أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - حوار حكمت الحاج وعواطف محجوب عن لاعب الظل والقصة القصيرة















المزيد.....


حوار حكمت الحاج وعواطف محجوب عن لاعب الظل والقصة القصيرة


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 7206 - 2022 / 3 / 30 - 23:05
المحور: الادب والفن
    


الكاتبة التونسية عواطف محجوب: أبطالي يعيشون المستنقع فلماذا أكتب عن بحيرة جميلة؟

حوار أجراه: *حكمت الحاج

ولدت عواطف محجوب في مدينة غمراسن بالجنوب التونسي. وبدأت الكتابة منذ أن كانت في الدراسة الثانوية. ثم جنحت إلى الشعر مرارا، ولكن النقد الأدبي استهواها فطفقت تكتب العروض والمراجعات للكتب وتساهم في المسابقات الأدبية. وبمرور الوقت والممارسة أيقنت إن مجالها الأثير هو القصة القصيرة بالتحديد، لكنها ظلت تكتب العروض النقدية، وعملت لفترة معينة في الصحافة المكتوبة، ونشطت في فضاء المجتمع المدني. ولها تجربة وحيدة في السينما حيث قامت بكتابة السيناريو وإخراج فيلم روائي قصير بعنوان "أتروبوس" من بطولة شاهر المسعودي..
تقول عن نفسها إنها "غرسة من غراس أقاصي الجنوب التونسي ضاربة جذورها في الارض تحاول الصعود وتسلق الأعالي لاكتشاف عوالم مجهولة وإيجاد معان غير مألوفة".
وفي أواخر عام 2021 أصدرت لها "مومنت للكتب والنشر" بالمملكة المتحدة momentebook مجموعتها القصصية الأولى بعنوان "لاعب الظل"، وحاز الكتاب على انتشار واسع، وجلب تقريظ العديد من النقاد في تونس والعالم العربي. وبهذه المناسبة، كان لنا معها هذا الحوار الذي ينشر في مجلة "كناية" الرقمية، بالاشتراك مع موقع "الحوار المتمدن":

-لماذا اختيار هذا الجنس الأدبي؟ ومن الذي ذهب إلى الآخر، أنت أم القصة القصيرة؟

-هو ليس ذهابا، بل اختطاف. القصة القصيرة اختطفتني، إذ كتبت الشعر في سن مبكرة. ومع تطور قراءاتي واطلاعي على أهم التجارب الأدبية العربية على غرار روايات نجيب محفوظ والطاهر وطار، وقصص ما تراه العيون لمحمود تيمور، والعواصف وعرائس المروج لجبران خليل جبران، وسهرت منه الليالي لعلي الدوعاجي، وكان ما كان لميخائيل نعيمة، وظلال على الأرض لعبد الواحد ابراهم، وصهيل الجواد الأبيض لزكريا تامر، وغيرها. ولكن في النهاية انتصرت تلك النصوص التي أسرت لبي وسحرتني، ومن ثم اختطفتني إلى يم القصة القصيرة. وهي تجربة فريدة مليئة بالتحديات والاضاءات الساحرة تخرجني من دهشة فترميني في أخرى بلا توقف.

-ومتى كان ذلك؟ هل تزامن مع سن المراهقة أم تعداها بقليل أو كثير؟

-لقد كان تماما مع سن المراهقة.

-هل كان ذلك السن يؤهلك لاكتشاف حقيقة السرد القصير متمثلا في القصة القصيرة؟ ألم تقرئي وقتها أعمالا روائية؟

-أنا كبرت في عائلة أغلب افرادها من القراء. فوالدي كان يقرأ الكتب العلمية والفكرية، وأخوتي يقرؤون قصصا وروايات. وأولى الروايات التي قرأتها في سن الثانية عشرة كانت روايات نجيب محفوظ والبشير خريف وعبد الحميد بن هدوقة وغيرها، وانتبهت الى الاختلاف بين الأجناس الأدبية. هذا الاختلاف جعلني أتوقف كثيرا لفهم كنهه. ومبكرا عرفت الفرق بين السرد القصير والسرد الروائي. ومن هناك عكفت على قراءة كتب النقد خاصة تلك التي تتماشى مع البرنامج الدراسي. وكونت فكرة لا بأس بها عن خصائص كل نوع، وبدأت تجربة الكتابة السردية في أولى النصوص بقصص لا تتجاوز كلماتها العشرين أو الثلاثين كلمة.

-وهل تحتفظين بتلك النصوص المبكرة؟

-للأسف لا، فقد ضاعت مني بحكم القدم والتخلص من الدفاتر المهترئة، وأيضا بسبب انني كنت أكتب لنفسي فقط ولم أتصور انني يوما ما يمكن أن أنشرها، فلم أحرص على الاحتفاظ بها.

-صفي لنا شعورك وأنت ترين أول نص قصصي لك منشورا في موقع أو مجلة أو صحيفة، وهل شكل هذا الشعور لديك منعطفا في مسيرتك الأدبية؟

-لدي اعتقاد راسخ من البداية أنني لن أنشر نصا دون المستوى، فركزت في البداية على تطوير أفكاري، ومن ثمة نصوصي، وكل نص نشرته حظي بنسبة رضا قليلة عندي. رغم ذلك هناك من انتبه له وطلب نشره. جاء ذلك اثر تتويج العديد من نصوصي في مسابقات وطنية. النشر يبدو مسألة سهلة لكنه محفوف بتحديات عديدة وأنا حذرة في هذه المسألة لأني لا أتساهل في النشر فذلك يؤثر على جودة النص وعلاقته بالقارئ فيما بعد. ولا أراه منعطفا كبيرا، بل هو مرحلة بديهية لا بد من المرور بها تجهيزا للنشر الأكبر بإصدار كتاب.

-وهكذا كان أن صدر كتابك الأول وهو مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان "لاعب الظل"، عن منشورات مومنت بلندن، ولكنه صدر متأخرا زمنيا نوعا ما، بالمقارنة مع بداياتك ونضجك. هل أنت راضية عن مجموعتك القصصية الأولى؟

-نعم، صدر كتابي الأول متأخرا بعض الشيء، ويعود ذلك لعدة عوامل لا مجال للخوض فيها الآن. وبصدور هذا العمل فقد تجاوزت مرحلة الكتابة للذات، وبدأ يتشكل لدي وعي معين بالكتابة ويتطور كل يوم، وهو ما يساعدني على التعمق أكثر عند مصافحتي لكل تجربة أدبية خاصة العالمية منها ما ينعكس ايجابا على معارفي النقدية وكتاباتي. لا يوجد رضا كلي عن لاعب الظل لأنني حين أقرأه الآن تأتيني أفكار جديدة لكل قصة فيه أحاول استغلالها في أعمال قادمة فلاعب الظل كتب بنقيع أسود من الحياة، وما زلت أكتب به.

-هل يؤرقك الشكل الذي تكتبين به القصة القصيرة؟ هل ثمة مدرسة فنية معينة تنتمين اليها؟

-هناك هاجس دائم حول الشكل الذي تكتب به القصة القصية إذ يجب ان يواكب الشكل الموضوع والفكرة اللذين يتطوران بتطور الزمن وما يرافقه من تقدم في كل المجالات، خاصة التكنولوجي والمعرفي، وهو ما يبرر ظهور أجناس أدبية جديدة قصيرة وموجزة. فالشكل بطبعه يشهد تجديدات تظهر عبر التجريب الذي يطور الموجود خروجا عن المألوف، وهو أمر عادي ومنطقي، اذ لا يمكن أن نكتب نصا من واقعنا الحالي بطريقة مغرقة في الكلاسيكية، بل يجب أن يتوفر توازن منطقي بين الشكل والمضمون.

-لا شك أن أكثر ما يكابده الكاتب القصصي هو أي طول سيقرره لقصته القصيرة! بالنسبة اليك، كم هو عدد الكلمات المطلوب لكتابة قصة قصيرة ناجحة؟

-بالنسبة لي، نجاح القصة ليس مرتبطا بعدد الكلمات، بل بالتجديد في الرؤية وزاوية التناول. ومهما كان الموضوع مستهلكا، فإن ذلك سيحدث فارقا وينأى بالكاتب عن التكرار والتقليد، إضافة الى العناية بالشكل أو البناء الفني. فكلما كان متناغما مع حركة السرد ونمو الشخصيات كلما كانت القصة ناجحة.

