أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - قط في الشارع














المزيد.....

قط في الشارع


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7235 - 2022 / 5 / 1 - 03:36
المحور: الادب والفن
    


كان الجو باردا،والغيوم تطارد الشمس وتحجب دفئها ، وندف الثلج الاولى , قد بدأت بالسقوط ، خلف زُجاج النافذة المُضَبّب كنت أقف ملقيا بأنظاري الى الشارع المقفر، إلا مِن بعض السّيارات المُنسابة كالسّهام .كان المَنظر كَئيبا، يُفرز فيضا مُتدفّقا من الحزن داخل النفس، ويبعث على الاشمئزاز. أحْسَسْتهُ يَكْبس على أنفاسي ، ويَسْتشري أثره فِي جوارحي .
أشياءٌ غريبة بدت لي عبر إسفلت الشارع ، رأيت الزّمن يتحول إلى فَوارة ماء نَتن يَندلق في مختلف الاتجاهات وينساب بسرعة جارفا معه كل شيء، أما المَكان فقد لاح لي خَالِيا من أي أشكال أو أبعاد ، وذراته شاردة لم يتحدد لها مدار. وبين الزمن والمكان بَدت لي جُملة من المُتناقضات المُقنَّعة بحجاب توافق وهْمِي لم يُفلح ذِهني في استيعابه ، فارتددت عائدا الى نفسي ، وزُغت بنظراتي نحو الرصيف، كان هناك قِطّ رمادي الفَروة يَتوارى خَلف صندوق قُمامةٍ ، وهو يرسل مواءً خافتا وقد لاحت عليه آثار الهُزال والضّعف ، اِنتابتني شحنة متواترة من الرحمة نحوه ، شعرت أنه ضحية لتناقضات الزّمن والمكان , وأَثر لِزَلّة من زَلّات الحياة الكثيرة .
وعلى حين غرة أحسست بيدين دافئتين تُطوقان خصري ، ورأس يتماوج شعره يميل على كتفي ..كانت زوجتي ، وجاءني صوتها هامسا :
-أين وصلت في تأملاتك ؟؟
اشرت بيدي الى القط المسكين وقلت:
-أتأسف لحالة هذا المخلوق ..يبدو عاجزا أمام قوة الطبيعة
. -كلنا عاجزون ، يا زوجي العزيز أمام جبروت الطبيعة وتقلباتها
-أشعر برغبة قوية في العناية به. سأنزل لإحضاره
-لا تكن غبيا هذه الحيوانات غالبا ما تستوطن بزغبها بعض الحشرات الطفيلية
-لكنه سيموت من البرد ..وأنا أرفض حكم الحياة الجائر عليه.
-إن موته خير من حياته , مادام عاجزا على البقاء
لم أعلق على كلامها، وأسرعت نازلا الى الشارع . كان القط لايزال في مكانه ، اقتربت منه ، ثم قَرفصت ، وحَملته بيْن يديَّ . كانت قوائمه تَبدو متَجَمّدة ، وما عتمت ان عدت به الى البيت ،وضعته قرب المدفأة ، فاتكأ على جانبه الأيمن ومضى يلحس فروته وقد بدأ يشعر بالدفء .
قلت لزوجتي :
-أرجوك هيِّئي له شيئا من الحليب
ترددت لحظة ، لكنها ما لبثت ان غابت هُنيهة في المطبخ ، ثم عادت تحمل اناءً وضعته أمامه ، وقالت :
-يبدو أن صداقة جديدة ستنشأ بينك وبين هذا القط اللئيم
-ولما لا ..كلانا كائن حي. وكلانا ضحية لتناقضات الزمن والمكان.
-أرجو ان تنزل أرضا وتبتعد عن التجريد فانا لا أفهمك .
-طبيعي أنّكِ لن تفهميني , لأن نحوهذا المسكين مختلف عما أحس به, ونظرتك له لم تتجاوز نظرة الإنسان السّطحية لباقي الكائنات الحية .
لم ترد علي ، واقتربت من الأريكة التي كنت أجلس عليها ، وقعدت على حافتها مطوقة عنقي بذراعها
دنا القط منّي وقد انتهى من لعق إناء الحليب ،ومضى يحك رأسه الى قدمي ..قرأت في عينيه المُستديرتين آيات الامتنان ، فحملته بحنو ، ووضعته على فخدي ، تكور على نفسه وغاب في غفوة نوم
: قالت زوجتي
-أتنوي الاحتفاظ بهذا الملعون
-بالطبع يا عزيزتي ..لقد أصبح جزءً من حياتنا ..وأنت مدعوة للعناية به .
القت نظرة على ساعتها وقالت
-لقد هَلّ موعد ذهابنا عند أمي
-أمك!
-أنسيت أننا مدعوان للغذاء عندها
-يمكنك الذهاب ..أما أنا فسأبقى مع هذا القط المسكين حتى يألف البيت
-لا تَتَدَلّه الى هذه الدرجة يا حبيبي بقطك الملعون. لكن قل لي ما رأيك لو تصحبه معك ونذهب...؟؟
-فكرة حسنة ..أظن أن فضلات مائدة أمك ستشبع نهمه

خريبكة 30 أبريل 1985



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصفة الشوق
- تعويذة أمي
- سيدة العام الجديد
- سر الأسرار
- مقهى الصامتين
- شرود من نوع خاص
- المفتش يشرفنا
- في انتظار الزائر الكريم
- قصة يمامة
- ليلة صيف ساخن
- طفل الأمس
- القمر الأسود
- كينكو
- سيدة الياسمين
- جراح الماضي
- رماد من نوع خاص
- خروج غير موفق
- رحلة حزن
- لحظة شرود
- لحظة تأمل


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - قط في الشارع