أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سامر أبوالقاسم - تشظي الفساد















المزيد.....

تشظي الفساد


سامر أبوالقاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7212 - 2022 / 4 / 7 - 16:30
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


ما بين السعي إلى تغيير الحياة والبحث عن أصل الحياة قاسم مشترك لا يخرج عن نطاق ملاحقة الحقيقة الخفية وراء الأساطير في المناطق الرمادية والتاريخ المشوش لهذا العالم، الذي لم يكف عن تهديد وجود أغلب زواره، والتحريض على الحرب في صفوف أبنائه، والانتقام من محبيه بأعتى القوى التدميرية الممكنة والمتاحة.
للتطرف أوجه عدة، أخطرها الفساد، الذي يعد أشرس أعداء التقدم، ويعمل على تقويض جهود التنمية وتحقيق الكرامة الإنسانية، ويؤدي إلى تدمير الإيمان بشرعية السلطة وأمل تحقيق الرفاهية لأعداد لا تحصى من الأبرياء.
فمن الاحتيال على المشتريات العامة، إلى سرقة حقوق الملكية للموارد العامة، إلى احتكار القطاع الخاص، إلى إفقاد الناس قدرتهم على تحقيق إمكاناتهم وفرصهم الممكنة والمتاحة، إلى قيام البعض بإثراء نفسه على حساب الآخرين والتباهي بما راكمه من ثروات لبث عوامل الإحباط والغضب على وجه العموم.
وحده الانغماس في هذا العالم المليء بالثقوب السوداء، قد يجعلك تلامس الإحساس، وتسمو إلى درجة الاهتمام بالبشر وتعقيداته. فتبدأ رحلة اللامبالاة بإيجاد الأجوبة، طالما هناك استحالة الوصول إليها، وحيثما تفقد الغاية وضوح معانيها لفائدة المسار المندفع في انزلاق حاد نحو هاوية تلقي بك في قلب لغز جديد عصي على الحل.
فما عاد للخصوبة من معنى وأرض الأوطان قاحلة بعد كل الخصومات، إلا مما انشطر فيها من فتات جراء الاصطدام، وما تطاير من قطع بسبب التشظي، وما تفرق من قوم بفعل الصراع، وما تناثر من أشلاء كضريبة على الرغبة في المشاركة.
تتطاير شظايا هذا الفيروس، وكأنها موجهة لإشعال الحرائق في كل مكان. وعلى الرغم من التحقيق في الموضوع إلا أن النتائج لم تسفر سوى على حجم الأضرار. إذ على الرغم من الحالة الوبائية المقلقة، بفعل سرعة انتشار متحورات الفيروس، يسجل تهاون كبير في الالتزام بتدابير الوقاية.
وقد صارت الحاجة ماسة إلى إزالة الأوساخ المرئية عن الأسطح لتحقيق حالة من النظافة، عبر حك وفرك مناطق الاتساخ واستخدام أساليب التنظيف، خاصة في الأسطح كثيرة الاستعمال؛ كبعض الكراسي الوتيرة، التي يتطلب الأمر تنظيفها بشكل مستمر، قبل أو بعد كل استخدام.
لكثرة الاتساخ السائد اليوم، لم تعد الأجسام قادرة على تطهير بعض أعضائها ذاتيا، ولا حتى بمساعدة عوامل أخرى كالبكتيريا النافعة.
وعلى الرغم من كون الفساد جريمة منظمة مستنكرة في كل الثقافات والديانات، وعلى مر التاريخ، فهو كشكل فيروسي لاستخدام الوظائف العمومية موجود وقديم قدم العديد من الجرائم التي لازمت تاريخ البشرية، وقدم وجود الحكومات ككيانات لتدبير الشأن العام داخل الأوطان. لكن لا زالت البشرية تستحسن الكتابة عن النزاهة والشفافية والمساءلة عوض المكافحة والاجتثاث، ليبقى الباب مشرعا أمام العديد من الرواد لركوب مطيته.
لماذا لم نقو على تنظيف مواطن الاتساخ؟ ولماذا نميل إلى تزويق وتنميق الكلام؟ ألتصبح الرداءة عنوانا للمرحلة؟ ألتصير الصورة قاتمة إلى أبعد مدى؟ أللحيلولة دون الارتقاء بالعقل والذوق إلى مصاف تقدير الناس واحترامهم؟ أم يعز على البعض أن يرى الوطن يعيد رونقه وصدقيته، ويؤسس لقول خال من نفاق ومحاباة، ويفسح المجال لخيال يبدع في رسم صورة مقبولة للحاضر ومشوقة للمستقبل، بعيدا عن الإصرار في الاستمرار على درب تقعيد المفاسد وهدم كل المعايير الأخلاقية.
لم يعد المكان مثاليا إلا للعثور على أحجار سماوية غير كريمة، قادرة على إتاحة فرصة اقتناص تغيير الحياة إلى الأبد، والتحليق في السماء ولو بدون أجنحة أو محركات.
ذاك هو الفساد، ذو الوجوه والدروب المتعددة والمتنوعة. يتشظى، فتتطاير أشلاؤه في مفاصل الحياة، لينم عن جشع في الاستيلاء على ما كل ما هو جميل فيها. هو فيروس يتمكن من ضعاف المناعة والمولعين بالشراهة، وثقافة الاستهلاك تشكل مرتعا لاتساع رقعة فعاليته. أما نطاق احتضانه واشتغاله فلا يخرج عما قد تعرفه المؤسسات والإطارات من انحراف أو انجراف، تعمل على تصديره بكل جهد وكد إلى المجتمع عبر أفراده بكل الطرق والوسائل.
