كيف ترى الحركة الوطنية قضايا العمال ومشاكل المجتمع؟

أميرة أحمد عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 7234 - 2022 / 4 / 30 - 20:35
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

غدا 1 مايو، يمثل اليوم العالمي للعمال، فدعونا بهذه المناسبة نلقى نظرة أوسع على واقعنا ومشاكله.
اعتدنا أن تكون معارك الصراع في الوطن العربي مجزأة من حيث الغايات وأسلوب الحركة، وليس هذا من قبيل تقسيم العمل ضمن استراتيجية واحدة منشأها وحدة المنطلق والغايات، ولكن هي منطلقات مختلفة مصدرها مناهج عدة تجعل رؤية الغايات مجزأة غير موحدة وإن كنا نتعرف عليها جميعها من خلال الحركة والواقع الذى يجعلها أوضح من المنطلق مما يجعلنا وإن كنا نختلف في المنطلق والأسلوب، ومجزأين في الحركة، نلتقى حين يضيق علينا الخناق في جبهات ولكن سرعان ما تنفض، حتى هؤلاء الذين يفهموا مشاكل الواقع العربي كوحدة واحدة ناتجة عن واقع موضوعي يجعل من وحدة الغايات والأسلوب ضرورة، تراهم في الحركة يولوا الاهتمام لأشد المعارك بروزا ألا وهى مشكلة الاستعمار والتبعية تاركين باقي القضايا، قد يتحسسون جانبها أحيانا، وقد يتجه أناس منهم إلى ضرورة التوقف عن إثارة باقي القضايا لحين حل مشكلة الاستعمار والتبعية، فيتفقوا بذلك مع البقية فى تجزئة معارك الوطن، وتؤدى الحركة المجزئة والفهم المجزأ للغايات لعرقلة الطريق نحو حل أي من هذه المشكلات والغايات.
ترى أين نجد حركة وطنية أو حزب قومي يفهم ويعي جيدا وحدة المشكلات والأسلوب ويكون عمله في هذا الإطار.

يوجد تجربة من الواقع العربي تستحق الانتباه والمذاكرة (تجربة الحزب الوطني في عهد محمد فريد –غفر له الله ورحمه، واسكنه فسيح جناته-).
وقت تسلم محمد فريد قيادة مدرسة الحزب الوطني (1908) اتجه بالحركة بعد التعبئة -التي كانت شغل وشاغل مصطفى كامل- إلى التنظيم فاهتم بتنظيم العمال والفلاحون والطلبة وتوعيتهم وربط حركتهم، فكان نادى المدراس العليا والجامعة المصرية من مشروعاته، وأنشأ مدارس الشعب الليلية لتبصير العمال بما لهم وما عليهم، وما ترتب عليها من تأسيس نقابة عمال الصنائع اليدوية في أوائل عام ۱۹۰۸ وأسس الجمعيات التعاونية الزراعية عام ۱۹۰۸، وكان يطلق عليها في ذلك الحين نقابات التعاون بقصد حماية الفلاحين من المرابين الأجانب والمصريين على السواء.
يذكر رؤوف عباس في كتابه (الحركة العمالية في مصر 1899- 1952)
(أنشئت أول مدرسة للشعب ببولاق، وبدأت الدراسة فيها في نوفمبر عام ۱۹۰۸، والتحق بها عند تأسيسها ۱۰۰ عامل، وألقي أحمد لطفي أول درس بها، وكان موضوعه "الشئون الاجتماعية". وكان برنامج هذه المدارس يتناول تعليم القراءة والكتابة ودروس الدين وقانون الصحة والاحتياطات الصحية والعناية بتربية الأطفال والقوانين الخاصة بالمعاملات اليدوية والشئون الاجتماعية ودروس الأشياء والحساب وتاريخ مصر والتاريخ الإسلامي وجغرافية مصر ودروسا في الأخلاق والآداب، وقد تطوع الشباب وأعضاء الحزب لإلقاء الدروس على العمال، وبلغ عدد المدارس التي أنشاها عام ۱۹۰۹ لتعليم الصناع مجانا أربع مدارس في أقسام الخليفة وبولاق وشبرا والعباسية، كانت تضم كل منها نحو مائة وعشرين تلميذا من مختلف الحرف، وانتشرت هذه المدارس في عواصم القطر، وساهم نادى المدارس العليا في تلك الحركة، فألف لجنة نشر مدارس الشعب، وتولى أعضاؤها التدريس فيها. وحث محمد فريد أعضاء الحزب على الاهتمام بهذه المدارس لأنها من أفيد الوسائل وأنجعها لتهذيب (العامل) وتنويره ولأن التجارب قد دلت على أن العامل يكفيه زمن قليل لتحصل ما يلزمه من الضروريات، وطلب من الأعضاء أن يكثروا من تأسيسها في المدن والقرى ليعلموا المساكين ما لهم وما عليهم، وليخرجوهم من الظلمات إلى النور، وأوصاهم أن يشرحوا للعامل حالة إخوانه في أوروبا، وما هم فيه من سعادة نسبية بفضل الاتحاد وبفضل التضامن).

