أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - المهدي بوتمزين - متلازمة الطفل ريان















المزيد.....

متلازمة الطفل ريان


المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)


الحوار المتمدن-العدد: 7169 - 2022 / 2 / 21 - 00:34
المحور: المجتمع المدني
    


دوَّت الوسائط الإعلامية الوطنية ،وتحت تأثير الدومينو الإعلامي ، ران الخبر في الأقطار الدولية ، بخبر سقوط طفل مغربي في بئر ارتوازية جافة، ورُبَّ ضارة نافعة ، حيث أن الفراغ كان منقذا للطفل من الغرق والموت المحقق غير المؤجل ، لكن كلا الإحتمالين شملا نفس القدر الذي لا مناص منه للجميع .

طيلة أيام التغطية الإعلامية للحدث أو الحادث ، سال مداد كثير في الصحف الورقية وأُلفت ضميمات كثيرة، و تلفَّعت المواقع الإلكترونية بتعاطف منقطع النظير مع الطفل البريئ . حتى أن صحيفة "الأسبوع الصحفي " التي أسسها مصطفى العلوي رحمه الله ، والتي أفضلها عن باقي الصحف الوطنية وأقتني أعدادها باستمرار ، خصصت ترويسة فريدة "كلنا مع ريان" كواجهة لعددها 1594 ، رغم أن الجريدة الأسبوعية سياسية أكثر منها صحافة الأخبار اليومية . فلماذا هذا الإهتمام الإعلامي بقضية الطفل ريان ؟

يعرف الجميع أن الأطفال في المغرب على غرار المجتمعات الثالثية ، يعيشون ظروفا قاسية جدا في الشوارع ودور الأيتام وفي دور الصفيح والأحياء الفقيرة ، وقد يكون أطفال المغرب العميق المتناثرين في الجبال والسهول أوفر حظا أقرانهم السالفين ، لصفاء البيئة التي يعيشون فيها رفقة أغنامهم وورودهم وشجيراتهم . قصة الطفل ريان انتهت ، لكن معاناة الطفل المغربي لم تنتهي ، والإستغلال الإعلامي للقضايا لن ينتهي أبدا .

قصة الطفل ريان هي من ديكتات السلطة الرابعة التي شكلت رأيا شعبيا ووجهته على نحو من الأنحاء ، بما يمكن وصفه ب "متلازمة الطفل ريان" ، على نفس منوال"متلازمة المرأة البيضاء المفقودة" ، والتي تعني التغطية الإعلامية للنساء البيض المفقودات دون غيرهم ، ما يعني التحامل على الأشخاص الاَخرين الذين يوجدون في نفس الظروف. لقد تحولت كل صنوف الوسائل الإعلامية الرسمية منها وغير الرسمية إلى صحافة التابلويد ، لأنها استغلت القصة كعنصر مثير لتلقى استجابة فورية من قبل القواعد القاعدة أمام الشاشة، بما يشبه تأثير بافلوف . إن الأخبار التي تداولها في كل اللحظات من طرف صحافة الشارع والصحافة التشاركية والديمقراطية و الإعلام المفتوح المصدر أو الإعلام البديل ، كلها كانت مجرد سيرك إعلامي مخبرا وربما حتى مظهرا .

أثناء حالة التأثير الإعلامي طيلة الأسبوع تقريبا ، استوط الأمر بين العمل الإعلامي المهني والصحافة الصفراء .كان البراديغم الوحيد للفصل في ذلك ، هو النظر إلى الخط التحريري للمصدر الإعلامي ، حيث أن السواد الأعظم منها كان مرتزقا من الحدث يمتح من مأساة طفل غارق في جروحه واَلامه وهواجسه . الإستثناء الوحيد ربما الذي درج على نهجه هي قناة "شوف تيفي" حيث كانت تغطية الصحفي حميد العقاوي عقلانية ومهنية ، هذه القناة التي تندرج في مربع صحافة الواقع دأبت على نقل حالات إنسانية كثيرة غير مامرَّة ،رغم الإنتقادات التي توجه إليها ، إلا أنها تحقق شعبية ونسب مشاهدات كبيرة ، وهذا نجاح اَخر لمؤلفها إدريس شحتان الذي كان متألقا أيضا في جريدته الأسبوعية المشعل .

