أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جلبير الأشقر - من المسؤول عن إخفاق التجربة التونسية؟















المزيد.....

من المسؤول عن إخفاق التجربة التونسية؟


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6985 - 2021 / 8 / 11 - 09:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



عدا أقلية ضئيلة من أنصار الحكمين المصري والإماراتي، رأت الأغلبية الساحقة من مراقبي الساحة التونسية أن ما قام به قيس سعيّد إنما هو محض انقلاب، ولو أيّده قسمٌ هام من الشعب التونسي. فإن الصفة الانقلابية لتغيير ما في الحكم لا تعتمد على نسبة التأييد الشعبي له، بل تُحيل إلى لجوئه إلى القوة في خرق الدستور وفرض مشيئة الجماعة الانقلابية. وليس من قانوني محترم في تونس أو خارجها إلا ورأى أن أفعال سعيّد خارقة للدستور، وأن ادّعاءه عكس ذلك متحججاً بفقهه للقانون الدستوري، إن دلّ على شيء فعلى أن فقهه هذا من النوع الذي جعله يثني على أفعال زين العابدين بن علي أثناء دكتاتورية هذا الأخير.
أما تصريحات سعيّد الشعبوية ضد ‎«الأحزاب» ودعواته إلى حكم الشعب، فقد سبقه عليها معمّر القذّافي وأجاد فيها بما لا يسع أحد المزايدة عليه، والكلّ يعلم أن تلك الادعاءات الخرقاء لم تكن سوى ستار شفّاف لإحدى أشرس الدكتاتوريات وأقربها إلى حكم قراقوش في المنطقة العربية. والحقيقة أن دكتاتورية سعيّد مقارنة بدكتاتورية القذّافي هي كالمسخرة مقارنة بالمأساة، لو استعرنا قول ماركس الشهير في التشبيه بين نابوليون الأول وابن شقيقه الذي أعاد تأسيس الإمبراطورية في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر.
طبعاً، شهد التاريخ كثيراً من الانقلابات التي حازت على دعم شعبي، لاسيما في منطقتنا، ومنها الانقلاب الذي نفذّه بن علي في تونس بالذات في عام 1987. وقد عرفت مصر بوجه خاص انقلابين حازا على تأييد شعبي واسع في زمنها المعاصر، ألا وهما انقلاب «الضباط الأحرار» في عام 1952 والانقلاب الذي قاده عبد الفتّاح السيسي في عام 2013. وقد ادّعى الثاني الاعتماد على الدستور بينما لم يلجأ «الضباط الأحرار» إلى مثل هذا النفاق، لكن الإنصاف يفرض علينا الاعتراف بأن السيسي، عند تنفيذ انقلابه «احترم» الدستور والمؤسسات (البرلمان والقضاء) أكثر بكثير مما فعل سعيّد!
أما ما يشترك به سعيّد والسيسي فهو أنهما نفّذا انقلاباً على مؤسسات ديمقراطية ناجمة عن ثورة شعبية حقيقية بخلاف حالة انقلاب 1952 الذي كان انقلاباً على حكم ملَكي خاضع للإنكليز وخالٍ من أي شرعية ديمقراطية. وهنا مكمن الخطورة الرئيسي في الانقلاب التونسي الجديد، وقد علّق مراقبون عديدون قائلين إن انقلاب سعيّد إنما هو المسمار الأخير في نعش «الربيع العربي» بل ذهب بعضهم إلى تكرار النغمة «الاستشراقية» المعهودة عن انعدام أهلية العرب أو المسلمين عموماً للديمقراطية.
ويذهب «التحليل» على النحو التالي: مصيبة العرب أن الدينَ طاغ عليهم إلى حدّ أن «الإسلامويين» (أو «الإسلام السياسي» وهو تعبير آخر يحبّذه الاستشراقيون) يشكلون قوة أساسية في المشهد السياسي العربي بما يخلق حلقة مفرغة بين ديمقراطية تؤدّي إلى فوز تيارات إسلامية مناقضة للديمقراطية، وتوق الناس إلى الدكتاتورية للتخلصّ من هذه التيارات. ونسجاً على هذا المنوال، نشرت صحيفة «لو موند» الفرنسية يوم الإثنين مقالاً لكاتبة تونسية شرحت فيه «أن الغبطة الشعبية في ليل 25 جويلية (تموز/ يوليو) عنت أن الشعب ضاق ذرعاً بإسلام سياسي حكم طيلة عشر سنوات». يستوقفنا هذا التفسير، لا لعمقه بالطبع، بل لأنه يلخّص رأي معظم مؤيدي الانقلاب السعيّدي، وهم ينتمون إلى صنف عهدناه في المنطقة منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته الجزائر قبل ثلاثين عاماً.