في كتابه (هل كان عبد الناصر ديكتاتور) يحدثنا الدكتور عصمت سيف الدولة عن الحزب الوطني في فترة الاحتلال البريطاني (يقول أستاذ الاقتصاد الإنجليزي فريزر عن تاريخ الحركة النقابية في العالم أنه منذ أن وجدت أول نقابة عمالية في التاريخ ( في نيوزيلانده) كان تطور الحركة النقابية يبدأ من النقابة، ثم باللجان الانتخابية لمساعدة بعض العمال على الوصول إلى البرلمان، ثم ينتهي إلى حزب سياسي تابع للحركة النقابية ومعبر عنها في الوقت ذاته، إلا –هكذا يقول فريزر- استثناء واحد حدث في مصر سبق الحزب فيه النقابة، إذ أن الحزب الوطني الذي أنشأ نقابات العمال ضمن اهتمامه بالحركة الشعبية وتنظيمها) ويكمل الدكتور (هذا الاهتمام، أو لنقل الانتباه إلى القواعد الشعبية من عمال و فلاحين وطلبة و غيرهم .. الذي كان مميزا تقليديا لمدرسة الحزب الوطني، كبديل عن ممارسة السلطة التي انتبهت إليها مدرسة حزب الأمة......)
كانت مدرسة الحزب الوطني حينها قد قطعت نهائيا أية صلة بينها وبين الخديو عباس الذي أصبح مائلا اتجاه الاستعمار، كما أنها لم تكن تستهدف سلطة بل تستهدف توعية وتعبئة وتنظيم الشعب في معركة واحدة ضد الاستبداد والاستعمار والاستغلال لا تفرق بينهم ولا تجزأهم وكان هذا واضحا قولا وحركة وخاصة في عهد محمد فريد فكانت حركة شعبية مستقلة تماما عن أية سلطة داخلية كانت أو خارجية ومتحررة من قيود وأغلال أي سلطة.

تبدو تجربة جمال عبد الناصر مثال لتطور حركة مدرسة الحزب الوطني، خاصة بعد أن أضيف حينها لغايات الحزب الوطني التي هي (مواجهة الاستعمار والاستغلال والاستبداد) غاية (مواجهة التجزئة) فكانت هذه التجربة اتجاه نحو مزيد من الوعي في فهم مشكلات الواقع بل ولحلولها، ولكن وحيث كانت الحركة التي يقودها جمال عبد الناصر عكس مدرسة الحزب الوطني مقيدة بالسلطة والدولة الإقليمية فكانت انتكاستها شديدة الضراوة.

إن ما نحتاج إليه الآن هو الاستفادة من تجربة الحزب الوطني وتجربة جمال عبد الناصر.
بأن نعمل على وجود مدرسة وطنية تفهم مشكلات الواقع جميعها من استبداد وتبعية واستعمار واستغلال وتجزئة الوطن العربي، تربط بين فئات الشعب لا تفصلهم، من العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين وكل فئات الشعب، وأن تكون مستقلة عن أية سلطة ولا تستهدف سلطة فتكون حركة خارج سلطة الدولة وليست تابعة لها بأي شكل، وبالطبع ليست تابعة للخارج.
نعلم جيدا أن بالرغم من الضرورة القصوى لوجود هذه المدرسة الوطنية ونحن الآن نعيش واقع أكثر تجزئة واستبداد واستغلال وأكثر تبعية للخواجات، إلا جانب تعقيد الصراع العربي الصهيوني واتساع رقعة التطبيع، والتراجع على مستوي المبادئ الوطنية، كذلك صارت نشأة مثل هذه المدرسة الضرورية أمر غاية في الصعوبة عن ذي قبل وأخطر من ذي قبل، ومع ذلك فلابد من إيجاد طريقة وأسلوب للعمل من أجل التواصل بين فئات الشعب والتوعية الوطنية، لابد من إيجاد طريقة للبدء من الصفر، على أن يكون الصفر الصحيح غير المجزأ.
المصادر والمراجع/
- عبد الرحمن الرافعي، محمد فريد، رمز الإخلاص والتضحية، تاريخ مصر القومة من سنة 1908 إلى سنة 1919.
- عصمت سيف الدولة، هل كان عبد الناصر ديكتاتور.
- رؤوف عباس، كتاب الحركة العمالية في مصر 1899- 1952.
- صبري أبو المجد، محمد فريد، ذكريات ومذكرات.

#أميرة_أحمد_عبد_العزيز (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل