ضحكٌ كالبكا

رياض رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 6742 - 2020 / 11 / 24 - 03:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الجزء الأول.
ضحكٌ كالبكا. رياض رمزي
س: ماذا بالعراق من المضحكات؟.
ج: هو ضحكٌ كالبكا.
س: كيف؟.
ج: جاهلٌ من أهل الغباء يقال له أنت أشد من البدر سنا.
س: ما اسمه؟.
ج: برهوم.
س: هل يمكنك الافصاح؟.
ج: حسنا. اعتاد أطفال كوبنهاجن السير وراء كيركيجارد والهتاف" أمّا، أو" وهو كتاب من جزئين ألفه الفيلسوف العظيم.
س: هل تتوقع أن يجابه بطلك نفس المشكلة؟.
ج: نعم سيتبعه الأطفال صارخين" هيه، هيه، بايع ومخلّص".
س: فهمتُ، تقصد تصريحه الشهير على الملأ عندما أعلن في مقابلة ضغط فيها على حروف جملة قالها بكل ما في وسعه من قوة، أن يحترس الأعداء منه لأنه لم يدخر شيئا فقد درّب نفسه أن يكون غير مكترث.
ملاحظة: الصوت الذي يوجّه مشاركي الطقوس هو ترديد لصدى صرخة" يا لثارات الحسين" الذي يشكل وعْينا. أنا لا أدعو لترك هذه الصرخة. نحن اليساريون، ورثة فهد، سلام عادل، جمال الحيدري...لن نترك ورائنا هذه الصرخة فصداها ما يزال يتردد منذ العاشر من محرم سنة 61 هجرية الموافق العاشر من أكتوبر سنة 680م حتى الآن. زمن حدثت فيه معارك، انتفاضات وثورات جعلت من مقتل الحسين وأهل بيته حدثا كُتب له الدوام، ولن يسقط من الحساب أبدا. بما أن ذكرى تلك الثورة العظيمة تشبه النار التي تتغذى بوقود الظلم والاستغلال، علينا أن نخلص تلك الثورة العظيمة من الشركاء في أثم قتله من حزب يزيد الذي ادعى الحزن وهو يقول عن الحسين أنه ابن عمه. أما هؤلاء الذين يحصلون على ترخيص لشرعيتهم من دمه فهم أقرب إلى حزب يزيد وابن زياد. هم من اختطفوا الحادثة وحصلوا من دم سيد الشهداء وأهل بيته على موارد ملئوا بها خزائن الغرب، وكأن استشهاده كان موضع ترحيبهم.


مقدمة رقم 1. يتميز النظام الراهن في العراق بكل سوءات الأنظمة الاستبدادية من عنف وسرقة وكذب. هناك سوءة إضافية فيه هي نوعية من قاد البلاد منذ 2003 . من يتصدى للكتابة عن النظام الفاسد يجب ألا يتردد عن فضح الزمر التي قادت البلاد ومرجعيته القائدة. من يجري الكلام عنه نوعية قائمة بذاتها حصلت على موقع قدم في التاريخ لأنه ما من شيء يضاهي السبات الذي أدخلت فيه البلاد وبطريقة تفوق حدود التصديق. فبرغم أنه مثل زملائه حديثي عهد بالنعمة، يستوحش تاريخه السابق المليئ بمرارات الفقر، لكنه يفوقهم شعوذة، لا يصطبر أن يُري بلاهتهم ويُظهر شطارته.
لا يكاد يمر يوم دون ظهور" انشقاق" بين ممثلي السلطة السابقة، ليسوا كشهود ناطقين عن صحوة ضمير الإسلام السياسي كان ضمن صفوفه وما زالوا فيه بدون انقطاع، ولا أنهم فقدوا أتزانهم من شدة احتقار وكره الجمهور لهم، بل هم أشبه بأغنياء روسيا قبل ثورة أوكتوبر حين هالهم غضب الجمهور عليهم، فراحوا يستمعون لصافرة القطار الأخير تحذر من لا يسعفه الوقت من غضب وعقاب يرجئه الجمهور لهم كان يصرخ عاليا" إن كان هذا هو دين الله فأي ثمن يتوجّب على البلاد أن تدفعه لأنتصار هذا الدين؟. أما الملحدون فيزدادون ألحادا مشتبكين في سباب مع أصحاب اللحى ومرجعيتهم، أما المؤمنون الفعليون يقولون يا خالق ترفّق بنا ولا تقم بتقريعنا علنا أمام الأديان المنافسة".