للفساد من التداعيات ما لا يعد أو يحصى، بفعل الانقياد وراء غرائز غير قابلة للإشباع، وذات تأثير غير مفهوم في العقليات إلا من حيث أعراض التغول عبر السلطة والمال. فتضيق مساحات الوطن وفضاءات التحليق فيه، بفعل أسراب المصابين المبثوثين في زواياه، والقابضين على العقل والقانون والعلاقات، ويضيق الإنسان درعا بتحوله إلى سلعة قابلة للتداول والمقايضة والبيع والشراء، في مزادات سرية موضوعها حقوق وحريات وشأن عام.
وأصبح الفساد يمثل رمزا للتغيير من أجل استتباب الظلم، وصار حارسا مقوما بكل اللوجستيك اللازم لنهب الثروات وقطع الطريق على الناس وحقهم في التنمية، وأصبح متطورا من حيث القدرة على تدمير ثروة الدول وتفتيت مقومات بقاء الأفراد والمجموعات، وأمسى حالة مرضية متقدمة.
أما من غضب تجاه خراب العمران، وترسيخ ثقافة الخسران، لإنقاذ الإنسان من هذا التشظي البادي للعيان؟ وبينما نحن نتساءل، يتحرك الفساد ويتحول إلى ثقافة يقبلها الجميع ضمنا، وتخرج سلوكاتها من حيز المسكوت عنه إلى نطاق الإكراه، لتحتل تصرفات أصحابها مساحات المباح المعلن بلا خوف أو خجل.
في كنف الفساد استحال أمر الحصول على الحقوق والخدمات دون تقديم رشوة أو المرور بأحد المعارف المتنفذين أو التحايل على القانون أو النصب والاحتيال على المواطنين.
صار أكثر كثافة وتواترا وعمقا، وأشد مقاومة لفعل التطهير والاستئصال، وأصبحت متحوراته من رشوة ومحسوبية وتهريب وتزوير.. متحكمة في الأفراد، وتتحرك بشكل مجهري في كل المعاملات وفي العلاقة بالإدارة والمؤسسات.
أصبح مسيطرا على الصفقات والمعاملات والأنشطة ذات الحجم المحلي والإقليمي والدولي، عبر صفقات وعمولات وسطو وتهريب منظم وتفويت للثروات وتبييض للأموال.. بأجهزة ضخمة وشبكات مختصة عابرة للقارات والأوطان.
في كل فرصة تتاح للتحلي بالأمل، إلا ويضرب الفساد أركان القانون، فتهتز البيئة، ويتلوث مناخ الأعمال، ويتعكر صفو العلاقات، وتتبخر جهود المكافحة، وتشتعل الأزمة، ويتم الإعلان عن حرب جديدة ومستجدة، تحت مسمى أم المعارك. وتلك هي صورة الأوطان في شكلها المعولم.
كان الله في عون هيئات الدفاع عن النزاهة ومكافحة الفساد ومحاربة الرشوة، في ظل أوطان تشريعاتها صادرة عن مزيج من الحكومات والمشرعين المشكوك في جدارة واستحقاق تقديراتهم.
وكان الله في عون أولئك الذين لا زالوا يناضلون من أجل تشريع قانون التصريح بالممتلكات، في ظل واقع يرفض مفسدوه تشريع تقديم إقرار بما في ذمتهم وذمة ذويهم المالية وقت استلام مناصب عامة، وذكر مصادر ثرواتهم.
وكأن الفساد زخة شهب منطلقة من موقع في السماء دون وحي، وكأنه تجل فاضح لتيارات الحطام القيمي في شكل جزيئات الغبار أو شظايا دخلت في الغلاف الجوي للتعاملات والتفاعلات الجارية داخل المجتمعات، بسرعات عالية وفي مسارات متوازية، جعلتها تدور وتسبح في فضاء ضمن شبكة من العلاقات، وفي إطار جاذبية غير قابلة للمقاومة. نحتاج معها إلى إضاءة شفافة، لتوفير ظروف رصدية فلكية صافية من الغيوم، وإلا ضاعت فرصة رؤية نهاية حياة هذه الجسيمات وتلاشيها في ارتفاعات عالية وطبقات عليا للغلاف المجتمعي.
الوضعية الوبائية لا زالت تعرف تفشيا كبيرا وسريعا لفيروس الفساد، ستصل الذروة خلال القادم من السنوات والعقود. وهناك حالة ضغط قوية على بنيات المجتمع والدولة، تحول دون تحقيق شروط الإنعاش والعناية المركزة. وكل الخطورة اليوم تكمن في الأشخاص المصابين بفيروس الفساد الذين لا يوجدون في وضعية عزل، وفي الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض ولا تجرى لهم اختبارات الكشف عن الفيروس، وكذلك في غير الملقحين تلقيحا كاملا ضد الفيروس.
هؤلاء هم من يخنقون المنظومة الوطنية اليوم بسبب سلوكاتهم الفردانية، فهم يتحركون بكل حرية ويعيشون حياة طبيعية مع الغير ويتقاسمون تفاصيل الحياة الاجتماعية اليومية، وهم بذلك ينشرون العدوى على أوسع نطاق.



#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرهان التنموي في ظل أزمة الديمقراطية التمثيلية
- هل سيتم الاستعداد للانتخابات بقيادات حزبية معزولة عن تنظيمات ...
- بعض سمات التحول الجاري بالمغرب
- قانون المالية بين: المزايدات السياسية والحسابات الحزبية
- حكومة العثماني: بين حلم الادعاء وواقع الإخفاق
- الجهوية المتقدمة ومأزق السياسات العمومية والقطاعية
- المؤتمر الوطني 19 لاتحاد كتاب المغرب
- الدهاء لن يحول دون عدل الله
- نازلة نائبي رئيس حركة التوحيد والإصلاح (2) فساد وخيانة زوجية ...
- نازلة نائبي رئيس حركة التوحيد والإصلاح (1) أية مقاربة: قانون ...
- يستقبح عيب غيره، ويفعل ما هو أقبح منه
- السيد رئيس الحكومة: قلها واسترح
- الحزب الحاكم والانتخابات القادمة
- وحده الغباء الجمعي جعل -أمينة- غير آمنة
- قضايا التنوع اللغوي بالمغرب
- الحقوق اللغوية
- أَخُوكَ أَمِ الذِّئْبُ؟
- نِعْمَ الْمُؤَدِّبُ الدَّهْرُ
- -إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ-
- نسيج العنكبوت: قراءة في -قصص الأنبياء-


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سامر أبوالقاسم - تشظي الفساد