أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جلبير الأشقر - أسئلة مصيرية حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية















المزيد.....

أسئلة مصيرية حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7231 - 2022 / 4 / 27 - 12:19
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تحيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية إلى سؤالين رئيسيين. السؤال الأول هو: لماذا صعد اليمين الأقصى إلى حدّ حصوله على ما يزيد عن أربعة من كل عشرة أصوات تم الإدلاء بها وكانت محسوبة (أي بصرف النظر عن التصويت الاحتجاجي «الأبيض» الذي لا يُحسب)؟ أما السؤال الثاني فهو: لماذا انقرض اليسار إلى المرتبة الثالثة في المشهد السياسي الفرنسي وقد حصل في الدورة الأولى، بكافة ألوانه مجتمعة من اليسار الراديكالي إلى الحزب الاشتراكي والخُضر (أنظر «شبحٌ ينتاب العالم – شبح الفاشية الجديدة» في «القدس العربي»، 12/4/2022)، على عدد من الأصوات هو أقل مما حصل عليه اليمين الأقصى بمرشحيه الثلاثة؟
إن القاسم المشترك في الإجابة عن السؤالين إنما يتلخّص في تعبير واحد هو عنوان العصر الذي دخل فيه العالم منذ أربعين عاماً، أي منذ ثمانينات القرن المنصرم، قصدنا تعبير «النيوليبرالية». فمنذ تلك الأعوام، وبدفع من الثنائي الذي شكّله الرئيس الأمريكي «المحافظ الثوري» رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية «الحديدية» مارغريت تاتشر، جرى الانقضاض على مجمل المكتسبات الاجتماعية التي تحققت في البلدان ذات الاقتصاديات الرأسمالية خلال العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الحركة العمالية في أوجّ قوتها والتنافس على أشدّه بين النظام الرأسمالي العالمي والنظام البيروقراطي السوفييتي الذي ادّعى تمثيل المصالح العمّالية. وقد شهدت تلك الحقبة تحقيق معظم الإنجازات التي شكّلت نموذجاً اجتماعياً أوروبياً لرأسمالية «ذات وجه إنساني»، اقتربت من المثال الاشتراكي الديمقراطي في البلدان الإسكندنافية، وعلى الأخص في السويد.
فقد انصبّت جهود الثورة المضادة «المحافظة» (الرجعية في الحقيقة إذ لم تقصد المحافظة على ما كان قائماً بل دحره لردّ المجتمعات إلى الوراء) على تفكيك جملة المنجزات التي شكّلت ما أسمي «دولة الرفاهية»، لاسيما ما يتعلق منها بالضمان الاجتماعي، والحماية ضد التسريح التعسّفي، وتوفير الإعانة للعاطلين عن العمل، وتأمين الخدمات الأساسية بواسطة القطاع العام بما يحفظ مصلحة المستهلكين، والتخطيط الاقتصادي الذي يتيح للحكومة قيادة قطار الاقتصاد ليحلّ محلّه قانون الغاب تحت تسمية «السوق الحرّة» التي ليس من حرّ فيها سوى الأكثر ثراءً. وقد ترافقت هذه الردّة الرجعية في البلدان المصنّعة بدحر التجارب التنموية «الاشتراكية» التي شهدتها بلدان عديدة في الجنوب العالمي، لاسيما في المنطقة العربية حيث طغى النموذج الناصري. وقد جرى إحلال «الانفتاح» محلّ تلك التجارب، وهو انفتاح على إغراق الأسواق الداخلية بالبضائع المستوردة وفسح المجال أمام المضاربة الرأسمالية، المالية والعقارية منها على وجه الخصوص، وإنهاء سياسات دعم أسعار السلع الضرورية، وغيرها من الإجراءات التي قلّدت ما جرى في بلدان الشمال. وقد ترافق كل ذلك بالطبع بخصخصة أجزاء كبيرة من المُلك العام في الشمال كما في الجنوب.
فإن الثورة المضادة النيوليبرالية، بما أحدثته من تفكيك للأمان الاجتماعي وإفقار لشرائح واسعة جداً من المجتمعات، أحدثت نقمة اجتماعية عظيمة، كان من الطبيعي أن تبحث عن تعبير لها. أما التعبير الأكثر منطقية عن السخط من عودة الرأسمالية الفاحشة، فهو اليسار بمعناه الطبقي الأصلي الذي تجسّده الحركة العمّالية وأحزابها. بيد أن تلك الحركة أصيبت بأزمة عميقة بتزامن مع الردّة النيوليبرالية عندما دخل الاتحاد السوفييتي في طور الاحتضار، وصولاً إلى انهياره الكامل في نهاية عام 1991. فلم يؤثر ذاك الانهيار على الأحزاب الشيوعية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي ومشارِكة في التوهّم والإيهام بفضائله «الاشتراكية»، لم يؤثر عليها وحسب، بل نزع المصداقية عن فكرة وجود بديل تقدّمي عن الرأسمالية (تدشيناً لما أسماه أحد الأيديولوجيين النيوليبراليين «نهاية التاريخ»)، وفسح المجال أمام انزلاق الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ذاتها إلى تبنّي التوجّهات النيوليبرالية الأساسية.
