أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في الجزائر - 8















المزيد.....


السينما في الجزائر - 8


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


"المنارة" فيلم لبلقاسم حجاج انتج 2004هو عمل متميّز
يروي المأساة التي أدخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي بأسلوب يجمع بين الطرح الجارح والقاسي للأحداث والنظرة الإنسانية للتطورات والغليان الذي أقحم فيه
أفراد المجتمع مما جعل بعضهم يتحول الى دمى آلية تسيّرها عن بعد قوى مجهولة. ولقد مكّنت مهنية وخبرة المخرج حجاج المعروف بأعمال مميّزة نابعة من صلب مجتمعه وملتصقة بتقاليده وعاداته العريقة مثل "السبيبة" و"ماشاهو" والتميّز الأسلوبي لكاتب السيناريو الطاهر بوكلة من تقديم فيلم يعالج قضية جزائرية حساسة وبأسلوب جريء كما نجح في معالجته للموضوع الذي يغطي فترة تبدأ قبيل أحداث أكتوبر 1988 وتغطي كل الفترة التي استفحل فيها الإرهاب مع التوقف عند أهم المحطات السياسية الهامة عبر طرح موضوعي بعيد عن الأحكام المسبقة والمتطرفة. وهذا الطرح أضفى على الأحداث الدامية والدرامية التي يرويها الفيلم بعداً إنسانياً.. على الرغم من قساوة بعض المشاهد جعل فيلم المنارة ينفرد عن باقي الأعمال التي تناولت هذا الموضوع على قلّتها التي تحمل إما نوعاً من المجاملة للطرف المنتج وإما نظرة ذاتية متحيّزة كما أن مواضيعها كانت تتوقف عند حد التنديد والاستنكار والصدمة... بينما المنارة فيلم يقدم شهادة عن تلك التراجيديا من خلال مرجعية سينمائية. وتدور وقائع الفيلم حول قصة شباب كانت حياتهم قبل حدوث الزلزال الذي هزّ كيان مجتمع بأكمله وفكك وحدة نواته الأولى الممثلة في الأسرة تؤهلهم للإنجازات الجيدة وخدمة بلدهم كل في تخصصه ممثلون في الشخصيات المحورية الثلاث للفيلم "أسماء ورمضان وفوزي" ثلاثة أصدقاء قدموا من مدينة شرشال الى العاصمة للدراسة في الجامعة تجمعهم عشرة الجيرة وصداقة الطفولة وأيضاً زمالة الجامعة في العاصمة وتنسج أطراف هذا الفيلم حول علاقة صداقة وحب ونضال يومي لشباب كان يؤمن بالجزائر. بداية الفيلم كانت تعد بقصة جميلة تزدهر فيها مشاعر الصداقة والحب والمنافسة بين شابين للفوز بلقب أسماء التي كان قلبها يتأرجح بين الإثنين لكن عاصفة أكتوبر 1988 تخلط كل الأوراق وتدفع بشباب كان بالأمس يلهو غير مبال الى الشارع في هستيريا لتحطيم كل ما يرمز للدولة. تتعاقب على الشاشة صور مروعة تظهر أعمال الشغب والتخريب تارة وصور أكثر رعباً وبشاعة عن شباب محطم يدلي بشهادات مؤثرة عن الوضع. عند هذه النقطة تتداخل الأحداث حيث تتقهقر الصورة الجميلة لمتعة الحياة اليومية لتسيطر على الشاشة صورة تفوق قساوتها مشاهد أفلام الرعب.
