أن نجمع بين الآيتين؟ وهذه المسألة عرفت في الأدبيات الإسلاموية بمسألة الجبر والاختيار، بمعنى هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟ من الواضح أن رسول الله كان حائرا في هذه المسألة، يعتقد أن من تمام قدرة الله أنه هو الذي يتحكّم في حركات البشر وسكناتهم: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (الإنسان 30)، لكن هذا المفهوم يصطدم مع وجود الكثير من شّرورهم التي تتعارض مع صفة الله الرحيم، فكيف يوفّق إذن بين قدرة الله ورحمته؟ بصيغة أخرى: كيف أن الله هو من يشاء للإنسان أن يفعل الشّر وفي نفس الوقت هو الرحمن الرحيم بعباده؟. تقول هذه الآية: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء 16)، وهي تتناقض مع آية: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل 90)، أليس هذا أمرًا عجيبًا حقا! تبدو الآية الأولى وليدة غضب وانفعال يستحيل أن تصدر من عند إله مطلق الصفات الحسنى.
كذلك الآية: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر 24)، تناقض هذه الآية: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً} (الفرقان 51).
وعندما نقرأ الآية: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طه 114)، نفهم أنه يؤكد على ما نعلمه أن القرآن نزل مفرّقا - أو بالأحرى تمّ تأليفه على فترات -، ولكنه في آية أخرى يعلمنا أنه أُنزل في شهر رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة 185)، وبحسب المفسرين أنه أنزِل ليلة القدر تحديدًا {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر 1)، نلاحظ أنه قال: ”إنا أنزلناه” وكأننا ندري عن ماذا يتحدّث، ثم يزداد الأمر إبهاما ”ليلة القدر”! وكأننا نملك فكرة عن تلك الليلة! وكالعادة رقّع المفسرون هذا التناقض باختراع السيناريو التالي: القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء كاملًا ومن السماء الدنيا نزل مفرّقا.
أما التناقض الذي حيّر المنطق والعقل فهو في الآيات: {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النحل 101)، وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (الكهف 27)، كذلك: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} (يونس 46). إذن الله بإمكانه تبديل آية مكان أخرى في سورة النحل، ثم يخبرنا في سورتي الكهف ويونس أنه من المستحيل أن يبدل كلامه!؟
وفي النمل 4، يزين الله للناس أعمالهم: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}.لكن في العنكبوت 38 نجد أن الذي يزين الأعمال للناس هو الشيطان: {وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}، للمتأسلم إذن أن يختار من يزين له أعماله!
وفي إبراهيم 4، يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، بينما في الإسراء 15، يقول: {مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، يعني في الآية الأولى الله شخصيا هو الذي يهدي من يشاء إلى دينه ويضلّ أيضا من يشاء، ثم في الآية الثانية يلقي الله مسألة الهداية والضلال على عباده، يعني تخبط كبير ورهيب ليس له إلا تفسير واحد، أن مؤلف القرآن شخص يهذي ولا يتذكّر ما يقول، ولا يعبأ بما يقول.
هذه غيث من فيض الآيات التي تناقض بعضها البعض في كتاب يدّعي أنه كامل ومعجز ومبين … يكفي فقط القليل من العقل بشرط تجاوز حصار القدسية والتصنيم الذي يغلف القرآن لندرك أن هذا الكلام يستحيل أن يصدر من إله يصفونه بمطلق الحكمة والعلم والمقدرة … مع أنه بذلك يساهم مباشرة وبفاعلية في ترسيخ قدر كبير من الغباء الجمعي الشامل لدي المجتمعات الموسومة بالإسلاموية، وخاصة مصر لوجود مؤسسة الأزهر على أراضيها، وهذا هو موضوع المقال القادم.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3- محمد وثقافة الغباء الجمعي
- 2 - فكرة ”الله“ وثقافة الغباء الجمعي
- ثقافة الغباء الجمعي - مقدمة
- من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!
- ثقافة النحر والانتحار!
- من أطلق الوحش؟! 2/2
- مَن أطلق الوَحْش؟! 1/2
- لماذا أفغانستان؟
- الركض وراء لقمة العيش في مصر!
- مصر بين البيادة والقيادة
- وجود الله أو عدم وجوده!
- الانحلال السياسي في مصر
- سياسة ”حلال علينا حرام عليكم“
- شهوة الكلام ونشوة التباهي
- خدعوك فقالوا إنها ”قضية فلسطينية“!
- تجديد جديد الخطاب أم تجديد الدين؟
- عن فقه ابن سلمان (رضي الله عنه) !
- مفهوم الميغالومانيا والتواضع لدي المتأسلمين
- كيف دمر العربان الهوية المصرية 2
- كيف دمَّر العربان الهوية المصرية؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - 4- القرآن وثقافة الغباء الجمعي