أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في المغرب -7















المزيد.....


السينما في المغرب -7


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 1658 - 2006 / 8 / 30 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


يمكن اختزال موضوع فيلم" الدار البيضاء" المنتج عام 2003 للمخرج المغربي مصطفى الدرقاوي، في جملة واحدة هي : فتاة صغيرة تندفع إلى الشارع تعرض جسدها
بهدف توفير مبلغ لإجراء عملية جراحية لأخيها : موضوع استهلكته السينما العربية وطرحته من زوايا تكاد تكون متطابقة في الرؤية بهدف (( انتزاع )) تعاطف المشاهد مع المرأة ضحية الظروف الإجتماعية القاهرة . إلا أن النسخة (( الدرقاوية )) عن هذا الموضوع في فيلم (( الدار البيضاء باي نايت )) لا ينقصها (( التميز )) لأن المخرج استطاع ببراعة تسطيح الواقع وتسخيف الشخصيات لدرجة غير معقولة تصيبك بالذهول وأنت تشاهد الفيلم .
بطلة الفيلم طفلة اسمها (( كلثوم عياش )) عمرها 14 عاماً تؤدي دورها الممثلة سعيدة نور ، تعيش برفقة أسرتها المكونة من أب غائب وأم تمارس الدعارة وأخ صغير مريض . وفي نفس المنزل الكائن بأحد الأحياء الفقيرة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء ، تقطن خالة الفتاة التي تعمل راقصة في ملهى ليلي ومتزوجة من سائق تاكسي لا هم له سوى مطاردة النساء لإشباع رغباته الجنسية .
من دون مقدمات أو تصاعد درامي قوي ومقنع للأحداث ، تندفع كلثوم إلى الشارع تلتحق بخالتها لتساعدها على احتراف الرقص في الملاهي الليلية ، ومن هنا تبدأ خطواتها نحو الضياع والشارع لتحصل على المال ، حيث تتعرض للاغتصاب ولكنها لا تبدي تأثراً كبيراً لما تعرضت له طالما أنها حصلت على المال الذي لن يكون له أي جدوى فقد أجريت العملية الجراحية لقلب أخيها على نفقة المستشفى .
الصورة التي يقدمها الفيلم عن أبطاله صورة مرتبكة لشخصيات بدون ملامح فارغة من أي عمق إنساني ، بل مجرد كائنات عدمية استغلها المخرج لخدمة مشاهد الإثارة المجانية والرخيصة ، فأغلب مشاهد الفيلم عبارة عن لقطات متواصلة من الرقص داخل الملهى وفي الشارع والمنزل وحتى داخل مركز الشرطة ! وبلغ هذا الاستغلال أوجه مع بطلة الفيلم ، فقد استغل جسدها الطفولي أبشع استغلال ، فسعيدة نور تلميذة في الإعدادي عمرها الحقيقي 14 عاماً ، تمثل للمرة الأولى ، فعلى امتداد المدة الزمنية للفيلم لم تظهر إلا ببدلة رقص تكشف عن جسد طري يجوب شوارع (( الدار البيضاء ليلاً )) ، (( ترتعش أمامها الكاميرا )) كما صرح بذلك المخرج منتشياً باكتشافه . مضيفاً : (( أنها مدهشة واكتشاف جميل ، صحيح أننا اشتغلنا كثيراً أياماً وأسابيع طيلة ثلاثة أشهر ، وأقمنا في نفس البيت حتى اكتشفت هذا الكنز )) !
وفي سياق الأحداث ، قدم الفيلم أيضاً صورة كاريكاتيرية ساخرة لشيخ عربي بلباس خليجي يلقى عليه القبض بعد حصول اشتباك بين رواد أحد الملاهي الليلية
. كما قدم عام 2003 فيلم " العيون الجافة " للمخرجة نرجس النجار .. عنوان الفيلم يسوقنا الى لقطاته الاولى , حيث المكان المغلق المليءبالأحزان واللانكسارات , قرية بربرية تحيط بها الجبال , وتقطنها نساء يتاجرن بأجسادهن , لايدخل هذه القرية الا الرجال الذين يؤدون ثمن ذلك , هناك شاب رومانسي يلتقي امرأة صدفة امرأة بالطريق يذهب برفقتها الى القرية , تركت ابنتها الرضيعة وعمرها شهورا , لتعود بعد عشرين عاما بحثا عنها . يعشق الشاب احدى الفتيات ويجسد تفاصيل وجهها في " بوريتريهات " على اوراق دفتره, حالة الوجد العالية لديه تجعل بداخله حاجزا بالتصال الجسدي معها , وتنكسر روحه ضمن واقع البغاء الموجود في القرية الغريبة عن الواقع ... المبنية على اساس أدبي متخيل أوجدته المخرجة .. لإنجاز شريطها «العيون الجافة» اضطرت المخرجة نرجس نجار للرحيل الى احدى المناطق الجبلية البعيدة في الأطلس. وهناك صورت فيلمها. ويحكي موضوعه قصة علاقة مومس برجل يحبها في صمت لكنها تتمنع في الاستجابة الى حبه ومشاركته فيه.