ووسط كل هذه الأحداث تتبخّر الصداقة وتتكسّر المبادئ والمواقف ويتحوّل الصديقان رمضان وفوزي الى أعداء وتبقى أسماء بينهما حائرة تحاول الحفاظ على التوازن. لكن في زخم هذه التناقضات تنهزم الصداقة وينتقل رمضان الشاب الوسيم الذي اختار ممارسة مهنة الطب التي تهب الحياة الى الضفة الأخرى التي تزرع الموت والدمار ويتحول فوزي الصحافي الشاب الذي كان يسعى في كتاباته الى إظهار الحقيقة الى شخص آخر قاس في أحكامه ومواقفه. وفي لحظة عصيبة يجد نفسه يمارس التعذيب. هذا التناقض والصراع النفسي تجسده بقوة شخصية رمضان المركبة. ففي هذا الدور صب السيناريست جحيم الغليان الذي يعيشه المجتمع وضياع الشباب وسط دوامة من الأحداث التي تعصف به لتقذفه على إحدى الضفتين. وعقد هذه الشخصية جعلتها تحمل أكثر من دور. فهي ترمز في الوقت نفسه الى رمضان وفوزي وهذا ما جعل أسماء تصرح لصديقتها في إحدى المرات قائلة إنها لا تحب رمضان ولا فوزي إنما تحب "رمزي" والإسم مكوّن من جمع حروف من الإسمين. فهذا الفيلم يعطي فرصة لأكثر من قراءة ويحمل أكثر من رمز لكن يبقى الرمز الأكثر دلالة وبروزاً هو عنوانه "المنارة" عندها تنطلق أحداثه باحتفالات سكان شرشال بالمولد النبوي وعندها تنتهي بعد عودة أسماء وبنتها "بشرة" ذات الـ10 سنوات وتقول لها "لتظل المنارة تضيء طريقنا". ومن خلال هذه المنارة التي ترمز أيضاً الى الثقافة الشعبية والتقاليد العريقة لهذا الشعب يخلص الفيلم الى أن هذه المنارة التي كان البحارة يهتدون بضوئها الى سبيلهم يمكنها أن تجعل الشباب اليوم يهتدون بضوئها الى سبيل العيش في سلم وتقارب مهما اختلفت آراؤهم. ونجح الفيلم بتقديمه قصة متماسكة وحواراً جيداً. كما كان للأداء دور هام في نجاح الفيلم. ويؤدي الأدوار الرئيسية في هذا الفيلم عدد من الوجوه الشابة الجديدة من بينهم سمية مزيان التي قامت بدور أسماء وطارق حاج عبد اللطيف في دور رمضان وخالد بن عيسى في دور خالد الى جانب صوفيا نواصر التي أدت دور بشرى. وساهم التلفزيون الجزائري في إنتاج هذا الفيلم الى جانب مؤسسة ماشاهو للإنتاج.
بينما المنارة فيلم يقدم شهادة عن تلك التراجيديا من خلال مرجعية سينمائية، فيلم « المتمرد» الذي يحكي قصة حياة الشاعر الجزائري الكبير سي محند أو محند، أخرجه كل من اليزيد خوجة ورشيد بن علال، غطى مرحلة من تاريخ الجزائر تحت الاحتلال في القرن التاسع عشر من خلال قصة أسرة الشاعر وعشيرته في منطقة القبائل ثم في بعض المدن الجزائرية التي عاش فيها
كتب سيناريو وحوار "المتمرد" اليزيد خوجة الذي حاول احترام مسار الشاعر حسب الروايات المتداولة عنه قدر الإمكان وذلك وحده كاف لبعث قصة مشوقة.. واشترك في تمويل الفيلم مجموعة من المؤسسات الوطنية والأجنبية وبمساهمة من وزارة الثقافة.
تبدأ قصة الفيلم من الحياة اليومية للشاعر الذي أدى دوره عندما كان شاباً الممثل فضيل حملة ـ في قريته ايشرايوان بمرتفعات ناث ايراثن وتتبعه لخطوات حبيبته يمينة الى نبع الماء ومغازلته لها بأبيات شعرية رقيقة وسط طبيعة خلابة. ثم حديث بعض الشباب معه عن دعمهم لثورة المقراني وما تبع ذلك من انتقام السلطة الفرنسية من القرية بعد قمع الإنتفاضة بقتل أبيه وحرق القرية ومصادرة الأملاك وموت حبيبته يمينة التي نعاها بقصيدة حزينة.