-هل لهذا السبب فأنت لم تضمني كتابك لاعب الظل أي نص من نوع القصة القصيرة جدا؟

-في اعتقادي القصة القصيرة جدا هي نوع من القصة مميزاتها وخصائصها وشكلها عوامل تجعلها لا تتناسب في تواجدها مع القصة القصيرة، إذ سيكون منفرا عدم وجود تناسق بصري في احجام القصص المضمنة في كتاب لهذا اقول ان القصص القصيرة جدا يجب ان تكون في كتاب مستقل حيث يتناسق شكلها وطولها دون اي ارباك.

-أهديت كتابك "إلى الذين ورطوني لأكتب مرة فحفرت الورق ألف مرة". من هم هؤلاء؟

-هم مجموعة من الاشخاص ينقسمون الى نوعين: أولهم من لمسوا شغفي وحبي للقراءة والكتابة فشجعوني دائما على المضي وعلى رأسهم عمي الذي شجعني على مواصلة المشوار بإهدائي مجموعة من الأقلام الفاخرة جلبها معه من فرنسا فتعلق قلبي أكثر بالقلم وأقبلت على الكتابة وأنا ما زلت يافعة لم أتجاوز الرابعة عشرة من عمري. وثانيهم أبطال قصصي، لأن أغلبهم أشخاص حقيقيون أجبرهم الواقع على التواجد صلب وقائع وأحداث أغرتني بالكتابة فورطتني. ويا لها من ورطة لذيذة رغم مشقتها.

-لقد صدَّرتِ كتابك باقتباس شعري من قصيدة للشاعر اللبناني زاهي وهبي:
يا الله/ كيف تصلح الوردة ذاتها للحب والجنائز/
للحياة والردى/ لميلاد الجلادين وأضرحة الشهداء؟/..
ما حدود علاقتك بالشعر؟

-للشعر قداسة معينة ورغم انعراجي عنه كتابة لكنه من أبرز اهتماماتي وأعتبر نفسي قارئة أو متذوقة للشعر، يدهشني الحر منه وتأسرني قصيدة النثر. وهذا الاقتباس اخترته لأنه مناجاة حارة احتملت أقطاب المتناقضات فجمعتها كالحياة تماما. وما كتابي سوى حيوات كثيرة جمعت الثنائيات المتنافرة التي لا تلتقي. الدهشة غير مقسمة هي نفسها أمام الشعر أو القصة وفيهما وبهما نبحث عن معنى ما. فما أقوله عبر صفحات في قصة ما يوجد شاعر ما في مكان ما قاله بأسطر قليلة من الشعر فتترادف الأقوال والأساليب مختلفة. أرى أن تصدير كتاب قصصي بمقطع شعري هو نوع من الرباط الجميل الذي يجمع جنسين أدبيين، وأيضا هو تهيئة للقارئ عبر إشارة معينة يمكنه التقاطها ليفهم بها نسق القصص التي سيقبل على قراءتها.

-صدر "لاعب الظل" عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة. وقد كتب ناشر كتابك في تقديمه أنك أنت من قام باختيار لوحة الغلاف، وهي رسْمة للفنان الانطباعي النرويجي إدوارد مونش بعنوان "صرخة". هل يكون الرسم أحد مصادر إلهامك في الكتابة؟

-الرسم لغة، أي أداة كتابة. وكل لوحة فنية هي قصة في حد ذاتها. وبطريقة ما، القاص هو رسام، والعكس أيضا صحيح. فعلا، الرسم هو أحد مصادري الملهمة في العديد من المناسبات، لوحة "صرخة" وكتاب "لاعب الظل" بينهما محاكاة في المضمون. فإذا وقفنا على ما يراد إيصاله منهما، أول شيء يمكن رصده هو صرخة الفزع التي أطلقتها عقيرة الإنسان علّه يوقظ الضمير الإنساني أمام ما أصاب العالم من ظواهر سلبية ومشاكل لا نهاية لها تكاد تودي بالبشر وتسحقهم فردا فردا. الكتابة والرسم فنان يكمل أحدهما الآخر. وفي هذه الأيام كثيرا ما نرى كتبا منشورة كل نص داخلها ترافقه لوحة تتحدث عن نفس الموضوع فقط تختلف الرؤية أو الأسلوب.

