أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - سحر بوتين الذي إنقلب على صاحبه وحقق نقيض أهدافه















المزيد.....

سحر بوتين الذي إنقلب على صاحبه وحقق نقيض أهدافه


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 7185 - 2022 / 3 / 9 - 18:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حينما أقدم بوتين على إتخاذ قرار غزو أوكرانيا وأعطى أوامره بذلك، لا بد وأن هنالك أهداف معينة كان يسعى لتحقيقها، لم يخفي بعضها، مثل عزل أوكرانيا عن أوروبا، وإسقاط عاصمتها وربما محوها من الخريطة، وتهديد أوروبا وتشتيتها، ودفن أسطورة حلف الناتو وأوروبا الموحدة، وإنهاء مبدأ القطب الواحد الذي يحكم العالم ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية وإحراجها. لكن حتى الآن يبدو أن بوتين قد حقق بحملته العسكرية النقيض تماماً مما كان يسعى إليه، وأن خطته باتت متعثرة في أكثر من جانب، رغم إدعاءه بأن كل شيء يسير على ما يرام وكما مخطط له. فهل خطط بالذكاء الذي كنا نظن أنه يتمتع به، لكنه أخطأ بالتقدير؟ أم كان قراره لحظة رعونة لزعيم معتوه مصاب بجنون العظمة؟ أم أنه غبي، رغم أن تأريخه يثبت عكس ذلك؟
فأوكرانيا كانت حتى الأمس القريب دولة منغلقة شبه معزولة عن أوروبا الغربية، لكنه جعلها محط أنظار ليس فقط أوروبا، بل والعالم، الذي بات متعاطفاً معها راغباً بمساعدتها. وكانت بالأمس تتوسل مُبدية رغبتها بدخول الإتحاد الأوروبي والناتو، ويأتيها الجواب دائماً بالرفض لعدم إستيفائها للشروط، ولإن رغبتها كانت تعتبر غير مُبَرّرة، لكنها باتت اليوم رغبة مشروعة قابلة للنقاش. وتوقع بوتين أن يصل الى العاصمة كييف ويسقطها خلال أيام، لكن التوقعات الحالية ترجح إستمرار المواجهات لعدة أسابيع. إضافة الى نجاحه في تحويل ممثل كوميدي لم يكن له حضور يُذكر على مسرح السياسية الأوروبية والعالمية إلى زعيم سياسي بات يقف له كنِد بعد أن كان يتجنبه. كما أنهى الموت السريري لحلف الناتو وأعاد إليه الروح ووحد دوَله الأعضاء. وأعاد الشباب الى القارة التي طالما وصفها أعداءها بالعجوز. وأثبتت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حشدها تأييد ساحق لقرار إدانة غزوه لأوكرانيا في الأمم المتحدة بأنها ما تزال الى حد كبير، القطب الأوحد الذي بإمكانه أن يوجه العالم. وَوَجّه أنظارها إليه، بعد أن كانت قد آمِنَت جانبه وبَدأت تتفرغ للصين. وذكرها بأهمية أوروبا كحليفة لا غنى عنها، وبضرورة تواجدها فيها. بالنتيجة حقق بوتين لأوروبا في خمسة أيام ما عَجز ماكرون عن تحقيقه في خمس سنوات، وهو بلورة أوروبا القوية. بالإضافة طبعاً الى تعريض بلاده لعقوبات صارمة وموجعة، أقرها الغرب وحلفاءه لإضعاف قوة وإمكانيات نظامه، والتي دخلت حيز التنفيذ وبدأت تؤتي ثمارها وتوجع نظامه في العمق بسرعة لافتة.
حملته العسكرية دفعت أيضاً أغلب الدول الأوروبية الى إعادة النظر بسياساتها العسكرية التي إعتمدتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لإجماعها آنذاك على عدم الدخول في حروب مع بعضها البعض بعد ما عانته من ويلات. كألمانيا مثلاً، عملاق أوروبا النائم الذي أيقظه بوتين، والتي أعلنت قبل أيام تخصيص 100 مليار يورو لصندوق خاص يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة الألمانية، بعد أن وَضَع صُنّاع القرار في برلين أياديهم على القصور الذي تسَرّب الى مفاصل هذه القوات خلال السنوات الماضية، سواء فيما يتعلق بجاهزيتها القتالية، أو مواردها المالية، خلافًا للسياسة الألمانية المعتمدة منذ عقود. فقد كانت الحكومات الألمانية مِن أكثر الحكومات الأوروبية ترَدّداً في تعزيز منظومتها العسكرية وزيادة ميزانية الدفاع. وهو ما جعلها عُرضة للإنتقاد بسبب الحالة المُزرية التي وصلت إليها هذه المنظومة، خصوصاً وأن ألمانيا واحدة من أبرز الدول في الصناعات العسكرية.