ويسافر ما تبقى من عائلته الى تونس بينما يبدأ الشاعر حياة التشرد مسكوناً بالموت والمنفى، فتتبع الكاميرا رحلة اقدامه من مكان لآخر وتراءت له مرة عندما انحنى ليشرب في نبع ماء "جنية الشعر" في شكل عروس حسناء لتقول له ـ حسب الأسطورة ـ "أنا أنظم الأبيات وأنت تقولها". فكان لا يرد على متحدث معه إلا شعراً.
ولم يستقر به المقام في مكان فلم يمكث في تونس التي لحق بأهله فيها إلا وقتاً قليلاً إذ هجا أخاه في قصيدة قاسية علقها على باب مسجد سبب سوء تفاهم حول الميراث وحول طريقته في الحياة. وعاد الى عنابة التي تنقل فيها بين عدة مهن ككاتب عمومي للرسائل وعامل في محجر وفي مطاعم أوروبية.
وركز السيناريو على إظهار الأحداث الكبرى في حياة الشاعر كتردده على الزاوية الرحمانية التي تعلم بها أو تلك التي لها علاقة بقصائد شعرية شهيرة كقصيدة الفنجان الذي قدمته له حماته "جميلة أمزال" بيد إبنتها العروس الشابة "زوينة أمزال" التي نبهته بإشارة من رأسها أن لا يشرب ففهم الاعيب الحماة الساحرة التي كانت ترمي الى تقييد تحركاته الكثيرة وجعله يستقر مع ابنتها في القرية. لكنه خرج الى الأبد من بيت الزوجية وهو يهجو فنجان الحماة اللعين والعادات البالية. وتمر السنين وخطوات الشاعر الجوال لا تهدأ في مكان "وقام بتجسيد شخصية محند كهلاً الممثل دحمان أدروس" الى أن قادته من جديد الى منطقة القبائل حيث قابل الشيخ الحكيم سي محند أو لحسين ووفاته في مستشفى للراهبات بميشلي متأثراً بغانغارينا أصابت قدمه من جرح في أحد المحاجر التي عمل بها في حياته السابقة.
وقد حاول كل من المخرج ومصممة الملابس احترام الأزياء والحلى التي ميزت تلك الحقبة من التاريخ. كما روعي في الفيلم اختيار الديكور الذي يميز كل منطقة عن الأخرى في الجزائر كما في تونس وكذا علاقة ذلك الديكور بالفترة الزمنية التي عاش فيها الشاعر.
والمعروف تاريخياً أن الشاعر سي محند أو محند الذي ولد بين سنوات 1840 و1845 وتوفي في 28 كانون الثاني 1905 بمدينة ميشلي ودفن في اسكيف نتمانة وهو مكان مقدس بالقرب من عين الحمام نال احتراماً مميزاً في الثقافة الجزائرية. وذلك لما تركه من شعر كأنه الحكم تتوارثه الأجيال شفهياً وتلقنه العجائز للصغار. ويقال أن الشاعر الذي لم يكن يكتب شعره بل كان يقول لمستمعيه "فليكتبه من يسمعه" قال شعراً كثيراً بالعربية لكن اندثر معظمه لعدم تدوينه.
قد عاش حياة قلقة وعايش أحداثاً مأسوية بسبب قمع الاستعمار لعدد من الثورات شهدتها منطقته منها ثورة فاطمة انسومر وبويظة ما بين 1853 و1857 وثورة المقراني 1871 وانزال العقاب الجماعي بالسكان الذين آزروا تلك الثورات.
