أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - ما بين الكاتب والناقد والنص.















المزيد.....

ما بين الكاتب والناقد والنص.


صباح بشير
كاتبة

(Sabah Basheer)


الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 16:31
المحور: الادب والفن
    


يكتسب أفراد المجتمع الواحد ثقافتهم من التفاعل المتبادل بينهم، ويحافظ كل مجتمع على إرثه الثقافي والحضاري الذي يشكل هويته الثقافية ويميزه عن باقي المجتمعات، تلك الحاجة في الحفاظ على الهوية، تنبع من مشاعر الفخر والاعتزاز والانتماء إلى اللغة والموروثات، القيّم الفكريّة والأعراف والسلوكيات المجتمعية.
لا يمكننا اختزال ثقافة المجتمعات وجعلها نمطية متشابهة، فهي ليست جامدة بل دينامية متحركة، وبالتالي فالفرد فيها مؤثر فعّال، يؤثر ويتأثر ويتفاعل، ومع هذه الصورة الدينامية للثقافة فالهوية إذن، نسق يحمل معناه لدى الفرد المتفاعل مع الموروث والسائد، المشارك في بناء هذه الثقافة.
يزْدَّحِم واقع المثقّف العربيّ بالقَلق، لذا فهو لا يَكفّ عن البحثِ في خللّ الظرّف الرّاهن وعِلَلِه وتَحليله، جاعًلا من آمال مجتمعه أملاً له، ومن أحلامِهم هاديّا ودليًلا لِفكره، والكاتب هو ابن مجتمعه، يؤثر ويتأثر، ثم يَسْهَب في التعبيرِ عن ثقافته ليجسدها عبر أعماله الأدبيّة، مشكّلا بذلك خِطابه وعمله النافذ، وبفعل الذاكرة والانتماء، تعكس كتاباته واقعه وحياة مجتمعه، والكاتب المجتهد يبرز الواقع، ينبش التراث ويبحث في التاريخ، ويُنَقِّبُ في الإرث الثقافي الأدبي واللغوي، فلطالما كانت فكرة الهوية والانتماء هي الدعامة الأساسيّة للكتابة والنقد معا، من هنا تنبع أهمية تَتَبّع محاور اللغة والثقافة، والأدب بشكل خاص، لكونه مرآة لكل زمان ومكان، ولأنه ركيزة مهمة لقياس المجتمعات، لما له من أهميّة إنسانيّة تنويريّة.
وعلى سبيل المثال، فقد مثّلَ الوطن محورا أساسيا في الأدب الفلسطينيّ، فالقَضيّة الفلسطينيّة في تجلياتها المختلفة، الإنسانية والسياسية، الثقافية والسردية والشعرية، هي قضيّة وجوديّة، وهي في التجربة الأدبيّة العربية قضيّة متصلة لا انفصال فيها بين الحاضر والمستقبل، لذا نجد أدب المقاومة قد نال موقعه البارز، لأبعاده السياسية والتاريخية الهامة، وعليه فقد حَمَل رسالة الشعب وهَمّومه، أبرز جماليّة المُضطهد وبشاعة الظلم، وأمسك بِغَور المأساة الفلسطينية، هذا الأدب الذي بنيّ على فكرة الوطن، هو أدب عربيّ قوميّ، وانطلاقا من عامل اللغة فقد حقّق انتشارا كبيرا في العالمِ العربيّ، وحافظ على كيّنونته وخصوصيّته كأدب فلسطيني مقاوم. والأمثلة على ذلك كثيرة: غسان كنفاني، إميل حبيبي، جبرا إبراهيم جبرا، يحيي يخلف، فدوى طوقان، محمود درويش، أحمد دحبور وغيرهم.
لذلك فالبعد الثقافي للنص(نثرا أو شعرا)، يتشبّع بثقافة كاتبه، ظروفه وتجاربه، فكره وبيئته قبل أي شيء.
وعن النقد فلولا الأدب ما وُجِدَ النقّد، ذلك لأن النقّد بنظرياته الأدبية ونقاشه الفلسفي، يجتهد في طرق أبواب النصوص الأدبيّة لتحليلها وبيان ما جاء فيها، وذلك من خلال ذوق الناقِد ورؤيّته الفكريّة والجماليّة، وهنا يجب التنويه، فليس هناك نقد أدبيّ صائب وآخر خاطئ، إنما هناك نقد أدبيّ ناضِج، لديه القدرة والأهليّة للتعامل مع العمل الأدبيّ والفنيّ بنزاهةٍ وعدل، دون تحيّز أو تعصّب.
فأن يكون ذوق الناقد منطقيا موضوعيّا، مصقولا بالموهبة والفهم العميق، والحسّ الوجدانيّ والاطّلاع، فهذا يعني بأنه ناقد ناجح يتحلى بالحساسيّة وَسِعة المعرِفة، وبالتالي فلديه قدرة على الحُكم، ومن هذا المنطلق وجب عليه وضع الحقائق أمام القارئ، لتوجيهه ومساعدته في تفسير العمل الأدبي بنفسه، فَمُهمّة الناقد الحقيقيّ ليست تفسيريّة أو تأويليّة، إنما هي مهمّة تحليليّة، لذا فالتحليل والمقارنة المنهجيّة والذكاء، المَعرِفة الواسعة والعاطفة الجيّاشة والذائقة الجمالية، هي أدوات أساسيّة هامة للناقد المُتَمّكِن.
