أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - هل تليق الديمقراطية بشعوبنا؟















المزيد.....

هل تليق الديمقراطية بشعوبنا؟


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7114 - 2021 / 12 / 22 - 10:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في منطق الاستشراق الاستعماري كما فنّده المفكّر المصري أنور عبد الملك، ومن بعده وبوحي منه المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد، تُحال شعوب الأقاليم المستعمَرة إلى ثقافة سرمدية تحكم مصيرها وتفرض حدوداً ضيقة على قدرتها على اللحاق بقطار الحداثة في ما يتعلق بمكتسباتها الحقوقية والسياسية، لاسيما حقوق الإنسان، وحقوق النساء بوجه خاص، والحرية والديمقراطية.
والحال أن في منطقتنا ثمة من يتبنّون هذا المنطق الاستشراقي بحجة نبذ التأثير الاستعماري، إذ يغلّفون موقفهم الرجعي المضاد للمكتسبات المذكورة بالحرص على «ثقافتنا» التي يعرّفونها إما بالانتساب القومي، أو بالانتساب الديني، أو بالإثنين معاً، ويحسبونها سرمدية على طريقة المنطق الاستشراقي التقليدي.
وبالطبع فإن المنطقين مبنيان على فرضية فاسدة من أساسها هي أن الثقافة لا تتغيّر مع الزمن وأن حقوق الإنسان والديمقراطية جزء من «الثقافة الغربية» وكأن بلدان الغرب قد أقرّتها منذ فجر التاريخ، بينما هي مكتسبات تحققت من خلال نضال شعبي طويل وشاق أخذ يتصاعد منذ ثلاثة قرون لا أكثر، بعد قرون عديدة كانت فيها أوروبا المسيحية متخلّفة عن الشرق الإسلامي في المجالات ذاتها، بما فيها حقوق النساء ونبذ فكرة تفويض الله للحاكم التي شكّلت الأساس الأيديولوجي للحكم المطلق. بيد أن الطرفين، الاستعماري والذي يدّعي مقاومة هذا الأخير ثقافياً، يلتقيان في استخدام منطقهما المشترك ذريعةً لسلوك ظالم، حيث يبرّر الرجعيون في منطقتنا تصدّيهم للمطالبة الديمقراطية بشتّى أوجهها بحرصهم المزعوم على تقاليدنا وشِيَمنا، بينما نرى حكام عواصم الاستعمار القديم والمجدّد يتذرّعون باحترام ثقافتنا لتبرير غضّ نظرهم عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلداننا، سعياً منهم وراء إبرام عقود تجارية مع حكامها. وربما استحقت الحكومة الفرنسية «السعفة الذهبية» في مجال النفاق الاستشراقي إذ تجمع بين التعدّي التعسّفي على بعض التقاليد الإسلامية على أرضها باسم الحداثة وبين سكوتها عن بعض أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في منطقتنا حسب مصلحتها التجارية، وهو تقليد تفوّق فيه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، عندما ركض يعانق عبد الفتاح السيسي إثر انقلابه من أجل بيعه طائرات «رافال» باهظة الثمن، ولم يقصّر خليفته إيمانويل ماكرون في السير على النهج ذاته مثلما رأينا مؤخراً.
أما الحد الأقصى من الازدراء الاستشراقي بشعوبنا فتبلغه تلك العواصم الغربية حين تستمر على هذا المنوال عينه إزاء بلدان شهدت في منطقتنا هبّة شعبية عارمة من أجل الديمقراطية كما هي حال تونس والسودان. فإزاء تونس، نرى الاتحاد الأوروبي، بلسان ممثله السامي الإسباني جوزيب بوريل، وبعد أن شدّد عقب انقلاب قيس سعيّد على ضرورة «الحفاظ على ترسيخ الديمقراطية واحترام سيادة القانون والدستور والإطار التشريعي» داعياً إلى «استعادة الاستقرار المؤسساتي في أقرب وقت ممكن، ولاسيما استئناف النشاط البرلماني واحترام الحقوق الأساسية» (بيان بتاريخ 27/7/2021) نرى هذا الممثّل نفسه يصرّح إثر الخطاب الذي ألقاه سعيّد في الثالث عشر من الشهر الجاري، والذي ألغى به نهائياً البرلمان التونسي المنتخب في عام 2019، معلناً أنه سوف يُشرف بمفرده على صياغة دستور جديد للبلاد بدون أي هيئة منتخَبة، نرى ممثّل الاتحاد الأوروبي إذاً يعلن أن تصريحات سعيّد «هي خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسساتي وتوازنه» (بيان بتاريخ 16/12/2021).

