أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان العسكري - محاكاة الممنوع و تعميد المفردة بالوضوح قراءة في رائعة امل عايد البابلي - خللُ أزلي -














المزيد.....

محاكاة الممنوع و تعميد المفردة بالوضوح قراءة في رائعة امل عايد البابلي - خللُ أزلي -


احسان العسكري

الحوار المتمدن-العدد: 7118 - 2021 / 12 / 26 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


محاكاة الممنوع و تعميد المفردة بالوضوح
قراءة في رائعة امل عايد البابلي " خللُ أزلي "

أنا أبنة ليلة ساخرة
كان أبواي على سرير بارد
وليل شجي ، كل منهما يدسُ في الآخر غضبه النحيف نارا
فأنا شتيمة وزعها آباء على أجساد نساء "

يُعد الشعر هوية شاعرهُ وله وجهة يتفرد بها كل سائر في طريقه وهو حكاية جمال صنعتها عوامل و تبدلات مختلفة اثمرت عن حصاد لمزروع في تربة خصبة ، فالشاعر توجهه المحسوسات الإنسانية والأخلاقية و الاجتماعية و العاطفية و هي بمجملها تشكل شخصيته الإبداعية الفكرية و الفنية وتتحكم بمدى تأثيره على المتلقي بتجرد .
مدخل النص اعلاه اعلن عن كينونة الفكرة الاساسية له و لا نعول هنا على وحدة الموضوع بقدر ما نعول على ثباته ففي هكذا نصوص تتعدد الاغراض و تتشعب اتجاهاتها و لم يعد باستطاعة الموضوع المتغير ادراك تلك الاختلافات .
ليلة باردة و ليل شجي ، غضب ، نار وشتيمة ، مجموعة مفترقات وزعها آباء في مكان واحد على شكل شتيمة . واعتقد ان الشتيمة هنا ليست بمعناها المطلق سيما و ان الوجه الواضح للنص يدل على الحميمية و الشبق و الانتماء العميق للانسان بطبيعته المجردة ، الشتيمة هي نتيجة ماتراه الضروف خطأ غير محسوب النتائج و ان كان منبعه شرعياً قادماً من لحيضات نهاية مطاف العاطفة بين الذكر و الانثى .
الذي يقرأ لـ أمل البابلي سينتبه لهذا النسق المختلف عن طبيعة كتاباتها التي تتسم بالعمق و القوة و الرمزية و الثقة العالية بالنفس و هذا النص ليس مختلفاً ضمنياً عن اسلوبها الفريد الا انها لعبت على وتر الوضوح لتوصل ما خفي عن القاريء بطريقتها الخاصة ، كأنها تريد ان توصي بالتحلي بالنضوج الفكري والعاطفي قبل اعتماد العاطفة نفسها و تحمّل ما تراهُ جنحة لمن تسبب به لا لمن ارتكبه وهذا هو الايمان بالعدالة المطلقة التي تتوخى المعالجة قبل المعاقبة لذلك هي لم تشرع بالعقاب قدر شروعها بالشكوى رغم انها تملك زمام السلطة و القدرة على التنفيذ و اعطاء كل ذي ذنب عقابه الا انها لازالت تقول :

" أنا ضحكة بائسة
احتلتِ الشفتين في حرب أهلية
فضاعتْ بين القتلى
وانا دمعة متسول بحثت عن الله في دائرة الخبز "

هذه الجمل الشعرية جميلة الإيقاع و مدهشة و ممتلئة بالعمق المعنوي توجب أن يقترن الدال بالمدلول والقيمة ا بالمادة والاداء بالنتيجة و الشكل بالروح والجوهر بالمظهر ولا يمكن إسقاط إحدهما وتبيان الاخر أو إيثار احدهما على الآخر ولا ابعاد احدهما عن طريق الاخر فهما سيلتقيان حتف انف التخفي بوجهيهما البارزين .
لاتوجد ضحكات بائسة بقدر وجود ضاحك بائس و لا يوجد بائس جدير بالضحك ، اذن كيف كونت الشاعرة هكذا فكرة ؟ وهي ليست مستحيلة فنحن امام صاحب الرؤية المطلقة ( الشعر) الذي اجيز له ما اجيز لغيره ، وتبدو هذه الاجازة فعالة في جمل النص لأن تلك الضحكة ضحكة ميت صُرع في ما يشبه الحرب الاهلية و الضياع هنا بمحتواه هو ايجاد المقتول لذاته والامساك بخيط قضيته ، هو ابداع غزير في جملة واحدة، الشفتان محتلتان بالبؤس وثمة قتيل في حرب اهلية في وطن هو عبارة عن سرير تقاتل عليه رجل وهو التأريخ و امرأة وهي الحرب لينتجا لنا بؤس على هيئة كيان هو الحياة التي لا معنى لاسمها فيها طالما فيها من هو محروم من ابسط مقوماتها فقد جاع الحق و اضمحل للخبز فيه رغبة لو اجتمع معها لتَكون وجه آخر لهما.

" أنا معطوبة الجسد
متكورة كمنفضة سجائرك
وشجرة لبلاب متروكة لليباس"

لايمكن للقاريء الا ان يتساءل ! فثمة معاناة هنا لا تُدرك بمجرد تخيلها او توقعها ، فرمزية الطرح تطرح اجابات عدة و سؤال واحد هو :
لماذا يفكر الجسد المعطوب بالانتشار و التسلق على طريقة النبات لا على طريقة المحارب او طريقة ضحية المعركة الذي غالباً ما يكون ناقماً على وجوده في هكذا دوامة ؟
يمثل هذا الجزء من النص تركيبة عاطفية بلغة تخفي في داخلها تناقضات وصراعات و تبدلات و انتقالات عديدة ببناء رصين ، كلها امور تجعل من النص قابلاً لأكثر من تفصيل وتأويل يسير بالتوازي مع الحقيقة و لا نهاية لهما.

" أنا بيت الحزن القديم
أنا ناقوس كنيسة أم
تهزّ نخلةَ جيرانها
فيسّاقط الدمع سخيا
انا أعواد كبريت
تنتظر الحرائق الأبدية"

وتعود الشاعرة هنا لتعلن عن وجودها وتكشف ماهيتها بطلاقة غريبة عبر اشتغال بديع جداً للتراكيب اللفظية يوحي لتأريخ من العتق و والتحرر من قيود الحرب عبر استخدام رمزية النخلة و كأنها تدوزن بقايا احلامها بالحصول على مبتغاها الذي يتضح انه سعي لانتقام من وجع ادنى بمساعدة قوة علياً ربما تشكل ذات الشاعرة نفسها او ايمانها او شعورها بالقدرة على تجنب التشضي بحركة واحد قد تحرق كل تأريخ الوجع .

" أنا وجه امرأة في الماء
يدور في صلب أبي
قبل الميلاد في غرفة عرسه الأزلي
أنا خلل أربك النسل الأول
في عالم أشبه بمرحاض كبير "

اذن هي ادركت المراد و اوصلت لنا الحقيقة عبر مقدمة اتسمت بمحاكاة الممنوع بجمل تتسم بالوضوح و البريق المعنوي الذي يظهر عادةً في الشعر الحامل للمعاني الانسانية الخالصة ، فالخلل الذي تتحدث عنه هو وجودها في زمان يعد خللاً قائماً بذاته في حياة اشبه ما تكون عبارة عن تسلط رائي على مرئي و غريب على قريب و مريض على معافى ، فلو اجتمعت هذه التناقضات في احساس امرأة حرة لتحولت الى ثورة غضب لا تتفجر بقد ما تفجر في النفس مزيداً من الاخطار و الشعور بقرب الضياع و ابتعاد الراحة المرجوة والتي تتشكل بانتصارٍ ما في معركة شرعية تنتج خسائر غير مقبولة .
نحن اذن في رحاب نص حرصت الشاعرة على ترتيب جمل النص بإيحاءات بصرية تتواءمت مع المفردات الشعرية التي منحت النص الشكل الذي يجب أن يكون به رائعاً شكلاً ومضموناً حتى انه اتخذ موقعه المحدد من الابداع و الرقي النوعي فجمع البساطة والغموض في نص واحد و اعطاء نتيجة واحدة يعد ابداعاً وقوة امكانية للشاعرة .



#احسان_العسكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة مع الابداع الشعبي - طارق صبار الحلم الذي في طور التحقق
- التسامق النصي في كتابات باسم فرات .قراءة في انموذجٍ من حقائق ...
- شرف الخصام
- لماذا خسر الحكيم مقاعده في الانتخابات ؟
- تعددت المشاهد و الجمال واحدُ - قراءة في فصلٌ المساء الذي لم ...
- الحكاية
- أناقة المفردة بنكهة الجنوب قراءة في مجموعة الشاعرة فيان البغ ...
- من رد دعوة الشاعر تبوأ مقعده في جلباب الندم قراءة في معلقة ...
- المُحارب القديم يُشبِعُ ذكرياته بحاضرٍ قرين بها قراءة في قص ...
- رحلة ( العائدون الى المنافي) وانتقالات الوجع الموفق
- اعطني نصاً وذائقةً اُعطيك نمطاً لحياةٍ أجمل
- الوَلَدِ السَّوْمَري بين الترحال وعشاءه الاخير قراءة في قصيد ...
- لهم تغريبة واحدة ’ وله وجود متعدد (عبدالسادة البصري) مغترب ف ...
- هو وجع يمشي..وبلاده وجع تمشي .. ورغم ذلك فهو عنوان الراحة (ه ...
- (ألفُ انكسار) وخلود واحد معادلة اوجدت لها د. راوية الشاعر حل ...
- مهند طالب هاشم كاتبٌ بشاعرية العاشق وشاعرٌ بخيال الكاتب قرا ...
- من اوقد جمرات الراكض ومن ركض على جراحه ؟ قراءة في جمرات الش ...
- مزاولة التذكر بين هاجس الابتعاد وحلمُ القرب قراءة في ملحمة ...
- ارجوحة الصياد بين الثبات والانتقاء والتقاط الندى قراءة في خط ...
- ارجوحة الصياد بين الثبات والانتقاء والتقاط الندى قراءة في خط ...


المزيد.....




- من حارات جدة إلى قمم الأعمال.. رحلة محمد يوسف ناغي في -شاي ب ...
- أم كلثوم بتقنية الهولوغرام في مهرجان موازين بمشاركة نجوم الغ ...
- انطلاق احتفالية شوشا عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2024
- أمسية -الارتحال والوداع في الشعر العربي- بمعرض الدوحة للكتاب ...
- “استمتع بمشاهدة كل جديد وحصري” تردد قناة روتانا سينما الجديد ...
- “بطوط هيطير العقول” نزل دلوقتي تردد قناة بطوط الجديد 2024 لم ...
- نائب وزير الثقافة اليمني: إيران الظهر والسند والحاضن لكل حرك ...
- -من أم إلى أم-للمغربية هند برادي رواية عن الأمومة والعالم ال ...
- الناقد رامي أبو شهاب: الخطاب الغربي متواطئ في إنتاج المحرقة ...
- جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2023-2024 “صناعي وتجاري وصناع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان العسكري - محاكاة الممنوع و تعميد المفردة بالوضوح قراءة في رائعة امل عايد البابلي - خللُ أزلي -