قد يصدف أن ترى حزينا وتكتئب، لكن أن ترى حزينا وتصبح أشد فرحا فتلك حالة لا تستبقي من إنسانيتك شيئا، أن ترى بؤسا لم تعرف فيما سبق ما يوازي مداه، وتستشعر لذة وأنت تشاهد من يقال له: لماذا أنت حزين؟ وهو يجيب: هذا سؤال لا يحمل معنى لأن بؤسي يمنعني من التفكير في جسد عايشني سنينا وها أنا أتخلى عنه كأنه ورّطني بابتلاء. هاكم شخصا يبكي من شدة الحر وهو يصرخ باللهجة المحلية" وجّيت" حين يشاهد أعضاءه تشتعل، ولا يسعه فعل شيء غير أن يقصيها من جسده كي لا يتحمل عبء أن تأخذه رحمة بها، غير قادر على الدفاع عنه، وهو يشاهد ضباعا تنقر لحمه الحي. هو حزين لأنه يشاهد موته قبل أوان موته، موتٌ لم يعطه فرصة إضافية كي يستدرك حياته ويحمي جسده. يشاهد موتا تخلّل ثناياه أوصله لمرحلة تسمى ما باليد حيلة: أن يقع جسده في بلاء ولا يلقى منه اهتماما.
هذا الشخص الذي لم يكن أمامه خيار غير أن يشاهد جسده وسط مجْمرة مشتعلة، عاش في بلد أصبح بطل هذه المقالة رئيسا لوزراءه ووزيرا لخارجيته.

****

مثل العباقرة الذين ينعمون بأفكار تستعصي على اللغة الإمساك بها وخوفا من ضياع الإنجازات تأخذ أفكاره شكل نبوءات غامضة مثل نوستراداموس، حيث مازالت نبوءاته موضع تأويل وإعادة تأويل منذ مئات السنين. العباقرة يستنفرون قدرات اللغة كي تلحق بأفكارهم، من هنا جاءت عواصة لغته لعدم قدرتها على الإحاطة بأفكاره اللوذعية. برغم أن العربية، كما يقال، وحدها التي تتكلف عناء تحويل ساعات الإلهام إلى نص مكتوب، فأن من يقرأ خطب الرجل يشعر أن محدودية اللغة توقفه عن مزيد من الجرأة، فيلجأ إلى ترويضها كي يتجنب غموضا يتعذّرعلى هذا الجيل الإحاطة بمعانيها، فيأخذه نوع من إشفاق على القارئ والسامع الذان يجدان صعوبة في اللحاق بسهله وهو يشد عنان حصان أفكار فيها ميل واضح للإفتاء بمشاكل الأكوان، فكيف لو أرخى لها الزمام؟. يصعب اللحاق بما يقول حتى لو سار قطار أفكاره بسرعة السلحفاة. هؤلاء هم الذين يذكرهم جيرارا دي نيرفال بالقول أنهم يتحدثون مع أمين مكتبة تحوي آلاف الكتب كأنهم يتكلمون مع نادل المقهى.
يقول هنري ميلر في روايته شيطان في الجنة عن الشخصية الرئيسية " عندما اختار طريق المعرفة قصّ أجنحته بيديه"، لأنه فقد اندفاعاته المتعجّلة في الأحكام والتبجح. المعرفة تثقل على المتعلّم، تصير مثل أحجار في الجيوب تثقل سير الرجل، على عكس روزخون حصل على معارف يسعى من خلالها زيادة تأثير وقع كلامه على جمهور أمي، فيقرر زيادة جرعة الغموض في كلامه وإضافة نفحة عجائبية في عظاته كي يدخل الدهشة في صفوف الحضور.
