|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 39
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7210 - 2022 / 4 / 4 - 15:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وَإِذ قَتَلتُم نَفسًا فَادّارَأتُم فيها وَاللهُ مُخرِجٌ مّا كُنتُم تَكتُمونَ (72) فَقُلنَا اضرِبوهُ بِبَعَضِها كذالِكَ يُحيِي اللهُ المَوتى وَيُريكُم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ (73) القصة تدعي أن هناك جريمة قتل حصلت بينهم، أي بين بني إسرئيل، ولكن الغريب إن الآية (72) تقول «وَإِذ قَتَلتُم نَفسًا»، ولم تقل إن أحدكم أو بعضكم قتل نفسا، أي قتل إنسانا منكم، فهل اعتبارهم جميعا مشاركين بالجريمة، كونهم كانوا يعلمون بارتكابها ومرتكبها، وأخفوا ذلك، أو كانوا راضين عن الجريمة، أو على الأقل غير مبالين بارتكابها؟ تبقى القضية غامضة. المهم القصة تقول إنهم تدارأوا أي تدافعوا في الجريمة، أي كل ادعى إن القاتل أحد غيره، وهم يعلمون بالقاتل، ودليل ذلك «وَاللهُ مُخرِجٌ مّا كُنتُم تَكتُمونَ»، والوسيلة التي أراد الله أن يخرج ما كانوا يخفون من معلومات عن القاتل هو أن يذبحوا بقرة، ليضربوا القتيل بقطعة من لحم البقرة المذبوحة، فيبعث من موته، أولا من أجل أن يريهم الله كيف يحيي الموتى، مما كانوا كما يبدو في شك منه، والأمر الثاني لينبئ القتيل بقاتله. ومع كل غرابة ولامعقولية القصة، يعدها مؤلف القرآن هنا آية من آيات الله، ومن لم يقر به، لا يكون كافرا فقط، بل هو فاقد للعقل. لا نعرف ما معنى أن دليل امتلاك المرء لعقله أن يتعقل اللامعقول. ثُمَّ قَسَت قُلوبُكُم مِّن بَعدِ ذالِكَ فَهِيَ كَالحِجارَةِ أَو أَشَدُّ قَسوَةً وَّإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأَنهارُ وَإِنَّ مِنها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخرُجُ مِنهُ الماءُ وَإِنَّ مِنها لَما يَهبُطُ مِن خَشيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ (74) وتبين هذه الآية إن اليهود أو بني إسرائيل أو أحفاد يعقوب يبقون دائما قساة القلوب، بالرغم من كل الفضل الذي منّ الله به عليهم، ورغم كل الآيات والمعجزات التي أراهم إياها، فهم مرة بعد مرة يعودون إلى قسوة القلب. ويشبه قسوتها بقسوة الحجر، بل هي أقسى وأصلب من الحجر. وهنا تفسر ظواهر طبيعية خاضعة لقوانين فيزيائية، صحيح أوجدها الله، أو خلق الكون بموجبها، أو أودعها في الكون الذي خلق، تفسر هذه الظواهر تفسيرا ميتافيزيقيا، وكأن للحجارة وعيا، بحيث يكون هبوطها وتساقطها وتفتتها بعوامل مناخية وطبيعية من نوع آخر، إنما تفعل كل ذلك خشوعا لله وخشية منه لرقة قلبها بعكس قلوب اليهود القاسية. لكن يمكن تسامحا اعتبار هذا التشبيه أو المثل مجازيا. هناك من يفسر هذا الموقف المتأزم من اليهود من جهة، والإعجاب فوق العادة لمؤلف القرآن بشخصية موسى من جهة أخرى، أن مؤسس الإسلام كان يطمع بتحول يهود المدينة وعموم الجزيرة العربية إلى الدين الجديد الذي جاء به، فخيبوا ظنه، ومن جهة أخرى كان أكثر إعجابا واقتداءً بموسى من أي نبي آخر، ربما لأن سيرة موسى قد اقترنت بالقسوة والعنف تجاه الشعوب الأخرى التي كانت تدين بدين آخر. وربما كان تصاعد الإعجاب بموسى في المرحلة المدنية، مرحلة الدولة والغزوات. أَفَتطمَعونَ أَن يُّؤمِنوا لَكُم وَقَد كانَ فَريقٌ مِّنهُم يَسمَعونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفونَهُ مِن بَعدِ ما عَقَلوهُ وَهُم يَعلَمونَ (75) المخاطبة موجهة إلى المسلمين على أنها موجهة من الله، حيث كان المسلمون أو فريق منهم يطمعون بتحول يهود المدينة أو أكثرهم أو قسم منهم إلى الإسلام، وتروي الآية إن هؤلاء أو فریقا منهم كانوا يسمعون ما يتلو عليهم نبي الإسلام أو فريق من المسلمين شيئا من نصوص القرآن، على أنه كلام الله حسبما يعتقد المسلمون، فيبدو أن هؤلاء اليهود عندما كانوا ينقلون ما يعده المسلمون كلام الله، لم يكونوا ينقلونه بدقة، إما بقصد كما تتهمهم هذه الآية، ولعلهم كانوا فعلا يتعمدون تغيير النص عندما ينقلونه إلى آخرين، أو قسم منهم كان يتعمده، وإما كانوا يخطئون النقل من غير عمد، بل سهوا، فاعتبرهم مؤلف القرآن محرفين لما يتلوه على أنه كلام الله، حيث إن الآية تؤكد أنهم كانوا يفعلون ذلك عمدا، بقولها «يُحَرِّفونَهُ مِن بَعدِ ما عَقَلوهُ وَهُم يَعلَمونَ». إذن هم سمعوه جيدا، وأظهروا فهمهم له، وربما حتى قناعتهم بصحة مضمونه، أو بعض مضامينه، مما رأوه متوافقا إلى حد ما مع ما عندهك، ثم حرفوه. وهذا غير مستبعد فغالبا ما يتعامل المتدينون من أتباع أي دين مع أي دين آخر أو أي عقيدة مغايرة، بطريقة غير موضوعية، وهنا لا يختلف متعصبو المسلمين عن متعصبي اليهود أو متعصبي أي دين أو عقيدة غيرهما. فما يمكن أن يوجه للتوراة أو العهد القديم من نقد هو أضعاف ما يوجه للقرآن.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 38
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 37
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 36
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 35
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 34
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 33
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 32
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 31
-
مسؤولية الدستور عن الاستعصاءات السياسية
-
غار حراء لا يقع في واشنطن
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 30
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 29
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 28
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 27
-
النص المُؤسِّس وتأويلاته في الاسلام
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 26
-
الإطار التنسيقي وسادوس مبادرته الفذة
-
بين الأغلبية الصدرية والتوافقية الإطارية ورؤيتنا للتغيير
-
المراحل الأربع لتصحيح الديمقراطية في العراق
-
رسالة مفتوحة إلى أصدقائي الشيوعيين
المزيد.....
-
فتوى جديدة من دار الإفتاء المصرية حول إخراج الزكاة لأسر شهدا
...
-
ترامب: لا أعتقد أنني سأدخل الجنة
-
أسهمت في تشكيل قراراته.. أسرة يهودية ثرية أشاد بها ترامب أما
...
-
7119 مقتحما.. هكذا مرّ عيد العُرش اليهودي على الأقصى ومحيطه
...
-
7119 مقتحما.. هكذا مرّ عيد العُرش اليهودي على الأقصى ومحيطه
...
-
صحفي لترامب: كيف يساعدك إنهاء حرب روسيا وأوكرانيا في دخول ال
...
-
-ملجأ المسيح-.. الطيبة يهجرها فلسطينيون تجنبا لبطش المستوطني
...
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في اليوم السابع من عيد -العرش
...
-
جذور الإسلام بجنوب أفريقيا.. من المنفى إلى التنوع والتحديات
...
-
الإسرائيليون اليهود كما أراهم في وسائل الإعلام
المزيد.....
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
المزيد.....
|