كما يتعيّن على الناقد أن يكون منفتحا بآرائه، مُستعدا لتقويمها وتنقيحها من وقت لآخر، وأن لا يطلق أحكاما متسرّعة، دون الأخذ بالموازين الأدبيّة الصحيحة.
ولعلّ اختلاف مناهج النقد هو مجرد اختلاف في وجهات النظر والرؤيّة، وإلى الذوق فيرجع الحُكم النهائيّ في الأدب والفنّ، وذلك لكونه يلمس موازين الطبيعة، نواميسها ومقاييسها، وعن عملية التذوق ففي كتاب "الهوامل والشوامل" ومنذ القَرن الثَّالث الهجرِيُ، تساءل الفَيّلسوف المُتصوّف أبو حيّان التوحيديّ عن معنى الإدراك الجماليّ قائلا:
"ما سبب استحسان الصور الحسنة؟ وما هذا الولوع الظاهر والنظر والعشق الواقع من القلب، والخيال الماثل للإنسان، أهذا كله آثار الطبيعة؟ أم من عوارض النفس؟ أم هي من دواعي العقل؟ أم من سهام الروح؟"
وبما يَحُصّ الكاتب فمهما بلغ من الخَلْق والإبداع، لا يمكنه التَنصّل من ثقافته ومجتمعه، فالذاكرة الجمعيّة، الانتماء والهويّة، هي عوامل ضرورية لصياغة نصّوصه وتشكيلها، كلّها تسكن قلبه وتشي بفكره وشعوره، والكاتب العربيّ بُحكم حميّته للّغة، تَشَبُثِه بها وحرصه عليها، يتناسى أحيانا جزئيّة التداخل النصيّ في الأدب، التي تقتضي حضور بعض النصوص الغائبة عند البدء بعملية إنتاج نص جديد، وهذا ليظل النصّ الجديد فاعلا مؤثرا ومتأثرا، وعليه، يلجأ الأديب إلى ذلك بغير وعيّ منه، أو لأنه يبدع مـن خلفية فكريّة مكتسبة بالأساس، أو بقصدِ نقل ّالمفاهيم والأفكار للقرّاء بطريقة جماليّة تعتمد الإيحاء، وتبتغي استقصاء المعنى المنشود، الـذي يتدفق ويتعدد بفعل ذلك الانتقال التناصي، الذي يحوّل النصّ إلى بنيّة تتقاطع مع مختلف النصوص السابقة لها، فيعكسها انعكاسا ناجحا، على مستوى التأثير والتأثر.
لقد تأثر الكثير من الأدباء والكُتّاب بالثقافات الأخرى، فكتبوا عنها وقارنوها بثقافاتهم ومجتمعاتهم، خصوصا أولئك الذين عاشوا في المهجر وتحدثوا بلغات أخرى غير لغتهم الأم وكتبوا فيها، فعبروا عن قضايا أوطانهم وهمومها، ومع أن أعمالهم تشهد لهم بالامتياز في عالم الفكر والأدب محلّيّا وعالميًّا، إلا أنها تُصنّف كأعمالٍ أدبيّة عربيّة. وعلى سبيل المثال لا الحصر: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة.
وبهذا فالعامل اللغويّ والاجتماعيّ، يُشَكَّل جسّراً بين الثقافتين، لكنه يَفرِض نفسه بقوة على الكاتب وعمله الأدبي.
ومما سبق فطبيعة النقد للنص تعكس ثقافة المجتمع، انطلاقا من أنساقِه الثقافيّة الكامِنة فيه، إنتاجًا وتأويلًا، فَبَيّن الكاتب والناقد والنصّ، علاقة حميميّة وثيقة، عميقة الغور والقرار، لعلها ترجع إلى الوقت الذي نشأ فيه الأدب ورصَد مراحل تطوّره عبر التاريخ، فالكاتب هو المبدع وحارس النص الأول، بينما يجتهد الناقد في البحث عمّا يتوافق ومنظوره الأدبي والأيديولوجي للإبداع، ليتلّمس في النصّ قِيَّمهِ وثقافة شعبهِ وتراثه.



#صباح_بشير (هاشتاغ)       Sabah_Basheer#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- همسات وتغاريد والحسّ الإنساني
- عن رواية “الجرجماني” للأديب حسن حميد
- عن قصة الأطفال “ثابت والريح العاتية”
- -بين مدينتين- سيرة ذاتية مُبهرة للأديب فتحي فوراني/ صباح بشي ...
- من الرمال الساكنة إلى الرسم والإبداع
- صباح بشير: “نور العين” قصة إنسانية ملهمة
- لاجئة في وطن الحداد.. سيرة شعرية في أربعة فصول
- أنا من الديار المقدسة.. رواية تقدم شهادة انسانية
- عن رواية حيواتٌ سحيقة للروائي يحيى القيسي
- عن كتاب أشواك البراري لجميل السلحوت
- مع رواية -هناك في شيكاغو-
- عن رواية -مدينة الله- للروائي حسن حميد
- عن قصة الأطفال-قراءة من وراء الزجاج-
- قراءة تحليلية لقصة -زغرودة ودماء-
- حول رواية الخاصرة الرّخوة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - ما بين الكاتب والناقد والنص.