أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - أقصى الشقاء














المزيد.....

أقصى الشقاء


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 01:58
المحور: الادب والفن
    


أقصى الشَّقاء ............محمد محضار


في ركن قصي من كوخ حقير بأحد أحياء الصفيح الهامشية اِفترشت صبية مصفرة الوجه ،بقايا حصير قديم وقد غطى جسدها لحاف رث وسخ , كانت عيناها الذابلتان تتراقصان وهما تراقبان الخيالين المنعكسين بفعل ضوء الشمعة الخافت عبر الستارة البيضاء التي تفصل ركنها عن مضجع أمها وزبونها ..كان لهاث هذين الأخيرين وتأوهاتهما يطرق سمعها فتسري في جسدها قشعريرة غريبة وتكتسي سحنتها بمظاهر الحزن والألم
كانت يدها الصغيرة تفرغ ما يعتمل في نفسها من حقد على الحياة بالضغط على حاشية اللحاف ،وقدماها النحيفتان تتمددان في عصبية حتى تلامسان ارض الكوخ.
وشم الذكريات القاسية ما زال حيا يُطبقُ على عقلها وتفكريها, ناثرا بذور الشقاء في طريقها , وكأنها لم تخلق أصلا إلا من أجل الشقاء .
رَفّ على شفتيها شبح اِبتسامة حين تذكرت والدها , كان شابّا قويَّ البنية , طَيِّب القلب يحبها ويدللها باستمرار , رغم الفَاقة وضَيق اليد , فقد كان مجرَّد حَمَّالٍ بالسويقة يحمل صناديق الخضر على ظهره , وكثيرا ما سمعته يردد: "الحمال مجرد حمار بشري "وكانت هي تردّ عليه ببراءة الطفولة: "سأتعلم يا أبي وأعمل , ثم ترتاح أنت وأمي .."
فيجيب :"حقق الله أمانيكِ يا صغيرتي"
هذه أمور لم تعد تُجديهَا الآن شيئا وأصبحت مُجرّد ماض لا يغني أو يسمن من جوع, فالوالد رحل عن هذا الوجود وِاختفى تحت التراب والحجارة،...ذاكرتها تختزن دون شكّ أحداث مصرعه المفاجئ...فقد نشب ذات مساء بينه وبين جارهم موسى "الأقرع" صراع دموي عنيف، اِنتهى بموت الاثنين .. كان موتا باردا , وتلك عادة دَرَج عليها بعض المسحوقين ..فهم يَقتلون ويُقتلون مِنْ أجل أشياء تافهة .
بعد رحيل والدها تغيرت الأمور , وتبدل سلوك أمها , وتصرفاتها وكانت الصفعة الأولى التي وجّهَت لها ..هي حرمانها من متابعة الدراسة. أما الصّفعة الثانية فكانت أشدّ وأقوى ..فقد دخلت أمها عالم الدعارة ...وتحول الكوخ الصغير إلى ماخور فساد يرتاده طلاب اللذة الرخيصة من أبناء الحي. وفقراء المدينة
كانت تنظر إلى كل ذلك بعين العاجز الضائع ولا تملك سوى ذرف الدموع السخينة كلما خلت إلى نفسها, فهي الآن تعرف المصير الذي ينتظرها غدا ..أو لم تقل لها أمها : "تعلمي يا صبية حتى تعيلينني كما أُعيلك ،يوم أكبرُ"..
إذن كل شيء واضح ، فليس أمامها سوى اِنتظار اليوم الذي تَرِث فيه عن أمها إيهاب العهر, ويصبح جسدها ملكا مُشَاعا لكل عابث وماجن
إن أمها ما فتئت تُذكّرها اليوم تلو الآخر بأن السبيل الوحيد للحصول على لقمة العيش هو الدعارة تابت الطفلة الى نفسها وأمسكت عن التفكير ثم جرت الغطاء وانكمشت حول نفسها. لكنها سرعان ما أحست باختناق شديد وتسربت إلى خياشيمها رائحة الدخان ...فأسرعت تزيح الغطاء عنها. كانت النار حولها تلتهم حطب الكوخ وأثاثه الوضيع، وكانت أمها وزبونها يصرخان .


1979



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيتها الشقية
- هذيان منتصف النهار
- قصة عصفور
- رحلة في زمن الضجر
- الضفة الأخرى
- بركة الماء
- حلم بوعلالة
- الحقيقة الضائعة
- حقيقة الحب
- قط في الشارع
- عاصفة الشوق
- تعويذة أمي
- سيدة العام الجديد
- سر الأسرار
- مقهى الصامتين
- شرود من نوع خاص
- المفتش يشرفنا
- في انتظار الزائر الكريم
- قصة يمامة
- ليلة صيف ساخن


المزيد.....




- لندن تحتضن معرضاً لكنوز السعودية البصرية لعام 1938.. وأحفاد ...
- -يوميات بوت اتربى في مصر- لمحمد جلال مصطفى... كيف يرانا الذك ...
- كيف كشفت سرقة متحف اللوفر إرث الاستعمار ونهب الموارد الثقافي ...
- قناة مائية قديمة في ذمار تكشف عبقرية -حضارة الماء والحجر-
- ما أبرز الرسائل والمخرجات عن القمة الصينية الأمريكية؟
- توفيا أثناء تأدية عملهما.. رحيل المصورين ماجد هلال وكيرلس صل ...
- وزيرة الثقافة الفرنسية تمثل ماكرون في افتتاح المتحف المصري ا ...
- صالون الجزائر الدولي للكتاب يفتح أبوابه أمام الزائرين
- العبودية الناعمة ووهم الحرية في عصر العلمنة الحديث
- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - أقصى الشقاء