تحت تأثير متلازمة ريان ، وعد أمير خليجي عائلة الطفل بنصف مليار سنتيم ، كما وعدهم عدد من المشاهير بمبالغ مالية أو سكن جديد ، حتى انقطعت نفسي خوفا من أن يَكر بؤساء البلد اَبارا تنضاف لحفر الشوارع والأزقة ، ويلقوا فيها أبناءهم طلبا لمجد زائف أو سراب خادع كما وقع مع ريان . نعم ، إن تعاطف المغاربة مع ريان هو شخصنة وتحيز خطير سطرته سلطة الإعلام والإنحياز التأكيدي وتأثير التأطير .

المشهد العام من مكان الحادث شهد توافد العديد من الأشخاص غالبيتهم يبحث عن الإثارة أو ملأ الفراغ اليومي عنده . بعضهم ندد بفشل السلطات في إخراج الطفل ، ونصب نفسه خبيرا في التخصصات المطلوبة . اَخرون لا يعرفون ماذا يفعلون في المكان ، فقط القافلة جاءت بهم ، البعض الاَخر ظل ينتظر كنزا أو شيئا اَخر غير الطفل ينبعث من البئر ، وهذا ليس تأثير متلازمة ريان ، بل تأثير الأفيون وماء الحياة .

رحم الله الطفل ريان ، لكن الواقعة كانت موضوعا لإستغلال إعلامي فقط ، وجَّه العامة نحو التركيز على الطفل ومداراة الأوازم اليومية الحياتية والسياسية في المغرب . ويكفي أن نزور دور الأيتام ونستطلع الشارع ليلا لنعرف حجم المعاناة التي يحياها الطفل المغربي . ولا يمكن أن أفسر اهتمام الأفراد بالطفل ريان دون بقية أطفال المغرب ، إلا نتاج سلطة رابعة تعتمد الصورة في نقل الخبر ، وهذا يزيد من حجم التأثير ، وليس البئر بأسوء من أسِرّة دعارة الأطفال في فنادق خمس نجوم والتجارة بهم في البلد . فدعونا أيها المؤثرون والمشاهير من دمعاتكم التمساحية وتدويناتكم الفارغة ، فالتضامن أو النضال هو قضية تُعتمل على مدار اليوم ، حتى لا نفقد المصداقية في وهلة من الزمن .

مما أثار إعجابي حقا ، هو تضامن أطفال سوريا والعراق وفلسطين مع الطفل ريان ، في الوقت الذي يعتبر فيه كثير من المغاربة ذكر اسم االعراق أو سوريا ، إرهابا وتطرفا وخطرا كبيرا ، وهذا جهل جسيم بتاريخ البلدين وحاضرهما أيضا . قتل أطفال سوريا والعراق ولم يتحرك المغاربة ، واليوم يعطينا أطفال سوريا والعراق دروسا في التضامن الممتد في الزمان والمكان .

قبل مدة ، ناح ونحب المغاربة أيضا على وفاة الصحفي صلاح الدين الغماري ، واعتبره البعض رمزا إعلاميا خالدا ومن المعلَّقات السبع إن صح التعبير، قد أكون فظا ، لكن الحقيقة لم أرى الغماري إلا وهو يصرخ على المغاربة ويدعوهم إلى الدخول إلى أقفاصهم خلال الجائحة ، ليس خوفا عليهم ، بل لأنه يعرف أن المغاربة يحبون من يصرخ عليهم ، هكذا أفهم الأمر .توفي مصطفى العلوي (مؤسس الأسبوع الصحفي) كما سبقه أعلام اَخرون ، دون أن يذكرهم أحد ، فأي تأثير هذا يمكن فهمه علميا حتى نصنع من اللاشيئ شيئا ، ورحم الله صلاح الدين الغماري .

في هذا السياق ، لماذا نسي المغاربة الصحفي الصحراوي محمد راضي الليلي المتواجد حاليا في فرنسا وينتقد الأوضاع المعيشية في الأقاليم الجنوبية ، انا أعتبره أفضل بكثير من صلاح الدين الغماري ، لأن الأول يدافع عن ركن الشعب والثاني كان مناصرا لأطروحة الدولة أو جناح ضمن الدولة . المغاربة لا يملكون حسا وفكرا نقديا أو وعيا كافيا لتحليل المعطيات والوقائع ، لذلك سأقول أن ذوق المغاربة ،وليس موقف المغاربة ، من تأييد أو معارضة أشخاص أو كيانات غير صائح وغير صحيح . الضابط في سلاح الجو سابقا السيد مصطفى أديب أهم رجل في الجيش المغربي بقياس المنطق والقانون ، والقاضي السابق محمد قنديل نفس الشيئ في سلك القضاء ، وأبو بكر الجامعي قامة إعلامية كبيرة وهلم جرا .

