أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - احمد الحمد المندلاوي - لسراج المنير 24-2-2022م















المزيد.....



لسراج المنير 24-2-2022م


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7172 - 2022 / 2 / 24 - 15:01
المحور: المجتمع المدني
    


ا
النخيل
لا تكفي ذرف الدموع على ذاك الكرم الاصيل
لكي في نفوسنامحبة زرعها الرب الجليل
....
أقبل علينا عيد النوروز سنزور مدينتنا و نصلي على أرضها صلاة الظهرين قصراً لمن أعرض عنها و تماماً لمن اتخذها وطناً و لم يعرض عنها عمكم الشيخ محمد امحان الحبيب الزهيري
،،،،
ترحموا عليه عليه فهو الذي علمنا و هذبنا و زرع المحبة في قلوبنا للدين و رجاله ،حقيقة كان الملا عزيز خسرو مفتي قضاء مندلي المدينة التي عرفها التاريخ بقدمها و ثبات الاصول فيها هي و ناحية قزانيةو قراها صدق و طيب.أخوة انسجام،كرم الضيافةو الدليل كانت مضائف الكرام مأوى الضيوف ليوم و يومين أو ثلاث أيام خدمة و تقدير و احترام و يضاف لهذة الخدمة أجل الله القارئ الكريم ،كان مربط الخيل معد للخيل ..خيل الضيوف و خدمة الخيل ماء ووجبتان من الشعير و غيرها.
نعم لا فندق و لادور ايجار و كانوا يرددون هذه العبارة:
(هله ولك هله هله يبه هله بالضيف )
آه و حسرات على الماضي الجميل ،و كيف تركناكِ و أقدمنا على الرحيل ،
أهملت أرضكِ الطاهرة مشفى العليل ،
تركناكِ و حرقت ثماركِ و آلاف النخيل


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الى حفيدتي مريم /

# شعر لأطفالنا الأعزاء من ديواني(حان الفرح)

صديقتي مريَمْ
جميلةٌ ورائعَةْ
*****
كلامُها بلسَمْ
مثلُ الثّمار اليانعَةْ
*****
قالَتْ أخي أكرَمْ
يهوى فنونَ الطابعَةْ
*****
في بيتِنا مرسَمْ
رسمتُ شمساً طالعَةْ
*****
أعرفُ كلَّ مبهَمْ
بالقراءات النافعَةْ
*****


عناية الإسلام بالمبدعين
عناية الإسلام بالمبدعين

محفوظ ولد خيري

أولى الإسلام الشخصية الإنسانية عناية فائقة،وجعل بناءها وتطويرها من أولوياته التي تقوم على مقاييس محددة في غاية الدقة والإتقان، بخلاف المقاييس البشرية التي ترتكز في معظمها على الأهواء البشرية والمصالح الضيقة.


الشخصية الإبداعية

أولى الإسلام الشخصية الإبداعية عناية فائقة، والمقصود بالشخصية: النظام المتكامل الذي يشمل كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية الفطرية الموروثة، وكذلك الصفات والاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة..

أما الشخصية الإبداعية: فهي مجموعة الخصائص والصفات الشخصية التي تحفز الإبداع في الإنسان.

ولا يخفى أن من أبرز خصائص العقل الإبداعي: الإدراك الجمالي، واكتساب القيم الجمالية؛ فالتربية الجمالية درجة ارتقاء للعقل في معراج الفكر وتحليق للروح في فضاء الإيمان الوضيء، فهي توسّع الفضاءَ المعرفي والوجداني، وتجعل مدرِك الجمال أقرب إلى مبدِع وخالق الجمال، وإذا أضفنا إلى ذلك أن مدرِك الجمال يمتلك وجدانًا حيًا يقظًا، "فقد نجد المبدع شخصًا ذا حساسية مرهفة وقدرة على الإدراك الدقيق للثغرات والإحساس بالمشكلات، فمنظر غروب الشمس قد لا يثير عند الشخص العادي سوى ترقب قدوم الليل، أما بالنسبة للمبدع فقد يكون بؤرة لكثير من المشاعر بمقياس الحساسية المرهفة والوجدان اليقظ".

وحسبنا أن السيرة الحية للنبي "صلى الله عليه و آله وسلم" تؤكد أنه يملك وجدانًا يقظًا وقلبًا فياضًا؛ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159].

