أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رياض رمزي - يوم أُصبت بالحمى















المزيد.....

يوم أُصبت بالحمى


رياض رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 7236 - 2022 / 5 / 2 - 02:23
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يوم أصبتُ بالحمى رياض رمزي
عندما يصيب المرض(الحمى) ذوي الأوجاع الكبيرة، من يتسع عقلهم لاجتياز أماد جديدة تبرهن على ضرورة وجودهم لأنهم يدرك أن لوجودهم لزوم عظيم، لأنهم يُحدثون فرقا في مسيرة زمنهم. يقول أحدهم " أريد من زمني ذا أن يبلغني/ ما ليس يبلغه من نفسه الزمن". لأن لغيابه تهديد وجودي لدهره، لتوفره على عظمة يشعر أن غيابه ليس غير مقلب تدبّرها الأقدار لمصير قومه، ليحدث انكسار غير متوقع، يجعل أصحاب اللحى يحكمون قبضتهم على مركبة البلاد، يتركونها مرمية على الساحل. لذا فهو يستهول ويخاف على زمنه من غيابه، لأن كل من كان قبله ومن سيجيء بعده لا يمكن القول كثيرا عن جودتهم. هم ينقذون زمنهم من الأفكار المحدودة ويوفرون طرقا جديدة للرؤية يظل دويها يتردد ويتردد كما المستقبل، الذي قال عنه ألتوسر، سيستمر طويلا. القادرون على تحسين النظر والتفكير في العالم.
بجّل المتنبي الحمى مدركا أن هناك جمالا يختفي وراء بلواها، وعبّر عن ذلك شعرا، فهو حين تورّط بها عاد مفتونا بها جالبا معه رؤية جمالية. سبق المتنبي الفيلسوف العظيم أدموند هوسرل زمنا.......من يكمل قراءة قصيدته الحمى سيجد مقدار وجمال رفقته معها: حرارة جلبت معها حالة من الغشية، داهمه وهن غير مألوف أبقاه يقظا حين تعرض لمن جاءه بدون استئذان وأوقعه في حالة لم يأنسها سابقا حين دخلت وهدفها إنضاب قدراته. لكنه راح يناجزها بتحويل هجومها إلى شعر بات مدعاة فخر. هو ليس كمالك بن الريب المازني حين حول بوادر موته، وليس نجاته، إلى حالة شعرية." تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ ، فلمْ أَجِدْ / سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا". طبقا لمسيرة عيشه تذكّر أصحابه حين وصل نهاية مطافه مستسلما لهواء شراع دفعه نحو جدثه، حين رأى كيف وقف سهم قدر عجلة حظه مشيرا إلى كارثة ستلحق به" صَـرِيعٌ على أيْدِي الـرّجَالِ بِقَفْرَةٍ / يُسَـوُّوْنَ قَبْـري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا". على عكس المتنبي الذي كتب لنفسه صورة شعرية حين حوّل الحمى إلى فعل جنسي...أي أنه حسّن مجال الرؤية نحو الكوارث، الفرق بينهما الثقة بالمستقبل التي هي نتاج جهل بالماضي مردها غياب الإرادة في العيش.
يقول هوسرل ما نراه ليس هو الجدير بالنظر والاهتمام، هناك عالم لا نراه نعتقد أنه غير موجود ولكنه هناك يطل برأسه ويختفي، وما علينا غير القبض عليه لأنه هو الواقع الفعلي. يمكن بلوغ هذا الواقع عن طريق الحفر والحدس. هكذا فنحن نوجه جهدنا العقلي نحو الغير موجود وغير المرئي كي نجده ونراه عن طريق الحدس. يكمن وراء الحمى فعلٌ جنسي ينبعث عن طريق الحفر حين نستبعد ظاهر الحمى كي نجد الحقيقي : أنها فعل جنسي يمارس من خلال الألم حين يبقي العقل مستيقظا يبحث عن المخفي. أنه بحث فينومونولوجي بحت. " "وزائرتي كأن بها حياء/ فلا تزور إلا في الظلام. إذا ما فارقتني غسّلتني/ كأنّا عاكفان على حرام"