بيد أن ثمة فارقاً هاماً بين الحالتين هو أن الانقلاب الجزائري جاء يسدّ الطريق الانتخابي أمام «جبهة الإنقاذ الإسلامية» بينما جاء الانقلاب السعيّدي يطيح بمؤسسات حازت «حركة النهضة» على وزن هام داخلها. ومنه زعمُ الكاتبة في مقالها المذكور أن «الإسلام السياسي» والمقصود «حركة النهضة» بوجه خاص، حكمَ تونس «طيلة عشر سنوات». هذا ويعلم أي مطّلع على مجريات الأمور في تونس منذ الثورة التي أطاحت ببن علي يوم «14 جانفي» (كانون الثاني/ يناير) 2011، أنه وصفٌ عارٍ عن الصحة: فقد فازت «النهضة» في أول انتخابات ديمقراطية شهدتها الساحة التونسية في عام الانتفاضة، لكنّ موجة احتجاج شعبي عارمة ضدّها في صيف عام 2013 فرضت عليها التخلّي عن الحكم لصالح عودة النظام القديم بحلّة جديدة مثّلها حزب «نداء تونس» وقد فاز في انتخابات عام 2014 وبقي في الحكم بالرغم من تشققه حتى وفاة زعيمه الباجي قائد السبسي في عام 2019.
وإذا صحّ أن «النهضة» فازت مجدّداً بأعلى حصة في انتخابات ذاك العام، يبقى أن هذه الحصة كانت دون العشرين بالمئة بما لم يخوّلها الاستئثار بالحكم على الإطلاق. بل تراجعت حصة الحركة تراجعاً كبيراً حتى مقارنة بما حققته في انتخابات عام 2014، ناهيكم من انتخابات «المجلس الوطني التأسيسي» في عام 2011. ومهما يكن الأمر، فإن الأكيد أن خمساً من السنوات العشر المنصرمة منذ ثورة 2011 حكمَ خلالها مناهضو «النهضة» بمشاركة محدودة من هذه الأخيرة.
فحوى الكلام هنا أن إلقاء مسؤولية «إخفاق التجربة التونسية» على «النهضة» وحدها، أو على «الإسلام السياسي» برمّته، إنما هو أخطر من الإجحاف، إذ هو إجحاف مصحوب بتعامٍ عن مكمن الداء الأساسي وبتشخيص خاطئ لحقيقة الأزمة. والحقيقة أن سلوك «النهضة» في احترام المؤسسات الديمقراطية كان متقدماً عن سلوك «الإخوان المسلمين» في مصر على سبيل المثال. وقد يكون من نافل القول إن كاتب هذه الأسطر ليس من أنصار «النهضة» بل من ناقديها بصرامة الذين يصنّفون برنامجها بشتّى مكوّناته بالرجعي. وقد أكّد كاتب هذه الأسطر منذ سنوات عديدة (في الواقع منذ عام 2011) على أن «التجربة التونسية» آيلة إلى الفشل، شأنها في ذلك شأن كافة التجارب الثورية في منطقتنا، ما لم تخرج من دائرة النظام النيوليبرالي العالمي الذي يقوم على منح القطاع الخاص أولوية مطلقة، علماً أن الميل الطبيعي لدى معظم الرأسمال في منطقتنا ليس إلى الاستثمار في مشاريع عمرانية وتنموية، بل إلى المضاربة والجري وراء الربح السريع، ناهيكم من ضروب الفساد والإفساد.