لقد راعى الإسلام ورعى في نظامه الأقوم وآدابه البنّاءة كل جوانب الإبداع في النفس البشرية، وقوّم ووجّه هذه الجوانب؛ فأرشد إلى خير السبل في توجيه ملكة الإبداع واستصلاحها والموازنة بين عناصرها جميعًا، وعلى هذه القاعدة الحكيمة عالج الإسلام موضوع الإبداع ككل؛ فحفز جوانب الإبداع الإيجابي في الشخصية الإسلامية من خلال مجموعة من الروافد كان لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإبداعية المسلمة وتمييزها عن الشخصيات الأخرى وذلك من خلال ما يأتي:

أولا- الحث على التفكير الإبداعي:
التفكير الإبداعي: هو ذلكم التفكير الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل، فالعقل ينضج ويتطور والفكر تتسع مداركه وتزداد قدراته على المعالجة والحفظ والتدبر والتأمل من خلال زيادة التفكير المنطقي السليم والذي ليس له محصله إلا الإبداع والتميز.

يقول الدكتور: أحمد زكي: "فالله صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد من هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء وذلك لأسباب عدة من أهمها: أنه مع عقله العاجز لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم ربنا جسم الإنسان وركب هيكله؛ فالإنسان عقل زاخر كثير الوعي، وهو قادر كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة ويلقى في سبيل هذا النظر بعض المشقة، ولكنها تهون في هذا السبيل الذي هو فيه".


ثانيا- بعث روح التفاؤل والإيجابية:
يعد التفاؤل مؤشرا على الصحة النفسية العالية؛ فهو سمة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه حياةً مستقرة سوية، يكون بمقدور صاحبها أن ينتج ويبدع في إنتاجه..

ولذا فإن الإسلام يغرس في شخصية الإنسان التفاؤل والإيجابية، وينأى به عن التقاعس والكسل، حتى على مستوى الكلمة يقولها الشخص في حق نفسه، ولكي يبقى المسلم متفائلًا حرَّر الإسلام شخصيَّته من كلِّ ضغطٍ نفسيٍّ يُمكن أن يؤثِّر عليه، مثل الخوف من المستقبل والهلع من قادم الأيام..

إن مثل هذه الروح الإيجابية التي تغرس في شخصية الفرد المسلم من شأنها أن تدخل الطمأنينة والسعادة إلى نفسه، ثم تنتقل إلى المجتمع ليصبح هذا الفرد عنصرًا فعَّالًا منتجًا ومبدعًا في مجتمعٍ رشيد.


ثالثًا- تعزيز الاعتداد بالنفس وعدم التبعية:
الاعتداد بالنفس شعور داخلي يعبر عما يشعر به الإنسان تجاه نفسه من فخر واعتزاز، وهو يؤدي إلى الثقة بالنفس التي تُكوِّن في النهاية الشخصية المبدعة، وقد حث الإسلام الفرد المسلم على الاعتداد بنفسه، وعدم الركون للذلة والمسكنة، وعدم التبعية، وأن تكون للمسلم شخصيته المستقلة المتميزة..

قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا" [رواه الترمذي].

ومظاهر الاعتداد بالنفس تبرز كذلك في اهتمام الشخص بمظهره الخارجي بغية الحصول على القبول الاجتماعي، ولكن بدون غرور وكبرياء ومغالاة أو إسراف، ومن الاعتداد بالنفس أن لا يتراجع الشخص في قرار اتخذه، طالما لم يتبين له أنه كان مخطئا، ومن صور الاعتداد بالنفس التي عملت السنة على إذكائها تنمية روح التنافس في الخيرات بين الأفراد.

والدراسات العلمية اليوم تُشير إلى أن انخفاض شعور الفرد بأهميته وأهمية الأعمال التي يقوم في الغالب بأدائها تعد من معوقات الإبداع التي تكبح جماحه وتُطفئ جذوة لهيبه في نفوس المبدعين.


رابعا- تحقيق الحرية بمعناها الصحيح:
العلاقة بين الحرية والإبداع علاقة متكاملة ومرتبطة بعضها البعض، فلا إبداع بدون حرية، لأن الحرية هي الضمان الوحيد لإبداع حقيقي يقترب من الواقع بمعطياته، وفي ذات الوقت يأخذ بالحسبان الثوابت التي يسير عليها المجتمع ويتمسك بها، فتكون مصدرًا لانطلاقته الإبداعية..

فالحرية قيمة من القيم الأساسية التي تعمل بمثابة إطار مرجعي ينظم سلوك المبدعين ويحركه، وقد فتح الإسلام بمجيئه آفاقا للحرية أسهمت في تكوين البيئة الخصبة للإبداع، فالإسلام جاء بالتوحيد الذي يجسد الحرية في أسمى معانيها..

والعبودية استلاب لحرية العقل ودفن لطاقاته الإبداعية، يقع المرء من خلالها تحت سطوة اللذة العاجلة واللحظة الراهنة، بيد أن التحرر من العبودية لغير الله دعوة مفتوحة لالتحام بالكتلة العمرانية لنعيد للأمة تميزها ودورها الفاعل، وما التحول المذهل في العقل الجاهلي وإعادة تشكيله إلا من صناعة التوحيد.

من خلال هذه الركائز والروافد بنى الإسلام شخصية إبداعية متميزة، تتمتع بالاستقرار الداخلي ولا تعاني الحيرة والاضطراب والتوهان الذي تعيشه بعض النفوس التَّواقة للإبداع في الحضارات الأخرى، ومن ثم جاءت الشخصية الإبداعية المسلمة متميزة في إبداعها منسجمة مع مجتمعها، فهي لا تعيش انفصاما في الرؤى ولا ازدواجا في المعايير، وهي تعمل وتنتج وتبدع لدنياها في الوقت الذي لا تنسى فيه نصيبها من الآخرة، وذلكم هو جوهر التميز في حضارة الإسلام.
_____
* المصدر: إسلام ويب. 875ك 4/2/2022م



%%%%%%% نسخة ثانية %%%%%%%

عناية الإسلام بالمبدعين

محفوظ ولد خيري

أولى الإسلام الشخصية الإنسانية عناية فائقة،وجعل بناءها وتطويرها من أولوياته التي تقوم على مقاييس محددة في غاية الدقة والإتقان، بخلاف المقاييس البشرية التي ترتكز في معظمها على الأهواء البشرية والمصالح الضيقة.


الشخصية الإبداعية

أولى الإسلام الشخصية الإبداعية عناية فائقة، والمقصود بالشخصية: النظام المتكامل الذي يشمل كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية الفطرية الموروثة، وكذلك الصفات والاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة..

أما الشخصية الإبداعية: فهي مجموعة الخصائص والصفات الشخصية التي تحفز الإبداع في الإنسان.

وغني عن القول إنَّ الرؤية الإسلامية مسارٌ مفتوحٌ لاستشعار الجمال -وبالضرورة الإبداع- واستنطاقه واستيطانه واستلهامه والبحث عنه وتنميته بأبعاده المختلفة ومستوياته المتباينة ومجالاته المتنوعة (الروحية والمادية) حتمًا ضمن الرؤية النابعة من قلب الإسلام والمنضبطة وفق تصوره..

ولا يخفى أن من أبرز خصائص العقل الإبداعي: الإدراك الجمالي، واكتساب القيم الجمالية؛ فالتربية الجمالية درجة ارتقاء للعقل في معراج الفكر وتحليق للروح في فضاء الإيمان الوضيء، فهي توسّع الفضاءَ المعرفي والوجداني، وتجعل مدرِك الجمال أقرب إلى مبدِع وخالق الجمال، وإذا أضفنا إلى ذلك أن مدرِك الجمال يمتلك وجدانًا حيًا يقظًا، "فقد نجد المبدع شخصًا ذا حساسية مرهفة وقدرة على الإدراك الدقيق للثغرات والإحساس بالمشكلات، فمنظر غروب الشمس قد لا يثير عند الشخص العادي سوى ترقب قدوم الليل، أما بالنسبة للمبدع فقد يكون بؤرة لكثير من المشاعر بمقياس الحساسية المرهفة والوجدان اليقظ".

وحسبنا أن السيرة الحية للنبي صلى الله عليه وسلم تؤكد أنه يملك وجدانًا يقظًا وقلبًا فياضًا؛ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159].

لقد راعى الإسلام ورعى في نظامه الأقوم وآدابه البنّاءة كل جوانب الإبداع في النفس البشرية، وقوّم ووجّه هذه الجوانب؛ فأرشد إلى خير السبل في توجيه ملكة الإبداع واستصلاحها والموازنة بين عناصرها جميعًا، وعلى هذه القاعدة الحكيمة عالج الإسلام موضوع الإبداع ككل؛ فحفز جوانب الإبداع الإيجابي في الشخصية الإسلامية من خلال مجموعة من الروافد كان لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإبداعية المسلمة وتمييزها عن الشخصيات الأخرى وذلك من خلال ما يأتي:

أولا- الحث على التفكير الإبداعي:
التفكير الإبداعي: هو ذلكم التفكير الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل، وينفي الأفكار الوضعيّة المقبولة مسبقًا ويتضمّن الدافعية والمثابرة والاستمرارية في العمل، والقدرة العالية على تكوين الحل لمشكلة ما تكوينًا جديدا؛ فالعقل ينضج ويتطور والفكر تتسع مداركه وتزداد قدراته على المعالجة والحفظ والتدبر والتأمل من خلال زيادة التفكير المنطقي السليم والذي ليس له محصله إلا الإبداع والتميز وهذا ما أراده الإسلام لأتباعه وجنده، وللمتفكرين في القرآن الكريم نصيب طيب من المدح حيث ذكرهم الله تعالى في آيات كثيرة؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].

أمر الإسلام بإعمال العقل وإطلاقه من عقاله ومنحه مساحة كبيرة من حرية التفكير؛ لأن في ذلك منفعة للأمة وزيادة في تقدمها وتطورها وارتقائها في العلوم والمعارف لأن العقول المعطلة تبقى ميتة لا نفع فيها، لذا حرص الإسلام على إطلاق تفكير الإنسان منذ نعومة أظفاره ونعى على أولئك الذين يتقيدون في التفكير بحدود ما وصل إليه أسلافهم، أو يقيدون عقولهم بعقول آخرين ربما كانوا أضعف منهم ملكة في التفكير.. قال تعالى: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]..

وبالحرص نفسه الذي أبداه الإسلام تجاه الإنسان بدنًا وجسدًا وأعضاء حرص كذلك على حرية عقله وفكره بعيدًا عن أية قيود تحد من انطلاقه وتمنعه من التفكير والتأمل والتدبر؛ بل إنَّه حضَّ وشدَّد على أن يكون العقل والفكر حرًّا طليقًا يجول في ملكوت السماوات والأرض يتدبرها ويعقلها ويتعرَّف على آيات الله فيها فتزيده إيمانًا بالله وتكون طريقًا موصلًا له إلى معرفة خالقه ومولاه، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم: 8].

وقد لاحظ بعض المفكرين أن الإنسان الذي يمتاز حتى في بنيته التشريحية عن بقية الثدييات مصمم بطريقة تساعده على التفكير والتأمل فيما حوله من عجائب الكون..

يقول الدكتور: أحمد زكي: "فالله صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد من هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء وذلك لأسباب عدة من أهمها: أنه مع عقله العاجز لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم ربنا جسم الإنسان وركب هيكله؛ فالإنسان عقل زاخر كثير الوعي، وهو قادر كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة ويلقى في سبيل هذا النظر بعض المشقة، ولكنها تهون في هذا السبيل الذي هو فيه".


ثانيا- بعث روح التفاؤل والإيجابية:
يعد التفاؤل مؤشرا على الصحة النفسية العالية؛ فهو سمة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه حياةً مستقرة سوية، يكون بمقدور صاحبها أن ينتج ويبدع في إنتاجه..

ولذا فإن الإسلام يغرس في شخصية الإنسان التفاؤل والإيجابية، وينأى به عن التقاعس والكسل، حتى على مستوى الكلمة يقولها الشخص في حق نفسه، ولكي يبقى المسلم متفائلًا حرَّر الإسلام شخصيَّته من كلِّ ضغطٍ نفسيٍّ يُمكن أن يؤثِّر عليه، مثل الخوف من المستقبل والهلع من قادم الأيام..

فقد أخبر سبحانه وتعالى أنَّ هذه الوساوس التي قد تعترينا أحيانا إنما هي من الشيطان أما المنهج الرباني فهو إنما يدخر لنا الفضل والخير العميم في مستقبلنا ومصيرنا الآجل؛ قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]..

وكذلك حرر الإسلام الشخص من الخوف من الموت، ومن الخوف من المرض، ومن الخوف من انقطاع الرزق؛ "اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" [أخرجه أحمد (1/293)، والترمذي (4/667)].

إن مثل هذه الروح الإيجابية التي تغرس في شخصية الفرد المسلم من شأنها أن تدخل الطمأنينة والسعادة إلى نفسه، ثم تنتقل إلى المجتمع ليصبح هذا الفرد عنصرًا فعَّالًا منتجًا ومبدعًا في مجتمعٍ رشيد.


ثالثًا- تعزيز الاعتداد بالنفس وعدم التبعية:
الاعتداد بالنفس شعور داخلي يعبر عما يشعر به الإنسان تجاه نفسه من فخر واعتزاز، وهو يؤدي إلى الثقة بالنفس التي تُكوِّن في النهاية الشخصية المبدعة، وقد حث الإسلام الفرد المسلم على الاعتداد بنفسه، وعدم الركون للذلة والمسكنة، وعدم التبعية، وأن تكون للمسلم شخصيته المستقلة المتميزة..

وأرشد إلى مخالفة أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب الملل والنِّحل الأخرى في أمور كثيرة، مثل: استقبال القبلة، والصلاة بالنعال، والترغيب في السحور، وتعجيل الفطر، وتغيير الشيب، والنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها…

قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا" [رواه الترمذي].

ومظاهر الاعتداد بالنفس تبرز كذلك في اهتمام الشخص بمظهره الخارجي بغية الحصول على القبول الاجتماعي، ولكن بدون غرور وكبرياء ومغالاة أو إسراف، ومن الاعتداد بالنفس أن لا يتراجع الشخص في قرار اتخذه، طالما لم يتبين له أنه كان مخطئا، ومن صور الاعتداد بالنفس التي عملت السنة على إذكائها تنمية روح التنافس في الخيرات بين الأفراد.

فكثيرا ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفع من شأن الفرد ويعلي من معنوياته بأسلوب يدفعه لإتقان العمل والمواظبة على الإتيان بالمزيد، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتَ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ" [البخاري]،

وأذكت السنة روح التنافس حين سمحت للطاقات العقلية الإبداعية بالتفجر ولم تحجر عليها، بل إنها استلهمتها لاستخراج المكنون من كنوزها؛ والدليل العملي على ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يدلون بآرائهم في المواقف كلها وبين ظهرانيهم قائد ينزل عليه وحي السماء فتفتقت أذهانهم عن أمور إبداعية كثيرة..

فهذا الحباب بن المنذر رضي الله عنه يُشير على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر الكبرى بأنَّ المنزل الذي نزل به الجيش ليس بمنزل، وأنَّ المكان الأنسب هو ماء بدر، فأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي، ومن هذا الباب موافقات عمر رضي الله عنه، وإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق … وغيرها.

والدراسات العلمية اليوم تُشير إلى أن انخفاض شعور الفرد بأهميته وأهمية الأعمال التي يقوم في الغالب بأدائها تعد من معوقات الإبداع التي تكبح جماحه وتُطفئ جذوة لهيبه في نفوس المبدعين.


رابعا- تحقيق الحرية بمعناها الصحيح:
العلاقة بين الحرية والإبداع علاقة متكاملة ومرتبطة بعضها البعض، فلا إبداع بدون حرية، لأن الحرية هي الضمان الوحيد لإبداع حقيقي يقترب من الواقع بمعطياته، وفي ذات الوقت يأخذ بالحسبان الثوابت التي يسير عليها المجتمع ويتمسك بها، فتكون مصدرًا لانطلاقته الإبداعية..

فالحرية قيمة من القيم الأساسية التي تعمل بمثابة إطار مرجعي ينظم سلوك المبدعين ويحركه، وقد فتح الإسلام بمجيئه آفاقا للحرية أسهمت في تكوين البيئة الخصبة للإبداع، فالإسلام جاء بالتوحيد الذي يجسد الحرية في أسمى معانيها..

ذلك أن العبودية تأخذ أشكالًا وصورًا متعددة، ومن ثم فإننا نجد هذا البعد حاضرًا في الإشارات النّبوية؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلن الرفض لكلِّ أنواع العبودية لغير الله ابتداءً من الأوثان البشرية ومرورًا بالمعشوقات الحجرية، وانتهاءً بالتعلقات الخفية كعشق الهوى والمال والمرأة.

ولقد مكث صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا من دعوته يرسخ مفهوم التوحيد ويجذره في نفوس المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"، [رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه النووي في الأربعين النووية]، ويقول عليه الصلاة والسلام: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ" [سنن ابن ماجة].

فالعبودية للسالف ذكره استلاب لحرية العقل ودفن لطاقاته الإبداعية، يقع المرء من خلالها تحت سطوة اللذة العاجلة واللحظة الراهنة، بيد أن التحرر من العبودية لغير الله دعوة مفتوحة لالتحام بالكتلة العمرانية لنعيد للأمة تميزها ودورها الفاعل، وما التحول المذهل في العقل الجاهلي وإعادة تشكيله إلا من صناعة التوحيد.

من خلال هذه الركائز والروافد بنى الإسلام شخصية إبداعية متميزة، تتمتع بالاستقرار الداخلي ولا تعاني الحيرة والاضطراب والتوهان الذي تعيشه بعض النفوس التَّواقة للإبداع في الحضارات الأخرى، ومن ثم جاءت الشخصية الإبداعية المسلمة متميزة في إبداعها منسجمة مع مجتمعها، فهي لا تعيش انفصاما في الرؤى ولا ازدواجا في المعايير، وهي تعمل وتنتج وتبدع لدنياها في الوقت الذي لا تنسى فيه نصيبها من الآخرة، وذلكم هو جوهر التميز في حضارة الإسلام.
_____
* المصدر: إسلام ويب.



###########الاصل ###########

الحضارة :سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.

أكثر الكلمات شيوعا فى البحث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحضارة الإسلامية إنسانيات عناية الإسلام بالمبدعين

عناية الإسلام بالمبدعين
محفوظ ولد خيري
أولى الإسلام الشخصية الإنسانية عناية فائقة،وجعل بناءها وتطويرها من أولوياته التي تقوم على مقاييس محددة في غاية الدقة والإتقان، بخلاف المقاييس البشرية التي ترتكز في معظمها على الأهواء البشرية والمصالح الضيقة.


الشخصية الإبداعية

أولى الإسلام الشخصية الإبداعية عناية فائقة، والمقصود بالشخصية: النظام المتكامل الذي يشمل كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية الفطرية الموروثة، وكذلك الصفات والاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة..

أما الشخصية الإبداعية: فهي مجموعة الخصائص والصفات الشخصية التي تحفز الإبداع في الإنسان.

وغني عن القول إنَّ الرؤية الإسلامية مسارٌ مفتوحٌ لاستشعار الجمال -وبالضرورة الإبداع- واستنطاقه واستيطانه واستلهامه والبحث عنه وتنميته بأبعاده المختلفة ومستوياته المتباينة ومجالاته المتنوعة (الروحية والمادية) حتمًا ضمن الرؤية النابعة من قلب الإسلام والمنضبطة وفق تصوره..

ولا يخفى أن من أبرز خصائص العقل الإبداعي: الإدراك الجمالي، واكتساب القيم الجمالية؛ فالتربية الجمالية درجة ارتقاء للعقل في معراج الفكر وتحليق للروح في فضاء الإيمان الوضيء، فهي توسّع الفضاءَ المعرفي والوجداني، وتجعل مدرِك الجمال أقرب إلى مبدِع وخالق الجمال، وإذا أضفنا إلى ذلك أن مدرِك الجمال يمتلك وجدانًا حيًا يقظًا، "فقد نجد المبدع شخصًا ذا حساسية مرهفة وقدرة على الإدراك الدقيق للثغرات والإحساس بالمشكلات، فمنظر غروب الشمس قد لا يثير عند الشخص العادي سوى ترقب قدوم الليل، أما بالنسبة للمبدع فقد يكون بؤرة لكثير من المشاعر بمقياس الحساسية المرهفة والوجدان اليقظ".

وحسبنا أن السيرة الحية للنبي صلى الله عليه وسلم تؤكد أنه يملك وجدانًا يقظًا وقلبًا فياضًا؛ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159].

لقد راعى الإسلام ورعى في نظامه الأقوم وآدابه البنّاءة كل جوانب الإبداع في النفس البشرية، وقوّم ووجّه هذه الجوانب؛ فأرشد إلى خير السبل في توجيه ملكة الإبداع واستصلاحها والموازنة بين عناصرها جميعًا، وعلى هذه القاعدة الحكيمة عالج الإسلام موضوع الإبداع ككل؛ فحفز جوانب الإبداع الإيجابي في الشخصية الإسلامية من خلال مجموعة من الروافد كان لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإبداعية المسلمة وتمييزها عن الشخصيات الأخرى وذلك من خلال ما يأتي:

أولا- الحث على التفكير الإبداعي:
التفكير الإبداعي: هو ذلكم التفكير الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل، وينفي الأفكار الوضعيّة المقبولة مسبقًا ويتضمّن الدافعية والمثابرة والاستمرارية في العمل، والقدرة العالية على تكوين الحل لمشكلة ما تكوينًا جديدا؛ فالعقل ينضج ويتطور والفكر تتسع مداركه وتزداد قدراته على المعالجة والحفظ والتدبر والتأمل من خلال زيادة التفكير المنطقي السليم والذي ليس له محصله إلا الإبداع والتميز وهذا ما أراده الإسلام لأتباعه وجنده، وللمتفكرين في القرآن الكريم نصيب طيب من المدح حيث ذكرهم الله تعالى في آيات كثيرة؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].

أمر الإسلام بإعمال العقل وإطلاقه من عقاله ومنحه مساحة كبيرة من حرية التفكير؛ لأن في ذلك منفعة للأمة وزيادة في تقدمها وتطورها وارتقائها في العلوم والمعارف لأن العقول المعطلة تبقى ميتة لا نفع فيها، لذا حرص الإسلام على إطلاق تفكير الإنسان منذ نعومة أظفاره ونعى على أولئك الذين يتقيدون في التفكير بحدود ما وصل إليه أسلافهم، أو يقيدون عقولهم بعقول آخرين ربما كانوا أضعف منهم ملكة في التفكير.. قال تعالى: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]..

وبالحرص نفسه الذي أبداه الإسلام تجاه الإنسان بدنًا وجسدًا وأعضاء حرص كذلك على حرية عقله وفكره بعيدًا عن أية قيود تحد من انطلاقه وتمنعه من التفكير والتأمل والتدبر؛ بل إنَّه حضَّ وشدَّد على أن يكون العقل والفكر حرًّا طليقًا يجول في ملكوت السماوات والأرض يتدبرها ويعقلها ويتعرَّف على آيات الله فيها فتزيده إيمانًا بالله وتكون طريقًا موصلًا له إلى معرفة خالقه ومولاه، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم: 8].