من هو هذا المصطبغ شكله بشكل الزهاد؟. له سحنة محروم من الهواء الطلق، يغمر وجهه شحوب ناسك عتيق أصاب النسك سحنته بشحوب من قضى سحابة عمره أمام رفوف الكتب وحصل وجهه على صفرة لها دلالتها، لأنشغاله بأمور الكون والخلق. قليل الابتسام كأن لديه القليل منه أو يخشى أنفاقه. عندما يسير في الشارع لا أحد يسأل من يكون لأن له صفرة وجهه لا ينازعه فيها أحد غير ربيبه بن عربي أو البسطامي أو ابن جنيد... كل من قرأ بحار الأنوار أو سمع بعدد صفحاته لما تجرأ على قول كذا. من يقضي لياله مسهّدا من القراءة لا يبقى له متسع للتفكير بمتع الحياة. هذا المفكر والفيلسوف على حق حين امتلك بيتا بملايين الباونات في منطقة .... إذ لا محيد من الحصول عليه لكي يفلح في المضي في درب الاجتهاد. يختار الله سبحانه لكل حالة عبرة. عندما تكون هناك عبرة فستخلّف ضحايا يمكن تذكّر المضحّي من خلال الضحايا. الحلاج سلك سبيل التضحية بالنفس. شخصية أما بطل هذه المقالة و حزبه ومرجعيتهما فقد قررا التضحية ببلاد بكاملها بعد أن طردوا شعبه ليشويهم القيظ ويجمّدهم الزمهريرثم قام السيد الأكبر وتلميذه العبقري ببسط فراشيهما ليناما باحثين عن أعقد مشكلات الدنيا، منذ خدعت الحيّة جدّتهم حواء، سبب اغتصاب الخلافة قبل أكثر من ألف عام ومعضلة تحديد السن المناسبة لنكاح البنت أو مفاخذتها، ومتى يحق للذكر أن ينطّ عليها ومن أي موضع، وطرق تطهير الجسد من النجاسة .
ما هي العلوم التي استنفر عبقريته فانغمر فيها وصار عقله من كثرة التأمل والقراءات أشبه بحطبة ستشتعل ولن تنصرف نارها بهدوء حتى يكشف خبايا مشكلة يأمل عند حلّها مكافأة من السماء: مشكلة اغتصاب الخلافة.
من أين جاءه العلم؟. من الجلسات القرآنية والتبحر في أفكار خارج قدرة العقل البشري العادي في العوْم في لجج بحرها حيث نمت لديه قدرات على خوض نقاش والوصول إلى نتيجة في قضايا مستحيلة الإثبات: البحث عن أسباب الاغتصاب بعيدا عن سرديات العوام المتداولة، وكل مشكلة ألهية غلّفها الخالق بهيكل صلب يصعب الوصول إليها غيره هو وأستاذه المجلسي الذي يغرف من بحار أنواره.
على مدار الجلسات لا يبلغ مسامع الحضور غير علم الاغتصاب: حجب الخلافة عن ابن عم النبي هو اغتصاب، مفاخذة البنت القاصر ليس اغتصابا، زواج المتعة ليس نية مبيّتة لاغتصاب ولا عهرا بل البحث عن حياة جنسية شريفة. منذ ألف عام وهذ الثوب العتيق ، الاغتصاب، لا يصيبه البلى فهو ليس ثوبا قديما يعالج بالرتق. تاريخ العالم مشكلة أزلية لا تعلن عن هدنة بل لا تنفك تتجدد، السماء حاسرة كل عام في كل فترات العام تستذكر تلك المأساة التي لم يشأ الله وقفها لأن القيامة ستدور على حق سليب من بشر يقال أنهم من المبشرين بالجنة، لكنهم تجرأوا بالتطاول على وصايا سيد الخلق.
