أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الشعر في ثقافتنا مزايدة ثقافية ام نهضة ثقافية؟















المزيد.....

الشعر في ثقافتنا مزايدة ثقافية ام نهضة ثقافية؟


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 2 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


انبهار العالم العربي بما يعرف بشعر المقاومة، اعطى للجنار الشعري ثقافتنا داخل إسرائيل دفعة حماسية غير معهودة فتكاثر الشعر والشعراء، تكاثر ايضا منظمي الكلام تحت تسمية الشعر، فكثر الشعراء وقل الشعر، وقد انتبه محمود درويش آنذاك لهذه الظاهرة وكان محررا لمجلة "الجديد" الثقافية، فكتب افتتاحية هامة بالعدد السادس – عام 1969 بعنوان "أنقذونا من هذا الحب القاسي". ختم مقاله الهام بقوله:" آن الأوان لأن توضع حركتنا الشعرية في مكانها الصحيح، بصفتها جزءا صغيرا من حركة الشعر العربي المعاصر عامة، وذلك يستدعي تخلص الناقد العربي من الخضوع التام لدوافع العطف السياسي وحدها على أصحاب هذه الحركة، فلا يكفي هذا الشعر أن يكتب في إسرائيل. إن وضع الحركة في مكانها الصحيح هو خير طريقة لنموها وتطورها لارتياد آفاق أوسع، خاصة إذا تذكرنا دائما أنها مازالت في المراحل الأولى من الطريق الطويل". للأسف لم تقد صرخته لعقلنة الانفعال العربي بشعرنا الفلسطيني المقاوم، الذي انكشف آنذاك للعالم العربي، وانعكس ذلك الحب العربي سلبا على تطور شعرنا بعد موجة الحب العاصفة لمحمود درويش وزملائه!

كشعب بنيت ثقافته التاريخية على الشعر، ما زال الشعر مزايدة تهدف الى احتلال المكانة في رأس الصف، والحصول على المكانة بالموهبة وقوة الصوت (السنا شعوبا سماعية؟)، وهو مجد ما بعده مجد، وطموح للشهرة اسوة بشعراء المقاومة بعد ان كشف المرحوم الأديب غسان كنفاني لشعرهم وما تبع ذلك من عاصفة اهتمام ثقافية عربية، وعشق محلي للجنار الشعري بطموح الشهرة عربيا، اسوة بشعراء المقاومة، رغم ان الشعر الجيد لم يكن وقفا على الشعراء الأربعة فقط، ومن الواضح ان الاعلام الحزبي الشيوعي لعب دورا مؤثرا في رفع شان عدد قليل وتجاهل أصوات شعرية أخرى لا يمكن الاقلال من مكانتها ومن دورها في تعميق نهج شعر المقاومة أو التحدي السياسي لواقع التمييز والاضطهاد الذي عانى ويعاني منه المواطنون العرب في اسرائيل. منهم شعراء أرسوا هذا النهج وأبدعوا شعرا هاما في تاريخ مسيرتنا الشعرية، منهم على سبيل المثال وليس الحصر: عصام العباسي، حنا أبو حنا، حنا إبراهيم وغيرهم، وكانوا أيضا من أعضاء الحزب الشيوعي لفترات طويلة من نشاطهم. طبعا هناك شعراء آخرين لا يقلون بمستوى شعرهم عن الآخرين، لكنهم إعلاميا كانوا بعيدين عن الاعلام الحزبي الذي اعتمده غسان كنفاني.
******
هل بالصدفة أن أهم شعراء وادباء العرب البارزين في العصر الحديث، قضوا جل حياتهم بعيدًا عن بلادهم وعن سلاطين بلادهم حتى لا يطولهم سيافي سلطاتهم بسيوفهم الجاهزة لقطع الرؤوس.

ان وراء شهرة شعر المقاومة، التحدي السياسي لسلطة عنصرية شرسة فرضت قيودا تعسفية عسكرية على الأقلية العربية، وجردت المواطنين العرب من أراضيهم وحقوقهم المختلفة، ودفع أدباء وقادة شعبنا الثمن من حريتهم الشخصية، ولعبوا دورا سياسيا تعبويا ضد السلطة العنصرية، وذاع صيت شعراء شعبنا بمشاركتهم بالمهرجانات السياسية والشعرية المجندة لمقاومة نهج السلطة. ودورهم في تثوير الجماهير العربية إعلاميا وثقافيا، وتعزيز الانتماء العربي داخل إسرائيل للثقافة العربية وللفكر الثوري غير المهادن.

