أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - بلا عنوان














المزيد.....

بلا عنوان


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7245 - 2022 / 5 / 11 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


كانت تجلس منفردة بمقهى “الشمس” وقد استقرت بِحذَاءِ منضدة قابعة في ركن قَصِي ،موليّة وجهها اِتجاه الحائط المكسو بالورق المزخرف، حين بزغ أمامها بقامته الفارعة وطلعته الوسيمة، ألقى إليها بالتحية وهو يجذب الكرسي المجاور، جلس بمواجهتها، تبادلا النظارات، ثم قال وهو يسعل بافتعال :
-أعتذر عن التأخر.. كان عليّ قضاء غرض هام قبل الحضور
ردت بصوت راجف :
-ظننتك لن تحضر
-وهل يصحُّ هذا يا عزيزتي؟ أنا إنسان يحترم مواعيده
-لكنك تغيرت كثيرا في هذه الأيام الأخيرة، لم تعد ذلك الإنسان الذي عرفته لأيام خلت
لم يعلق على عباراتها، مطّط شفتيه، وعقد ما بين حاجبيه ثم شبك يديه إلى بعضهما، وظل ينظر إليها بصمت.
: تابعت الحديث بنبرة مضطربة
-أتساءل.. لماذا تفقد أغلب علاقاتنا الإنسانية بريقها بسرعة، وتتحول إلى روتين قاتل، وتصبح المجاملات والتكلف هما دعامتها الأساسية؟
-ربما كان للزمن دخل في ذلك فنحن.. خاضعون لناموس تطور يقضي بتغيرنا، إننا نتغير رغم أنوفنا، نحن ضعفاء لا نملك نواصي أنفسنا.
عقدت يدها على صدرها، بدا وجهها شاحبا ترعى بين تقاسيمه ظلال الكآبة والحزن. أحست برعشة غريبة تسري في جسدها بللت شفتيها الجافتين بلسانها ،وظلت تنظر إليه بصمت.
تابع كلامه بتوتر:
-أنت تعلمين أن حبي لك ثابت
قاطعته غاضبة:
-هذا مجرد كلام أجوف تُطلقه على عواهنه، أنا أعلم أنني تقادمت ،ولم أعد تلك التحفة التي تستهويك، لقد شبعتَ منّي ،وصِرت في نظرك مجرد تراث تقتضي منك أصول اللياقة احترامه إلى حين، قبل أن تنفض يَديْك منه إلى الأبد
. -أنا أحبك
-الحب تضحية.. وأنا قد ضحيّت بكل شيء من أجلك، لكنك لم تفعل شيئا من أجلي
-ألَا يكفيكِ حبّي. ماذا تريدينني أن أفعل؟؟
داهمتها فجأة موجةُ سعالٍ حادٍّ، فمالت برأسها إلى مسند المقعد، وهي تضع يدها على فَمها، أحست برغبة قوية في البكاء، لكنها كضمتها وقالت:
-حبنا يختنق، وما يلبث أن يُسلم الروح، ونفترق، لقد خمّنت له هذه النهاية منذ مدّة
-لا تقولي هذا.. كوني عاقلةً حُبّنا حيٌّ يُرزق ولابد أن نستمر
-نستمر!! طبعا نستمر في الظل ، أليس هذا ما تريده؟؟
-ها أنت ذي تعزفين مرّة أُخرى على وتر الزواج
-وهل الزواج يفزعك إلى هذا الحد؟؟
... -طبعا لا ..لكن
قاطعته وعلى شفتيها ابتسامة سخرية:
-لكن أنت ابن عائلة كبيرة ووالدك مقاول كبير لن يرضى لك بفتاة مسحوقة مثلي، أبوها يشتغل بوابا لإحدى عماراته
-أنا لم أقل هذا
-لكن سلوكك يقوله وتصرفاتك تنطق به، أنتَ وأنا نقيضان، ولقاؤنا أصبح مستحيلا ، الطبقية تسبق الحب والعواطف النبيلة
لملم شتات نفسه، بدا عليه الاضطراب، أحس أن ما فاهت به صحيح تماما، ولا يمكن بأي حال قول عكسه، الطبقية غول أسطوري تصعب مقاومته وتتحطم عند جبهته كل القيم الأخلاقية ويُصبح السمو والفضيلة والتآلف مجرد هراء .. مجرد كلام لا معنى له، إنه يدرك أن عقله يرفض فكرة الارتباط بها من الأساس، رغم أن قلبه مندفع نحوها بشكل جنوني. تقاليد طبقته لن تسمح له أبدا بربط مصيره بمصيرها. وإلا سوف يضطر إلى الانتحار طبقيا وهذا شيء لا يستطيع تحمله لأنه مشوار مفتوح نحو المأساة وطريق مفروش بشوك الفقر، أفراد طبقته لا يمانعون أبدا في قيام علاقات من هذا النوع، لكن في حدود معينة لا تصل إلى درجة الزواج ، حدود لا تتجاوز المتعة الجسدية.
سألته وهي تدفع إلى الخلف خصلة من شعرها الكستنائي، انسدلت على جبينها
-أين غبت؟
-أنا معك
تبدو شاردا، فيم تفكر؟
-أنا لا أفكر بشيء.
لم تكن له الجرأة والقدرة الكافيتان ليجهر برأيه، ويكشف عن أفكاره، كما فعلت هي. أمسكت يدَه فجأة، أحس دفئا غريبا، علقت أنظار كليهما بالآخر قالت وهي تبتسم:
أعلم أنك تتعذب مثلي ، عقلك مع ناسك وأهلك، وقلبك معي أنت ضحية لتناقض خطير، من الخير لنا أن نفترق بهدوء، لم أعد قادرة على تعريض سمعتي إلى الوشوشات والكلام الطاعن
. -ولكنني أحبك
--أصدقك لكن العمر يهرب بي، ولا أريد أن يحكم علي حبك بالعنوسة ، لابد أن أتزوج وأصبح أمًّا، إنه طموح كل امرأة تمشي على وجه البسيطة.
-إذن تحبذين الفراق
رشفتْ من فنجان القهوة الباردة، الذي كان أمامها، مسحت بعينيها الذابلتين فضاء المقهى ثم مدت يدها تأخذ حقيبتها من على المنضدة وهي تقول:
-أظنّ أنني سأودعك الآن، وأتمنى لك سعادة كاملة مع إحدى بنات طبقتك
قامت من مكانها، ظل هو صامتا، تبادلا نظرة قصيرة، مدت له يدها مودعة ضغط عليها بحنو، تلألأت في عينيه دمعتان أسرع يمسحهما ،وهو يقول:
- -وداعا
خرجت، تابعها بأنظاره حتى غابت، اِنتابته فجأة موجة شوق كبير إليها، وانهالت عليه الذكريات من كل صوب ، صعبٌ جدًّا أن يفقد المرء إنسانا قريبا إلى قلبه وينساه بسهولة، فثلاث سنوات من الحب لا يمكن أن تُطمر وينتهي أمرها بهذه السهولة



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغروب الأسود
- أقصى الشقاء
- أيتها الشقية
- هذيان منتصف النهار
- قصة عصفور
- رحلة في زمن الضجر
- الضفة الأخرى
- بركة الماء
- حلم بوعلالة
- الحقيقة الضائعة
- حقيقة الحب
- قط في الشارع
- عاصفة الشوق
- تعويذة أمي
- سيدة العام الجديد
- سر الأسرار
- مقهى الصامتين
- شرود من نوع خاص
- المفتش يشرفنا
- في انتظار الزائر الكريم


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - بلا عنوان