والسبب في عدم التواصل ذاك يرجع الى المحيط العام الذي تعيش فيه، وهو عـبـارة عن قرية من النساء فقط. نساء يحترفن البغاء، من كل الأعمار يعشن في شبه «غيتو» جبلي منعزل عن القبيلة، يظللن هنا في انتظار قدوم الرجال لقضاء حاجاتهم الجنسية. النساء الشابات يرهنّ الجسد، والعجائز ينسحبن الى الأعلى بعد ان تجف فيهن الرغبة، والصبايا ينتظرن مرحلة البلوغ للعب الدور نفسه.
وفي الحقيقة الشريط يلح اكثر على المناخ العام ويوظف الجمال والنور الطبيعيين لمنح العين مشاهد خلابة تتحد والتشخيص المتأني للممثلين المحترفين والعفوية المؤثرة للممثلين الهواة. الأمر الذي يعطي فيلماً ذا فنية عالية وجاذبية ممتعة.
لكن الفيلم من جانب قصته لا يلح في المقام الأول على قصة الحب الأصلية كما انه لا يهتم بظاهرة البغاء في العمق لأنه لا يبين ولا يعالج ولا يندد «فنياً» طبعاً، بقدر ما يهمه الجبل ومظهر النساء الجبليات اللواتي يخلقن في المناخ العام للشريط سفراً غرائبياً للمشاهد.
وهذا الجانب الفني الرفيع جعل الفيلم ينال التنويه والكثير من الجوائز محلياً ودولياً. فالمدقق يرى ان السينما هنا هي مطية لتصوير الرؤية الخاصة للمخرجة نحو المرأة فقط، كما مكنها ذلك من تجريب الفن كما تعلمته.
وظفت المخرجة مجموعة من النساء تنتمي الى المنطقة التي صور فيها الفيلم. ولما خرج الفيلم الى القاعات السينمائية المغربية اثار غضب هؤلاء النسوة ومنهن ثلاث متزوجات خلق لهن الفيلم ازمة اخلاقية خطيرة. وتطور الأمر الى ان وكّلن محامياً من المنطقة للدفاع عنهن.
وتطور الأمر اكثر لما استنكر بعض النواب المنتمين لحزب ذي توجه امازيغي وطالبوا بسحب الفيلم من القاعات بدعوى تغريره بنساء بريئات وبدعوى انه مسيء ثقافياً للمنطقة.
دافعت المخرجة بادعاء ان التصوير تم بموافقة هؤلاء النساء بواسطة عقود مبرمة معهن، وهي مستعدة لزيادة الراتب التعويضي! لكن الغريب والمثير للاهتمام ان النساء المعنيات اميات ولم يكن يعرفن على ما يبدو عن موضوع الشريط اي شيء، وخلن انه عمل وثائقي.
والحق ان الفيلم عند مشاهدته يعطي الانطباع بأنه مصور في فضاء «غجري» وغرضه الحديث عن المرأة لكن من منظور المخرجة بغض النظر عن الجانب الاجتماعي للظاهرة والذي لا يبدو انه الأساسي في اهتمامها بقدر ما يكون المهم هو الجانب الغرائبي الذي يفضله الغرب في الفليم العربي بعامة (يلاحظ ان الفرقة التقنية التي صورت الفليم وكذا الفيلم السابق غربية في مجملها وجزء مهم من الدعم الذي حصلا عليه جاء من اوروبا).
وقدم المخرج حكيم بلعباس فيلمه "خيط الروح " ويدور حول قصةشابة تجد نفسها مرغمة على مرافقة أبيها – وهو يحتضر – الى مسقط رأسه مدينة أبي الجود في المغرب لتدخل في رحلة استكشافية تتعرف فيها الى اصولها من خلال مجموعة من العلاقات والشخصيات والأحداث ..