." تحيا الجزائر"2004 للمخرج (نادر مكناش)، يبدأ بابتسامة وينتهي بها لبطلته الجميلة (لبنى غربال)، بينهما دموع وخيبات تتوالى، وصور أرادها المخرج أن تكون واقعية للجزائر اليوم، وعلى الرغم من أجواء اللهو والسهر، ومحاولة العيش من جديد، والبحث عن خلاص من آثار خلفتها سنوات العنف، فقد بدت الصورة قاتمة، بل شديدة القتامة، شباب يعاني البطالة والفراغ، وشابات يعشن تناقضاً مظهرياً وسلوكياً، يعكس ،لا ريب، وضعاً اجتماعياً مقلقاً، لم يستقر بعد على حال، وبحث عن هوية لم تتحدد بعد، ورعب من المجازر لم يمح بعد من النفوس، على الرغم من هدوء الأوضاع .. ما نراه في فيلم «تحيا الجزائر»، هو بلد يحاول الدخول من جديد إلى جنان العيش بعد أن وقف على أبواب الجحيم سنوات عدة.
يفتح الفيلم الوثائقي الطويل (71 دقيقةً)،قصبة الجزائر: «البهجة»2004 للمخرج الجزائري المقيم في فرنسا (نصر الدين بن عالية).‏ نافذةً عريضة ومتنوّعة على هذا الحي العريق المصنف ضمن التراث العالمي، وذلك من خلال أعين عشاقه ومحبيه والعارفين بقيمته المعمارية والحضارية.‏
ويعرض الكثير من المواقع والأزقة والثكنات، التي ترمز إلى الطابع المعماري المتميّز للقصبة، كما يتطرق إلى التاريخ العريق للقصبة، وكل المراحل التاريخية التي عرفتها، وكذا وضعيتها إبّان الاحتلال ومقاومة سكانها، وذلك من خلال شهادات مختصين بالتراث والتاريخ، وأعضاء جمعيات ومؤسسات حماية القصبة وأصدقائها، وأيضاً شهادات بعض سكانها الأصلاء الذين ما زالوا يقيمون فيها.‏
ويُسلّط المخرج الأضواء على الوضعية المأساوية التي آل إليها هذا المعْلَم، وكل الأخطار التي تحدق به، وذلك من خلال تقديم صور عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمساكن، التي انهار الكثير منها جراء الإهمال، وسوء التسيير، وانعكاسات العوامل المناخية والزمنية.‏
وتم عام 2004 عرض فيلم "شاي آنيا" للمخرج سعيد ولد خليفة إضافة إلى الفيلم القصير "سر فطيمة" لكريم بن صالح اللذان يعتبران مقاربتان واقعيتان لعشرية الإرهاب السوداء التي عاشتها الجزائر.
ويمثل فيلم "شاي آنيا" نظرة لمدة ساعة ونصف تحكي عن مجموعة من الأحداث التي تحيط بشخصية مهدي (ميلود خطيب)الذي يمثل دور كاتب يقطن بالجزائر العاصمة حيث يذكر سلوكه الكئيب و بشكل مستمر أنه خلال"العشرية السوداء لا أحد كان في مأمن من العنف الإرهابي".
كما أن مهدى كان موظفا في إحدى مصالح بلدية تابعة للعاصمة مكلف بالوفيات فقد كان العدد الهائل من ضحايا الإرهاب يؤرقه ويعذب ضميره مما يجعله ينزوي في فضاء غرفته التي كان يكتب فيها وقائعه على صفحات أوراق يعلقها كالغسيل كما نرى مقاطع من جمل وأسئلة مكتوبة على جدران غرفته التي تشبه السجن التي يتلقى فيها بانتظام صينية من الشاي من عند جارته آنية التي قامت بدورها (اريان اسكاريد) إبنة أحد الأقدام السوداء وهي معلمة فضلت البقاء بالجزائر كما قالت لأنها "موطن ولادتها" وان "عائلتها قامت باختيار: استقلال الجزائر".
وفي خضم كآبته العميقة، يتساءل مهدي "كيف لي بالعودة من بعيد والخروج من هذه الحالة" حيث يتمكن من حين لآخر ولو بصعوبة من كسر وحدته المرضية بالتقائه لأصدقائه سيما "زباتا".
وقد قام زباتا الذي كان أحد الأهداف الرئيسية للعنف الأصولي بزيارة كل مقابر الجزائر و يقوم في كل مرة بجلب أكياس صغيرة يعلقها على جدران غرفته بها أتربة قبور ضحايا الإرهاب من صحفيين و عسكريين وأئمة و قساوسة وأساتذة و موظفين والتي تعتبر عينة كبيرة من مكونات الشعب الجزائري الذي أبيح دمه "لكونه عرف كيف يبقى صادقا ومتوازنا مع نفسه نقي ثقافيا في مواجهة التسرب العنيف لقيم غريبة عن ثراتنا الثقافي".
وإشكالية الفيلم هي "كيف العيش مع الخوف إذا كان كل شيء متفاقم و صعب و إذا كان الخوف هو سيد الموقف وكذلك الحياة" حيث يضع الحب .. حب آنيا كخيار يلجأ إليه عوض الذهاب في طريق المنفى الذي اختاره الصديق الآخر لمهدي لما غرق في بحر اليأس.
هل توجد هناك حياة مع الخوف والإجابة هي بالتأكيد نعم... فقد استطاع الملايين من الجزائريين خلال عشرية كاملة من العيش مع هذا الإحساس المرعب المتأرجح بين اليأس و الحب خاصة لما يكون كالحب العنيد الذي تكنه آنية لمهدي أو الحب الذي ينشأ بين الشابين كريمو وسلوى في ظلال الشرفات العاصمية و كأن هناك انعدام للجادبية.
. أما الفيلم القصير "سر فطيمة" لكريم بن صالح فكانت أحداثه تدور بالعاصمة سنة 1998 حيث كانت فطيمة (تسعديت ماندي) تعيش في حي ممزق بين العنف والرعب المتعلق بالأعمال الإرهابية حيث كانت معزولة ووحيدة رافضة الاندماج في حياة الحي مفضلة الحفاظ بسر الحدث الذي مزق عائلتها.
فقد كان لها ابنان تم استقطاب أحدهما إلى التيار الإرهابي، أما الأصغر الجامعي فيؤدي الخدمة العسكرية حيث قام الأخ الأكبر الإرهابي بقتل أخيه برصاصة في الظهر في الوقت الذي كان يعانق و يقبل أمه خلال تقضية إجازته.
وفي ذروة المأساة، تمكنت فطيمة من كظم ألمها مقترحة على إبنها المجرم إخفاءه حتى يتمكن من الإفلات من الشرطة فاستدرجته إلى الحمام ونزعت منه سلاحه و وجهته إلى فلذة كبدها لترديه قتيلا في لحظته بدون أي شكل من أشكال المحاكمات.
و تقوم فطيمة ببوح سرها لجارتها حتى تواسيها وتخفف عنها لواعج آلامها بعد أن فقدت إبنها الإرهابي ..أن هذا الفيلم القصير أراد الإشادة بكل النساء الجزائريات اللائي عايشن كل واحدة على طريقتها مواجهة الجزائر لمأساة الإرهاب.
وفي فيلمه "حق الأرض " استعرض المخرج الجزائري ديدن زيجاوي بصدق شديد علي مدي اثنتين وخمسين دقيقة كل الظروف والملابسات التي يعيشها أبناء وطنه من خلال ثلاثة أجيال.. وفي لحظة مكاشفة وصراحة اعترفوا لهم جميعا باختلاف أعمارهم وفئاتهم بأن قضية الموت تشغلهم، وأين سيدفنون.. الكثيرون منهم وبنسبة تزيد عن ال95 % أعربوا عن أملهم أن يدفنوا بالجزائر أرض الأجداد.. فكفاهم ما عانوه من تجربة في حياتهم.. يحلمون بأن يرقدوا بهدوء وسلام.. وإذ قال الله تعالي في كتابه العزيز وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت‎ فإن هؤلاء المهاجرين يحلمون بأن يعودوا إلي الوطن، ويدفنوا في ترابه، لأنها أمنية حقيقية تمنوها ولم يستطيعوا أبدا تحقيقها في الحياة..
وحتي يجيء الموت لا نملك إلا أن نعيش الحياة بحلوها.. ومرها.. بأفراحها.. وأحزانها وخيرما يثير الشجن والفرح في آن واحد هي الأغاني والموسيقي.. لذلك كان الاستماع لأغاني البلاد نوعا من الحماية للنفس.. والاحتماء من مجتمع شديد القسوة ماهم فيه سوي غرباء..
ولهذا نجحت الفتاة الشابة الموهوبة ذات الصوت الجميل والقوي سعاد ماسي في الاستئثار بعقول وقلوب الجماهير عندما قدمت سهرة خاصة مصاحبة لأربعة أفلام عن نساء من البحر الأبيض المتوسط غنت سعاد أغاني قديمة من التراث فأطربت الجميع..
وسعاد رغم سنوات عمرها التي لا تزيد علي الأربعة وعشرين، إلا أنها استطاعت أن تفرض نفسها وبقوة علي ساحة الطرب.. فمنذ كانت في السابعة عشرة كانت تغني للأسرة والأصدقاء.. ولأنه كان من الصعب عليها احتراف الغناء في الجزائر كان عليها أن تدرس الهندسة. ثم جاءتها الفرصة للذهاب إلي فرنسا وعمل اسطوانة حققت بالفعل نجاحا كبيرا.. لتقدم بعد ذلك مزجا جديدا بين القديم والحديث من خلال أغاني التراث وموسيقي وأغاني الروك والفلامنجو. واليوم تعد سعاد واحدة من ضمن نساء عربيات قليلات استطعن أن يحققن الشهرة في مجال الفن في دول المهجر. ولتكون سعاد هي أحد جسور التواصل الثقافي بين المهاجرين العرب وتراثهم، ولغتهم الجميلة..
وفيلمه الاخير " دوّار النساء " تمثيل صوفيا نواسير، خالد بن عيسى، باهية رشيدي، عايدة خوشود، نويل زعتر، أمينة شويخ ., مونتاج يامينا بشير شويخ , تصوير آليل يحياوي , موسيقى خالد بركات
وقدم محمد شويخ عام 2005 فيلمه " دوّار النساء" الذي صُوّر في الجزائر خلال وقت عصيب كان يمر به البلد. ويحكي قصة نساء عاديات إنبرين للدفاع عن أنفسهنَّ في ظروف غير إعتيادية. ويركز الفيلم على قرية صغيرة معزولة غالباً ما يهاجمها الإرهابيون الذين ينحدرون من الجبال المحيطة بها. بعدما غاب الرجال في المدينة بحثا عن لقمة الخبز، تاركين سلاحهم في أيدي النساء.
تتعلم النساء إستعمال الأسلحة الأوتوماتيكية، وتشكيل دوريات إستطلاع " الخوف دججنا بالأسلحة " تقول الفتاة الشابة صابرينا، ولكن على رغم من الخوف فإن النساء يتزوجن، وينجبن الأطفال، ويحرسن المدينة. ويدحضن فكرة تفوق الرجل ودوره التقليدي في الحماية. يحتفي فيلم " دوّار النساء " بثبات المرأة وهدوئها وجَلَدها. ولا يكتفي بعرض قوتهن وثقتهن بأنفسهن، ولكنه ينطوي على فكاهة وشاعرية خارج إطار أدوارهن التقليدية التي يكشفها الفيلم.
وينتهي الفيلم بمفارقة قاسية حين تتحول النساء إلى جيش الدفاع الوحيد القادر على حماية أرتال الرجال في أثناء عودتهم إلى القرية بعد أن تحدث معركة دامية بين "الإرهابين" وسكان القرية.
فيلم ً « سكان أصليون».2006 , للمخرج الفرنسي من اصل جزائري رشيد بوشارب . فكرته الأساسية تتمحور حول الأجانب ولاسيما المغاربيين (بلغ عددهم نيف ومئة الف جندي من بينهم نحو 20 الفاً من سود افريقيا)، اللدين إستقدمهم فرنسا من مستعمراتها للمساهمة في تحريرها من الإحتلال النازي . وإدا كانت أغلب الأفلام المنتجة حول مرحلة المقاومة الفرنسية الإحتلال النازي ، قد ركزت الى حد بعيد حول دور القوات الإمريكية التي كانت السباقة الى دخول باريس سنة 1944 بعد تحريرها ، فإن فيلم رشيد بوشارب حول ان يعكس الآية ويبرز دور المغاربيين والسينغاليين في عملية تحرير فرنسا من النازية ..
وشكل الفيلم مفاجأة فنية ومفاجأة سياسية ايضاً.. فشريط بوشارب يكسر صمتاُ طال أمده حول هؤلاء الجنود المنسيون. الفيلم يعيد كتابة التاريخ من جديد بالسينما، وينتشل ذاكرة هؤلاء الجنود من الإهمال والضياع والنسيان. و يقول لفرنسا بعض الحقائق التي تميل الى نسيانها. وتشير بالأصابع الى جدود هؤلاء الشبان الذين ينتفضون اليوم في شوارع فرنسا مطالبين بحقوقهم، متحدثين عن خديعة كبرى تعرضوا لها.
. بوشارب: حقق فيلماً مميزاً فنياً، عالي التقنية عنيف، ساخر وصادق. وصل فيه أداء ممثليه الى ذروة لا يمكن ان يكون وراءها إلا مخرج كبير متمكن..
يبدأ الفيلم في الجزائر حيث يستنهض أحدهم الشباب لمؤازرة فرنسا "الارض الام "في حربها. فتتشكل كتيبة تضم جزائريين ومغاربة: "عبد القادر" (سامي يوعجيلة) قائد الكتيبة، "مسعود" (رشدي زم)، "ياسر" (سامي ناصري) و"سعيد" (جميل ديبوز). انها تجربتهم الاولى في الحرب ولعلها المرة الاولى التي يغادرون فيها أرضهم. في المعسكر، تتصاعد حدة الصراع بين الملازم الفرنسي وبين "عبد القادر" حيث يقف الاخير في وجه التفرقة العنصرية ويطالب بمعاملتهم بالمثل "لأن الرصاصة الالمانية لا تفرق عندما تقتل". يتوقف الفيلم عند تفاصيل كفكرة التفاني في خدمة الجيش الفرنسي والولاء لها من دون ان نفهم بالفعل من اين ينبع ذلك. ولكن مع مرور الوقت تتحول الحرب معركة خاصة لكل من الاربعة. بالنسبة الى "عبر القادر"، الحرب هي طريقه ليصبح ملازماً وفي وقت لاحق ـ عندما يدرك في قرارة نفسه ان الترقية للفرنسيين فقط ـ تتحول الحرب الوسيلة الوحيدة للاعتراف به. يحارب "مسعود" من أجل حبيبته الفرنسية ويستبسل "ياسر" يعيد استشهاد شقيقه كي يعطي لموته معنىً.. يدخل الفيلم في حكايات تلك الشخصيات راصداً تحولاتها وعلاقاتها ولكنه الجزء الاخير هو الذي يشكل الذروة الدرامية عندما تكمل الكتيبة بأربعة فقط بعد موت الاخرين للدفاع عن ألزاس تلك القرية الغريبة وعن اهلها. هنا يكتسب الفيلم الحرفة الداخلية لافلام الحروب وفكرة القتال والاستشهاد في سبيل غرباء. يستشهد الكل ماعدا "عبد القادر" بما هو بقاؤه على قيد الحياة رمزياً كشهيد وشاهد حي. واذ تصل الجيوش الفرنسية بعد انتهاء المعركة بين الكتيبة والنازيين، تمر بعبد القادر المذهول كما لو انه نكرة ويطلب اليه القائد اللحاق به لتعيين كتيبة جديدة له. وسيسمع عبد القادر مسؤول الاعلام التابع للجيش وهو يصور الفلاحين ابتسموا فقد حرركم الجيش الفرنسي . في قفزة الى العام 2005 ، يزور رجل مسن نفهم انه "عبد القادر" قبور زملائه في ألزاس. ولكن تلك ليست سوى مقدمة للمشهد الاخير حيث يدخل "عبد القادر" بيته الفرنسي المكون من غرفة حقيرة ويقفل الباب على وحدته. هكذا اذاً انتهى الامر به وحيداً يصارع من اجل معاش التقاعد. تناقض قاس بين مشهد البداية الذي وعد المتطوعين في الجيش الفرنسي بمبادىء الحرية والاخوة والمساواة وبين مشهد النهاية الموحش لعبد القادر في عزلة كأنما هي ثمن تلك الحرب التي خاضها. يحفل الفيلم بالكثير من السخرية والآلام مع موسيقى تصويرية متميزة للمغني الجزائري الشهير الشاب خالد.