بينما نجد الواقع المختلف تماما في العالم العربي، نجد الشعراء والكثير من المثقفين العرب مشردين في "بلاد الغرب الكافر"، او مقيدون في سجون حكامهم، تلافيا لشرهم على أمن النظام وضمان "حب الجمهور لحكامه"، عدا القيود على النشر.

اليوم تمتلئ صفحات الجرائد والأنترنت بالقصائد والنثريات والخطابات القومية التي تطفح بالاعتزاز العروبي والفلسطيني، مؤكدين بديهية انتمائهم للحضارة العربية الشرقية. أصبحت الوفرة سنة مبادئ حياتهم، ولم تعد مجاهرتهم بدعم النضال الفلسطيني وانتمائهم القومي العروبي، وشتم الصهيونية قبل وبعد الوجبات الدسمة، يجرهم الى المعتقلات او التضييق بأشكاله المختلفة.

فقدت الكلمة قيمتها، أصبحت الوطنية تقاس بعدد الكلمات وضخامة معانيها وطول القصائد الحماسية. أصبح التهريج والصراخ مقياسا للوطنية وصار كل مكتشف لسر صياغة الكلام شاعرا وكاتبا وطنيا.

كان الخرس خيار بعضهم حين كان شعبنا وطليعته النضالية يدفعون ثمنا رهيبا بحريتهم وبلقمة خبزهم. اليوم يريدون اقناعنا بمصداقيتهم الوطنية والشخصية، فابشروا وانشروا لم يعد النشر مخاطرة بالحرية الشخصية. استمعت للكثير من هذا الشعر، الصياغة، القواعد والالمام ببحور الشعر تستحق علامة كاملة، لكن المضامين فارغة وهي مجرد تكرار للشعر المنبري (المهرجاني) من سنوات الستين والسبعين من القرن الماضين، أي الشعر الذي جذب الحب العربي القاسي لشعرنا. كان شعرنا آنذاك حقا شعرا مميزا نتيجة ظروف مميزة وغير عادية اطلاقا، بل غير إنسانية عاشها شعبنا وواجهتها ثقافتنا المتحدية للخنجر باليد العزلاء. لكن المقلق ان هذا الشعر الذي يكرر شعر سنوات الستين والسبعين، بات مملا لا معنى ولا قيمة له، لا ثقافية ولا سياسية، لدرجة أني كتبت مقالا بعد ندوة استمعت فيها لعدد من تلك القصائد ان "خلصونا من هذا الشعر".

شعراؤنا ومثقفونا ومناضلونا وشبابنا وشيوخنا ونساؤنا ورجالنا لم يهادنوا نظام القمع العنصري حتى في أحلك ايامه على شعبنا وأكثرها سطوة وتعسفا وارهابا. افتخر أني كنت صبيا يافعا بالسابعة عشر من عمري حين فرضت علي الإقامة الجبرية في مدينتي الناصرة، وكنت اسافر للعمل في حيفا بتصريح عسكري اسبوعي محدد بالوقت (صباحا وعصرا) ومحدد بطريق الوصول لمكان العمل وعنوان مكان العمل وأي تجاوز معناه السجن والعقاب. لذا لم أكمل دراستي للهندسة الميكانيكية في حيفا، قضيت سنتين اتعلم بدون تصريح متهربا من الشرطة، ثم اقترح علي سكرتير الحزب الشيوعي في الناصرة المرحوم غسان حبيب السفر للاتحاد السوفييتي آنذاك لدراسة الفلسفة والاعلام وليس الهندسة كما كنت ارغب، وخسرت عمليا مستقبلي المهني. لأني لم أجد فيما بعد عملا مناسبا، حتى حزبي (فيما بعد جبهة الناصرة) بعد ان سيطر على بلدية الناصرة، اختار آخرين بلا أي معرفة مهنية، إدارية، إعلامية او سياسية، لوظائف مناسبة تماما لقدراتي الإعلامية او التعليمية المهنية، من الذين لهم واسطة او قرابة مؤثرة، أي تغيرت الإدارة ولم يتغير نهج المحسوبيات الذي انتفضنا ضده، كما جرى معي ثلاث مرات مع بلدية الناصرة الجبهوية، رغم أني كنت وقتها من انشط كوادر الحزب الشيوعي والجبهة، تنظيميا وإعلاميا وانتخابيا كسكرتير لمنظمة الشبيبة الشيوعية وعضو قيادة الحزب الشيوعي والجبهة في الناصرة والإعلامي الوحيد الذي سوق جبهة الناصرة بمقالاته خلال عشرات السنين، أي حتى عام 2014 ، رغم الألم الذي لم يغادرني اطلاقا (لدي كل التفاصيل ولا انشرها احتراما للراحلين).