المغاربة انتخبوا المدعو نيبا وجعلوه مؤثرا إعلاميا ، وهو شخصية مراكشية على مواقع التواصل الإجتماعي ، ونسوا أو جهلوا أن هذا الشخص ظهر أول مرة إبَّان حَراك الريف في شريط مصور وهو يهدد رموز الحَراك بالقتل والتصفية ، وهو لا يستطيع حتى حمل بطنه الممتلئ بالتبن والماء . وبمناسبة الحديث عن الريف ، أين أولائك الذين صدحوا بالقسم ؟ أين الاَلاف من الناس الذين كانوا مع ناصر الزفزافي ؟ أنا أعرف أين هم ، إنهم يتسكعون في الخمَّارات ويدفعون ثمن تذاكر المهرجانات والملاعب، وهم الذين صرخوا ضد زيادة درهم واحد في الحليب .

حصيلة الأمر أن الواقع بحاجة إلى تحليل عميق وفهم شامل لمختلف ضروب علم النفس والإجتماع والإجرام ، حتى نتمكن من انتقاء القرار المناسب بعيدا عن البروبغندا الإعلامية أو تأثير القبيلة ، وهذا الأمر هو الكفيل بضمان استقلاليتنا الذاتية بعيدا عن سلطة الاَخر أو توجيهه .



#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)       Elmahdi_Boutoumzine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا والعفريت
- عبد الإله بنكيران رجل المطافئ في حكومة عود الثقاب
- ٍالميركاتو الإنتخابي في المغرب... من هو صديق المخزن الجديد ؟
- المقاربة الأمنية لإزدواجية الجنسية لدى كوادر الدولة
- حدود و امتدادات معركة حد السيف في ضوء المواقف الأممية
- المقاربة الأمنية ضد أساتذة أفواج الكرامة تنهي دعاية حقوق الإ ...
- من صنعَ و ماذا يصنعُ حزب العدالة و التنمية المغربي ؟
- الأستاذ عبد الكبير الصوصي العلوي .. و سؤال نزاهة و راهنيَّة ...
- مدخل إلى المنطلقات الإصلاحية الوطنية الكبرى
- «تنظيم الدولة» واستراتجية بناء القوة اللامركزية الجديدة
- الفكر الخميني ميثاق للوحدة الدنيوية و الوحدانية الدينية
- الأساتذة الوطنيون : الإدماج أو الطوفان
- «القهر» كمفهوم أساسي في السياسة الداخلية للدول العربية
- أكاديمية أبو غريب للبحوث الحيوانية
- التطبيع مع العِبرية في اليوم العالمي للغة العربية
- المغرب يتحدث لغة الواقع التوافقي في صفقة القرن
- برقية عاجلة إلى مغاربة تندوف
- سهام المقريني في ميزان العدالة المغربية
- شارلي ايبدو : حرية التعبير أم حرية التدمير
- عبد السلام ياسين من البودشيشية إلى الياسينية


المزيد.....




- مصدر لـCNN: إسرائيل تطلع منظمات الإغاثة على خطط لإجلاء المدن ...
- إجلاء قسري لمئات المهاجرين الأفارقة من مخيمات في العاصمة الت ...
- إجلاء مئات المهاجرين المتحدّرين من جنوب الصحراء من مخيمات في ...
- إجلاء قسري لمئات المهاجرين المتحدّرين من جنوب الصحراء من مخي ...
- وقفة أمام مقر الأمم المتحدة في بيروت
- نائب مصري يحذر من خطورة الضغوط الشديدة على بلاده لإدخال النا ...
- الأمم المتحدة: فرار ألف لاجئ من مخيم إثيوبي لفقدان الأمن
- إجلاء مئات المهاجرين الصحراويين قسرا من مخيمات في العاصمة ال ...
- منظمة حقوقية: 4 صحفيات فلسطينيات معتقلات بينهن أم مرضعة
- السفير الروسي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا المستقيل يبحثان ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - المهدي بوتمزين - متلازمة الطفل ريان