أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - قلعة الشقيف وقلعة متسادا















المزيد.....

قلعة الشقيف وقلعة متسادا


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 7273 - 2022 / 6 / 8 - 12:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


من أبرز الأمثلة في الرواية التوراتية، والتي تُظهر بوضوح عملية توظيف التاريخ لخدمة أهداف سياسية، قصة «قلعة متسادا».

وحسب الأساطير اليهودية فإن قلعة متسادا هي آخر حصن يهودي سقط بيد الرومان العام 73 م، وذلك بعد حصار دام سنوات، ما دفع القائد اليهودي إلى إقناع رفاقه المحاصَرين بفكرة الانتحار الجماعي بدلاً من الاستسلام، وبذلك صارت قلعة متسادا رمزاً للقوة العسكرية المحاصَرة التي تفضل الموت على الاستسلام.

ولكن هذه القصة وحسب ما أكد العديد من المؤرخين، مجرد خيال ابتدعته الصهيونية كرمز لوحدة الشعب اليهودي.

واليوم نرى أن الصهيونية تسعى لأن يحتل معتقل «أوشفيتس» النازي نفس مكانة «متسادا»، كمكان ذكرى مشكِّل للهوية اليهودية المعاصرة.

ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي «شلومو ساند» أن اليهود في عهد الرومان لم يتعرضوا لأي عملية إجلاء، وأن الرومان لم يلجؤوا إلى اقتلاع قطاعات واسعة من السكان، ما يعني أن نفي اليهود من فلسطين، وتشتيتهم بالقوة، وقصة متسادا لم تكن أحداثاً تاريخية، بل كانت أساطير ابتدعها محررو التوراة؛ نظراً لحاجتهم القومية الماسّة لمنفى قسري، ولأسطورة مأساوية.

وتكمن أهمية ذلك كحاجة لفهم التاريخ اليهودي من زاوية تراجيدية، ولتبرير عدم عودة اليهود إلى «وطنهم المزعوم» خلال القرون التالية.

وفي التاريخ الحديث، هناك قلعة الشقيف في مقابل قلعة المتسادا.

فإذا كانت الأخيرة خيالية، لكنها شكلت ركناً مهماً في الرواية الصهيونية؛ فإن الأولى حقيقية، بل وما زالت حاضرة أمامنا للآن، لكنها لم تأخذ حقها في التأريخ والتوظيف السياسي كقصة حدثت بالفعل، ما زال دم أبطالها ندياً، ولم يجف بعد.
وقد كتب عنها شفيق الغبرا في «حياة غير آمنة»، وفتحي البس في «انثيال الذاكرة»، وواصف عريقات في «الشقيف والصمود الأسطوري»، وغيرهم.

كما طالب مؤرخون آخرون كُثُر بإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني كله من منظار تاريخي حقيقي، لأن ذلك سيؤدي إلى تقويض دعامات الرواية التوراتية المتهافتة. ويعني أيضاً إعادة الاعتبار لتاريخ فلسطين القديم والمعاصر.

وتكمن أهمية قصة الشقيف بأنها مرشحة لأن تلعب دوراً موازياً لقصة المتسادا؛ نربي عليها أجيالنا، ونذكّرهم بقصص الفدائيين التي تفيض بمعاني البطولة والتضحية، وتؤكد على عمق روابط الفلسطينيين بأرضهم، ومدى تمسكهم بحقوقهم.

وما يؤهلها لذلك أنها وخلافاً للمتسادا قصة واقعية، جرت فصولها قبل سنوات قليلة، وكل الشواهد تؤكد عليها، بما في ذلك اعترافات قادة الجيش الإسرائيلي.

وقد ظلت الشقيف المكان المفضل للفدائيين على مدى سنوات وجودهم في لبنان، والتي خلالها خاضوا أشرس المعارك، وبين أطلالها دفنوا خيرة الشبان، إلا أن أيام المعركة الأخيرة في حزيران 1982 كانت أياماً استثنائية ليس في تاريخ القلعة وحسب؛ بل وفي تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
فكانت مثالاً على شجاعة الفدائي الفلسطيني واللبناني، ونموذجاً للصمود البطولي، ورمزاً للاستبسال الملحمي الحقيقي.

وسأقتبس مقاطع مما كتب ناصر اللحام وعريقات، وما جاء على لسان قادة الجيش الإسرائيلي:

«تقع قلعة الشقيف جغرافياً في لبنان؛ لكنها في التاريخ الفلسطيني وجغرافيا الثورة الفلسطينية موجودة في أعماق كل فلسطيني.. «الشقيف» هي كلمة السر للصمود العربي والفلسطيني في الاجتياح الإسرائيلي للبنان.. هناك قاتل الفدائيون بضراوة حتى النهاية.. كان قتالهم ممزوجاً بالإيمان والاستبسال دفاعاً عن العقيدة والمبدأ.. كانوا جنود فتح الأوفياء، وفي المؤتمر السادس عشر للمجلس الوطني الفلسطيني وقف الجميع تبجيلاً لشهداء الشقيف، وصفقوا طويلاً للقائد ياسر عرفات عندما بدأ يعدد أسماءهم.

انتهت الغارات على القلعة باستشهاد المقاتلين الذين كانوا يدافعون عن الوجود الفلسطيني والكرامة العربية.. استشهدوا تحت القصف العنيف.. لقد استبسلوا ولم يستسلموا.. إلا أنهم قبل استشهادهم تمكنوا من إسقاط طائرتي فانتوم وهليكوبتر.. لقد كانت القلعة نموذجاً مشرفاً لهزيمة جيش الاحتلال في لبنان».
وكتب اللواء عريقات الذي كان على اتصال لاسلكي بمقاتلي الشقيف: «أول من هاجم القلعة الرائد «غوغان» وهو من الوحدة 101 (التي ارتكبت مجزرة قبية)، لكنه فشل بهجومه وأصيب عدد من مجموعته بجروح، ثم قاد الهجوم الثاني الرائد «براق»، وهو من اللواء جولاني، وقد فشل أيضاً كمن سبقوه، ثم توالت الهجمات، واستدعيت الوحدات المظلية وخسر الجيش الإسرائيلي المزيد من جنوده وضباطه، فوضع خطة للتقدم وقصف القلعة بالطائرات والصواريخ. لكن الفدائيين داخل القلعة رفضوا الاستسلام وقرّروا المواجهة. وأخيراً وبعد أن فشل الجيش باحتلالها، استخدم غاز الأعصاب والغازات السامة قبل البدء بالهجوم الكبير والذي شارك فيه أكثر من 1200 جندي. وفي تلك المواجهات صاح أحد الضباط الإسرائيليين عبر جهاز اللاسلكي: «إنها جهنم، أرسلوا الإسعاف فوراً، لقد سقط الكثير من الجنود».

وقد استمر القتال وجهاً لوجه في كل خندق وكل متر في القلعة لمدة 60 ساعة كاملة».

وبعد انتهاء المعركة حضر كل من بيغن وشارون وإيتان وسعد حداد للقلعة، وبينما كانوا مذهولين مما رأوه (كانت الدماء وعبوات الرصاص تغطي الأرض)، قال شارون بانكسار: «في معركة الشقيف فقدنا خيرة ضباطنا وجنودنا» أما الجنرال شاؤول نكديموت، فقال: «13 طائرة قامت بقصف مكثف لهذه القلعة، وكنا نعتقد بأن أطنان القنابل التي ألقيت عليها لم تدمرها فقط، وإنما مسحتها عن وجه الأرض، ولن نجد أثراً لفلسطيني واحد، فاتضح لنا أنها لا تزال على حالها، وأن أحداً من المقاتلين الفلسطينيين فيها لم يصب بأذى».

وأضاف: «هذه الحرب كالمصيدة، وقد وقعنا فيها كفئران صغيرة، في قلعة الشقيف فقدنا خمسة أضعاف ما فقد الفلسطينيون، من نخبة جنود لواء جولاني».

ومن الذين هاجموا القلعة المقدم دوف الذي قال: «كان عددهم 33 فلسطينياً، ومعظمهم من قوات «فتح»، ولم نأسر أياً منهم لأنهم قاتلوا حتى الموت، ولم يستسلم منهم أحد، لقد دُهشنا جميعاً من ضراوة مقاومة هؤلاء الفلسطينيين». وهذا ما دفع برئيس هيئة الأركان رفائيل إيتان لأداء التحية العسكرية للمقاتلين وهم مضرجون بدمائهم.

وفي البرنامج الخاص عن ذكرى المعركة الذي بثه التلفزيون الإسرائيلي قال أحد ضباط الجيش الإسرائيلي وهو يبكي: «حين دخلت القلعة وجدت أحد جنودي ينـزف ويرتجف، فطلب مني شربة ماء، كانت يداه مقطوعتان وتقطران دماً، وكان أحد المقاتلين الفلسطينيين لا يبعد عنه سوى متر زرع تحته قنبلة، نظر إلي وقال قبل أن يموت: أهربوا أهربوا».



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟
- مرايا
- روح العراق وأسراره
- لباس المرأة
- التقويم العالمي والزمن الشبحي، وأعياد النوروز
- حول الحرب الروسية الأوكرانية
- إسلاميون خارج النسق
- أم كلثوم
- محنة الطفل ريان، وتجليات الإنسانية
- أين نحن من العالم؟
- عِلم التضليل
- سأعتزل الفن
- كيف حدث التغيير؟ وما الذي تغير؟
- أديان بلا مذاهب
- نظرية الأكوان الموازية
- أثر الفراشة
- مسيحيو الشرق.. مرة ثانية
- الأمن الغذائي، ومشكلة الجوع
- خلل في سلاسل الإمداد والتوريد
- حين نبيع صروحنا العلمية - كلية الزراعة أبو غريب


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - قلعة الشقيف وقلعة متسادا