-هل تكرهين الرواية؟ لماذا لا تكتبينها؟ أم انك لست من ذوي او ذوات النفس الطويل والصبر على الجلوس الى طاولة الكتابة لإنجاز عمل سردي طويل؟

-حتما لا أكره الرواية، فهي تأخذ نصيبا كبيرا من اهتمامي وقراءاتي ولكن ستختلف نظرتي إليها إذا كتبتها. فالقراءة بكل تأكيد تختلف عن الكتابة. من الطبيعي أن أطمح إلى كتابة الرواية فهي أكثر الاجناس الأدبية انتشارا. ولكن في اعتقادي ليس سهلا خوض تجربة كتابة الرواية. هناك مرحلة نضج معين لم أصلها بعد وحين أشعر انني بلغتها سأقبل على الرواية رغم وجود محاولات قديمة لكتابة الرواية. رهاني ليس النفس الطويل بل امتلاك أدوات تمكنني من انتاج نص متين وجدي، فأنا لا اميل لكتابة روايات تجارية رهانها المقروئية، بل هدفي نص روائي محكم وجيد البناء وجدي في طرحه. وذلك يتطلب كما قلت نضجا لا يكتسب الا بالاستمرار على التدرب وممارسة الكتابة وتطبيق الفنيات حتى يتحقق الهدف.

-هل أفهم من كلامك ان القصة القصيرة لا تتطلب نضجا وأدوات؟

-طبعا القصة القصيرة تحتاج نضجا وأدوات ودراية. ومن خلال متابعتي لك يا صديقي (ومحاوري الآن) حكمت الحاج، دوما ما أنت تصفها في مقالاتك النقدية وأحاديثك بأنها "ذلك الفن الصعب". وإنها لفعلا كذلك. إن امتلاك القصة القصيرة يعد انتصارا مبينا، فالإقبال عليها منذ البدايات ومع الاستمرارية في كتابتها يجعل كاتبها ينضج ويتدرج في إتقانها ثم تطويرها من باب التجريب. ولكن أغلب الكتاب اليوم يذهبون مباشرة الى الرواية بعد إصدار كتاب قصصي. أنا من جهتي أحبذ إعطاء نفسي الفرصة للتحكم في تقنيات الرواية وامتلاك أدواتها ومنحها نفس الوقت الطويل الذي خصصته للقصة. فإتقان القصة القصيرة لا يعني البتة إتقان الرواية. وكم من روايات فشلت بسبب التسرع والاستسهال وعدم التعمق في خصائص هذا الجنس الأدبي. كتابة الرواية تحتاج رصانة وقدرة تحكم بخيوط السرد الكثيرة المتشابكة.

-لاحظت في مجموعتك "لاعب الظل"، وعبر قصصها الخمسة والعشرين، انك قلما لجأت الى الحوار ما بين الشخصيات داخل المتن السردي. هل يعني هذا شيئا بالنسبة لك كساردة، وبالنسبة لنا كقراء ومتلقين؟

-مردُّ ذلك أنني أحبذ الاعتماد على الشخصيات النامية. ومع كل فعل تتطور حركتها في نسيج السرد مما يضفي على القصة نوعا من التشويق الذي لا يمكن مقاومته. أيضا، في مراجعاتي للنصوص، حذفت العديد من الحوارات لأنني حسب رأيي المتواضع لم أرها ضرورية وقد تبطئ حركة السرد فيتسلل الملل الى نفس القارئ ويحجم عن إكمال القصة. ومن المهم شد انتباه القارئ من البداية الى النهاية، وهو تحد في حد ذاته.

-لوسيفر، شارون، هيراكليس، ماريونيت، اتروبوس، شيزوفرينيا، بورفيريا، القونة، أرجيريا. ما حكاية هذه العناوين الغريبة لبعض قصص مجموعتك "لاعب الظل"؟

-عناوين غريبة صحيح، لكن أغلبها موجودة وحقيقية لمسميات لا نلتقيها كل يوم، وحتى نعثر عليها يجب الحفر عميقا. والرغبة في البحث تحددها الميولات ،فأنا أحبذ الاشياء الغريبة وغير المألوفة. وافتتاني بمجالات معرفية معينة يجعلني أعثر على الكنوز على غرار الأساطير وعلم النفس وعلم الأمراض الذي يرصد أمراضا نادرة، واهتمامي بالظواهر الغريبة والغامضة. كل هذه العناوين التي ذكرتها لم تأت سهلة في المتناول بل تطلبت بحثا وعودة الى مصادر كثيرة ومتنوعة ورهاني هو عدم التكرار واختيار عناوين غريبة أو صادمة تجبر القارئ على التوقف والتساؤل وتدفعه الى قراءة القصص بشغف.

