أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - صالح














المزيد.....

صالح


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 10 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


دَوّار السَّبت كان يبدو هادئا، وغَبشُ الصباح ينقشع عن سمائه رويدا. عبر الحقول الجرداء الممتدة مِلءَ الأفق، لَاحَت بَعض الأشجار العارية ومناطق من نبات الصّبار .
عند ربوة لالا تُيوشَانِينْ 1وهو اِسم يُطلقه أهل المنطقة على شجرة تعلو الربوة، بَدت مدرسة الدَّوار بثوبها الأبيض، يَحوطها سُور من الطّوب والحجارة أقامهُ الأهالي، وعلى بعد أمتار منها، قام بئر عمومي حفرته السّلطات الفرنسية إبان استعمارها للمغرب، قديما كانت مِرْوحته الهَوائية تَدور فَتنقل المَاء إلى المجاري الإسمنتية، لكنها مع مرور الزّمن تَقادمت ولم تعد تعمل، فأصبح الأهالي يستعملون الدِّلاء للحصول على الماء، وهناك عند حافة الطريق المُزَفّت المُؤدي الى المدينة وقف محمد أحمق الدَوّار، وهو طفل لا يتعدّى عُمره العَشْر سنوات يقدف الكلاب بالحجارة تارة، أو يمارس طقوسه الغريبة تارة أخرى. أطفال الدّوار كانوا ينحدرون نحو المدرسة متأبطين محافظهم القديمة وأَثر عَمش النَّوم ما يزال على عيونهم، كان صالح بينهم يمشي وحده الهوينى، محفظته الصغيرة تتدلى خلف ظهره، يَحك يديه المُتَّسِخَتين إلى بعضهما حتى يتدفأ، وهو يتجشأ رائحة الزَّيت البَلَدِي (زيت الزيتون) الذي اِعتاد على تناوله عند الإفطار،.
وداخل ساحة المدرسة بدا المُعَلّمون بوزراتِهم البيضاء يَذرعون ساحتها جيئة وذهابا في انتظار موعد الدّراسة. أما المدير فكان في مكتبه الصغير، مُنْكبا على إعداد بعض الوثائق التربوية والإداريّة كعادته.
اتكأ صالح على السّور الطُّوبي مبتعدا عن التلاميذ، الذين انصرف بعضهم الى الحديث في زُمَر، وانبرى بعضهم الأخر لِلّعب. عَيناه كانتا تُلاحقان جَحْشا صغيرا يَلْهو ويَتَمّرغُ في التراب قرب أمه المُنصرفة الى أكل بعض الحشائش القصيرة. هاهما الآن تنتقلان الى ملاحقة دجاجة منفوشة الريش تتبعها كتاكيتها. إن مثل هذه المشاهد تأسر فكر صالح، وتُثير في داخله نشوة غريبة، فقد كان يجد متعته مع الحيوانات أكثر مما يجدها صحبة الأطفال من سِنِّه، فهو مثلا يحب مداعبة حمار جده . جَدّه الذي يَرتدي ثَلاثَ جَلابيب وبِرنوسا خلال أيام الله كلها دون أن يميز بين صيف وشتاء، هذا الأخير كان يُعنّفه كثيرا ويطارده متى رآه يداعب حماره...
حَل موعدُ الدِّراسة، بدأ التلاميذ يدخلون مُصطفين الى ساحة المدرسة . انضم صالح الى زُملائه الذين وقفوا أمام باب القسم.
داخل حجرة الدرس كان ساهما كعادته لا يعرف مايدور حوله ويجري، كان التّلاميذ يرفعون أصابعهم باستمرار، وأصواتهم ترتفع وهو لا يفعل شيئا. إنه عامه الأول بالمدرسة وهو يعيش حالة ارتباك وتشتت، كَثرة التلاميذ كانت تمنع المُعلم من الاهتمام بأمره.