وقد لاحظ بعض المفكرين أن الإنسان الذي يمتاز حتى في بنيته التشريحية عن بقية الثدييات مصمم بطريقة تساعده على التفكير والتأمل فيما حوله من عجائب الكون..

يقول الدكتور: أحمد زكي: "فالله صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد من هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء وذلك لأسباب عدة من أهمها: أنه مع عقله العاجز لا يستفيد من هذا النظر شيئا، وعلى غير هذا الطراز صمم ربنا جسم الإنسان وركب هيكله؛ فالإنسان عقل زاخر كثير الوعي، وهو قادر كثير القدرة، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة ويلقى في سبيل هذا النظر بعض المشقة، ولكنها تهون في هذا السبيل الذي هو فيه".


ثانيا- بعث روح التفاؤل والإيجابية:
يعد التفاؤل مؤشرا على الصحة النفسية العالية؛ فهو سمة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه حياةً مستقرة سوية، يكون بمقدور صاحبها أن ينتج ويبدع في إنتاجه..

ولذا فإن الإسلام يغرس في شخصية الإنسان التفاؤل والإيجابية، وينأى به عن التقاعس والكسل، حتى على مستوى الكلمة يقولها الشخص في حق نفسه، ولكي يبقى المسلم متفائلًا حرَّر الإسلام شخصيَّته من كلِّ ضغطٍ نفسيٍّ يُمكن أن يؤثِّر عليه، مثل الخوف من المستقبل والهلع من قادم الأيام..

فقد أخبر سبحانه وتعالى أنَّ هذه الوساوس التي قد تعترينا أحيانا إنما هي من الشيطان أما المنهج الرباني فهو إنما يدخر لنا الفضل والخير العميم في مستقبلنا ومصيرنا الآجل؛ قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]..

وكذلك حرر الإسلام الشخص من الخوف من الموت، ومن الخوف من المرض، ومن الخوف من انقطاع الرزق؛ "اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" [أخرجه أحمد (1/293)، والترمذي (4/667)].

إن مثل هذه الروح الإيجابية التي تغرس في شخصية الفرد المسلم من شأنها أن تدخل الطمأنينة والسعادة إلى نفسه، ثم تنتقل إلى المجتمع ليصبح هذا الفرد عنصرًا فعَّالًا منتجًا ومبدعًا في مجتمعٍ رشيد.


ثالثًا- تعزيز الاعتداد بالنفس وعدم التبعية:
الاعتداد بالنفس شعور داخلي يعبر عما يشعر به الإنسان تجاه نفسه من فخر واعتزاز، وهو يؤدي إلى الثقة بالنفس التي تُكوِّن في النهاية الشخصية المبدعة، وقد حث الإسلام الفرد المسلم على الاعتداد بنفسه، وعدم الركون للذلة والمسكنة، وعدم التبعية، وأن تكون للمسلم شخصيته المستقلة المتميزة..

وأرشد إلى مخالفة أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب الملل والنِّحل الأخرى في أمور كثيرة، مثل: استقبال القبلة، والصلاة بالنعال، والترغيب في السحور، وتعجيل الفطر، وتغيير الشيب، والنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها…

قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا" [رواه الترمذي].

ومظاهر الاعتداد بالنفس تبرز كذلك في اهتمام الشخص بمظهره الخارجي بغية الحصول على القبول الاجتماعي، ولكن بدون غرور وكبرياء ومغالاة أو إسراف، ومن الاعتداد بالنفس أن لا يتراجع الشخص في قرار اتخذه، طالما لم يتبين له أنه كان مخطئا، ومن صور الاعتداد بالنفس التي عملت السنة على إذكائها تنمية روح التنافس في الخيرات بين الأفراد.

فكثيرا ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفع من شأن الفرد ويعلي من معنوياته بأسلوب يدفعه لإتقان العمل والمواظبة على الإتيان بالمزيد، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتَ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ" [البخاري]،

وأذكت السنة روح التنافس حين سمحت للطاقات العقلية الإبداعية بالتفجر ولم تحجر عليها، بل إنها استلهمتها لاستخراج المكنون من كنوزها؛ والدليل العملي على ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يدلون بآرائهم في المواقف كلها وبين ظهرانيهم قائد ينزل عليه وحي السماء فتفتقت أذهانهم عن أمور إبداعية كثيرة..