-من هم آباؤك القصصيون؟ وضحي لنا شجرة نسبك الأدبي لكي نعرف أكثر من أنت، وكيف علينا أن نقرأ "سرودك" بعين متفحصة من جديد.

-آبائي كُثر. ليس في القصة القصيرة فحسب، بل في الرواية أيضا، والمسرح الذهني. وكلهم ساهموا من بعيد أو قريب في منسوجاتي السردية. فهناك علي الدوعاجي والبشير خريف، وبعدهما عبد الواحد ابراهم ومحمود المسعدي من تونس، وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور ونجيب محفوظ ويوسف ادريس من مصر. أيضا، زكريا تامر وحنا مينا من سوريا، ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وإلياس خوري من لبنان، الطاهر وطار ورشيد بوجدرة ومولود فرعون من الجزائر. ولا أنسى السوداني الكبير الطيب صالح بروايته موسم الهجرة الى الشمال، والروسي تشيخوف، والفرنسي موباسان، وغيرهم من الآباء الذين تأثرت بهم لأنهم أصحاب تجارب أدبية من المهم التوقف عندها مرارا وتكرارا. فلا تكاد تمر سنة دون أن أعيد قراءة معظم آثارهم من أجل المتعة والتمعن والتعلم.

-أين تضعين نفسك، اذن، ومن ثم قصصك، في خضم التيارات الأدبية الحالية في تونس؟

-أحاول أن لا أكون كلاسيكية. وبحكم تجاوزنا للحداثة وما بعدها، أجرب أن أواكب التطور المعجمي والموضوعاتي مع الحفاظ على مسلك الواقعية بطريقة ما لأن بعض التيارات لا تصمد اليوم أمام المتغيرات التي تشهدها الانسانية والكم الهائل من القضايا المنبثقة من الراهن اليومي. وعلى الكاتب هنا أن يجاري هذا النسق لأن الكتابة محاكاة للعيش وللحياة وهي جس للمنعطفات والظواهر التي تطفو على السطح بأشكال متجددة دوما.

-انا قصدت تحديدا أين تموضعين أدبك في خارطة القصة التونسية؟ في اي اتجاه ترين نفسك؟

-للأسف، خارطة الأدب التونسي تسيطر عليها الرواية أساسا.

-قد لا أوافقك فهناك ايضا خارطة واسعة لفن القصة القصيرة بتونس.

-نعم لكن من النادر أن نرى من أكمل مشواره في القصة القصيرة فقط، بل إن أغلب الكتاب يراوحون بين القصة والرواية والشعر.

-نقديا، لا يتم الحساب هكذا، كما أظن، بل بالقصص التي تنشر مفردات ومجاميع، والحركية القصصية في تونس قوية وواضحة ولا أدل على ذلك من نادي القصة ومجلة قصص المتخصصة بنشر القصص القصيرة.

-صحيح لكن لا يمكن أن ننكر سيطرة الرواية. وإذا ما كان علي أن أجيب بشكل ما على سؤالك، فدعني أقول لك انني أرى أن قصصي من النصوص المهمة في عالم القصة بتونس. أولا لأنها كتبت بدقة ومهارة فنية، وثانيا لأنها لصيقة بالمجتمع ومشاغله وهمومه، فبالتأكيد سيكون لها مكان ما حتى لو كان صغيرا، إذ سيكبر قليلا قليلا، مع تطور اهتمام القراء والنقاد.

-لديك عدة قصص في كتابك هذا تتحدث عن الثورة التونسية العظيمة التي اندلعت في 14 يناير 2011. لا يهمني كيف عشت أنت الثورة شخصيا وأين كنت حينها. ما أريد معرفته منك هو بالتحديد هل ستبقى الثورة التونسية معينا ملهما للكتاب، وبخاصة منهم كتاب القصة القصيرة؟