هناك مضمون واحد تستعرض بوسائل متباينة وكأنه حدثٌ جديد يقع لأول مرة. من هذه الأستعراضات تعلّم الرجل أن لا يتفاعل مع الجمهور، لأن الاغتصاب قضية شديدذة التعقيد ليست في متناولهم. فمن يحيط كمثله بمعارف كثيرة يتعذّر عليه التوقف للشرح، بل يوجّه تقصيه ويأمل بمكافأة من السماء. هو لا يسعى للتفاعل مغ جمهوره لأنه لا يعنون له شيئا، كأن ما يهمه أن يبقي عقل سامعيه من الملائكة وهو يرفعون تقريرا إلى أهل من اغتصبت حقوقهم كي يرفعوا أيديهم نحو الخالق لكي يتم الصفح عن أموال راكمها في فترة عمله خادما لدولة الإمام وهو يدافع عن أمور أشد إلحاحا من بضعة نقود وأملاك وشروى نقير لا تساوي أتعابه في خدمة أصحاب الدار. ما يهمه فرض غلبة كاسحة على من أغتصب الحقوق على طريقة خطب تستعيد موقف قيصر الشهير حين جاء ورأى ثم انتصرhe came he saw he conquered. بعد كل خطاب تلوح ابتسامة ظفر على محياه، ابتسامة من أوقف شطرا من طفولته وهو يحضر مواكب البكاء وشبابه حين أبلى وجهه وصوته الإعياء من كثرة البكاء الذي تحوّل إلى مكافأة من أصحاب الدار بمنحه نورا خاصا من تلك الأنوار التي خُصّ بها سيده المجلسي، نورٌ ينفذ إلى قلب سامعيه ، فيحصلون على هداية عن طواعية أوعن أختيار.
لا يخطر على البال عند سماع خطبه ورؤية تواصله مع الجمهور غير علاقة الانخطاف التي تربط الساحر بالجمهور. القرينة الدامغة لانتصار الساحرعليك منظره وهو يُخرج زرازير من كمه وأنت غير قادر على استخراج ذبابة من جيوبك. وفقا لهذا المنطق يمكن تفسير انشداه الجمهور بكلمات الخطيب الذي أثار انشداهه بأفانين الكلام.
من هو هذا اللوذعي؟. وجهٌ يعمره سهومٌ عميق عادة ما يصيب وجوه الزهّاد، وجهٌ لم ير نور الشمس لأنه لم يعبأ بالخروج، فصار وجهه، لغياب الشمس والهواء، أشبه بجزرة مسلوقة. عندما ظهر في برنامج تلفزيوني عنوانه مكتبات شخصية ظهرت ورائه رفوف محشوة بمئات الكتب، يسحب كتابا ويعيده وهو يتكلم بطريقة مرشد آثاري يكرر نفس الجمل أمام السواح كل يوم. دودة كتب قرضت أوراق وأغلفة كتب ولم تبق موضوعا مثل ريح جليدية عرّت الأشجار من أوراقها كاشفة مدى هزالتها أمام هذه الريح التي تشبه ألة استخراج العصير، تستقطر اللب وترمي القشور. يسحب كتابا ويرجعه بطريقة من يتصفحه بطريقة من أخرج المخاديد عدة مرات وهو يقول: ميدان نزع حشايا الوسائد هو ميداني. علم غزير لا يعبأ بعلم متواضع كمنابع الأنهار ومصبات البحار، لأن عقلا حجزته أفكار كونية أثقلت عليه سيعامل بدون اكتراث كل عقل أسعار معرفاته متهاودة.
مرت لعبة تعاطي السحر على جمهور كان قد تعوّد على وزراء لديهم تاريخ طويل في الغباء) حمزة الزبيدي، لطيف الدليمي، علي حسن المجيد...( جمهور أشكل عليه الأمر فحسب أن لغو السيد الوزير يحفل بمعاني عميقة من شدة غموضها وعدم سماع مثيل لها فيما سبق. حين أنشأ الجمهور المتعلم ينعم النظر في فحواها انكشف السيد الوزير على تمامه، حين انزلق إلى سباب رخيص فقال عن نفسه" أنه بايع مخلّص" فاستبان جوهره، وكما يقال في تعبير يخلو من الوقار، فاحت رائحته في الأرجاء، خاصة حين دعا لرئيس الجمهورية المتوفّى بالتوفيق... تأكد لقسم منهم يقينا مدى الهذر في خطبه، فراح يهبط مع حزبه وإسلامه السياسي من الذرى العالية مثل غربان كانوا يجلسون على منارة عالية مليئة بنور شمس صبغهم بلون فاتح، لكنهم عندما غادروا المنارة بان لونهم الأسحم. حين وصل إلى الذرى العالية راح يتكلم بلغة الروزخون التي طبعت حياته بطابعها وترسخت بذهنه منذ أيام حزب الدعوة العتيد، وهو يعزف موسيقى الاغتصاب التي كانت الجمهور المتبلّد يسعد بسماعها يعيدها ويستعيدها مثل مكوك الحائك يطعن بمقدمة بوزه نفس النسيج برواحه والمجيئ.
