أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الحرمان الثقافي














المزيد.....

الحرمان الثقافي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7250 - 2022 / 5 / 16 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


المثقف هو الأكثر خطورة، على الأطلاق، من سواه أعني: من السياسي والحاكم وصاحب السلطة.
المثقف تخشاه كل هذه الشخصيات، وهذه المناصب، بل ويخشاه حتى رجل اللّاهوت المتنفّذ في كل عصر، فيحسب له ألف حساب؛ وتكمن خطورة المثقف من كونه، يعمل بصمد فيحرّك جذوة النار الهادئة بهذا الصّمت، ويخافه السياسي لأنّه يعرف المزاغل التي يدخل فيها هذا السياسي، والتي يخرج منها، ويخافه الحاكم كونه يؤلّب عليه الشعب، من خلال منشوراته ومحاضراته وأقواله التي ينشرها هنا وهناك، لأنّ المثقف دائمًا ما يقول الصواب، ويمس الواقع، وأعني به المثقف الحقيقي، لا المثقف المزيّف، أو الذي يدّعي الثقافة. فثمة من يلبس جلباب المثقف بهدف المنفعة الشخصيّة، فيتقرّب إلى السلطان فيعطي له المشورة لكي يحصل على المناصب واغداق الأموال والهدايا والمكاسب الأخرى.
المثقف الحقيقي لا تهمّه كلُّ هذه المكاسب، وكلُّ هذه الأشياء، لأنّه في غنى عنها، ورسالته إنسانية أكثر مما هي نفعية. رسالته تحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية، وأن تعيش الناس بسلام ووئام، وأن ينعم الجميع بالخير والسعادة؛ بينما المثقف المزيّف غايته الوصول، فهو الذي يسعى جادًا لكسب مناصب عليا في الدولة، وفي مركز القرار، وتحقيق سمعة وأن كانت هذه السمعة بالسحق على ضميره، أن كان له ضمير.
فالثقافة، إذن، سلاح ذو حدّين، ممكن أن تستعملها في الخير وممكن أن تستعملها في الشّر؛ ففي الخير هو أن تنفع الناس وتدلهم على أماكن الشرور حتى يتجنبوها، وفي الشر أن توجههم التوجيه الصحيح بتجنب مكامن الشر وتعلن عن خطورتها في تفتيت المجتمعات.
وأروع تعبير قرأته بهذا الصّدد هو هذه المقطوعة النثرية الجميلة، للروائي دوستويفسكي من رواية "في قبوي"، والتي يقول فيها:
"إن الحرمان الثقافي أشق احتمالًا من أقسى الآلام الجسمية. إن من يرسل إلى السجن من عامة الناس يجد نفسه في مجتمعه، بل ربما حتى في مجتمع أرقى. قد يفتقد كثيرًا ذلك الركن الذي ولد فيه وأسرته، ولكن بيئته تظل هي ذاتها. أما الرجل المثقف الذي حكم عليه القانون بالعقوبة نفسها التي حكم بها على رجل من عامة الشعب، فإنه يتألم بما لا يقاس بألم هذا الرجل الأخير، ينبغي عليه أن يخنق حاجاته، وجميع عاداته، ولابد أن ينزل إلى مستوى أدنى لا يرتضيه".
الحرمان الثقافي هو الأمر الذي يحول بينك وبين مصادر الوعي التي تستمد منها معارفك: الثقافيّة والعلميّة والفلسفيّة، ذلك بإجبارك من الوصول إلى تلك المصادر، فيمنعك منها المتسلط عليك، سياسي ذلك المتسلط أو حاكم وقعت تحت سطوته، كدخولك في سجون أو تعرضك إلى منفى، أو غير ذلك.
وثمة فاعل آخر، ربما هو الأشد والأكثر بطشًا من سواه؛ ذلك الفاعل هو رجل اللّاهوت، الذي يستلبه وعيه ويحرفه عن جادة المعرفة، حيث ينفخ في أوداجه من ترهاته، ويشحنه بالغيبيات، ويحول بينه وبين القراءة والاطلاع، ذلك بتسفيه العلوم العقلية، من فلسفة ومنطق وعلم الكلام وسوى ذلك، حتى يكرهه هذه العلوم والمعارف كي لا يصل الى كنُه الحقيقة المنشودة، فيظل شادًا رحاله إلى ذلك الشبح، الذي يصف تلك العلوم من صُنع (عبّاد الشياطين).
وإذا غاص المرؤ في موج الحرمان المعرفي، فسيبقى عائمًا في بحر الجهالة والخرافة، ويظل رجل اللاهوت يحركه يمينًا وشمالاً، كما يحرك الطفل الدمى.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوهام الكاتب مصطفى محمود
- هل الإنسان غبي: ما هو الغباء؟
- ما هي نظرية المؤامرة؟
- مع غوستاف لوبون
- مُلخص كتب غُوستاف لوبون 2/ 2
- مُلخص كتب غُوستاف لوبون 1/ 2
- المنهج العلمي عند غوستاف لوبون
- الأخلاق: منطق التفاهة
- مَن هو غُوستاف لوبون؟
- غوستاف لوبون: اليهود في تاريخ الحضارة الأولى
- غوستاف لوبون وحضارة العرب
- مفهوم الاخلاق عند غوستاف لوبون1 /2
- مفهوم الاخلاق عند غوستاف لوبون2 /2
- غوستاف لوبون: تفاسير التاريخ المختلفة
- غوُستاف لوبون: الدعائم النفسيّة للتعليم
- الثورة الفرنسية كما يراها غوستاف لوبون
- أنا المدجج بالوضوح
- حينما يأخُذ الفيلسوف دور المؤرخ
- أصل الدين: رؤية عقلية فلسفية (دراسة)
- ديوان نيتشة ينقذ بائع كتب من مأزق


المزيد.....




- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - الحرمان الثقافي