وقد أكّد هذا الكاتب على الدوام خلال السنوات العشر المنصرمة أن لا خروج من دوّامة الأزمة التي انفجرت في «الربيع العربي» مدشّنة «سيرورة ثورية طويلة الأمد» سوى بتغيير نوعي في الطبيعة الاجتماعية للحكم، بما يتعدّى التغيير الشكلي الذي يجعل الحكم ديمقراطياً (وهو تغيير لا بدّ منه هو الآخر) تغيير نوعي يقوم على وصول قوى تمثّل مصالح الشعب العامل إلى الحكم وعلى تجييرها للسياسات الاقتصادية بما يجعل القطاع العام قاطرة تنمية رامية إلى القضاء على الفقر والبطالة واللامساواة الفاحشة.
والحال أن تونس هي البلد الذي ينعم بأبرز نموذج من مثل هذه القوى، متمثلاً بالاتحاد العام التونسي للشغل. ويُجمع المراقبون على أن الاتحاد، لو خاض المعركة الانتخابية، لتفوّق فيها على كافة القوى السياسية في البلاد. وقد سبق للاتحاد أن شارك في الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة خلال المرحلة البورقيبية، بما يجعل امتناعه عن خوضها، لمّا خلت الساحة من بدائل سياسية إثر الإطاحة ببن علي، امتناعاً شكّل سبباً رئيسياً من أسباب إخفاق التجربة. وتشارك الاتحاد في هذه المسؤولية قوى اليسار التونسي الطاغية داخل صفوفه والتي أيدّت ذريعة فصل النقابي عن السياسي التي لا مبرّر لها، لا من حيث المبدأ ولا من حيث الواقع التونسي. هذا ولا طريق إلى خروج تونس من أزمتها سوى بخروجها من دائرة السياسات النيوليبرالية وإرشادات صندوق النقد الدولي.
هنا بيت القصيد ومكمن العلّة الأساسي، وليس في حركة «النهضة» أو سواها. ومن يعتقد أن قيس سعيّد سوف يُخرج تونس من الأزمة ويؤمّن التشغيل لشبيبتها ويضع البلاد على سكة التنمية المستدامة والديمقراطية الناجعة، إنما لا يختلف في توهّمه عمّن ظنّ مثل هذا الظنّ ببن علي والسيسي عندما أجرى كلٌ منهما انقلابه.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميداليات لبنان غير الرياضية
- قيس سعيّد يستوحي من عبد الفتّاح السيسي
- «بيغاسوس» وحلف الصهيونية والاستبداد العربي
- ترشيح بشّار الأسد لجائزة نوبِل للسلام
- في مغزى استشهاد نزار بنات
- رجلٌ خارج المألوف: علي أكبر محتشمي ومصير النظام الإيراني
- لا بدّ من مواصلة الانتفاضة الفلسطينية
- في تفوّق الديمقراطية العربية
- آفاق النضال الفلسطيني في ضوء المستجدات
- في الاستراتيجية وتشريح «النصر الإلهي»
- استراتيجية بنيامين نتنياهو وكيفية التصدي لها
- كيف يُهزَم وجه القوّة في زهرة المدائن؟
- جورج إبراهيم عبد الله وحسن دياب ومرض القضاء في وطن دريفوس
- الانتخابات الفلسطينية والنفاق الديمقراطي
- تحية لنائبة الكونغرس بيتي ماكولوم
- «الأخبار» تهاجم موقف حسن نصر الله!
- كيف تكون المناهضة التقدمية للإمبريالية
- الأردن بين الأساطير الانقلابية والحقائق الثورية
- في أسطورة الصين «الممانِعة»
- وهْم قبطان يُنقذ سفينة لبنان من الغرق


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جلبير الأشقر - من المسؤول عن إخفاق التجربة التونسية؟