كان وجهه الصغير واجما، وعيناه القسطليتان زائغتان تبحثان عن موقع دون جدوى، وأنفه الدّقيق يُفرز مادة المخاط المنساحة على شاربيه، ترى ماذا يدور بخلده...؟
اليوم قبل ان يغادر البيت في الصباح، عاش من جديد فصول الخصومة المعتادة بين والديه، وتكررت نفس المشاهد التي ألفها، فأمه تبكي وَجَلاً، وأبوه يَصُبُّ عليها جام غضبه، ويُطوّح بعصاه الغليظة في وجهها، رافعا عقيرته بالصراخ العاصف، لم تكن هناك قوة تستطيع أن تمنعه عنها فهو مالكها وصاحب الحق فيها، ناهيك على أن افراد أُسرتها فَوّضوا أمرها كليا له، حتى يُقَوِّم نُشوزها، وهي لا تملك سوى السّمع والطاعة، لم يكن صالح يُفلت من وحْشية أبيه فكثيرا ما بصق في وجهه، او ركله بقدمه وهو يردد لازمته المعتادة: "ابتعد يَا اِبن العاهرة..."وقد كان كل يوم يمر، يزرع فؤاد الصغير حقدا وضغينة على والده، بل انه تَمنى له أكثر من مرّة الموت حتى يرتاح، وتَرتاح مَعه أُمه المَغْلُوب على أمرها.
انتهت الحِصّة الدراسية الصباحية، واندفع التلاميذ كالعادة نحو باب القسم يستحثون الخطى الى دورهم، فعصافير بُطونهم تُزقزق وعليهم ان يسكتوها بالخبز والشاي...
اجتاز صالح بوابة المدرسة وسط نَفر من أصحابه وهو صامت، كان يسير مطأطأ الرأس، لكنه سرعان ما رَفعه عندما مَرق بِالقرب منه بعض التلاميذ راكضين نحو البئر، كان هناك جمع غفير من النساء والرجال يكونون دائرة وأعناقهم مشرئبةٌ نحو شيء ما، وعلى مقربة منهم بدت سيارة الدّرك جاثمة، اندفع صالح بوازع غريزة حب الاستطلاع نحو الجمع ومالبث أن اِنْسَلّ من بين الأقدام ووقعتْ عَيْنه عَلى الشيء الذي اجتمعَ حوله الناس، كان جسد أمه وقد تبلل كليا بالماء، واكتستْ بعض مناطقه ببقع من الوحل. إندهش أول الأمر وَلم يُصدق عينيه ،تردد برهة قبل أن يندفع نحو الجَسَد المُسجى، فيحركه بقوة صارخا ملء صوته: (أمي أمي أفيقي أنا صالح) دون أن يَتَلَقّى جَوابا ..
حاول دركِيٌّ أنْ يُبعده عَن الجَسَد بِلطف زائدٍ، لَكِنّه تَشَبث به، ودَفن وَجهه في الصَّدر الحَبيب الذي طالما ضَمّه، وانسَلّت الدُّموع حَارّة من عينيه . كيف يحدث هذا؟ من سيدفع عنه الآن شر والده ؟؟ من سيوقف وحشيته؟..لقد قُضّ مضجعه، وقُصّت أجنحته وليس له بعد اليوم الّا السّماء.

. ....
1هذه الشجرة توجد بدوار السبت بالعشاشكة منطقة السماعلة دائرة وادي زم. المغرب
وادي زم يناير 1986



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن الإشراق ..زمني
- سيد زمانه
- لحن حزين على أوتار مستعارة
- عريس الألم
- لعبة الحياة
- هذه حياتي
- ملاذ الشهداء
- لعنة الليل
- رحلة الفرح الأبيض
- زمن الفرح
- خريبكة المدينة الحلم
- وجود الشيّءو احتراقه !
- رواية خلف السراب الجزء الرابع والخامس
- خلوة
- رواية خلف السراب الفصل الأول
- خلف السراب الفصل الفصل الثاني والفصل الثالث
- موت سيدة من الزمن الماضي
- بين الأرض والسماء
- أوراق بلا تاريخ
- اللحظات الميتة


المزيد.....




- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - صالح