-في كتابي "لاعب الظل"، هنالك قصتان بارزتان عن الثورة وهما طرحان مختلفان لحدث واحد. الثورة التونسية رافقتها العديد من الأحداث والغامضة والحكايات المدهشة والمريعة. ولقد حدثت جراء احتقان اجتماعي انفجر بعد حادثة إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه، رغم وجود ارهاصات كثيرة سبقت وقوعها كأحداث الحوض المنجمي. لهذه الثورة أسباب ومسببات وتداعيات كثيرة، ومن الطبيعي أن يتخذها الكتاب خاصة رواد المدرسة الواقعية موضوعا شيقا سيالا يتناولونه في شتى إبداعاتهم. ان النصوص الحية المؤرخة لما يحدث لا تكتب مباشرة بعد وقوع الحدث بل بمسافة سنوات حين ينضج الحدث في الفكر عند كل الفئات ومتى تمت الاحاطة بكل ظروفه وفهمت نتائجه من خلال اسبابه سيكنز الكاتب مادة قابلة للتشكيل عدة مرات كالصلصال تماما. والثورة التونسية وبعد هذه السنوات التي مرت عليها ما زالت تسيل حبر المؤلفين. وأتوقع بروز أعمال سردية طويلة تتناولها من زوايا مختلفة لأننا الى الآن ما زلنا ننتظر كشف خبايا وأسرار يعرفها قلة قليلة من الناس، وبقيت حكرا عليهم.

-أنا أرى، بوصفي قارئا ناقدا، إن هذه المجموعة القصصية "لاعب الظل" قد ضمت بين طياتها تناولات وتطرقات لقضايا وظواهر طفت من عمق الظل والهامش، إلى مركز الوجود والحياة، وقد تنوعت مواضيعها والقضايا المثارة فيها بين الواقع والخيال والأسطورة والفلسفة ومحاولات فهم الموت. الى اي مدى يمكن اعتبار قصصك انعكاسا لواقع مرير معاش، خبرته انت بنفسك وكنت شاهدة عليه؟

-ما الفائدة في تسليط الضوء على مكان مضاء أصلا ويتمتع بعافية متفق عليها؟ منطقة الظل هي منطقة خلفية لا تصلها أضواء المركز محرومة من أبسط الأشياء. هي مكان مأهول بأناس مرئيين وغير مرئيين نراهم ولا نراهم في حين هم يرون كل من يعبر الضوء أمامهم، كأن لاعب الظل هنا لعبة بين الظل والضوء. العتمة المسيطرة في ذلك الحيز كانت بيئة مناسبة لتكاثر مشاكل وظواهر تجاهلها أدى بها الى أن تطفو على السطح بطرق وأساليب شتى. هي صرخة مريعة تجلب الانتباه إلى مكامن مريضة تكاد تودي بالجسد الذي تنتمي اليه، على غرار الإرهاب، الأمراض، الجرائم والتطرف، الهجرة غير الشرعية وغيرها من القضايا. واذا تمعنا في أسبابها الأولى سنجدها كلها تدور في فلك التهميش وغياب العدالة الاجتماعية والتنمية. ولأني أكتب من عمق المجتمع الذي أنتمي إليه، مجتمع الظل، فقد جاءت كل مواضيع قصصي وأفكارها من عمق ذلك الظل وهو أمر طبيعي وإلا كان سيحدث انبتات بيني وبين ما أكتب. سواد الواقع جعلني أعزف عن نقله مبسطا كما يحدث أمامي، ولجأت إلى الأسطورة والفلسفة والمخزون الشعبي والخيال أيضا لطرح هذه القضايا الطافحة كالخراج الذي يطفح على الجلد وفيه من العفونة والنتانة ما لا يشفى الا بالمداواة. وما تسليطي الضوء على مناطق الظل إلا محاولة مني للجس والمعاينة ولفت النظر، لأن قصصي هي محاكاة وانعكاس لهذا الواقع الأسود الذي أصبح فيه الانسان أرخص من كل السلع المعروضة للبيع. باختصار، كتاب لاعب الظل هو محاولة إعادة القيمة والمعنى للإنسان وانقاذ انسانيته من براثن إتاوة ندفعها عن التقدم الحضاري والتطور التكنولوجي. ستتحول هذه الحياة الى مأساة وهذا العالم الى سجن انفرادي لكل واحد منا ما لم نبادر الى انقاذ ما بقي من هذا الإنسان وبث روح جديدة تخرجه من منفاه الطوعي، ومن قبر العتمة.