إقرأ القصيدة مثنى وثلاث ورباع وأشعر بوقع الألم وفرّغ الحمى من شواغلها الدنيوية وحوّلها إلى مكابدة فكرية وجمالية ستجد أنها تتحول إلى لوحة تشكيلية، ستجد أن الهواء الحار الخارج من الأنف، حين توليه اهتماما، سيتخذ عند خروجه من الجسد شكل جني طرد من الجسم عن طريق التعزيم الشعري، أي أن هناك عالما شعريا يقف خلف الحمى، وهو جوهر الحمى. إذن المتنبي بجّل الحمى لأن هناك كونا شعريا يختفي وراءها، كون يستحق التخليد. أكد المتنبي ما سبق أن قاله كيتس" على الشعر أن يجوس الأفكار ويحولها إلى معْلم" حادثة في بدايتها لم تكن موضع ترحيب لكنه بشط دماملها بموس حلاقة شعرية وأرانا دمها الأصفر الشبيه يخراج. حين رأيناه تصاعد ذهولنا ونحن نرى، ليس فعلا آثما، ذكرى لا نستطيب مجيئها لكنها تصرخ من داخلنا على شكل عطاس وسعال مثل قطط في موسم سفادها تملأ الفضاء صراخا ولكنه صراخ ينجح في استنفار طاقة المحرومين ويستنفر خيالهم، فتندفع غرائزهم للاستيقاظ. جاءت الحمى وهي ترتدي أطمارا قديمة لكنه ألبسها زيا جديدا فخرجت منه مخلّفة وراءها طمى بركانيا غمر أرضا أنتجت معاني خصبة حين حولها إلى لوحة تشكيلية مثل تنين ناري لا يشيع لسانه خوفا بل فردوسا تلهب صورها المخيلة. دفع الشاعر عند عودته ثمن سلامته غاليا: رحلة نجاته من الأفعى ذات القرون التي برغم قوتها أثبتت هشاستها أمام إرادته وقوّت جسدا كان في فترة اشتداد الحمى مثل سماور يغلي. حين دخلت زهرة النار فيه كشفت عن هشاشتها وقوته. هذه هي طريقة المتنبي في تبيان بأس المهاجٍم. وهي حالة سبق له أن رصدها شعرا في قصيدته الشهيرة " على قدر أهل العزم تأتي العزائم..." التي يصف فيها جيش الروم حيث أعلى المتنبي من بأس جيش الروم موضحا أن أشد النكبات ترويعا تأتي منه حتى لكأنك تقول يا للفتى المسكين سيف الدولة كيف يقاتل جتدا يجرّون الحديد كأنهم/ سروا بجياد ما لهن قوائم. جيشٌ جاءت لنجدته أمم شتى" تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ/ فما تُفهم الحدّاث إلا التراجم"، ظلت السماء تحتفظ بصخبهم " في أذن الجوزاء من زمازم". يا إلهي ما عساها تكون ساعة سيف الدولة؟ يا للفتى المسكين سيجر على نفسه وقومه الخراب. لكنك تستدرك قائلا لا يوجد أمام هذا الفارس من فعل أعظم مجدا من الفوز. في تلك اللحظة رفع الفتى العربي سبابته متوعدا وكأن صخب الدروع أمدّه بالعزم، لأن شجاعة الروم لا تجابه إلا بشجاعة العربي. كذلك هو الشأن في معركة الحمى فجسم المتنبي/ جيش سيف الدولة، والحمى/ جيش الروم واصطكاك فكي المتنبي وتعرّقه الشبيه بموج طوفاني ودخوله في هذيان الموت كما هو سيف الدولة في المعركة لم ينتجا غير انفجار مخزن الإرادة لدى كليهما، حين وقفا في جفن الردى. كانت الحمى ترعى في جسده وهو نائمٌ في جفنها. ألبس المتنبي الحمى زيا جديدا فتحولت إلى صورة أشد تعقيدا مما يعرف عنها، من ينجو من سم هذه الأفعى فهو أشد قوة منها.

أتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم/ سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ/ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ/وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ/فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ
وقفت وما في الموت شكٌ لواقف/ كأنك في جفن الردى وهو نائم



#رياض_رمزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الحرب بين روسيا وأوكانيا
- مقتل الشاعر
- النخب الإسلامية
- ضحك كالبكا الجزء الثاني
- عراق الجهل بين السخرية والهزل
- القديس مارادونا شهيدا
- ضحكٌ كالبكا
- لديّ ما أتحدث به
- ألله يحب عباده العلماء
- من رمزيات رياض رمزي
- حول الطقوس
- ذكرى استشهاد تشي جيفارا
- الجهل في أرض المتنبي
- تغريدة لثورة تموز خارج السرب
- العزلة في زمن الكورونا
- عفيفة لعيبي: تحويل صناعة الأحزان إلى كسبٍ مشروع، أو الحزن حا ...
- موت مواطن لا ينتمي إلى وطنه. رياض رمزي
- فائز الزبيدي مقاتل أجبر على هدنة أبدية
- الميليشيات والاغتيالات
- بعض ما يحدث في جمهورية الإسلام السياسي


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رياض رمزي - يوم أُصبت بالحمى