أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازغ محمد مولود - لعنة الكتابة والحب















المزيد.....

لعنة الكتابة والحب


مازغ محمد مولود

الحوار المتمدن-العدد: 7124 - 2022 / 1 / 2 - 01:53
المحور: الادب والفن
    


الكتابة هوس قاس. إنها متاهة أو كما قال موريس بلا نشو ( الكتابة فعل لا يكتمل ، ولا يتوقف).
حين تشعر انك عاجز وعالق ، أو منحبس في الصمت والتيه والجفاف. خذ قلما وورقة و اكتب. أن تكتب وحسب... شيء ما يولد مع الكتابة. ابسط سلطانك على ذاتك ، على نفسك ستنمو قدرتك على الفعل . يصدق قول مونتاني(( انا نفسي مادة كتابي)). لماذا الكتابة ؟ لما أكتب ؟ لمن أكتب؟ اصطدام مريع بالأسئلة ، تستعصي الإجابة .خجل يراود النفس، خجل مقلق.صدق من قال ((لا تسوء الأشياء ، بل تسوء أفكارنا حول الأشياء)) .
هناك حالات متعددة تفتح عوالم الكتابة ، إلحاح إلى حد الصمت والإرهاق والتهور .تتعدد الدوافع ، إنها الرغبة للانتساب للجماعة دفعا للعزلة الذهنية . اقتسام الخاص مع الآخرين ، وتوقا لاستدعاء المشترك ، أو دعوة ما مضى وتوارى. استحضار شيئا من الذاكرة . غالبا ما تكون ذكرياتنا متداعية ومختلفة عن ذكريات الآخرين. إذن ما الذي يتغير هل ذاكرتنا أو تصوراتنا ؟ هل الذاكرة الحادة هي ذاكرة حقيقية ؟ ليس لدينا من فكرة ..إن نظرتنا للماضي تتغير باستمرار. نقف على ارض هشة ، كلما تقادمت الذاكرة تقادم يقينها .
الكتابة تعني حضور الغائب والمغيب. نبش في المدفون في زوايا النفس .صياغة التعبير عن وحدة أو تشضي الذات .رغبة الاتصال بالعالم ، بالأخر ،و بالحياة .حين نكتب، اللغة تصير نحن. نتحول إلى رموز وإشارات ، نملأ فراغا فارغا ، نسكب في الحضور غيابنا.تتزاوج الذاكرة والخبال في عرس وتناكح، تحبل بالتعبير ويولد النص...تولد الكتابة. نقترب من الأخر. تشابكات خفية للعاطفي والوجودي .إنها الحاجة للاصطدام بالذات ، البحث عن المعنى داخل المبنى الزائف.
واقعنا مليء بالخيبات، بالانكسارات، بالمعاناة ، بالإخفاقات، بالخزي ، بالندم ، بالإساءة، بالخوف و بأشياء عديدة ، تجعل الكتابة بهذا المعنى تحمل بعدا مأسويا وبؤسا ذاتيا محزنا. متنفس يفرغ فيه القلم أحزانا مكبوتة . كل الذين كتبوا قالوا بان الكتابة مزيج من الألم والبهجة .المتعة واللذة .جهد مضني.بل هي حياة على حافة الحياة مؤرقة محيرة.تستقيم ولا تستقيم. . و الأنكى ،قد تتحول إلى إدمان.
لماذا أكتب؟هل كي ـأشفي من ثقل الكلمات ؟أراوغها لأخرجها من عتمة الذاكرة إلى نور الشمس . أعري دواخلي من طبقات الصمت لأعي تفاهتها. أملأ مكامن نفسي جيدا، حين اشعر إنني اثنان. أفصل أنا ، عني. القي بي عبر الكتابة في وجوه الآخرين دون حياء أو خجل. دون هروب أو اختباء.أنقد نفسي ، مني عبر اللغة .أواسي روحي بما أكتب حتى لا تنهار ، وحتى لا تغرق في الزائف من الحقيقة و الواقع. أكتب لأني مجبر على تجاوز أحاسيسي ، وارمي بها إلى الفعل .أتجاوز الخيال إلى الواقع ،والرؤية إلى المألوف. أخلط العقل والقلب والخيال كي ابلغ النفاد إلى أن تقرأ ما تحب ، لا أن تقرأ مضطرا... الحياة هي المعلم ، أفضل معلم . ننقل ما تعلمناه، ولازلنا نتعلم منها دروسا ، رغم أن بعض الدروس مؤلمة جدا .
ما الفرق بين خربشات الأطفال ، وخربشاتي . أنا متصنع، وكلماتي لا تعني شيئا. مرغم تبدو خربشاتي. أتذكر سؤالا سائدا يقول، ما الذي ستندم عليه أخر يوم في حياتك، إن لم تفعله ؟ أجيب ببلاهة وصدق ، بالنسبة لي أريد أن أكتب شيئا. أريد أن أخربش على البياض.حتى و إن ما اكتبه لا يصل إلى مرتبة الفهم وغائص بعيدا في الغموض . أخشى أن أكون أحمق ، حتى وان رغبت في قول الحقيقة. أكتب لأخفف عني ثقل المواريث.وأترجم صمتي حبا للذين أحبهم. واعلم ، علم اليقين أن لا أحد يهتم .
تنتابني رغبة الكتابة كاللسعة، كطنين زنبور.الكتابة عن الذات تفترض استحضار (أنا) الحاضر و (أنا) الماضي.الواقع ، البيئة ، المجتمع والآخرين.لا يمكن أن أكون بمعزل متفردا ، لست إلها، أنا هنا وهناك. بل هناك شركاء ورفقاء يشكلون نقط خلاف و اتتلاف .نمارس ألحكي ، ونحكي....للأخر حضور نافذ .نهتم بآراء الآخرين أكثر من أرائنا. شيء مضحك يدفع لتوثر والغضب . نزعة طبيعية متفق بأمرها ولا مفر ...لا مفر من الأخر.رحيما ، رجيما ، أو جحيما . يعني أننا ملزمون كي نصغي بقدر ما نحكي. على الغطرسة ألا تحتوينا .
الكتابة حالة يقظة. لحظة انتباه إلى حقيقة الحياة. مسارها ومدى عمقها. الأخطاء ،الخبرة ،التجربة ، مواطن القصور والضعف . دخول متاهة اللغة للبحث عن غاية ومعنى. النفاذ إلى عمق الكلمة. أتذكر قاعدة تقول ( لا يوجد إنسان ، بمعزل عن اللغة ) .ما نقف عليه في العالم ، إنسان متكلم يخاطب إنسانا أخر. الكتابة خطاب. وليس كل خطاب أو قول معسول.، مقبول. إنها اللغة بوصفها إبداعا . تحمل معنى .واضح آو غامض . وليس أي غموض يعني خلو النص من المعنى..قد تحررنا الكتابة من الخوف، من القلق . تتحرر نفسنا الأخرى الخفية بداخلنا ، تنفلت تحرز وتمتلك مفاتيح سجنها.. تحلق في فضاء لانهائي .
لمن اكتب؟ يحاصرني السؤال... هل اكتب لنفسي عني؟ لذاتي؟ ام لذلك الصامت على حافة الوقت . الذي لا يقرأ ولا يأبه لأية كتابة.اكتب لمن لا لسان له .لا ورقة له ولا قلم. ام للمتطفلين والمتسكعين في هذا الضجيج واللغط اليومي. لمن يتحلقون في ثرثرة لا تنتهي .اكتب تمردا وعصيانا على القيود التي تضيق كمشنقة على خناق أرواحنا .آو عزاءا على المفقود فينا .أيها القارئ ، مهلا، أين موقعي وموقعك من واقع نجلس تحت شمسه الحارقة ،نمارس المواجهة صمتا. أنا لا اكتب لك. أنت وجود خيالي ، متوهم وغير مرئي ولا ملموس. أنت مفترض، بالنسبة لي، و رغم وجودك الفعلي هناك..حيث لا وجود لي أنا. أنت المتلقي، وان قرأت وان لم تفعل ، فأنت حر. لا أعرفك ، ولا أريد أن أعرفك ، ليس تعاليا وليس تحقيرا ، بل هي الحقيقة التي يجب أن لا تؤثر فيك.
لمن أكتب؟ أكتب لقارئ غير موجود ؟قارىء اعتقد انه لم يولد بعد. حتما سيأتي يوما ما. لان في الجهة المقابلة، قارئ وهمي، مشغول بمتاعبه وأحماله اليومية ،يكابد ويعاند واقعا مزيفا. إذن، أكتب لنفسي ، اخفف عني غبار الروح.أترجم صمتي كلمات للذين أحبهم وقد ناموا.فقدوا اللغة والكلام.أ أكتب للتعساء المتورمين بالصبر ؟ام.أكتب لمن هم في الطريق الطويل المنهكة، الذين نال منهم التعب . اخذ من أزهار عمرهم وشبابهم وظلوا صامدين. أكتب لليساري الثابت على إيمانه رافعا شارة النصر، ولم ينزلق إلى الحضيض، رغم الأعاصير..أكتب لمن خانته الكلمات والعبارات، لحظة انحصار وانقباض الصدر بألم الظلم والاحتقار .
أكتب لنوارس، وهي تحلق فوق البحر المنبسط في سكون مثل مرآة، والسماء صافية ساطعة في الأعالي، إن صح التعبير . ربما أكتب لأطفالي المقعدين ، أحدثهم عن الآلهة ، و الأسلاف و طيور العندليب ،والأسطورة الشهيرة عن المخلوقات المجنحة والتي تدب على الأرض .أكتب لعجوز كئيب لم يعد يحتمل رؤية ضوء الشمس ، لرضيع لأول مرة يرى نور الشمس..وللمستعبدين بالظروف ،الفقر ، الجوع ، العطش وبنزوات السوق .أكتب للذي ينام في الطرقات مهملا ككلب ضال. بلا رقم ولا هوية و لا حقيبة ولا جواز سفر ، بلا أوراق ثبوتية . خارج حسابات الحكومة وخطاب الساسة.غير موجود في أي خارطة .
أكتب عن ما يجمع الناس ، بعضهم بعضا ، عن اختلافاتهم الشاسعة . عن قدراتهم وعجزهم وما لا يقاس بينهم. للمتسولين المهمشين الذين تحولوا حثالة بشرية ،و إلى حالة اقل مكانة في معيشتهم و حياتهم. أكتب لطفل مشاغب مثير للشغب ، يتحدى سلطة الأنظمة المستبدة ، ويلعب النرد بسخرية داعرة.أكتب للتي لم تحصن فرجها ، فحولته من أداة للذة ، إلى عمل مأجور ، حسب ما تفرضه البورصة وتشتهيه السوق. لسذج الحمقى ، الذين باعوا كل شيء ،و تحولوا إلى سلع بمعايير السوق و الاثمنة ، و جعلتهم الحياة يدفعون ثمنا باهظا .
أكتب لشاعر بأجنحة زرقاء، لم يعد يستهويه التحليق في الأفق والمدى. للعامل الذي يغتسل بعرقه صباح مساء. يدفن آهاته ويشدو أوجاعه ، ويحاور السماء.لأمهات تصدعت أكبادهن بوجع الفراق والانتظار ، فلتحفن السواد ولبسن الصمت.أكتب لمن خانه الصديق والصاحب والزمن وراح يكدس عواطفه رثاء. لؤلائك الذين باعوا أحلامهم لضرورات ليغيروا أحوالهم ،فسقطوا واحدا تلو الأخر في الرذيلة.أكتب ، لمن يعتلي الصمت حناجرهم ولم يجاهروا بآدميتهم ، بكم ، لكنهم لا يكترثون بالابتذال والإصغاء إلى النداءات .
أكتب لم يرفع سبابته ليقول لا، راكضا في بساتين اللغة ، كارها أن ينحي ليلتقط الفتاة ، لصعاليك اليسار المهووسون بالحرية والكرامة ، المتمردون على الضلالة ، الحالمون بالانفجاريات ليفيض السكون. الواقفون على صناعة الأغنيات والأناشيد ، يعاندون الحياة من اجل الحياة... أكتب عن الحب ؟ أنا لا اعرف عنه إلا القليل فهو لا زال هناك بعيدا ، لم ينجح للوصول إلى تفاصيل القلب ، لم انجح في فهمه ووصفه. لأنه للخيبات وانكسارات القلب اقرب . كثيرة هي الجراح التي تدمي القلب. وأكثر ما يؤلم ،الجراح الكاذبة ، موجعة وغائرة في نفس الوقت ..و الأسوأ ، لا تحتملها اللغة ولا الكتابة .



#مازغ_محمد_مولود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة والموت..وجهان لعملة واحدة
- موت.. لا يشبه الموت
- الكورونا..بين المأساة والمسخرة
- شكرا كورونا ..لقد فضحت العالم
- الشاعر لا يحب الموت
- كنز سرغينة بين الجهل المركب والفقر المؤسس
- كليميم من زمن القداسة إلى زمن العهر
- القبيلة و لعنة التعالي
- المسرح بوادنون عبداللطيف أصاف تجربة متميزة
- الموت في الانتظار
- استهامات واقعية
- القدس ..بين الهيمنة الامريكية والخيانة العربية
- ماركس النافع
- كليميم مدينة ولدت من رحم حي- لكصر-
- ثورة اكتوبر لن تموت
- كليميم ..ينبت الحجر مكان الشجر
- لماذا علينا ان نكون يساريين ؟
- السياسة المغربية بين الاخلاق والنضج
- المعطل بين الحق والهامش .
- كليميم...هل تستحقين هذا المديح ؟


المزيد.....




- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازغ محمد مولود - لعنة الكتابة والحب