فقد نسي الممثّل السامي مطالبته باحترام الدستور واستئناف النشاط البرلماني في أقرب وقت ليحيّي شطْح سعيّد في اتجاه الحكم الفردي المطلق، وذلك إثر خطاب سلطوي احتجّت عليه حتى الأطراف السياسية والنقابية التي كانت بالأمس القريب قد رحّبت بالانقلاب الرئاسي.
أما في السودان، فنرى الممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الألماني فولكِر بيرتِس، يتدخّل بشكل سافر إلى جانب رئيس الوزراء المخلوع ومن ثم المُعاد عبدالله حمدوك، ويبارك الاتفاق الذي أبرمه هذا الأخير مع الحكم العسكري الانقلابي قبل شهر والذي كرّس أهم الإجراءات الانقلابية، لاسيما الإطاحة بالمجلسين السيادي والوزاري الناجمين عن الاتفاق السياسي والدستوري المُقَرّ في صيف 2019، بالرغم من الرفض الشعبي العارم ورفض معظم القوى السياسية والأطراف الديمقراطية في البلاد لاتفاق حمدوك والعسكر، الذي تحوّل من خلاله رئيس الوزراء السابق من بطل إلى خائن في نظر الحركة الشعبية. وقد تلعثم الممثّل الخاص بيرتِس في إطلالته على مجلس الأمن للأمم المتحدة في العاشر من الشهر الجاري وهو يحاول تبرير مراهنته الفاشلة على حمدوك وعلى طيب خاطر العسكر.
فقال بيرتِس: «رحّبت بحذر باتفاق 21 نوفمبر السياسي بين رئيس الوزراء حمدوك والفريق أول البرهان… والاتفاق أبعد ما يكون عن الكمال، لكن قد يساعد على تجنب إراقة المزيد من الدماء ويوفّر خطوة نحو حوار شامل وعودة للنظام الدستوري» (إحاطة لمجلس الأمن الدولي، 10/12/2021). ثم استدرك قائلاً: «يواجه الاتفاق معارضة ملحوظة من شريحة كبيرة من أصحاب المصلحة السودانيين، بما في ذلك الأحزاب والجمعيات في قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والمجموعات النسائية» وأضاف الإقرار التالي: «لم يؤد اتفاق 21 نوفمبر إلى إعادة بناء الثقة المفقودة». لكن ذلك لم يردعه عن المضي بالمراهنة على الاتفاق عينه، معلناً أن «القرارات المزمعة بشأن تشكيل الحكومة والتعيينات رفيعة المستوى وإنشاء المؤسسات الانتقالية (ستختبر) إرادة أصحاب المصلحة وقدرتهم على السعي إلى طريقة مشتركة للخروج من الأزمة» وكأن ثمة أي التباس في حقيقة نوايا الزمرة العسكرية التي يتزعمها البرهان ومحمد حمدان دقلو، المعروف بلقب حميدتي.
يا تُرى، هل كان السيد بوريل سيقبل بقيام رأس الدولة بحلّ البرلمان وإلغاء الدستور وإعلان نيّته صياغة دستور جديد بلا مشاركة أي هيئة منتخَبة، لو حدث ذلك في إحدى الدول الأوروبية، ولاسيما بلده إسبانيا (حيث الملك هو رأس الدولة)؟ وهل كان السيد بيرتِس سيقبل بقيام العسكر بالإطاحة بمؤسسات الدولة وإعلانهم نيّتهم في إعادة تركيبها بمشاركة المتعاونين معهم، لو حدث ذلك في إحدى الدول الأوروبية، ولاسيما بلده ألمانيا؟ طبعاً لا، وهذا يعني بالتالي وبجلاء كامل أن الرجلين ومَن يمثّلون يكيلان بمكيالين في أمور الديمقراطية على طريقة الاستشراق الاستعماري المعهودة. فلا تعجّبنّ أيها السادة من انعدام مصداقية من تمثّلون في نظر شعوب منطقتنا!



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيس سعيّد والدكتاتورية القراقوشية
- الانتخابات الليبية بين المسخرة والمأساة
- إيران إسرائيل: على أبواب الكارثة
- على من يضحك البرهان وحمدوك؟
- أبو ظبي… رأس حربة الرجعية الإقليمية
- القوى الديمقراطية السودانية أمام نهجين
- بعد الانقلاب الأرعن: السودان إلى أين؟
- «وقائع انقلاب مُعلَن» في السودان
- لبنان و«الحسابات الخاطئة»
- تأمل أولي في عِبَر الانتخابات العراقية
- شبكة فساد أكبر من شبكة الصرف الصحّي
- قوى تونس التقدمية أمام مسؤوليتها التاريخية
- أمريكا والصين على رقعة الشطرنج الدولية
- إسقاط التيار الإخواني واستكمال هجمة النظام القديم
- أيهما أخطر 11/9 أم 1991؟
- أفغانستان وأسطورة العجز الأمريكي
- من المقبور في «مقبرة الإمبراطوريات»؟
- من المسؤول عن إخفاق التجربة التونسية؟
- ميداليات لبنان غير الرياضية
- قيس سعيّد يستوحي من عبد الفتّاح السيسي


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى السودان ضد الإمارات بـ-التواطؤ ...
- احتجاجات في إسرائيل بعد إعلان الحكومة عن خططها للاستيلاء على ...
- ترامب يزعم بأن للولايات المتحدة الفضل الأكبر في تحقيق النصر ...
- بوتين في تهنئة للمحاربين القدامى: لقد أنقذتم البشرية من خطر ...
- ترامب الحائر في المتاهة اليمنية
- انفجارات قوية في مطار بورتسودان إثر استهداف مسيرات جديد لخزا ...
- فرنسا تشدد شروط الحصول على الجنسية ... فما هي المؤهلات المطل ...
- بن زايد يقلّد رئيسة تنزانيا وسام -أم الإمارات-
- قصف متبادل بين روسيا وأوكرانيا يحصد ستة قتلى في سومي وكورسك ...
- واشنطن تجمد رسميا المنح البحثية لهارفارد حتى تلتزم الجامعة ب ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - هل تليق الديمقراطية بشعوبنا؟