أما التصويت على قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد كشف حَجم عزلة بوتين بعد أيام معدودة من حملته العسكرية، حتى بين أقرب حلفائه. فقد رفضت الصين مثلاً دعم حليفتها المقربة عبر إستخدام حق الفيتو ضد القرار، وإكتفت بالإمتناع عَن التصويت عليه، وأدلى سفيرها في الأمم المتحدة بتصريحات كانت مخيبة لآمال موسكو، دعا فيها إلى إحترام سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، وقال "يجب أن تصبح أوكرانيا جسراً بين الشرق والغرب، وليس نقطة مواجهة بينهما"، وإكتفى بدَعوة خجولة إلى تفهم مخاوف روسيا من إنضمام أوكرانيا للناتو. وهي فرصة ذهبية ينبغي على أمريكا إستغلالها لإقناع الصين عن طريق الدبلوماسية الناعمة بأفضلية شراكتها وعلاقاتها الإقتصادية الجبارة مع الغرب، على شراكتها وعلاقاتها الآديولوجية الهَشة مع موسكو.
بريطانيا من جهتها، بَدّدت آمال بوتين في تقسيم الغرب، فعلى الرغم من خروجها من الإتحاد الأوروبي، إلا أن الأزمة الحالية، كشفت لها قربها من أوروبا، وهو ما أصاب بوتين في مقتل. فإذا كانت هناك نقطة تحول في تاريخ أوروبا الغربية الحديث قد أحبها بوتين، ستكون بالتأكيد البريكست. فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو مثال لما يهدف إليه الرئيس الرئيس الروسي من خلال سياسته، أي تقسيم أوروبا. كما أن آماله في ألا يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى دق إسفين بين دول الاتحاد الأوروبي المتبقية، وإلى زعزعة استقرار الناتو، لم تتحقق وذهبت أدراج رياح غزوته لأوكرانيا، التي دفعت الأوروبيين الى الإصطفاف أمام ريحها العاتية كبنيان مرصوص، بدلاً من أن تفرقهم كما كان ينتظر. ربما إتسعت الهوة بين بريطانيا وأوروبا في وقت من الأوقات لأسباب معينة قابلة للنقاش، لكن بوتين جعل لندن الآن أقرب إلى بروكسل لأسباب لا نقاش فيها، وجعل الحكومة البريطانية تدرك أن مكانة بريطانيا عالمياً وليس فقط جغرافياً تكمن في أوروبا، وأن مصالح بلادها الأمنية مرتبطة بمصالح الاتحاد الأوروبي الأمنية، وقد عَبّرَت بدَورِها عَن ذلك مِن خلال شحنات الأسلحة المبكرة التي أرسلتها إلى أوكرانيا، الى جانب جهود جونسون لحظر البنوك الروسية من شبكة Swift. منذ الأيام الأولى للغزو وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي تسير في نفس الاتجاه، إذ يتم تبادل المعلومات الإستخبارية وتنسيق العقوبات الاقتصادية بشكل وثيق بينهم، ومع الولايات المتحدة طبعاً. فالحلفاء الغربيون يتصرفون اليوم كواحد، كما لم يسبق لهم أن فعلوا منذ عقود. ولديهم عدو مشترك واحد،هو الجالس في الكرملين. بالتالي حرب بوتين بدّدَت الأوهام التي نشأ عنها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي تمثلت في حُلم "بريطانيا عالمية" عِبر الإبتعاد قليلاً عَن أوروبا إقتصادياً وسياساً وأمنياً، والتوجه أكثر نحو أسواق إقتصادية وتحالفات أمنية في أماكن أخرى من العالم، ربما كان بوتين يَحلم أن تكون بلاده إحداها.
حتى الطقس غَدَر ببوتين، وجَرَت رياحه بما لا تشتهي دباباته. فالربيع في روسيا وأوكرانيا هو موسم ذوبان الثلوج وتحول التربة الى طينية، وهو ما سيُعيق ويشل حركة قطعات بوتين، ويعطي أفضلية للأوكرانيين في مواجهتها، خصوصاً وأنها تعاني مِن التوقف بين حين وآخر، بسَبب نجاح الأوكرانيين في قطع إمدادات الوقود عنها، وإعاقة وصولها للمناطق المستهدفة، وتحولها الى هدف سَهل لقناصيهم. بالإضافة طبعاً الى تدَنّي الروح المعنوية لبعض قطعات الجيش الروسي، والتي تسَبّبَت أحياناً بإستسلام أو هروب البعض، بعد أن واجهت مقاومة شرسة لم تكن تنتظرها، وبأسلوب لم تكن تتوقعه يعتمد على الدفاع في العمق، مما أضعف قدرتها على المناورة. بالتالي المعركة التي يخوضها بوتين في أوكرانيا اليوم، ليسَت تلك التي توَقعها وأوهَم بها جيشه! فقد كان يفترض أن تكون سريعة وخاطفة لا بطيئة ومتعثرة كما يحدث الآن، وأن تحقق أهداف معروفة نعيش اليوم نقيضها، وهو على الأغلب ما لم يكن بوتين ينتظره أو يتوقعه! فهل سيتوقف ليعيد حساباته؟ أم سيَمضي في طريقه المجهول العواقب الى النهاية عملاً بمقولة الطغاة المستهترين من أمثاله "عليّ وعلى أعدائي"؟



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عِلّة العراق ليست فيه بل في أزمة وعي ساكنيه
- عراق الأخوة الأعداء أو الأخوة عراقازوف
- ماركوس زودر.. واثق الخطوة يمشي مَلَكاً الى مستشارية ألمانيا
- عام على كورونا! تعددت الأسباب وجُرم الصين وإيشغل واحِدُ
- هل كانت عودة حسين كامل لموت محقق، خيبة بخفي حنين، أَم مجازفة ...
- فاروق الفيشاوي.. طائر الكناريا الذي حلق بعيداً
- المايسترو إنيو موريكوني .. هدية الموسيقى الى السينما
- أوركسترا دار الحفلات الموسيقية تحتفل مع قائدها إشنباخ بعيد م ...
- إنقلاب المالكي 2010 الذي أضاع مستقبل العراق
- مأزق ثورة تشرين العراقية الذي يُمَيّزها!
- وصِيّة الخميني التي نَفّذها له العراقيون بِقَصد أو سَذاجة
- بين وفاء التونسيين للسَبسي وجحود العراقيين للباجه جي
- تظاهرات الشارع العراقي بين الواقع والطموح
- -سلام عليك- هل هو نشيد وطني أم أغنية وطنية ودينية!
- السُلطة بين مَدينية عَلاوي والعبادي، وتَرَيّف الجعفري والمال ...
- الأبداع لا يَصنع النهضة في عَصر إنتكاسة الوعي!
- إستفتاء البرزاني وإستقالة الحريري
- داعش والحشد، عتلتان تُعَشِّقان بعضهما في مشروع فارسي واحد
- الفكر الديني يواجه بفكر ليبرالي محايد لا بضِد إلحادي!
- إنسانية الفرد أبقى له من دينه ومَذهبه وعِرقه!


المزيد.....




- -علامة على الحظ الجيد-.. مصورون يرصدون حيوان موظ أبيض نادر ف ...
- -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا ...
- آية قرآنية عن قوم موسى يستشهد بها إعلامي إسرائيلي لدخول الأر ...
- عن الموت.. تفاعل على آخر تدوينة من بدر بن عبدالمحسن قبل تداو ...
- آخر تحديث لعدد القتلى في غزة منذ 7 أكتوبر تكشفه الصحة في الق ...
- تقرير إسرائيلي يكشف: قطر مستعدة لإبعاد قادة حماس من الدوحة ف ...
- فوتشيتش يرى أن شي جين بينغ يمكنه المساعدة في إنهاء بعض الحرو ...
- عريس جزائري يحدث ضجة في مواقع التواصل بهدية غريبة لعروسه (في ...
- بالتأكيد لا.. وزير الدفاع الإيطالي حول احتمال تدخل جيشه في أ ...
- النشر الإلكتروني يزاحم طباعة الكتب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - سحر بوتين الذي إنقلب على صاحبه وحقق نقيض أهدافه