"عَوْد الريح" أو "حصان الريح" للمخرج المغربي داوود ولاد السيد الذي انْجزَ بتعاون مغربي فرنسي وسبق أن عُُُرض في ثلاث مهرجانات أوربية وحاز على ثلاث جوائز منها جائزة أحسن ممثل وجائزة الجمهور الشاب في مهرجان نانت (Nantes) بفرنسا.
. لمدة خمسة وثمانين دقيقة سافر الجمهور إلى أراضي المغرب للقاء بطلي الفيلم "الطاهر" الرجل المسن الذي يحلم بزيارة المدينة التي دُفن فيها جثمانُ زوجته قبل سنوات و"إدريس" الشابُّ الضائع الذي لا يعرف حتى عمره، ربما 28 عاما أو30 أو 32.. والذي يبحث عن أمه التي لم يعرفها أبدا.
البطلان يلتقيان أولا على متن الحافلة التي ركباها للجري وراء أحلامهما قبل أن يواصلا رحلتهما عبر عدد من مدن المغرب على متن دراجة نارية من نوع « Side-car ».
حوارُ الرجلين يتميز بلحظات من الصمت المُعبر والكلمات الحكيمة التي ينطق بها "الطاهر" للحديث عن الحياة والموت، عن الشيخوخة وما يصحبها من ضعف جسدي وشعور بالعزلة، عن اندثار المبادئ والقيم الإنسانية وانعدام أو قلة التواصل بين الناس. ويتخلل الحوار عبارات شقاوة ودعابة للشاب إدريس تليها كلمات يأس وتذمر وحرقة.
وتمكن المخرج ولاد السيد من خلال اعتماده على أصوات الطبيعة واستغنائه على الموسيقى التصويرية- لم يستعمل سوى دقيقة ونصف منها- من إبراز الرسالة التي أراد إبلاغها عبر كل لقطة من الشريط.
بطءُ حركة الكاميرا أثناء تصوير مشاهد الطبيعة أو ملامح المُمثليْن الرئيسييْن ثم لجوء المخرج إلى تقنية "الزوم"، أي اقتراب أو ابتعاد الكاميرا مما تصوره، أضافا للشريط جمالية ساحرة اجتذبت المُشاهد وأشركته في رحلة البطلين وأحلامهما.
تنوع زوايا التصوير كشف هو الآخر عن قدرات المخرج الهائلة على الإبداع ونقل صور جميلة جدا حتى إن كانت تجسد واقعا أليما. على هذا المستوى برز انسجام كاتب السيناريو والمخرج، فقد استطاعا أن يتناولا بذكاء جملة من القضايا التي تؤرق شريحة واسعة من المجتمع المغربي، من بطالة وفقر وأمية ومدن الصفيح والهجرة أو بالأحرى محاولات الهجرة..
. في فيلم "في الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" 2004 والذي حاز جوائز اولى في مهرجانات عدة، يرنو محمد العسلي ببصره خارج الإطار الذي يضع فيه كثير من السينمائيين المغاربة أنفسهم هذه الأيام، ويلقي بكل أسلحته السينمائية في معترك الأحلام الصغيرة للناس البسطاء، ويحاول أن يقص هذه الحكاية التي لاتريد الانتهاء لمدينة غول تأكل من يعتقدون أنهم قادمون للعيش فيها، والحياة بفضلها
يندرج الفيلم في ما يمكن نعته بـ"الواقعية الشعرية" لاعتبارات منها: عدم جنوحه الى خيال غرائبي... تفاديه تصوير الواقع بتقريرية فجة... مقاربته لحالات اجتماعية راهنة حتى اذا لم تقع احداثها حرفياً فلا شيء يحول دون وقوعها... ثم شغفه بكتابة سينمائية ذات نفس شعري تنأى عن الحذلقة التقنية والفنية من دون ان تزور عن مرارة الواقع.. يحكي "في الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" قصة سعيد النادل الذي لايغادر المقهى التي يشتغل فيها طيلة النهار، وحتى في اللحظة التي تلد فيها زوجته إبنهما الثاني، وقصة إسماعيل زميل سعيد في العمل والذي تقع عيناه على حذاء يصبح حلمه وشغله الشاغل، وقصة زميلهما الثالث عثمان الذي لم يعد يمتلك من دنياه إلا حصانا تركه في البادية يتعهد برعايته وإرسال الأكل له باستمرار، مع الحلم أيضا بيوم يتمكن فيه من العودة إلى البادية ورعاية حصانه في عين المكان. أحلام الثلاثة، وعلى بساطتها، لاتتحقق، حيث يتخذها العسلي ذريعة لإظهار صعوبة العيش في بلد كالمغرب، لا يسمح - من خلال الدار البيضاء كمثال له - للضعفاء - أو لمن أسماهم الفيلم بشاعرية كبيرة الملائكة - بالعيش، والذي يحيل كل الأحلام البسيطة إلى جبال من كوابيس بالنسبة للأغلبية من سكانه. في الفيلم رغبة ملحة في الحكي يكشف عنها توسل سينمائي موفق بالرسالة وقراءتها،
ودعا المخرج السينمائي المغربي حسن بن جلون المبدعين المغاربة لانتهاز فرصة الانفتاح السياسي للحديث عن سنوات القمع التي عاشها المغرب في سبعينيات القرن العشرين. و فيلمه الأخير "درب مولاي الشريف" 2004 جاء ليتحدث عن تلك الفترة والتعريف بها خاصة لدى شباب هذا الجيل الذين لم يعيشوا تلك المرحلة.
وتدور أغلب أحداث الفيلم في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء حيث مركز اعتقال "درب مولاي الشريف" الذي كانت تمارس فيه شتى أنواع التعذيب على معتقلي تلك الفترة الذين كانوا ينتمون إلى الحركة الماركسية اللينينة من خلال منظمتي "إلى الأمام" و"23 مارس".
وتربط البطل كمال الذي يعمل في المطار قصة حب طويلة بزميلته المضيفة نجاة ممتدة منذ الطفولة حين كانا جارين. وبينما هو منغمس في علاقة حبه الجميلة التي أوشكت أن تتوج بالزواج بعد أن ابتعد عن السياسة ومنظمة "إلى الأمام"، فإنه يعتقل ويبقى لشهور في درب مولاي الشريف ويلتقي برفاقه السابقين فيتعاطف معهم ويعود إلى الدفاع عن مبادئه من جديد.
ويقدم كمال ورفاقه إلى محاكمة أراد المخرج أن يبين أنها لم تكن عادلة، ويحكم عليه بالسجن 22 عاما، ويقضي عدد من رفاقه نحبهم في السجن كما أصيب البعض بالجنون. وينصح كمال نجاة بالابتعاد عنه لأن مدته في السجن قد تطول لتغادر السجن يائسة محبطة.
وبين بن جلون أنه استحضر قصة الفيلم من قراءته لقصة "الغرفة السوداء" الواقعية لجواد مديدش المعتقل السابق الذي يروي تجربته في المعتقل، وكذلك من مقابلاته مع عدد من المعتقلين السابقين والقائمين على السجون أيضا، كما استحضر ذاكرته في تلك الفترة وما كان يسمعه من أخبار من أصدقائه وأقاربه.
ويصور مخرج الفيلم أم الكاتب جواد مديدش وهي تحكي معاناتها في فترة اعتقال ابنها. وقال بن جلون إنه يهدي "الفيلم لكل الأمهات لأنهن من تكبدن المعاناة أكثر من المعتقلين أنفسهم. لأنهم ربما كانوا مقتنعين بنضالهم أما الأمهات المسكينات فكن أكبر ضحية وأكثر معاناة".
وحاول بن جلون في هذا الفيلم تقريب المشاهد من جو السبعينيات في المغرب. وقد انعكس ذلك من خلال استخدام الإضاءة الخافتة والملابس وتصفيفات الشعر والديكور والسيارات القديمة.