لا أحبائي لم نصل الى ما نحن به من دمقراطية وحقوق، رغم نقصانها الفاضح، لأن بطلا قوميا ظهر فجأة، وأرعب الصهيونية في عقر دارها. أو لأن العواصم العربية أصبح يحسب لها حساب في صهيون.

حين كان المتنعمون اليوم "يقرفصون" على عصاعيصهم أمام عتبة السلطة العنصرية، كان شعراء المقاومة وادباء ومناضلين صامدين آخرين وكوادر المثقفين والنشطاء السياسيين في فلسطين 48 يصلبون في الزنازين ويشتتوا في السجون والمنافي ويطردون من سلك التعليم وتقيد حرياتهم ويفتقدون للعمل المناسب. اين نحن اليوم من مناضلين لم يرضوا حتى بالصمت، وجاهروا بمواقفهم وطردوا من التعليم ومن العمل، وضيق السلطان مصادر الرزق عليهم، ولم يشتروا رضاء السلطان حتى بكلمة خادعة ؟!

حتى اللغة فقدت قيمتها اليوم، لا أهمية لما تنشر، المهم ان تضبط قواعد اللغة وتملأ صياغاتك بياض الجريدة أو صفحات الكتب، والويل لك إذا ألقى القبض على خطأ لغوي في نصك. مسموح لك ان تخطئ في استقامتك، ان تخطئ في مصداقيتك، ان تخطئ في شرفك، ان تخطئ في وطنيتك، ان تبيع نفسك ببعض الفضة، ببعض الشواقل، ولكن الويل إذا أخطأت بتشكيل آخر الكلمة.

هل الرأي الذي يطرح حين تزول المخاوف، له نفس قيمة الرأي الذي كان يطرح ويتعرض صاحبة لبطش السلطة؟!هل الراي الذي يطرح بتفكير واختيار صعب للمعاني، قيمته نفس قيمة الرأي الذي يقال بدون أي حساب وبدون أي تفكير وبدون ملابسات تعرضك لبطش السلطة؟!

هناك شعراء قتلهم شعرهم، واليوم تقتل التفاهة الشعر، تقتل الأدب الجيد، تقتل المواقف، تقتل العقلانية، تقتل الفكر، تقتل اللغة، تقتل الكرامة الشخصية وتقتل رغبة القراءة لدى القراء. يقول الشاعر محمود درويش: "الشعر هو الذي يعيد الحياة الى اللغة " هذا حق. والكرامة تعيد الحياة الى الأنسان، والصدق يعيد الحياة الى المجتمع البشري، والاستقامة تعيد للنفس البشرية تفاؤلها. نحتاج حقًا الى إعادة تفكير، وإعادة ترتيب بيتنا الثقافي والسياسي، والفصل بين الأدب وبين الضحالة التي اغرقتنا، بين السياسة والتهريج الذي أنزلنا الى القاع، علنا نُعيد للكلمة رونقها وللنص جماليته، وللغة معناها وقيمتها، وللشعر مكانته، وللأدب قيمته التي نفتقدها، وللعقلانية منبرها ومكانتها، وللسياسة احترامها.
امنيات، ولكن تجربتنا علمتنا انه لا شيء مستحيل !!

* كاتب ، ناقد، باحث فلسفي واعلامي فلسطيني - الناصرة



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة انتشار الكتابة الشعرية ونقدنا المحلي
- الرجولة
- هاشم يحتفل بعيد زواجه
- لزعيم !! لوحات قصصية عن الحمير
- من روائع الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
- ليس عضواً في النادي ..
- نظرة دونية
- الله لا يحب الملحاحين
- قصتان ساخرتان
- موسى والمسيح يلعبان الغولف
- جولة حكومية تفقدية
- حكاية فلسطينية: الأحمر، الأسود، الأخضر والأبيض
- الرئيس الأمريكي في حينا
- يوميات نصراوي: الشتيمة نفسها في واشنطن وفي موسكو
- هل تسقط شرائح الخبز على جهة واحدة فقط؟
- خطـــأ سياسي
- الهنود الحمر يجمعون الحطب بشكل جنوني
- حتى يهديهما الله…
- حتى المسيح عانى من اللاساميين
- يوميات نصراوي: في ذكرى وفاة الشاعر، المفكر، الكاتب والإعلامي ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الشعر في ثقافتنا مزايدة ثقافية ام نهضة ثقافية؟