لماذا كانت خطبه مصدر تسلية له وبدا مستمتعا بها؟. ليتكم رأيتموه ساعة إلقائه الخطب، وكيف كانت السعادة تغمره وهو يجول في مملكة الكلام على غير هدى. ما نوع سعادته؟. السعادة الحق تتأتى من حالة لم يعهدها من قبل: ممارسة مواهبه بمنتهى الحرية، حرية كانت نائية عنه، ولا طاقة له الآن على كتمان غبطته هو الساحر الذي يمارس مهنة يعرف مقدار براعته فيها.
هناك نوع من البشر يضيّق الخناق على الجمهور ليشعره بدرجة ضآلته فيلحق بهم الهزيمة كي يبدأ كلاما له سلطة عسكرية دينية، وهي طريقة أبدع فيها الروزوخونية الذين يستدرجون جمهورهم يجففونهم من شدة الحزن كي يمرّروا عليهم ما يشاؤن من أبسورديات، تُطبق على عقولهم بكلتي اليدين فلا يعودون قادرين على التفكير بصحة ما يقال وهم يستمعون لاصطفاق رعد الأعاجيب التي تصفى الحساب مع وعيهم، حين تسارع قصص الرزايا بالقدوم إلى عقولهم، وهم يستمعون لمأساة ما من واحدة تضاهيها قسوة. ما أن يصلوا إلى تلك المنطقة المليئة بالصور حتى يبلغوا حواف الخدر فيغدون مثل شمعة خبا لهيبها وانطفأ.
في مسرحية في انتظار جودو لبيكيت، كذلك مسرحية يوجين أونيل رجل الثلج، لا يوجد تواصل بين بين الممثلين والجمهور. المسرحية تظهر مقدار الإخفاق في التواصل والفهم. فلاكي كشخصية مهمة في المسرحية لا يفكر، بل لا يسعه غير تدبيج كلام وخطبة فيها أفكار عبقرية لكنها جوفاء لأنها خالية من المعنى. ديكور المسرحية يدل على مضمون تلك العلاقة: شجرة جرداء ترمز إلى شكل الأتصال، الذي يأخذ شكل الاغتراب. في السوناتة رقم 64 لشكسبير يقول شكسبير أن الخراب يعلّم الاجترار، الذي يصيب الجمهور بغفلة لأن عقولهم تظل مصوبة نحو اللامعنى. الفكرة التي يقولها شكسبير في سوناتته " الخراب علّمني اجترار التأملات". السوناتة تبتدأ " ... شاهدت المحيط النهم/ يحتال على مملكة الشاطئ/ ما تجنيه الأرض الصلة من عرض المحيط/ يزداد الرصيد بقدر الخسائر والخسائر بقدر الرصيد... الفكرة كالموت تماما لا تمتلك معها أن تختار شيئا/ سوى أن تبكي على امتلاك ما تخاف أن تفقده". نتسائل مع شكسبير من الذي أفقد الجموع عقلها؟ من ذا الذي أدخل هذا العته غير الخفيف في عقول بشر، برغم فداحة تأثير المرض يستحثون الموت على المجيى لمبارزته بتربة مطلية بالرمال؟، ومن أي معدن صنعت قلوب نزعت عنها الرحمة تمارس مهنة وحيدة هي القتل الذي لا يحتاج انجازه لإتقان؟. تبحث عقول الجمهور عن تغذية تشكل يقظة في وعيها المتدني فلا تجدها سوى لدى الموسسة الدينية التي تراكم مخزونا من الصور في عقولهم عن طريق الطقوس) أنظر كتابنا الأقتصاد السياسي للمواكب الحسينية(. كل الكلمات التي كان لها مجد وتأثير في الماضي انخفض سعرها وبات زهيدا بسعر الفحم، لأنهم لم يعودوا أبناء ظلم تاريخي، فذلك الظلم صار أقل همومهم شأنا. هم أصحاب مافيات تشابكت مع اقتصاد السوق اعتمادا على ظهير خارجي هو الجمهورية الإسلامية التي تحميهم. ولكن القوة التي تحميهم: كارثة أهل البيت ما زالت الدجاجة التي تمنحهم ذهبا، لكن تلك الدجاجة التي باتت حمامة جريحة سُلبت منها عافيتها بمغالاة في سحب البيض منها ستشارف على الهزال على يد نفس المرجعية، التي تسرق ولا تعير بالا حتى للثقوب السوداء في السماء التي يسكن فيها أوليائهم، حتى أن أحد الموامنة علّق على تلك الثقوب قائلا وبحميّة" أنها قرار ألهي كي يجعل مهمة المهدي في النزول إلى الأرض أكثر يسرا". وأنا أضيف ربما أن تلك الثقوب ستساعد المرجعية لالتقاط ما يجري في السماوات كلها كي تستخدم الأسرار الكونية والإبلاغ عنها لدحر كتيبة من مغاوير الملائكة قد تقرر الانشقاق حين يشاهدون ظلما مسلطا على أولاد الملْحة.
إخفاق الإسلام السياسي في الحكم يدفعه للإحتماء بنفس الأفكار التي مرق على مبائها. عندما يرى ممثلو الإسلام السياسي أن ما حدث كان كثيرا على مبادئ دينهم تعاودهم الرغبة والحميّة للعودة إليها لغياب ملجأ آمن ولتعذر البحث عن سبب اخفاقاتهم غير التوجه لنفس الدين الذي جاهدوا لإعلاء رايته بنبرة متبجّحة علّه ينجيهم من الورطة. يقول أبو معراج عن نفسه أنه الشحص الوحيد في عرض البلاد وطولها الذي يوصله السيد إلى عتبة الباب عندما يزوره. هي خطوة لم يقدّرها الشعب جيدا: برغم طعونته في السن فأن أبا معراج سليل الأئمة منح أبي معراج شرفا عظيما بتشريفه بحسن الاستقبال. هذا التفضيل هو خشبة خلاص ممثلي الإسلام السياسي. من سيوصل السيد نفسه وولده وصهريه حتى عتبة الباب؟. لا بد أنهم أهل الدار الذين وفّروا له أفضل تفضيل حين جعلوا البلاد مزرعة وأفراد الطائفة التي نتأت منهم عظام الكتفين خدما له ولعترته المباركة. السيد بدوره سيدعي أن ألله سيكرمه بنفس طريقة تكريمه لأبي معراج، يعطيهم مرتبة ملحوظة في الدنيا الفانية والخالدة معا. من يعرف ماذا قال السيد من الدرجة الأولى حين استقبل سيدا من الدرجة الثانية غيره هو؟. عندما كان موسى على جبل حوريب شاهد لوحده نارا" قال موسى لأهله أني آنست نارا سآتيكم منها بخبر.." من يعرف الحوار الذي دار بين مشعل النار وموسى غير موسى نفسه؟. سيأتي السيد مع ولديه بوثيقة ممهورة من تلك النار الإلهية كشاهد عيان رآه السيد وولده وصهريه لوحدهما فقط، يقولون فيها ما قالته النار حرفيا" أجرينا تحقيقات توصّلنا فيها أنكم قدمتم بعد سقوط الطاغوت أجلّ خدمة للإسلام والطائفة"، ثم أتبعهتا بجملة" لم يخب رجائنا فيكم".

#رياض_رمزي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات