سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1679 - 2006 / 9 / 20 - 05:33
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
لم أتمكن ولظروف خاصة من المشاركة في هذه الندوة العلمية الهامة والتي عقدت مساء اليوم الاثنين 25 شعبان 1427هـ الموافق 18 سبتمبر 2006 في نادي خدمات دير البلح,وقد آثرت أن أساهم بهذه المقالة المتواضعة علها تكون بمثابة اعتذار ومشاركة تقديرا واحتراما للقائمين على الندوة العلمية التي تتناول قضية من أهم واخطر قضايا العصر الحديث,نُثمن ونقدر مثل هذه المبادرات المباركة التي تسلط الضوء على مستقبل الأمة العربية والإسلامية ((الشباب آلام وآمال)) .
ما أحوجنا في هذا الوقت بالذات أن نبذل ونكثف الجهود المخلصة,البناءة والهادفة لإضاءة النفق المظلم أمام شباب اليوم,شعلة الحاضر وأمل المستقبل,جيل الشباب وسط هموم الزحام الاجتماعي والسياسي,تطحنهم المتناقضات وتتوه بهم السُبل .
ففي ظل الثورة المعلوماتية والغزو الثقافي الغربي نجد جيل الشباب يزداد تشتتا واغترابا داخل الوطن الواحد,وقد أفادت كثير من الدراسات العلمية أن هروب الشباب إلى عالم الانترنت وتأثرهم بثقافة الفضائيات الوافدة دون غربلة أو توعية بمخاطر ومحاسن تلك النوافذ الإعلامية الخطرة على ثوابتهم وتداعياتها الكبيرة على نفسيتهم,مما زاد من غربتهم وهمومهم النفسية,بل وأدت تلك الاستخدامات الخاطئة والمقاربات بين الواقع والطموح إلى أثار هي أشبه بالانفصام النفسي بالهروب من واقع الحياة المرير إلى عالم الشبكة العنكبوتية وغزو الفضائيات,ونتيجة المحاكاة السطحية والاستخدام السيئ والمطلق للشبكة فقد تبدلت بعض القيم والمفاهيم الاجتماعية والثوابت الوطنية بالاتجاه السلبي,فأصبحت الشاشة الصغيرة والشبكة العنكبوتية تمثل جزيرة اللجوء والهروب النفسي بأحلام اليقظة وبعد ساعات الاندماج ومن ثم العودة للواقع يحدث الانفصام والرفض والارتداد بالتالي إلى عالم الوهم,فهذا التناقض بحد ذاته ينتج عنه سخط وعداء للمجتمع الذي يحمل بين ثنايا واقعة آلام جيل الشباب.
تطرقت إلى هذا المحور على سبيل المثال لا الحصر كأحد المحاور الهامة التي تعتبر ملاذا خطرا للشباب الذي يفتقر إلى تلك الجهود المخلصة التي تضع همومه على سلم أولويات الهموم الوطنية والاجتماعية,تطرقت لهذا المحور الهام والذي يحتاج إلى ندوات ونشرات علمية تصقل وعي الشباب الهارب والمهاجر عبر أحلام اليقظة إلى المدينة الفاضلة المثالية وسرعان مايصحون ليجدوا أنفسهم مكانك سِر,البطالة في ذروتها,وجيش من الخريجين لاهم لهم الا لعن الظلام,فيضطر جزء منهم إلى الانحراف بكافة أشكاله وفقدان الانتماء كترجمة وتعبير عن سخطهم على هذا الواقع المرير,وجزء أخر تجدهم بالآلاف يهيمون على وجوههم على قارعة الطرقات شاردي الذهن وعيونهم شاخصة إلى أفاق المجهول دون أي بصيص أمل يطمئنهم على مستقبلهم,والجزء الأكبر يهرب إلى عالم اليقين تفاديا للضياع النفسي وملء لشاغر الإحباط واليأس ,يلجئون بالآلاف إلى بيوت الرحمن بحثا عن السكينة بين الوعظ والانتماء,فيخرج من بينهم أصحاب فكر الدعوة الخالصة لله متطوعين بنشر الوعي الديني دون تطرف اجتماعي وتسييس حزبي,ومنهم من يتم ادلجته سياسيا فيعود لقاعدته متحزبا يرفض الأخر على اعتبار انه الحق المطلق وما دونه باطل,وجزء أخر يلتحق دون أي قناعات ثابتة بالتنظيمات الحزبية الأخرى من اجل لقمة العيش, واثبات الذات ,وخدمة العلم ,وفي محصلته هروبا من الفراغ القاتل والضياع النفسي .
حقا إنها تحديات متعددة الأوجه ومعقدة المسار تلك التي تواجه جيل شباب اليوم فتفقدهم البوصلة والدليل, فنجدهم يتخبطون بين مطرقة الواقع الذي لايرحم الا من له مرجعية سياسية وحزبية وبين سنديان الاحتلال الذي يعتبر أهم اهدافة الصهيونية استهداف جيل الشباب وإفراغهم من أي محتوى وطني وتدمير نفسيتهم وبالتالي دفعهم بقوة إلى حافة اليأس ليصبحوا معول هدم في معركة التحرير والبناء, وهذا مايفسر ازدياد جحافل الفوضويين وتنمية الدوافع العدوانية لديهم تجاه كل ماهو شعار يفتقد للمصداقية والعمل المخلص من اجل غدٍ مشرق لجيل الشباب.
