رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7197 - 2022 / 3 / 21 - 21:05
المحور:
الادب والفن
خريف المدن في قصيدة
"على مقهى الصمت"
علي المحمودي
"على مقهى الصمت
اجلس كخريف مقعد
تهزمني حكايات المارة
أسمع مذياع الريح
اتدثر بغيوم اللحظات
ونقيق الساعة يدق
يشي بعبور النصف الآخر
من نهر الليل الأخرس
اشرب فنجان القهوة
موشوما بضباب الوقت
يتحرك رقاص الساعة
يمينا ويسارا
يتخطى حدود الصمت
يسكن.. ...يمتد
كشروخ الحائط
في كف النادل
فنجان يهوي
فوق مائدة مصلوبة
تقبع وسط فراغ
يملأ حاشية اتكئ عليها
وكرسي خال من جالس
يمسك بجريدة ويراع
منهمكا وسط الكلمات
يبحث عن حل
أجلس والنرد
افك طلاسم أزمنة
كمقامر ينتظر رهانا
يهزم مهزوما من ذات
ويواري حلما في القلب
من مقهى الصمت
أرحل والليل
كستائر من خلف نوافذ
شبح الأيام توارى
انتصب هناك كتمثال
في وسط الشارع
رقاص الساعة دق
اجراس تضرب
ومآذن ترفع صوت الحق
النبأ الآخر
مات الوقت"
الشاعر/الأديب يكتب واقعه، فهو يتأثر بما هو حوله، وبما أن واقعنا في المنطقة العربية في الحضيض، وهذا ينعكس سلبا على مضمون الأدب، لكن الأديب/الشاعر يعرف كيف يقدم مادة قاسية بصورة ناعمة، بحيث تخفف على المتلقي شيئا من تلك القسوة/الألم، في قصيدة "على مقهى الصمت" يمكننا أن نعتبرها نموذج على هذا الأمر، فهناك خريفية تغطي القصيدة، وفي المقابل هناك فضاء اللغة الشعرية تعطي القارئ آفاقا ليحلق في الصور التي رسمها الشاعر.
المكان/البيئة التي يتوجد في الشاعر تفرض نفسها عليه، من هنا نجد مظاهر المدينة من خلال العنوان "مقهى" ومن خلال الألفاظ التي يستخدمها: "مقعد، المارة، أسمع مذياع، نقيق الساعة، فنجان القهوة، ضباب الوقت، الصمت، كشروخ الحائط، النادل، مائدة مصلوبة، كرسي خال، النرد، مقامر، رهانا، طلاسم أزمنة، يهزم مهزوما، شبح الأيام، وسط الشارع، رقاص الساعة" فهذه الألفاظ تشير إلى خريفية المكان وضجر الوقت، بمعنى أن هناك نفور من المكان ومن الوقت، لهذا تناولهما بصورة خريفية.
وإذا ما توقفنا عند القصيدة سنجدها خالية من حضور المرأة والطبيعة، إذا ما استثنينا: "نهر، ضباب" وهذا يؤكد على حجم القتامة التي يمر بها الشاعر، فالمكان يحاصره والوقت يسلطه، لهذا لم يتح له التفكير بغير ما هو فيه.
الواقع البائس كان لا بد من تقديمه بطريقة تخفف على القارئ، فكانت الصورة الشعرية هي الطريقة لتجاوز خريف الزمان والمكان، فقد نشر الشاعر مجموعة كبيرة من صورة في القصيدة، حتى أننا نجدها تغطي كل مساحة القصيدة:
"اجلس كخريف مقعد/ أسمع مذياع الريح/ اتدثر بغيوم اللحظات/ ونقيق الساعة يدق/ موشوما بضباب الوقت/ منهمكا وسط الكلمات" فهذه الصور منحت جمالية للقصيدة بحيث أزالت الخريفية الكامنة في المضمون، بحيث يستمتع بها المتلقي فتجعله يتجاهل تلك القسوة التي يحملها المضمون.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر كباريه فولتير
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