« وقدم الجيلالي فرحاتي حكيا سينمائيا رائقا، اختار له من الأسماء "ذاكرة معتقلة"، وانتقى له من الأزمنة كل تواريخ المغرب الملتبسة، ومن الأمكنة هذا الفضاء الجغرافي الممتد من تغرامت القرية الساكنة في حضن العمق المنسي، إلى بقية الأمكنة المغربية التي تتشابه في هذا الفيلم حد الإزعاج الحقيقي. عودة إلى جديد فرحاتي في الأسطر التي تلي... في المكان شعر أولا، ورسائل يتبادلها المحبان عبر القضبان وعبر السنوات. رسائل تنتقي في البدء أن تطل من محطة قطار نائية في أصيلة. يقرؤها صبية صغار. تنثرها الريح في كل مكان. تزيل من الكلمة معناها الأول، وتمنحها وهم البقاء. تعود الكاميرا سريعا في رحلتها داخل الذاكرة هاته إلى لعبة استرجاع واستباق لاتنتهي، تؤسس لفيلم الجيلالي فرحاتي الجديد المسمى "ذاكرة معتقلة". المختار عليوني (الجيلالي فرحاتي) رجل من الزمن الآخر. من زمن النضال. يدخل السجن وبعد يومين يتساقط كل رفاقه في قبضة قوات القمع. هل باع المختار رفاقه للآلة القمعية؟ لاأحد طرح السؤال. ظل إشاعة بقيت ملاذا للعديدين الذين وجدوا فيها الفرصة لإبعاد عليوني مع رفاقه وتأسيس قصة أخرى غير الحقيقية. في السجن يلتقي المختار عليوني بمختار عليوني آخر. سارق ومختلس. ولكي يتأسس للالتباس كل غموضه، يخرج السارق بموجب عفو عام على المعتقلين السياسيين وهو ينتحل شخصية المختار المناضل، فيما يبقى هذا الأخير فريسة سجنه، وفريسة ذكراه الماضية نحو زوال، وفريسة حبه للزهور ، وسقياها وتعهدها، لكأنها كل مابقي له بالإضافة إلى علبة رسائل وذكريات لاتريد مفارقته حتى الانتهاء. يلتقي المختار في السجن بالزبير (محمد مروازي) الشاب المنحرف الذي دخل السجن بتهمة سرقة السيارات، مثلما يبدو ذلك ظاهريا، وإن كان العمق يقول إنه دخل السجن للالتقاء بذاكرة أبيه الذي كان هو الآخر معتقلا سياسيا رافق المختار عليوني والآخرين في تجربته كلها، وكان أحد ضحايا هذا "التبياع" المزعوم. عمر الأحمادي. الإسم سيرن طويلا في الفيلم، إلى درجة التذكير المستمر به، هو أب الزبير، وهو الذي سيربط رحلة الإثنين بعد الخروج من السجن، خاصة وأن المختار فقد ماتبقى له من ذاكرة الزمن البعيد، واختار الانزواء في ظل الاحتفاظ بتلك الهالة الغريبة، وببضع كلمات وبالصمت أو الفرار حين الاستفحال، فيما اختار الزبير عبر مرافقة الرجل أن يقترب من ظل أبيه، هذا الذي اختطف منه ذات عيد، وحرم منه إلى الأبد. يعتقد الزبير طيلة الفيلم أنه باستعادة الأماكن ووقعها القاسي على المختار سيصل إلى نتيجة، وسيكتشف حقيقة ماوقع لأبيه ورفاقه على يد المختار، فيما تختار زهرة (فاطمة لوكيلي) طيلة الفيلم أن تلعب دور تلك النسمة العائدة من بعيد البعيد، لكي تستعيد ألق العلاقة التي كانت. لكي تتذكر رفيقا لها كانت تحيا معه كل شيء. وفي بحث زهرة عن هذا الماضي المنفلت من كل علاقاته، تعثر على أشياء كثيرة. تلاقي من خانوا حقا، واستكانوا. تلاقي الممسكين بإرث النضال، وتلاقي بضع عائلات تغيرت حياتها كلها بسبب ماوقع، وتلاقي الأمكنة التي لم يتغير منها إلا الشيء القليل، أو التي استطاعات رغم التغيير الظاهري أن تحافظ على روح الماضي، وعلى بعض بقاياه. مايميز فيلم فرحاتي الجديد شيء واحد أساس : الابتعاد عن الادعاء. هذا الفيلم ليس فيلما عن سنوات الرصاص، وليس فيلما سياسيا، وليس فيلما من أفلام الموجة السائدة اليوم بمباشرتها، وباعتدائها أحيانا على تلك اللحظات التاريخية. هذا الفيلم قصة إنسانية بسيطة عن رجل بماض، يبحث عن التقاط تفصيل العودة إليه من جديد. ليعيش حكايته هو التي ظل يعتقد بعد طول حرمان من الحرية أنها حكاية يريد أن يفرضها