وطبعاً، انضاف إلى كل ما سبق فقدان «الاشتراكية» في ربوعنا إلى أي مصداقية بعد أن اقترن اسمها بالدكتاتورية العسكرية أو المخابراتية أو الاثنتين معاً، وبالعجز الاقتصادي والهزيمة في وجه الطغيان الأجنبي. لذا تمكّنت التعبيرات اليمينية المتطرّفة عن السخط الاجتماعي أن تنتعش وتستقطب قسطاً كبيراً من ضحايا الردّة النيوليبرالية بإغرائهم بحلولها الوهمية والخطيرة. وقد أخذت صفوف اليمين الأقصى العالمي تتوسّع بأشكال محلّية مختلفة من قومي عنصري كاره للمهاجرين والمهجّرين إلى متزمتّ دينياً ومتعصّب طائفياً، وذلك في بلدان الشمال كما في بلدان الجنوب العالمي.
تقدمّ فرنسا نموذجاً ساطعاً عمّا ذكرنا، وهي بلد طالما تميّز بقوة الحركة العمّالية والاحتجاجية الاجتماعية بحيث تأخرت فيه الردّة النيوليبرالية عمّا أحرزته من تقدّم في بلدان أوروبية أخرى، كبريطانيا أو حتى ألمانيا. بيد أن الردّة مضت قُدُماً، بل ساهمت في تيسير تقدمّها أحزاب اشتراكية، وحتى بعض الأحزاب الشيوعية السابقة كما كانت الحال في إيطاليا. وهذا ما شهدته فرنسا حيث إن الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران، بعد سنوات قليلة جداً من فوزه بالرئاسة في مطلع الثمانينات، انعطف نحو تبنّي الإطار النيوليبرالي متعاوناً على فرضه على النطاق الأوروبي مع الحكام المحافظين في ألمانيا وفي بريطانيا. وقد اكتمل تحوّل الاشتراكية الديمقراطية إلى النيوليبرالية في التسعينات، مع توني بلير البريطاني وغيرهارد شرودر الألماني، ناهيكم من الحالات الأقل شهرة.
بلغ هذا الانحطاط الحضيض في فرنسا مع الرئيس «الاشتراكي» فرنسوا هولاند، الذي أنهى ولايته الرئاسية على أنقاض حزبه، ممهداً الطريق أمام فوز النيوليبرالي إيمانويل ماكرون وصعود نجم زعيمة اليمين الأقصى العنصري مارين لوبن. أما ماكرون فقد سعى جهده لتمرير سياسات نيوليبرالية فجّة رغم أنف الحركة الاجتماعية، سواء أكانت متمثّلة بالحركة العمالية أم بظواهر احتجاجية جديدة كحراك «السترات الصفراء». وهذا ما يفسّر صعود اليمين الأقصى على حساب اليسار بوجه خاص، كما تجلّى في الانتخابات الرئاسية التي حققت فيها لوبن «هزيمة ظافرة»، كما أسمتها لتشير إلى أنها، ولو لم تفز بالرئاسة، قد حصلت على عدد وعلى نسبة من الأصوات تفوقان كل ما حصل عليه التيار القومي العنصري منذ هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية.
وقد بات السؤال المصيري الآن: هل يستطيع اليسار الفرنسي أن يتخطّى انقساماته ويشكّل جبهة شعبية على أرضية طبقية وبيئوية وديمقراطية واستقلالية ومناهضة للعنصرية لكي يعوضّ عن دورتي الانتخابات الرئاسية بالانتخابات البرلمانية («الدورة الثالثة»، كما يسمّونها)، بل وبما هو أهم منها بكثير، ألا وهو النضال الاجتماعي الفعلي («الدورة الرابعة»)؟ فإن السبيل الوحيد لكي يستعيد اليسار دوره في مواجهة الرأسمالية النيوليبرالية ويتمكّن من دحر منافسة اليمين الأقصى في استيعاب النقمة الشعبية، إنما يقوم على قيادته لتلك المواجهة بما يكشف زيف ادّعاء أقصى اليمين تمثيل مصالح الفئات الشعبية، ويتيح إعادة استقطاب اليسار للأغلبية الشعبية.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يعتقد مقلّدو النازية أنهم معصومون منها
- شبحٌ ينتاب العالم – شبح الفاشية الجديدة
- في ارتكاب الفظائع والمحاسبة عليها
- رقصة الدبكة فوق قبر بن غوريون
- ستّةُ أسئلة بشأن مناهضة الإمبريالية اليوم والحرب في أوكرانيا
- روسيا واليسار في المنطقة العربية
- مذكرة حول الموقف المناهض للإمبريالية بصورة جذرية إزاء الحرب ...
- تأملات عسكرية في حروب العراق وسوريا وأوكرانيا
- صدّام حسين وفلاديمير بوتين
- أوكرانيا… وقصة الذيل الذي «يهزّ الكلب»
- البنك الدولي ولبنان… وكيف ينبغي على الناقد أن يبدأ بنقد ذاته
- حين يصبح السجن طريقة للحكم
- حكام القوى العظمى يلعبون بالنار
- الثورة السودانية: إلى أين؟
- «ديمقراطية المحاصصة» و«التوافق»على نهب الشعب
- علامَ يتوقف مصير الثورة السودانية؟
- في الحكم الفردي ونقيضه الديمقراطي
- هل تليق الديمقراطية بشعوبنا؟
- قيس سعيّد والدكتاتورية القراقوشية
- الانتخابات الليبية بين المسخرة والمأساة


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جلبير الأشقر - أسئلة مصيرية حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية