|
ما يشبه القصة
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7213 - 2022 / 4 / 8 - 09:21
المحور:
الادب والفن
نقلت مكبرات الصوت صوت الخطيب الى فضاء الشارع ، فسمعته بوضوح رغم ضجيج السيارات ، فتحققت أمنيته القديمة في ان يكون اسمه على كل لسان كخطيب مفوه . لقد انفق وقتاً ليس بالقصير على دراسة فقه اللغة ، ودراسة تطور مفرداتها وأساليبها ، لمعرفة سر تأثير بعض الخطب وفشل الاخرى في تحقيق التأثير المطلوب . هل يعود السبب الى طريقة اختيار المفردات ، أم الى الصياغة ، أم ان الإلقاء والحركات الجسدية المصاحبة له ينطويان على سر التأثير ؟ تذكرت ما كتبه في صحف المهجر عن تأثير الخطابة السحري على مستمعيها ، فاستدرت لادخل القاعة التي يخطب فيها لأرى بنفسي ذلك التأثير . تسمرت عند باب الدخول من هول المفاجأة : اذ لم ار امامي مستمعين قد شدت الخطبة رقابهم بقوة الى حيث يقف الخطيب . وحدهم الجالسون على كراسي الخط الاول ، وهم عادة من قادة الحركة التي يقودها الخطيب ، مشدودين اليه ، اما بحر القاعة المتلاطم بالذكور من جميع الإعمار : فقد رأيتهم احراراً من اي تأثير ، يجلسون او يقفون بطريقة عفوية ، يتهامسون الى بعضهم ويتراسلون بالإشارات . وهذا يعني ان الخطبة لم تلامس شغاف قلوبهم وتزرع فيهم ما كانت تزرعه الخطب التي نقلها الينا الموروث من خوف ورهبة ، وتحمل مستمعيها على طاعة السلطان ( الحجاج ) او على الخروج عليه ( قطري بن الفجاءة ) . ولذا قررت البقاء في القاعة والاستماع للخطبة بالكامل ، الا انني ، وانا اشنف السمع لكلماته اكتشفت بان الخطبة خالية مما تبثه الخطب الحديثة من آمال ووعود ، وانها محشوة بالكثير من الشعر والنثر القديم الذي لم يزد المستمعين الا نفوراً ، فاللغة القديمة لم تعد معشوقتهم التي تحتضن همومهم وتعبر عن حاجاتهم اليومية واحلامهم بيسر وسلاسة ، لقد اخترعوا لغة اخرى قريبة من مداركهم وتفكيرهم ومشاعرهم ، ومستقلة عن لغة السادة الموروثة ببلاغة خاصة بها : مضمرة في صياغاتهم الادبية الجديدة كالشعر الشعبي والبوذية والدارمي يسمونها : " الحسچة " ، وهو معنى غاطس يجيد اصطياده وإخراجه صوت الشاعر المتمرس بتلوين صوته . لم يدرك خطيبنا ضرورة هذا التلوين الصوتي ، وظل أسيراً لمنهج دراسته القديمة التي ترى ان احد اجزاء الخطبة ينطوي على سر تأثير الخطبة ، ولم ينظر الى الخطبة على انها نص واحد متساند المكونات : تفقده التجزئة تأثيره ، وهكذا رفرف صوته في سماء القاعة لا كصوت طائر جريح نازف بالقلق والتساؤل بل رفرف بغنج ودلال ، ممزوجاً باصوات طيور الكناري ، وبصوت خرير ماء الوديان الصغيرة في الجبال البعيدة . في حين ان المناسبة التي يخطب فيها تتطلب من صوته ان يكون مزلزلاً كقصف الرعود وكتفجر البراكين وكعصف الرياح الهائجة لكي يحمل مستمعيه على الطاعة او على التمرد . وكلما نهض واحد من شعراء الحسچة وهتف باسمه ، اهتز جسده طرباً مع ايقاع الهوسة وهي تتغنى بأمجاده وبحسبه ونسبه . " لقد ربحت الجولة " يهمس الى نفسه فرحاً كطفل ، ويضيف " هذا بفضل استغلالي لإمكانيات مكبرات الصوت التي نشرت خطبتي على فضاء اوسع من الرصافة ، فقد تكون خطبتي عبرت النهر الى الكرخ ، وقد يكون سمعها الجمع الخير من نواب ووزراء وقضاة ومستشارين في الخضراء ، هؤلاء الذين يشنفون السمع دائماً لما اقول ، فالكثير منهم اشاد ببلاغتي وبعمق تحليلي ، وباصالة وفرادة الحلول التي اقترحها في كل خطبة ، " ملحق / 1 لقد منحت تكنولوجيا مكبرات الصوت بعداً للصوت البشري لم يصله يوماً صوت بلال الحبشي . كيف يتجرأ هذا الخطيب وسواه على جعل اصواتهم البشرية تتجاوز المسافة التي كان يقطعها صوت " مؤذن الرسول " ؟ اين حرمة المقدسات ؟ لقد اصبح صوت بلال مقدساً منذ اللحظة التي أمره النبي فيها بتسلق الكعبة ، والجهر بالأذان من فوقها في يوم معلوم هو يوم : فتح مكة . ملحق / 2 تتحرك عمامة هذا الولد على رأسه من كثرة تحريك اعضاء جسده وهو يخطب ، وتتحرك عمامة هذا الولد على رأسه وهو يمشي قافزاً كالغربان ، وكثيراً ما كان يرفعها ليهرش شعره وهو جالس في مكتبه ويعيدها اليه : ولكنه يسارع الى تثبيتها على رأسه حين يتشمم خبراً يتعلق بتقرير مصير قصور منطقة " الكرادة " ودورها الفارهة . فالعمامة الى جانب مكبرات الصوت منحاه هوية أسطورية صنعت من قيادة حزبه كتيبة تتحرك في كل طرق وزوايا الكرادة لتنفيذ اوامره بسرعة البرق ، وهو يأمر بالاستيلاء على دور وقصور منطقة الكرادة : واحدة بعد الاخرى ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة من قصص الف ليلة وليلة
-
الحرب الروسية الاوكرانية
-
لم استطع دخول حفلة أنغام .. فكتبت
-
عضلات ايران البالستية
-
آلهة البدو / الجزءالثاني / 5من 5
-
آلهة البدو الجزء الثاني ، 4 من 5
-
آلهة البدو : الجزء الثاني 3 من 5
-
1 و 2 من 5 / من مقال آلهة البدو - الجزء الثاني ،
-
أوكرانيا - العراق
-
آلهة البدو
-
حفلات رئيس الوزراء البريطاني وقوانين محاربة - كورونا -
-
محطات
-
هي التي لا يحدها اسم إشارة
-
من يجدد وحدة العراق ؟؟؟
-
مجلس الامة واكفان مقتدى الصدر
-
احذروا هذه الظاهرة
-
هل ستنبت لي اجنحة ؟
-
عبور الازمنة
-
من - ديوجين - الى شنور
-
خطاب وزير المالية البائس
المزيد.....
-
مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20
...
-
دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك
...
-
بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك
...
-
شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا
...
-
برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
-
مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
-الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين
...
-
معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف
-
865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع
...
-
-شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|