فهذا الحباب بن المنذر رضي الله عنه يُشير على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر الكبرى بأنَّ المنزل الذي نزل به الجيش ليس بمنزل، وأنَّ المكان الأنسب هو ماء بدر، فأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي، ومن هذا الباب موافقات عمر رضي الله عنه، وإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق … وغيرها.

والدراسات العلمية اليوم تُشير إلى أن انخفاض شعور الفرد بأهميته وأهمية الأعمال التي يقوم في الغالب بأدائها تعد من معوقات الإبداع التي تكبح جماحه وتُطفئ جذوة لهيبه في نفوس المبدعين.


رابعا- تحقيق الحرية بمعناها الصحيح:
العلاقة بين الحرية والإبداع علاقة متكاملة ومرتبطة بعضها البعض، فلا إبداع بدون حرية، لأن الحرية هي الضمان الوحيد لإبداع حقيقي يقترب من الواقع بمعطياته، وفي ذات الوقت يأخذ بالحسبان الثوابت التي يسير عليها المجتمع ويتمسك بها، فتكون مصدرًا لانطلاقته الإبداعية..

فالحرية قيمة من القيم الأساسية التي تعمل بمثابة إطار مرجعي ينظم سلوك المبدعين ويحركه، وقد فتح الإسلام بمجيئه آفاقا للحرية أسهمت في تكوين البيئة الخصبة للإبداع، فالإسلام جاء بالتوحيد الذي يجسد الحرية في أسمى معانيها..

ذلك أن العبودية تأخذ أشكالًا وصورًا متعددة، ومن ثم فإننا نجد هذا البعد حاضرًا في الإشارات النّبوية؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلن الرفض لكلِّ أنواع العبودية لغير الله ابتداءً من الأوثان البشرية ومرورًا بالمعشوقات الحجرية، وانتهاءً بالتعلقات الخفية كعشق الهوى والمال والمرأة.

ولقد مكث صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا من دعوته يرسخ مفهوم التوحيد ويجذره في نفوس المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"، [رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه النووي في الأربعين النووية]، ويقول عليه الصلاة والسلام: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ" [سنن ابن ماجة].

فالعبودية للسالف ذكره استلاب لحرية العقل ودفن لطاقاته الإبداعية، يقع المرء من خلالها تحت سطوة اللذة العاجلة واللحظة الراهنة، بيد أن التحرر من العبودية لغير الله دعوة مفتوحة لالتحام بالكتلة العمرانية لنعيد للأمة تميزها ودورها الفاعل، وما التحول المذهل في العقل الجاهلي وإعادة تشكيله إلا من صناعة التوحيد.

من خلال هذه الركائز والروافد بنى الإسلام شخصية إبداعية متميزة، تتمتع بالاستقرار الداخلي ولا تعاني الحيرة والاضطراب والتوهان الذي تعيشه بعض النفوس التَّواقة للإبداع في الحضارات الأخرى، ومن ثم جاءت الشخصية الإبداعية المسلمة متميزة في إبداعها منسجمة مع مجتمعها، فهي لا تعيش انفصاما في الرؤى ولا ازدواجا في المعايير، وهي تعمل وتنتج وتبدع لدنياها في الوقت الذي لا تنسى فيه نصيبها من الآخرة، وذلكم هو جوهر التميز في حضارة الإسلام.
_____
* المصدر: إسلام ويب.



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة مندلي /2
- ذاكرة مندلي /1
- بكاء بلا دموع
- مكتبة المندلاوي - 1
- من الأدب الكوردي الفيلي / ق1
- القلعة بالي /11
- شخصيات مندلاوية في الذاكرة/22
- جولة ثقافية في بوياقيا
- بيت أفندي..1
- الى حفيدتي مريم /
- محور لمحات اجتماعية من مندلي
- محور القضاء و القانون 1
- المبدعون العشر في التاريخ
- رسالة آداب المطالعة
- سنتان ِفي مندلي/ حلقة 6
- الفيلسوف أبو عدنان ..
- سنتان في مندلي – حلقة 14
- سنتان ِفي مندلي/ حلقة 5
- صكبان توفيق كرم
- سنتان ِفي مندلي/ حلقة 3


المزيد.....




- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...
- إعلام عبري: مجلس الأمن الإسرائيلي بحث سرا سيناريوهات اعتقال ...
- ذياب: يطالب بالافراج عن المعتقلين والنشطاء فورًا، ويقول سياد ...
- الخارجية الإسرائيلية: قرار ألمانيا تجديد التعاون مع -الأونرو ...
- بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر ...
- تغطية حرب غزة.. قيود غربية على حرية التعبير؟
- الرئيسان التركي والألماني يبحثان بأنقرة وقف الحرب على غزة وت ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - احمد الحمد المندلاوي - لسراج المنير 24-2-2022م