عليه الآخرون. في حركة الكاميرا. في استعادة اللحظات القاسية للاعتقال. ليس هناك إظهار كامل. هناك إشارات أقسى بكثير من تصوير مشهد طويل وممل لممثل يلعب دور جلاد وهو يعذب ممثلا آخر يلعب دوالضحية، دون أن يقتنع الممثلان، ودون أن يقنعا مشاهدهما. فرحاتي اختار في فيلمه أن يعتمد اعتمادا كليا على ظلمة دالة ووقع أصوات ذات دوي فاضح، لكي يقول الشيء الكثير دون لجوء إلى توضيح الواضحات، وفرحاتي اختار الطريق الأصعب لحكي الحكاية كلها: حكيها عبر قصة إنسانية موغلة في العمق والانتماء. هل باع المختار رفاقه؟ والفيلم يستعيد حكايا شخوصه، ويقترب من نهاية أسطورته التي تأسست على الوهم والإشاعة وبقية النضال والكثير من الذكريات، يلجأ البطل إلى يديه، وإلي حركة من الزمن البعيد. ينفخ فتطير من ألوان الطباشير الماضي، تباشير شيء يقول إنه كان هنا ذات يوم، يدرس للصغار مادة الرياضيات قبل أن يدخل الآخرون القسم، ويتركوا وراءهم آثار دماء ظلت تنزف من الأنف، منذ ذلك الزمن وإلى اليوم. تلك القطرات من الدماء تحولت إلى قطرات دمع في نهاية الفيلم والمختار يتذكر - وهو يرى من خلف ستار غسيل وجه الزهرة كما هو جميلا ورائقا تماما مثلما كان في الزمن البعيد - أسماء كل رفاقه، ويسائل أباه هو الآخر «لماذا ياأبي؟لماذا؟». تعود الكاميرا في لعبتها اللعينة المتكررة إلى الماضي، ويبدو وجه أب المختار عليوني وهو يستعطف رجل أمن لكي يطلق سراح إبنه، فيطلب منه الشرطي أن يعترف له بأسماء كل من كانوا أصدقاء للمختار، وينهار الأب، ويبدأ في الاعتراف... يحمل المختار ذنب أبيه، ويحمل الزبير بقية ذكرى والده صورة لاتفارقه أينما ذهب، وتحمل الزهرة متاعها من جديد، وتبدأ رفقة الصغار رحلة تعليمية جديدية، تكاد تشبه تلك التي توقفت قبل أن يقع ماوقع. تحلم بأن ترى في أعين هؤلاء الوافدين الجدد، شيئا آخر غير الخيية الكبرى التي احتلت أعين سالفيهم. شيئا آخر غير كل هذه الانتكاسات. تهرب الزهرة إلى المستقبل القادم. ويهرب الزبير معها إلى هذه القصة الجديدة، وإلى حضن والد جديد، ويهرب المختار عبر دموعه من حكاية لم تكن له إلى حكايته هو، بأسطر كتب هو بعضها، وبأسطر أخرى كتب له أن يحياها دون أن يمسها مداده، وببقية حكي يضيع في زحمة القادم المجهول، أسسه فيلم جميل ومقبول إلى حد بعيد، كتب الجيلالي فرحاتي وآخرون كل أسطر إبداعيته الجميلة والمتألقة.
الفيلم المغربي الثالث المنتج عام 2004 عن القمع السياسي «جوهرة» اخراج سعد شرايي، ويروي عبر فلاش باك، على لسان فتاة مغربية ما حدث لوالديها الممثلين في فرقة مسرحية كانت تقدم أعمالا تقدمية، ويصور الفيلم مشاهد من المسرحيات ومظاهرة للممثلين يحملون حذاء ضخما كان يستخدم في المسرحية- فوق رؤوسهم ليبدوا تحته مسحوقين
فصل من كتاب "السينما في المغرب العربي"





#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما في المغرب -6
- السينما في المغرب - 5
- السينما في المغرب - 4
- 3 - السينما في المغرب
- 2 - السينما في المغرب
- السينما في المغرب:البدايات
- أندلس الحنين
- السينما في الجزائر - 8
- السينما في الجزائر - 7
- السينما في الجزائر - 6
- السينما في الجزائر - 5
- السينما في الجزائر- 4
- السينما في الجزائر- 3
- السينما في الجزائر- 2
- السينما في الجزائر - البدايات
- صورة سينمائية اجنبية مختلفة وعادلة للصراع مع الهمجية الاسرائ ...
- السينما التسجيلية-...بحث في الواقع والحقيقة. والتزام بقضايا ...
- ذاكرة الرماد
- ملهم السينما الألمانية - فاسبندر
- دزيغا فيرتوف


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في المغرب -7