ان السينما الجزائرية لم تكتف بتقديم أفلام جزائرية هامة يصنعها الجزائريون وانما ساهمت أيضا في تقديم عدة أعمال سينمائية عالمية انتجتها الجزائر وكان منها " العصفور " ليوسف شاهين و" زد " لكوستا غافراس و" معركة الجزائر " لجيلو بونتككورفو و"الشمس السوداء " و"الغريب " عن قصة البير كامو الشهيرة والذي اخرجه الايطالي الكبير لوكينو فيسكونتي و"ايليزا الحياة الحقيقية" لميشال دراك .. وغيرهم
اليوم وعلى الرغم من نجاح أفلام مثل (إنشا الله الأحد) ليمينه بن غيغي و (رشيدة) ليمينة شويخ و"اغتيال الشمس" لعبد الكريم بهلول- وخارج الجزائر أكثر من داخلها – يبدو مشروعاً التساؤل عما آلت إليه أحوال هذه السينما التي كانت – بعد السينما المصرية – أهم سينما عربية وواحدة من أهم التيارات السينمائية الإفريقية ذات يوم.
الأزمة المالية وتفكك مؤسسات الإنتاج العمومية وكذا الوضع السياسي الأمني الذي شهدته الجزائر في العشرية الأخيرة مثلت ظروفاً قاسية دفعت بشكل ما الطاقات الفنية الجزائرية من ممثلين ومخرجين إما إلى الابتعاد عن الأضواء والعمل بأقل ما يمكن من المؤسسات المتبقية قيد العمل وإما إلى المغامرة في اتجاه البحث عن آفاق جديدة للعمل بعيداً عن الديار، خاصة فرنسا التي فتحت لهم بعضاً من أبواب العمل. مما أسفر عن نشوء ظاهرة متميزة في الإنتاج السينمائي الجزائري صارت تسمى (سينما المهجر).


فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما في الجزائر - 7
- السينما في الجزائر - 6
- السينما في الجزائر - 5
- السينما في الجزائر- 4
- السينما في الجزائر- 3
- السينما في الجزائر- 2
- السينما في الجزائر - البدايات
- صورة سينمائية اجنبية مختلفة وعادلة للصراع مع الهمجية الاسرائ ...
- السينما التسجيلية-...بحث في الواقع والحقيقة. والتزام بقضايا ...
- ذاكرة الرماد
- ملهم السينما الألمانية - فاسبندر
- دزيغا فيرتوف
- إيليا كازان
- العربي والفلسطيني والإسرائيلي على شاشات التسعينيات
- حبق روحك
- غوص جريء في مناطق محظورة عبر افلام قصيرة وتسجيلية مصرية
- أحلام
- محمود مرسي آخر عمالقة السينما العربية
- السينما في تونس- 4
- السينما في تونس- 3


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في الجزائر - 8