فالآفاق السياسية مظلمة,والوضع الاجتماعي بائس , والوضع الاقتصادي مُزري, فماذا ننتظر من فرسان المستقبل في ظل هذه المعطيات الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية المتردية ؟؟؟!!!
وللإنصاف وعدم جعل الصورة سوداوية إلى حد اللاعودة , فلا يخلوا الميدان من محاولات ومبادرات كثير من الجماعات والمؤسسات التي تعمل مخلصة لوجه الله والوطن من اجل تنمية قدرات الشباب بما قدرهم الله من وسائل التوعية الموجهة والإرشاد المستنير, وفي بعض الأحيان مد يد العون المادي والمعنوي البسيط ,لكن تلك المجهودات والاجتهادات لاترقى إلى حدود التأثير الكمي والكيفي, ومن يسمع بزخم التسميات التي تتبنى شعار الشباب ومستقبلهم والتي تنتشر عبر مئات اليافطات كغثاء السيل , يعتقد أن نداءات السخط والاستغاثة الشبابية ماهي الا عبث ونكران للجميل!!!
فآمال الشباب تتحطم على صخرة الاحباطات الناجمة عن المعايير الاجتماعية المؤسسية الظالمة وأحلامهم تنشطر كلما زاد النفق ظلمة,فتزيد آلامهم وتتبدد آمالهم جراء الشعور بالغبن الداخلي وسيف الاحتلال مسلط على أعناق مستقبلهم الضبابي.
وفي ظل هذه الظروف المحبطة والبائسة والتشخيص المفقود الذي يجب أن يطال العديد من محاور آلامهم وأمالهم فلابد من تدخل ايجابي بعيدا عن الوصف الخطابي للعلة وتبريره من قبل كل جهة بما يدرأ الشبهات عن نفسه ويلقي كرة الضياع في ملعب الآخرين,لابد من التدخل لإجراء عمليات جراحية علاجية متخصصة, سواء بتكثيف جهود التوعية والتعبئة المخلصة بعيدا عن الاستقطاب الحزبي الذي يزيد الطين بله, وتكثيف العمل المخلص والجاد من اجل خلق فرص عمل حقيقية وليس بطالة مُقَنَعة وهذا يتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الرسمية للوطن, هذا اضعف الإيمان كمن يوقد شمعة في الظلام لان البديل كارثة فيما لو استعصت العلة الشبابية سنفقد الحاضر والمستقبل.
واختم هذه المساهمة المتواضعة بالمشاركة في إضاءة شمعة في نفق الشباب المظلم , واثني على هذه الندوة العلمية التي تسلط الضوء على أهم واخطر قضية في مجتمعنا الفلسطيني خاصة, وبالتالي تدارك هذا الضياع والاغتراب الوطني قبل أن تنقلب نعمة الشباب إلى نقمة تأتي على الأخضر واليابس.
فما أحوجنا إلى ندوات ومؤتمرات علمية عملية بموازاة تفعيل المؤسسة الرسمية ومؤسسات أهلية غير حكومية وشعبية تركز على العنصر الشبابي وتتدارك ما الم بشبابنا الفلسطيني من كبوات واحباطات وانحرافات من شأنها تدمير كل ماتبقى من مسيرة إصلاحية إذا ماتم تصويب مسار الفعل والنشاط الشبابي لخدمة معركة التحرير والبناء.
لذا فأنني أبارك هذا المجهود المتواضع( لجمعية اقرأ من اجل تنمية قدرات الشباب ), واهيب بالمؤسسة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني بالعمل الجاد وفق أجندات صادقة وخطط علمية هادفة, وهذا يتطلب الاستعانة بفريق من علماء النفس والاجتماع والاقتصاد والدين, لتصب جميعها في خدمة الهدف المقدس ,إنقاذ جيل الشباب من الضياع والتعرف العلمي العملي على آمالهم وآلامهم ,وإعادة البوصلة والدليل لقبلة الآمل كي لايقع جيل شبابنا بين براثن اليأس ,وأنياب الانحراف, وشبح التطرف, جيل الشباب الذي نعتبره بأقل توصيف المضغة النابضة في جسد أي مجتمع سليم.
ويجب الحرص على تحريض المؤسسات للتنافس العلمي العملي الهادف بمزيدا من الندوات والأبحاث العلمية, لتشخيص الداء وحث المؤسسات الرسمية والمدنية للمشاركة في صرف الدواء وتقييم النتائج حتى نصل بجيل الشباب على متن سفينة الأمل المفقود إلى بر الأمان وإعادة الأمل والسكينة لفرسان المستقبل.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