-شخصيات قصصك، كما أراها، ترنحت ما بين قلق الهوية والروح العبثية، ثم سقطت في براثن المرض والإحباط، مما أودى بها إلى براثن التعصب والإرهاب والهجرة غير الشرعية وبيع الأعضاء والأمراض النفسية والعضوية والعبور الجنسي والاغتصاب. انت قدمت أبطالا أنهكهم الزمن الحداثي ووقعوا ضحايا الفساد والأفكار الاستئصالية المتطرفة أدت بهم إلى نهايات مأساوية. هل صحيح ما قلته الآن، وقلته في اكثر من مناسبة بأن شخوص قصصك هم من الواقع العياني؟

-من منا لم يكن فريسة لإحدى المشاكل؟ من منا لم يجافه النوم وأسئلة وجودية تتوالد في ذهنه بلا رحمة وفي النهاية يقف في ممر مسدود وضيق لاستفهام عصي يسأله عن هويته: من أنا؟ كما قلت لك، أنا أكتب من أجل اكتساب المعنى حتى تتشكل الملامح ومن ثم تتحدد الهوية، ولا أمَلَ للحديث عن إنسان يعيش في الضوء وإنسان يعيش في الظل. ما نعرفه جميعا إن الانسان هو الإنسان ولا يتجزأ. للأسف، الآن وقع في فخ هذه التجزئة وهو ما أثر فعلا في تحديد إجابات دقيقة بعيدا عن لعب المفاهيم. أي، هناك فشل في طرح أسئلة صحيحة، مع تقدم ايقاع الرأسمالية والنمذجة والفردانية. نحن اليوم نعيش عصر "ما بعد بعد الحداثة". واذا كان هناك من قبل ثمة أمل في الخروج من عنق الاستلاب والعبثية، فإن هذا الأمل قد مات، مع تصاعد وتيرة حركة العنف في العالم، وأصبح الأفراد مجرد أشخاص فقدوا قواهم وأفكارهم الحرة التي تساعدهم على اكتشاف أنفسهم من جديد. بالمختصر، هم بقايا من البشر لا يتعرفون على أنفسهم تحكمهم ردود أفعال فقط لكأنه وقع تدجينهم واستعمالهم أدوات ودمى في مسارح العنف والتوتر والجرائم. كان من الطبيعي جدا أن أقدم أنموذج الانسان المتواجد في هذه الحقبة "الما بعد بعد حداثية" لأن النسق العام في كل العالم أفقده قيمته، وَحَدّ من مقاومته فاستسلم وأوجد حلولا معاكسة للمنطق أغرقته وزادت في ضياعه. أبطال قصصي هم من هؤلاء، من المستنقع العياني، فلماذا أكتب عن بحيرة جميلة يسبح فيها ثري يتمتع بصحة جيدة ويعود مساء لبيته ليقرأ قليلا ويشرب ثم ينام قريرا؟ الكتابة بالنسبة لي هي النزول الى ذلك المستنقع الواقعي والخوض في قذاراته بشجاعة، وإلا ستكون مجرد أداء لا روح فيه.
التقاها: حكمت الحاج

ينشر هذا الحوار بالاشتراك مع مجلة "كناية" الرقمية المستقلة، وبين موقع "الحوار المتمدن"، وفق العنوانين أدناه:
www.metonymykinaya.com
www.ahewar.org

(كل الحقوق محفوظة. ولا يجوز الاقتباس او التضمين دون الإشارة إلى طرفي الحوار وإلى الناشرين أعلاه).



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة_ إميلي ديكنسون
- الشعر، ما هو؟
- السايبرفورمانس نحو مسرح رقمي عربي
- لاجئون
- الرقم العظيم خمسة..
- هذا فقط لكي أقول..
- تَحْفرُ الخيولُ قبرَ الفجرِ..
- حواران متأخران مع فؤاد التكرلي ومحمد الهادي الجزيري..
- يوليسيس في المدينة..
- قصيدتان من شمال العالم: عشتار وأتروپوس
- عشتار إلهة الليل
- فارس الموت الأبيض
- أتروپوس اللامستدعى مع مقصاته
- اخترت حبك- من أشعار مولانا
- بيللا فيتا كافيه
- أخيرا تزوجت.. قصة قصيرة مترجمة الى الإنكليزية
- جِنّ ، دراما عن العمى والبصيرة في أحد عشر مشهداً..
- يا راكب الحمرا..
- *هل ما زال هناك مسرح ملتزم؟
- ضرورة مسرح الحقيقة، ضرورة بريشت..


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - حوار حكمت الحاج وعواطف محجوب عن لاعب الظل والقصة القصيرة