|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 54
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7244 - 2022 / 5 / 10 - 11:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رَبَّنا وَاجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُب عَلَينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ (128) ثم يواصل إبراهيم، أو لعله إبراهيم وإسماعيل، لأن الآية السابقة تحتمل المعنيين، معنى أن فعل رفع قواعد البيت منسوب إلى إبراهيم وإسماعيل، بينما فعل الدعاء منسوب إلى إبراهيم وحده، أو معنى إن كلا الفعلين، رفع القواعد والدعاء، منسوبان إليهما الاثنين. فيدعو إبراهيم، أو يدعو إبراهيم وإسماعيل من الله أن يجعلهما مُسلمَين. وصفة (المُسلِم) و(المُسلِمين)، وفعلهما (أسلَمَ/ـموا – يُسلمُ/ـونَ – إسلاما) ترد في القرآن تارة بالمعنى العرفاني الذي هو أعلى مرتبة من مجرد الإيمان، حيث يبلغ الإيمان هنا مرتبة تجعل صاحبها يُسْلِمُ صلاته ونسكه وحياته كلها، كل فعل من أفعاله، وكل عاطفة تختلج في نفسه، كل ذلك قد أسلمه لله، ولله وحده. وتارة يأتي لفظ الإسلام ومشتقاته بالمعنى الخاص للإسلام، أي كون المرء مؤمنا بآخر الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وبمحمد رسولا، وهنا يكون الإسلام دون مرتبة الإيمان وهذا المعنى يؤيده «قالَتِ الأَعرابُ آمَنّا، قُل لَّم تُؤمِنوا، وَلاكِن قولوا أَسلَمنا، وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم». وفي هذه الآية واضح أن المعنى الأول هو المقصود. أما العبارة التالية من دعاء إبراهيم أو إبراهيم وإسماعيل «وَ[اجعَل] مِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ»، قد تشير إلى محمد والمؤمنين به، أو إلى كل ذريتهما، ابتداءً بيعقوب فإسحاق، ثم عموم بني إسرائيل (ذرية يعقوب)، لكن يرد الإشكال على ذلك، في كون هؤلاء ليسوا من ذرية إسماعيل، بل من ذرية أبيه من سارة، وليس من هاجر أم إسماعيل. والأرجح إن كلا المعنيين مقصودان، ذرية إبراهيم (بنو إسرائيل)، وذرية إبراهيم وإسماعيل (محمد) المدعى أنه من سلالة إسماعيل، ودليله الآية اللاحقة، التي قد تؤيد أن المقصود ما يشترك فيه إبراهيم وإسماعيل من ذرية، وبالتالي يكون محمد هو المقصود. رَبَّنا وَابعَث فيهِم رَسولًا مِّنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ (129) «وَابعَث فيهِم» أي في ذريتهما، «رَسولًا» أي محمدا. وبقطع النظر عن الإيمان بصدق النبوة عموما ونبوة محمد خصوصا أو عدم الإيمان، فإن تصوير دور النبي بأنه «يَتلو عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم» لهو تصوير جميل، إذ يلخص دور النبي، على فرض وجوده، بأربع مهام أساسية: 1) «يَتلو عَلَيهِم آياتِـ[الله]»، 2) «وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ»، 3) «وَ[يُعَلِّمُهُمُ] الحِكمَةَ»، 4) «وَيُزَكّيهِم»، فيبدأ بتثبيت الإيمان في نفوسهم بتلاوة آيات الله عليهم، وسواء قصد بالآيات هنا دلائل مفردات الكون على عظمة الخالق، أو آيات القرآن، ثم تأتي بعد الإيمان مرحلة التعليم النظري المعبر عنه بالكتاب، ثم التعليم العملي أو التطبيقي المعبر عنه بالحكمة، وقيل إن المقصود بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة، أو إن الكتاب يعني الأصول (العقائد) والحكمة تعني الفروع (الأحكام). ثم لا يكتفى بالتعليم بكلا شقيه، بل لا بد من التزكية، وهنا يأتي دور الأخلاق كميدان ثالث للدين بعد العقائد والأحكام، لولا أن الأخلاق بمعناها الديني تلتقي جزئيا مع أخلاق مدارس الفلسفة الأخلاقية، وتفترق عنها في الكثير. وهنا أيضا قد لا نجد مناسبة واضحة في اختيار «العَزيزُ» و«الحَكيمُ» في ختم الدعاء بقول « إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ»، فإذا كان للحكمة ثمة علاقة ومناسبة، فغير واضح لماذا اقترنت بالعزة، أي القوة. وَمَن يَّرغَب عَن مِلَّةِ إِبراهيمَ إِلّا مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَيناهُ فِي الدُّنيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَ (130) القرآن يتكلم بلغة المسلمات، فينطلق مثلا في هذه الآية من عدة مسلمات، المسلمة الأولى وجود شخص باسم إبراهيم، والثانية كونه نبيا رسولا من أولي العزم، والثالثة وجود ما يوضح للناس ماهية نهج إبراهيم، من أن يتخذ الناس موقفا منه، والرابعة مسلمة أن كل من لم يُسَلِّم بهذه المسلمات ويتبع بالتالي «ملة إبراهيم»، كما تعبر الآية، فإنه بالضرورة من السفهاء. وتقرر الآية كون الله قد (اصطفى) إبراهيم في الدنيا، وحشره في الآخرة في «الصالحين»، فهاتان منزلتان حسب أدبيات القرآن من أعلى المنزلات، فهما منزلة عليا في الدنيا معبر عنها بـ(الاصطفاء)، ومنزلة عليا في الآخرة هي منزلة (الصالحين). ويتخذ إبراهيم أهميته في الإسلام: كونه الجد الأعلى لمؤسس الإسلام عن طريق ولده من الجارية هاجر إسماعيل.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 53
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 52
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 51
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 50
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 49
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 48
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 47
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 46
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 45
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 44
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 43
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 42
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 41
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 40
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 39
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 38
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 37
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 36
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 35
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 34
المزيد.....
-
صحفي لترامب: كيف يساعدك إنهاء حرب روسيا وأوكرانيا في دخول ال
...
-
-ملجأ المسيح-.. الطيبة يهجرها فلسطينيون تجنبا لبطش المستوطني
...
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في اليوم السابع من عيد -العرش
...
-
جذور الإسلام بجنوب أفريقيا.. من المنفى إلى التنوع والتحديات
...
-
الإسرائيليون اليهود كما أراهم في وسائل الإعلام
-
بابا الفاتيكان يأمل أن يمهد اتفاق غزة لسلام دائم.. ويجدد دعو
...
-
خوري يلتقي بطريرك القدس للاتين في عمّان ويؤكدان أهمية تعزيز
...
-
ما رمزية ودلالات زيارة بابا الفاتيكان القادمة إلى تركيا؟
-
بابا الفاتيكان: نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار في غزة سلام عا
...
-
بابا الفاتيكان يصف وقف إطلاق النار في غزة بـ-شرارة أمل-
المزيد.....
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
المزيد.....
|