أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد حسين النجفي - تبعات التبعية: قصة فتاة كربلائية














المزيد.....

تبعات التبعية: قصة فتاة كربلائية


محمد حسين النجفي
رئيس تحرير موقع أفكار حرة

(Mohammad Hussain Alnajafi)


الحوار المتمدن-العدد: 7196 - 2022 / 3 / 20 - 03:26
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


"رحلتْ بخطواتٍ ثابتة الأقدام، تاركةً ورائها موظفاً بائساً يائساً مُعقداً،
يتصنع الرجولة على حساب فتاة يافعة في مقتبل الحياة"

هناك متطلبات وأوراق ثبوتية نحتاجها في كل مرحلة من مراحل حياتنا. فعلى سبيل المثال لكي يُقبل تسجيل الطالب في المدرسة الابتدائية، لا بد له من ان يقدم هوية الأحوال المدنية، أو دفتر النفوس كما كان يسمى سابقاً، كي يوثق بها اسمه وعمره. أما القبول في الجامعات العراقية فكان يتطلب ان يثبت الشخص عراقيته عن طريق استحصاله على شهادة الجنسية العراقية.

يذهب الطلاب بمفردهم او مع ذويهم مُزودين بالمستندات العائلية التي لديهم الى دائرة الجنسية العراقية. وهناك يكتشف البعض ان ليس كل العراقيين، عراقيون! فبعضهم ينحدرون من عوائل تحمل شهاداتهم "التبعية العثمانية" وهم مواطنون من الدرجة الأولى، وآخرون ينحدرون من عوائل تحمل شهاداتهم "التبعية الإيرانية" وهم مواطنون من الدرجة العاشرة أو أدنى. وطبعاً هناك عوائل لا يحملون أي من الإثنين، لأنهم لم يحتاجوا اليها، او لم يستطيعوا الحصول عليها، وهؤلاء لم يصنفوا مواطنين بعد!

 تصبح الحاجة الى شهادة الجنسية ضرورية، للتعيين الوظيفي الحكومي، او للحصول على جواز السفر، او للقبول في الجامعات، أو للحصول على امتيازات تجارية مثل القبول في غرف التجارة أو الحصول على إجازة استيراد البضائع من الخارج. والحالة الأخيرة هي التي اضطرت والدي ان يتقدم للحصول على شهادة الجنسية ويحصل عليها عام 1951.

كان عام 1965 عام تخرجي من الإعدادية. وكان لابد لي من استكمال اوراقي للتقديم المركزي للجامعات العراقية، ومنها شهادة الجنسية. ذهبتُ بكل فخر واعتزاز كوني خريج بمعدل جيد يؤهلني للتقديم الى اي كلية ارغب بها. أخذت معي الأوراق الثبوتية من والدي، وقدمت الطلب عن طريق العرضحالجي، وذهبت الى الواردة، وأحالوني الى مفوض شرطة الذي طلب مني ان أعود بعد يومين. يجلس هذا المفوض الكفوء الذي لازلت أتذكر اسمه في غرفة بمفرده، نحيف أصفر الوجه، ذو شوارب سوداء من نوع الذي يشكل أطار يبلغ شفته السفلى . شرطي واقفٌ أمام مكتبه، نسأل الشرطي عن معاملتنا، لأننا لا نجرأ ان نسأل من بيده أمرنا. نعم بيده مطلق الصلاحية ان يقرر من هو عراقي ومن هو ليس عراقي. من هو عراقي عثماني من الدرجة الأولى، ومن هو عراقي تبعية إيرانية مشكوك بعراقيته ووطنيته وولائه لتربة الوطن.

ما زالت معاملتي مُستعصية مع المفوض الحريص على نقاء عثمانية العراقيين. علماً أن تركيا تبرأت من الإرث العثماني على يد كمال أتاتورك. ذهبت للمرة الثالثة أمام باب الوالي العتيد. واقفين أنا ومجموعة من الشباب للغرض نفسه. من بين المراجعين فتاة من عمرنا، منتهى الجمال والوقار، تلبس العباءة السوداء بكل أناقة واحتشام. حُسنها يفرض عليك ان تختلس النظر اليها بين الحين والحين. إلا انها كانت متمكنة من نفسها، لا يمكن لأحد منا ان يتجاوز حدوده معها. طال انتظارنا أمام مكتب الباشا. عبرنا منتصف النهار دون ان يترحم بنا وبشبابنا بمعلومة عن معاملاتنا. طلبت الفتاة الأنيقة من الشرطي ان يبلغ سيادته من أنها من مدينة كـــــــربلاء، ولا تستطيع التأخر لانعدام المواصلات مساءاً. دخل الشرطي وخرج بخفي حنين، وأبلغها ان عليها القبول بالانتظار. انتظرنا بعد ذلك ساعة او ساعتين، وسنحت للفتاة فرصة ذهبية حينما خرج سيادته من مكتبه، فمالت عليه بتردد وتواضع، وطلبت منه بكل رجاء ان ينهي معاملتها كي تعود الى كــــــــــربلاء، لأن أهلها سيقلقون إذا لم تعد قبل جنوح الظلام. انزعج سيادته وغضب من جرأتها على إيقافه وهو بالطريق الى الحمام، وأخذ يشتمها بكلمات نابية، وكفخها (ضربها) على رأسها بقوة أسقطت عباءتها. ولم يتوقف عند ذلك، بل أستمر في الشتائم بطريقة تنم عن حقد متأصل في نفسه وعقيدته، لفتاة عراقية مجتهدة تروم التعلم كي تخدم وطنها، لا لشيء، إلا احتمالية ان تكون من أصول ايرانية. ظلت الفتاة واقفة، لملمة نفسها ولبست عباءتها بسرعة هائلة. لم تبكي ولم تنحني، واستدارت بكل شموخ وكبرياء، ورحلت بخطوات ثابتة الأقدام، تاركةً ورائها موظفاً بائساً يائساً مُعقداً، يتصنع الرجولة على حساب فتاة يافعة في مقتبل العمر. ومن سخريات القدر ان يصبح هذا المفوض لاحقاً مديراً عاماً للجنسية.

  
#التبعية_الأيرانية          #التبعية_العثمانية          #الجنسية_العراقية

موقع أفكار حرة
www.afkarhurah.com



#محمد_حسين_النجفي (هاشتاغ)       Mohammad_Hussain_Alnajafi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم تحولت النوادي الرياضية الى معتقلات
- بيروت: مازلتِ ألاحلى في عيوننا
- التعليم العالي بين الأمس واليوم: الطالبة (س) نموذجاً
- قوة الأشياء
- مقاطعة الأنتخابات: البديل الأضعف
- نوري باشا السعيد: ملك العراق غير المتوج
- جَلسة عمل ساخنة في الحرم الجامعي
- رمضانيات(3): دروس مبكرة في العطاء
- رمضانيات (2) أموري في الصحن العلوي
- رمضانيات (1): في حضرة الأمام علي (ع)
- رمضانيات(4): النجف الأشرف: نموذج للتعددية والديمقراطية
- الملك فيصل الأول: طموحات، إنجازات وأخفاقات
- ما قبل تأسيس الدولة العراقية
- الأنتخابات الأميريكية بعيون عراقية
- البديل الأنتخابي: تحديد الدوائر الأنتخابية
- سيرة استاذ جامعي في العراق: د مهدي العاني نموذجاً
- امن الموارد المائية: مشكلة عراقية ليست إلا
- لعبة الأستفتاء
- دور الشعائر الحسينية في المجتمع العراقي
- تحرير الموصل ومستقبل الصراعات المسلحة


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد حسين النجفي - تبعات التبعية: قصة فتاة كربلائية